فلسطين: حرب المبادئ
بقلم: خالد الخاجة
الكذب في زمن الحرب
“الباطل و الكذب سلاح معترف به و مفيد للغاية في الحرب، و كل دولة تستخدمه عمداً لخداع شعبها و جذب المحايدين و تضليل العدو. إن الجماهير الجاهلة و البريئة في كل بلد لا تدرك ذلك في الوقت الذي يتم تضليلها، و عندما ينتهي كل شيء هنا و هناك فقط يتم اكتشاف الأكاذيب و كشفها، بعد أن أصبحت من التاريخ الماضي و التأثير المطلوب قد تم تحقيقه من خلال القصص و البيانات المفبركة، و لم يعد أحد يتكلف عناء التحقيق في الحقائق و إثبات الحقيقة.
الكذب، كما نعلم جميعا، لا يحدث فقط في زمن الحرب. لقد قيل إن الإنسان ليس “حقيقيا” (أي لا يقول الحقيقة)، لكن عادته في الكذب ليست بأغرب من إستعداده المذهل للاعتقاد و التصديق. في الواقع، تزدهر الأكاذيب بسبب السذاجة البشرية. لكن في زمن الحرب، لا يتم التعرف على التنظيم الرسمي للكذب بشكل كاف. إن خداع الشعوب بأكملها ليس مسألة يمكن الاستخفاف بها.
و يمكن بالكذب تحقيق غرض مفيد في فترة السلام بتوجيه تحذير يمكن للناس أن يفحصوه بهدوء و نزاهة. يجب على السلطات في كل بلد أن تلجأ إلى هذه الممارسة من أجل تبرير موقفها: أولا بتصوير العدو على أنه مجرم معقد؛ و ثانيا، بتأجيج العاطفة الشعبية بما فيه الكفاية لتأمين المجندين لمواصلة النضال. فلا يمكن للسلطة أن تقول الحقيقة، و في بعض الحالات قد لا تعرف السلطة نفسها ما هي الحقيقة.
العامل النفسي في الحرب لا يقل أهمية عن العامل العسكري، فلابد من الحفاظ على معنويات المدنيين، فضلا عن الجنود، على المستوى المطلوب. فبينما تعتني مكاتب الحرب و الأميرالية و الوزارات الجوية بالجانب العسكري، يجب إنشاء أقسام للنظر في الجانب النفسي. و يجب ألا يُسمَح أبدا للناس بأن يصبحوا يائسين؛ بل يجب ألا يشعروا باليأس. لذلك يجب تضخيم الانتصارات و التهوين من الهزائم، إن ما أمكن إخفاءها. و يجب ضخ حافز السخط و الرعب و الكراهية بشكل دؤوب و مستمر في ذهن الجمهور عن طريق “الدعاية”.
كما قال السيد بونار لو في مقابلة مع الصحافة الأمريكية المتحدة United Press of America، في إشارة إلى الوطنية: “من الجيد أن يتم تحريكها بشكل صحيح بواسطة الرعب الألماني” (كان هذا في الحرب العالمية الأولى، بتخويف الغرب من الألمان! الهون قادمون!). و هناك نوع من التأكيد العام على الفظائع من خلال عبارات غامضة تتجنب المسؤولية عن صحة قصة معينة، كما هو الحال عندما قال السيد أسكويث (مجلس العموم، 27 أبريل 1915): “لن ننسى هذا السجل الرهيب من القسوة و الجريمة المحسوبة”.
إن استخدام سلاح الكذب و الباطل ضروري بشكل أكثر في بلد لا يكون فيه التجنيد العسكري الزامياً منه في البلدان التي يتم فيها تجنيد رجال الأمة تلقائيا في الجيش أو البحرية أو الخدمة الجوية. و يمكن إثارة الجمهور عاطفيا من خلال المُثُل الزائفة، فينتشر نوع من الهستيريا الجماعية و يرتفع حتى يتغلب في النهاية على الأشخاص المحايدين و الصحف ذات السمعة الطيبة (حتى الصحف تبدأ في توليد الأكاذيب و الباطل).
في وجود التحذيرات، قد يكون عامة الناس أكثر حذرا عندما تظهر سحابة الحرب التالية في الأفق و أقل استعدادا لقبول الشائعات و التفسيرات و التصريحات الصادرة لاستهلاكهم كحقيقة. لذا، ينبغي أن يدركوا أن على الحكومة التي قررت الشروع في مشروع الحرب الخطير والرهيب يجب أن تقدم منذ البداية قضية أحادية الجانب لتبرير عملها و لا يمكنها أن تعترف بأي قدر من الحق أو العقل من جانب الشعب الذي قررت أن تحاربه. و لابد من تشويه الحقائق، و إخفاء الظروف ذات الصلة، و تقديم صورة من شأنها أن تقنع الشعب الجاهل بألوانها الفجة، بأن حكومته بلا لوم، وأن قضيته عادلة، وأن شر العدو الذي لا جدال فيه قد ثبت بما لا يدع مجالا للشك. إن لحظة تأمل من شأنها أن تخبر أي شخص عاقل أن مثل هذا التحيز الواضح لا يمكن أن يمثل الحقيقة. لكن لحظة التأمل هذه غير مسموح بها، إذ يتم تداول الأكاذيب بسرعة كبيرة و الكتلة غير المفكرة تقبلها، و من خلال حماسها تؤثر على البقية. إن كمية القذارة التي تُمَرَّرُ تحت اسم الوطنية في زمن الحرب في جميع البلدان كافية لجعل الناس المحترمين يحمرون خجلا عندما يصابون بخيبة أمل في وقت لاحق “.
الكذب في زمن الحرب: أكاذيب الدعاية للحرب العالمية الأولى، بقلم آرثر بونسونبي Arthur Ponsonby عضو البرلمان، 1928بقلم جورج ألين و أونوين: http://www.vlib.us/wwi/resources/archives/texts/t050824i/ponsonby.html
تذكر هذا عندما تسمع أخبارا قبيحة تتكرر في وكالات أنباء عالمية و على لسان ساسة دول ديمقراطية، مثل أن 40 طفلا قطعت رؤوسهم. يحدث الضرر في اللحظة التي تصدر فيها مثل هذه الأخبار القذرة، حتى لو اتضح في ما بعد أنها كذبة غربية مثيرة للاشمئزاز في زمن الحرب!
تذكر أن شبكة سي إن إن CNN الاخبارية، و جميع الشبكات الاخبارية الأخرى في الغرب المسيحي، اختارت نشر المؤتمر الصحفي الذي عقدته ليفشيتز Lifshitz، و هي رهينة إسرائيلية مسنة أفرج عنها حركة حماس تحت العنوان التالي و الصادم “لقد مررت بالجحيم”، في حين أن الشبكة نفسها اختارت التقليل من شأن الجزء الإيجابي و الواعد من تصريحات ليفشيتز، مثل:
“استقبلها “أشخاص قالوا لنا إننا نؤمن بالقرآن” و وعدوا “بعدم إيذائها” هي و زملائها الرهائن. قالت إنهم كانوا ينامون على مراتب على أرضية الأنفاق، و يأكلون نفس الطعام الذي يأكله مقاتلو حماس، و يتلقون علاجا منتظما من الأطباء أثناء سجنها. و أضافت ليفشيتز Lifshitz: “لقد اعتنوا حقا بالجانب الصحي للأشياء حتى لا نمرض”. و قالت إن كل رهينة من الرهائن الخمسة في مجموعتها استقبلت طبيبها الخاص و كان هناك مسعف حاضر يشرف على الدواء. “لقد كانوا كرماء جدا معنا، لطفاء جدا. لقد حافظوا على نظافتنا”، قالت ليفشيتز. “لقد اعتنوا بكل التفاصيل. هناك الكثير من النساء و هن يعرفن عن النظافة النسائية و قد اعتنين بكل شيء هناك”.
و اتهمت ليفشيتز أيضا الجيش الإسرائيلي و جهاز المخابرات الشاباك بعدم أخذ تهديدات حماس “على محمل الجد” و قالت إن السياج الحدودي المكلف مع غزة الذي أقامته إسرائيل لم يفعل شيئا لحماية مجتمعها من هجوم حماس. و شددت على أن “عدم الوعي من قبل الشاباك و الجيش الإسرائيلي يؤلمنا كثيرا”. “لقد حذرونا قبل ثلاثة أسابيع، و أحرقوا الحقول، و أرسلوا بالونات حارقة و لم يتعامل الجيش الإسرائيلي مع الأمر بجدية”.
تقرير سي ان ان:
https://www.cnn.com/2023/10/24/middleeast/israel-hostages-freed-lifshitz-cooper-intl-hnk/index.html
الإرهاب في زمن الحرب
من حيث المبدأ، أنا لا أعتمد على “العالم الحر” و الغرب المسيحي في تعريف الإرهاب و تحديد الإرهابيين، لأنهم اعتادوا ذات مرة على وصف نيلسون مانديلا بأنه إرهابي. ليس لديهم اتساق و مصداقية في هذا الصدد.
لذلك، أنا لا أعتبر حماس و لا إسرائيل، في مجملها، كيانين إرهابيين. لا يوجد كيان إرهابي و شرير تماما، فالخير و الشر موجودان في أي كيان. أنا لا أحكم على الكيانات ولكني أحكم على قراراتها و أفعالها. أنا أحكم على أفعال الناس و الجماعات و المنظمات و البلدان و الأعراق، لكنني لا أحكم عليهم ككيانات. في الواقع، ارتكبت كل من حماس و إسرائيل (مثل الآخرين) فظائع، لكنني أستثني النضال الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي، على النحو الذي تسمح به المادة 7 من قرار الأمم المتحدة رقم 3314 و التي تؤكد على ما يلي:
“ليس في هذا التعريف، ولا سيما المادة 3 منه، ما يمكن أن يمس بأي شكل من الأشكال بحق الشعوب المحرومة قسرا من ذلك الحق في تقرير المصير و الحرية و الاستقلال، على النحو المستمد من الميثاق، و المشار إليه في إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، و لا سيما الشعوب الواقعة تحت الأنظمة الاستعمارية و العنصرية أو غيرها من أشكال السيطرة الأجنبية: و لا يمس بحق هذه الشعوب في الكفاح من أجل تحقيق هذه الغاية و في التماس الدعم و تلقيه، وفقا لمبادئ الميثاق و وفقا للإعلان المذكور أعلاه”.
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314: http://hrlibrary.umn.edu/instree/GAres3314.html
“تؤكد من جديد مشروعية كفاح الشعوب من أجل الاستقلال و السلامة الإقليمية و الوحدة الوطنية و التحرر من السيطرة الاستعمارية و الفصل العنصري و الاحتلال الأجنبي بجميع الوسائل المتاحة، بما فيها الكفاح المسلح”
شرعية الكفاح الفلسطيني المسلح: https://www.un.org/unispal/document/auto-insert-184801/
ولكن، بما أن الأمم المتحدة تدعو إسرائيل بوضوح إلى إنهاء هيمنتها الاستعمارية و الفصل العنصري و احتلالها للأراضي الفلسطينية، لماذا و ببساطة لا يجبر العالم الحر في الغرب المسيحي إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة ثم التفاوض على السلام مع العرب؟!
الاستحواذ على فلسطين بجرعات صغيرة
يجيب الرئيس الأمريكي ترومان على السؤال أعلاه عندما قال:
“حتى بين اليهود، الصهاينة على وجه الخصوص، الذين كانوا ضد أي شيء يجب القيام به إذا لم يتمكنوا من استلام فلسطين بأكملها و تقديم كل شيء لهم على طبق من فضة حتى لا يضطروا إلى فعل أي شيء. لم يكن بالإمكان القيام بذلك، كان علينا تناوله بجرعات صغيرة”
الرئيس الأمريكي ترومان: https://youtu.be/N0DvO72fuG4?feature=shared
من الواضح من تصريح السيد ترومان أن الصهاينة المسيحين في الغرب المسيحي كان لديهم اتفاق ضمني مع الصهاينة اليهود للاستيلاء على فلسطين بأكملها بجرعات صغيرة، و ربما أكثر ، اعتمادا على مدى تطرف الصهاينة الذين تتعامل معهم و مدى تطرف تفسيراتهم للنصوص التوراتية غير الموثقة. من الواضح أن الصهاينة هم الذين كانوا ينوون دائما على إلقاء العرب في البحر وليس العكس كما تدعي الدعايات الصهيونية.
اليهودي الإسرائيلي النبيل، السيد ميكو بيليد، و المعروف باسم “ابن الجنرال”، يتطرق أيضا إلى هذه المسألة الحيوية. كان والده الجنرال ضمن من وقعوا على إعلان استقلال إسرائيل و شارك في جميع الحروب الإسرائيلية العربية. لذلك، تمكن ميكو من الوصول إلى محاضر اجتماعات الجنرالات الصهاينة الشباب (بمن فيهم والده) قبل حروبهم مع العرب. يخبرنا ميكو، أن المحاضر تبين بوضوح كيف رغب الجنرالات الإسرائيليون الشباب في محاربة العرب لأنهم أرادوا جرعات أخرى من الأراضي الفلسطينية. و هذا يعني أن الصهاينة كانت لديهم دائما نية خفية للاستيلاء على المزيد من الأراضي بالقوة، و لا شيء كان سيخيفهم أكثر من قبول العرب بالتقسيم. لطالما أرعب السلام الصهاينة، كونه يعيق خطتهم للاستيلاء على فلسطين بأكملها.
ميكو بيليد: https://youtu.be/TOaxAckFCuQ
هل يمكن للمعلومات الواردة أعلاه مجتمعة أن تفسر الانهيار الأمني و الاستخباراتي الغامض في 7 أكتوبر، و الوصول المتأخر الغامض للقوات الإسرائيلية التي استغرقت 6 ساعات لإنقاذ شعبها؟! هل من المجحف أن نفترض أن تل أبيب كانت على علم بالهجوم، و توقعته، و تجاهلت كل المعلومات الاستخباراتية لتسمح بالهجوم، و ضحت بشعبها للحصول على الموافقة الوطنية و الدولية التي من شأنها أن تمكنهم من تطهير الفلسطينيين عرقيا من أجل جرعة أخرى من الأرض؟ هل هناك طريقة منطقية أخرى لتفسير الفشل الأمني الغامض و الاستجابة الغامضة المتأخرة؟!
تذكر هذا في المرة القادمة التي يقول لك فيها صهيوني متطرف: “العرب هم من لم يقبلوا بالتقسيم و كان على إسرائيل احتلال المزيد من الأراضي لأسباب أمنية”.
هذا هراء! نعم، رفض الفلسطينيون و العرب قبول تقسيم فلسطين من قبل المحتل (بريطانيا). نعم ، أوافق على أن قرار العرب بالقتال لم يكن ذكيا بسبب موازين القوى غير المتكافئة، لكنه كان قراراً متوقعا. من السهل الحكم الآن. في الواقع، لو كان لدى العرب القوة المطلوبة و فرصة للانتصار، لنصحتهم باحتلال بريطانيا، و تقسيمها، و إعطاء الجزء الأكبر لليهود الأوروبيين المضطهدين كوطن لهم.
أي نعم، إن توقيت هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر يثير الكثير من الأسئلة حول هدفه و غاياته. أنا أعتبر الهجوم كارثة استراتيجية للنضال الفلسطيني المشروع، لكنه يمكن أن يخدم أجندة الإخوان المسلمين العالمية، و الذين لا يريدون أن ينجح فيها السعوديون في التوصل إلى سلام عادل لجميع العرب. لقد استخدمت حماس النضال الفلسطيني في الماضي لتعزيز حزبها (الإخوان المسلمين) عندما هرع زعيمها إسماعيل هنية إلى المغرب لدعم حكومة الإخوان المسلمين خلال الانتخابات، على الرغم من تطبيع المغرب مع إسرائيل، في حين كانت حماس تشيطن بشراسة التطبيع الإماراتي مع إسرائيل. هذا التناقض يدل على ازدواجية المعايير في التعامل مع الدول التي تطبع العلاقات مع إسرائيل. فلا بأس من التطبيع شريطة أن يطبع الإخوان المسلمون مع إسرائيل دون غيرهم.
كما قدم الهجوم خدمات تاريخية للإسرائيليين من خلال توحيد بيتهم الوهن و المنقسم، و إتاحة الفرص للصهاينة المتطرفين و المتعطشين للحروب في سبيل اشباع شهيتهم المتزايدة لجرعات إضافية من الأرضي الفلسطينية!
عدم الاتساق و النزاهة في زمن الحروب
في حرب المبادئ ، يجب أن تكون متسقا. فالقوانين/القيم الدولية للعالم الحر/الليبرالي و قرارات الأمم المتحدة ليست قرطا يمكنك ارتداؤه وخلعه، كما و متى يناسبك. و الحقيقة أن هذه القوانين/القيم لا تدعم الاحتلال الإسرائيلي، و تتعامل مع إسرائيل كقوة احتلال و استعمارية و نظام فصل عنصري.
أما إذا اخترت الاستناد إلى المصادر التوراتية غير الموثقة لتبرير السياسات الاستعمارية و الفصل العنصري و الاحتلال الإسرائيلي و لإبادة فلسطين و الفلسطينيين تاريخيا، فأنت توافق بشكل أساسي على قوانين/قيم توراتية رجعية تدعوا الى الإبادة الجماعية كما في سفر صموئيل، الفصل 15، 3 و الذي نصه:
“فَالآنَ اذْهَبْ وَ اضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَ لاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَ امْرَأَةً، طِفْلًا وَ رَضِيعًا، بَقَرًا وَ غَنَمًا، جَمَلًا وَ حِمَارًا”
يبدوا أن سياسات إسرائيل مبنية على اسس توراتية رجعية في تبرير إبادتها الجماعية و حرقها العشوائي للنساء و الأطفال و الشجر و الحجر الفلسطيني بنيران القذائف منذ عام 1947، و أن العصبة المتطرفة التي تقف خلف هذه السياسات و الممارسات تعد من دواعش العالم اليهودي، و هم عالة على اليهودية!
و يبدوا أن سياسات الغرب المسيحي أيضا كانت و ما زالت مبنية على اسس توراتية رجعية في تبرير إبادتها الجماعية و حرقها العشوائي للنساء و الأطفال و الشجر و الحجر الياباني بقنبلتين نوويتين، و أن العصبة المتطرفة التي كانت و ما زالت تقف خلف هذه السياسات و الممارسات تعد من دواعش الغرب المسيحي، و هم عالة على المسيحية!
هؤلاء المتطرفون هم من يزعمون: لم يكن للفلسطينيين بلد قط!
حسنا، قل ذلك لغولدا مائير (رئيسة وزراء إسرائيل السابقة) و التي أقرت بأنها كانت تحمل جواز سفر فلسطينيا لعقود من الزمن. قل ذلك للعديد من المؤرخين الإسرائيليين النبلاء و الذين يؤكدون العلاقة التاريخية للعرب بفلسطين، أو حاول مواءمة ذلك مع العديد من الأسفار التوراتية كسفر تكوين 17: 8 ، و الذي يشير إلى الأرض المقدسة على أنها أرض كنعان. يمكنك أيضا مشاهدة 5 ساعات رائعات من الحوار الذي يستضيفه صهيوني فخور و متطرف بعنوان: “هل الصهيونية استعمار استيطاني؟”
الحوار : https://youtu.be/V8fbG0B1pi8?feature=shared
وعد بلفور
لم تكن بريطانيا مدفوعة بالمبادئ أو العدالة عندما قررت منح جزء من فلسطين للصهاينة! فقد فعلت بريطانيا و أوروبا ذلك لأنهما ترغبان في قارة اوروبية خالية من اليهود و اليهودية. و هذا ما أكده مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل Theodor Herzl شخصيا، في كتابه “الدولة اليهودية”.
كان وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور Arthur Balfour الذي أصدر إعلانه المريب معاديا للسامية، لكنه أيد إنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين، من خلال التخلي بسخاء عما لا يملكه. بلفور لم يقدم معروفا لليهود، بل أراد خروج اليهود من أوروبا. كان الإعلان مجرد جبنة على فخ الفئران. إدوين صموئيل مونتاجو Edwin Samuel Montagu، اليهودي الوحيد في مجلس الوزراء البريطاني يؤكد ذلك ، و لذلك لم يؤيد هذا الإعلان المريب لأنه اعتبره معاديا للسامية. لا عجب لماذا لم يصدر بلفور الإعلان للسيد مونتاجو.
كان اليهود يمرون بوقت بائس في الغرب المسيحي و كانوا يُعَامَلُون بشراسة، في حين كان الفلسطينيين بلادهم مفتوحة دائما لليهود، قبل و بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، و حتى أصبحوا على دراية بالخطط الصهيونية المعادية للعرب. حتى ذلك الحين، كان اليهود يهاجرون بحرية إلى فلسطين قبل إعلان بلفور المريب، و الذي حول الصراع المسيحي اليهودي التاريخي إلى صراع عربي يهودي غريب. كان العرب بشكل عام يمدون أيديهم دائما لليهود المضطهدين من باب العون و المساعدة، لكن الصهاينة المتطرفين انتهى بهم الأمر إلى عض تلك اليد السخية، و هذا ما أكده العديد من المؤرخين الإسرائيليين النبلاء.
إن يوميات المستوطنين الصهاينة الأوائل (المستوطنين الروس الفقراء جدا) تصف تماما العقلية الصهيونية. و هؤلاء من ضمن الموجة الثانية من المستوطنين الصهاينة القوميين الذين جاءوا الى فلسطين بعد هزيمة ثورتهم البلشفية ضد القيصر الروسي في عام 1905 و أنشأوا أو شكلوا نواة الحركة الصهيونية في فلسطين. يقول المؤرخ الإسرائيلي النبيل السيد إيلان بابيه Ilan Pappé في هذا الصدد:
“لم يكن لديهم سوى القليل من المال عندما وصلوا إلى ميناء يافا. لم يعرفوا شيئا عن الزراعة، حيث لم يسمح لليهود في روسيا و أوروبا الشرقية بالعمل في زراعة الأرض، و لم يعرفوا كيف يكسبون لقمة العيش لأنفسهم و لم يكن لديهم مكان يقيمون فيه في البلد الجديد المسمى فلسطين. لذلك، كانوا محظوظين جدا لأن الفلسطينيين المحليين استضافوهم ، و قدموا لهم مكانا للنوم، و قليلا من الطعام، و عندما مكثوا لفترة كافية علموهم كيفية زراعة الأرض و كيفية رعاية القطعان و كيف يصبحون نوعا ما أطفالا في البلد الجديد.
لكن في الليل كتب هؤلاء المستوطنون تحت ضوء الشموع يومياتهم. كتبوا عن كل شيء: لدغات البعوض، لم يتمكنوا من النوم، النساء اللواتي لم يعجبهن (لم تحب النساء الرجال و الرجال لم يعجبهم النساء). لا يوجد شيء نجا من اليوميات. و في تلك اليوميات، كتبوا عن خيبة أملهم الكبرى في فلسطين. كانت خيبة الأمل الرئيسية أن المكان كان مليئا بالأجانب، و خاصة أولئك الذين استضافوهم! كانوا يقولون في مذكراتهم: أنا أقيم الليلة في منزل أحد هؤلاء الأجانب. لم تتغير هذه العقلية حتى الآن و كانت هناك خيبة أمل. الأولى أنهم اعتقدوا أن فلسطين كانت مساحة فارغة، وأنها أرض بلا شعب و تنتظر شعباً بلا أرض. لقد صدقوا ذلك حقا. إذا قرأت دعاية الحركة الصهيونية بعد أن أسسها هرتزل عام 1897، فإن فلسطين تبدو كأرض فارغة تماما. لذلك، فوجئوا حقا برؤية شخص آخر هناك.
الثانية، كان عليهم التوفيق بين هذا الواقع الجديد و فكرتهم في إنشاء وطن جديد، لذلك قرروا أن الأشخاص الذين لا يفترض أن يكونوا هناك، هم أجانب معادون أخذوا شيئا لا يخصهم.
إذا كنت تعتقد أن هذا أمر مبسط و عفا عليه الزمن، فكر مرتين!
إن أهم أداة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، سواء كان ذلك في المدارس الثانوية أو الكليات أو في الجامعات هو “أطلس الصراع العربي الإسرائيلي”، الذي كتبه أحد كبار الأساتذة البريطانيين يدعى مارتن جيلبرت Martin Gilbert، و أعتقد أنه موجود بالفعل في طبعته ال 12. هذه هي الأداة الرئيسية التي كان الطلاب في أمريكا، و حتى وقت قريب في إنجلترا، ينظرون بها جغرافيا إلى الصراع. إنها تخبرك الكثير عن الدعاية الصهيونية اليوم مقارنة بالدعاية الصهيونية في الأيام الأولى. الخارطة الأولى هي فلسطين في العصور التوراتية، والخارطة الثانية هي فلسطين خلال العصر الروماني، و الخارطة الثالثة هي فلسطين خلال العصر الصليبي، و الخارطة الرابعة هي أول مستوطنة صهيونية في عام 1882، مما يعني أنه بين عام 70 ميلادية (زمن المسيح) حتى أواخر القرن 19 لم يحدث شيء في فلسطين. لأنه كان فارغا و لا يوجد أشخاص هناك! هذه العقلية لا تزال موجودة في إسرائيل و هذه هي الصهيونية بالنسبة لي. لأن الصهاينة لا يقولون إنه لا يوجد عرب حولهم، بالطبع يعرفون أن هناك عربا حولهم، لكن الجهود كلها تصب في مستويين: الأول، هو جعل الفلسطينيين يتبخرون و يختفون حتى يتمكنوا من العودة إلى أرض بدون شعب، أو إذا لم تتمكن من فعل ذلك، فتخيل أنهم ليسوا هناك، من خلال بناء جدار .”
السيد إيلان بابيه: https://youtu.be/9EXb1SI1lNw?feature=shared
الدروع البشرية في زمن الحرب
و للأسف، ليست حماس وحدها هي التي تستخدم الفلسطينيين كدروع بشرية في كفاحهم المسلح المشروع من أجل التحرير. فبموافقة الغرب المسيحي، تستخدم إسرائيل أيضا المستوطنين كأداة احتلال (دروع بشرية) في حدود الأراضي المحتلة. إسرائيل تعلم أن الغرب المسيحي يمتاز في قدرته على إغلاق أعينهم بينما تمارس إسرائيل أعمال الاستعمار و الفصل العنصري و الاحتلال ضد الفلسطينيين (اصحاب الارض الأصليين). و هم يعلمون أيضا أن الغرب المسيحي سيسمح لهم خلال الحرب الحالية بارتكاب كل قبيح ضد الفلسطينيين الأبرياء، تماما كما أغمض الغرب المسيحي أعينهم خلال الحرب العالمية الثانية و سمحوا للنازيين بارتكاب إبادة جماعية ضد اليهود الأبرياء. يندم الصهاينة النبلاء على مثل هذا التاريخ و يعترفون بأن ما فعلوه بجيرانهم الفلسطينيين في عام 1947 كان مساويا لما فعله النازيون بهم خلال المحرقة. فالصهيوني يتصرف كما يُسمَحُ له بالتصرف.
ميليشيات حماس
أنا لا أدين الكفاح المسلح الفلسطيني المشروع من أجل تقرير مصيرهم، لكنني ضد الجماعات المسلحة و المنشقة، و التي تعمل في عزلة، و بالتالي تعرض نفسها لأجندات أجنبية. لهذا السبب، أنا لا أؤيد مقاتلي حماس والجهاد الفلسطينيين و لا مقاتلي حزب الله اللبناني. كما أنني لا أؤيد الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي المتشدد الذي يقوض القوانين/القيم الدولية و قرارات الأمم المتحدة.
و بالرغم من سعيها الصادق للكرامة و الحرية، لم تقبل حماس أن تكون دمية في يد إيران فحسب، بل أصبحت أيضا دمية في يد إسرائيل (المحتل) على مدى السنوات ال 16 الماضية. لقد حصلوا على دعم مالي أجنبي رسمي من خلال إسرائيل. و قد استخدمتها إسرائيل بشكل ملائم لتقسيم و إضعاف نسيج المقاومة الفلسطينية. و في سعيها لهزيمة الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي، لم تمانع حماس بوعي في استخدامها ليس فقط للتقدم في الأجندات الإيرانية التوسعية فحسب، بل أيضا في الأجندات التوسعية الإسرائيلية. لا تمانع حماس أبدا في التعاون مع الاحتلال الإيراني الغاشم من أجل محاربة الاحتلال الإسرائيلي. في الأساس، أنا أدين مثل هذا المبدأ الميكيافيلي المتطرف و الذي يفتقر إلى الاتساق و النزاهة. كما أدين مثل هذه السياسات الانتحارية من كلا الجانبين، حماس و إسرائيل. ذكرت جريدة تايمز أوف إسرائيل Times of Israel في 8 أكتوبر 2023:
“وفقا لتقارير مختلفة، أشار نتنياهو إلى نقطة مماثلة في اجتماع لحزب الليكود في أوائل عام 2019، عندما نقل عنه قوله إن أولئك الذين يعارضون قيام دولة فلسطينية يجب أن يدعموا تحويل الأموال إلى غزة، لأن الحفاظ على الفصل بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و حماس في غزة سيمنع إقامة دولة فلسطينية”.
تايمز أوف إسرائيل:
https://www.timesofisrael.com/for-years-netanyahu-propped-up-hamas-now-its-blown-up-in-our-faces/
هذه سياسة ساذجة و قصيرة النظر، من جميع الجوانب، لا تخدم الفلسطينيين و لا الإسرائيليين و لا الإيرانيين. إنها تخدم فقط مصالح الآخر.
الواقع
من الناحية القانونية، لا تزال قرارات الأمم المتحدة سارية و تحتاج إسرائيل إلى الوجود كملاذ آمن لليهود المضطهدين دائما. ولكن الواقع أن الأمم المتحدة أيضا تخاطب إسرائيل رسميا كقوة احتلال تتجاهل القوانين/القيم الدولية و تتصرف بناء على قوانين/قيم الكتب المقدسة القديمة. و الواقع أن الحل في التحكيم و احالة الصراع إلى محكمة قانونية دولية من أجل تسوية عادلة لكلا الطرفين. أنا أعلم أن الفلسطينيين يريدون هذا الحل و راضون مسبقاً بما ستحكم به المحكمة، في حين أن الإسرائيليين لا يريدون التحكيم. هاذين الموقفين المتباينين يميزان لنا الحق المحلق في السماء من الباطل الغارق في الأعماق، و يميزان بين من يريد التعايش و من لا يريد!
في حرب المبادئ، ليس لدي أي احترام للأنظمة ذات العقلية المتشددة التي لا تمتثل بشكل فعال و مستمر للقوانين الدولية المعترف بها. أعني أولئك الذين يفتقرون إلى المساءلة و النزاهة، مثل جمهورية إيران الإسلامية، دولة إسرائيل المحتلة، و على رأسهم أولئك الذين يمكنون من سبق في الغرب المسيحي. في الأساس، أدين جميع الميكافيليين المتطرفين و الذين يفتقرون إلى الاتساق و النزاهة (المبادئ).
من الواضح
لن أقبل أبدا أن تصوت الأمم المتحدة لتقسيم بلدي (هل ستقبل انت؟!) من الواضح أنك ستقاتل (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أن الغرب المسيحي لديه مجموعتان من القوانين/القيم الليبرالية الغربية، واحدة لأنفسهم و الأخرى للآخرين (أليس كذلك؟!). من الواضح أن موقف الغرب المسيحي منافق و يفتقر إلى النزاهة (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أن الغرب المسيحي و الصهيونية تعملان على أساس قوانين/قيم الكتب المقدسة الرجعية و ليس قوانينها/قيمها الليبرالية الجذابة (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أن الاحتلال و المُحتًل لا يمكنه التحدث عن الدفاع عن النفس (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أنه عندما أشار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إلى الفلسطينيين في 9 أكتوبر على أنهم “حيوانات بشرية”، كان يستخدم خطاب الإبادة الجماعية. قال:
“نحن نفرض حصارا كاملا على غزة. لا كهرباء و لا طعام و لا ماء و لا وقود. كل شيء مغلق. نحن نحارب حيوانات بشرية، و سنتصرف وفقا لذلك”.
من الواضح أن مصطلح “الحيوانات البشرية” من مفردات الإبادة الجماعية. ففي أي إبادة جماعية، يرى المعتدي ضحيته حيواناً شريراً. الإسرائيليون ينظرون إلى الفلسطينيين على أنهم حيوانات شريرة، كما نظر هتلر الى اليهود كحيوانات شريرة. من العار أن نرى الغرب المسيحي يشيد بممارسات تعد إبادة جماعية كما وردت في خطاب المحتل الاسرائيلي ضد فلسطين المحتلة، بعد أشهر من إدانتهم بشكل قاطع للممارسات ذاتها في شأن المحتل الروسي ضد أوكرانيا المحتلة. من العار أن نرى الغرب المسيحي يتبنى مجموعتين من القوانين/القيم، احداها لأنفسهم و الأخرى للآخرين و ذلك أثناء التعامل مع الاحتلال و حقوق الإنسان. من العار أن نرى الغرب المسيحي يقوض القوانين الدولية و قرارات الأمم المتحدة، من خلال السماح لإسرائيل بخرقها للشرائع الدولية. من العار أن نشاهد الأغلبية الصامتة في الغرب المسيحي و هي تغض الطرف، للسماح للصهاينة المتطرفين بخرق القانون الدولي و القيام بالقبيح نيابة عنهم جميعا. التاريخ يعيد نفسه. هذا مثير للاشمئزاز (أليس كذلك؟!).
من الواضح أن النظام العالمي الحالي يفتقر إلى الإنسانية و المصداقية و النزاهة والمبادئ. أليس كذلك؟!
ملاحظة: أثناء القراءة ، تذكر أن برنارد لويس عَرَّف الغرب المسيحي على النحو التالي:
“الحضارة بأكملها شكلتها الديانة المسيحية ولكنها تتضمن العديد من العناصر التي ليست جزءا من هذا الدين أو ربما معادية لذلك الدين، ولكنها مع ذلك تنشأ داخل هذه الحضارة. على المرء أن يقول إن هتلر و النازيين نشأوا داخل العالم المسيحي، لكن لا يمكن لأحد أن يقول إنهم نشأوا داخل المسيحية. هذا تمييز من المهم أن نضعه في الاعتبار “.
وفقا لذلك و في هذه المقالة، يشير مصطلح “الغرب المسيحي” إلى الحضارة المسيحية بأكملها، ولكن ليس المسيحية كدين و لا أتباعها المسالمين.
يا مغيث!
لماذا الإستتار الإلهي؟!
بقلم: خالد الخاجة
الإستتار الإلهي هو خلاف فلسفي يتم استخدامه بشكل متكرر كحجة ضد وجود الله (الخالق) جل جلاله، و ما إذا كانت الأديان التي تدعي الكشف عن إرادته قد تم توضيحها بشكل بديهي كالمعادلة 1+1=2.
“صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ” سورة البقرة الآية 18.
أتفق مع الآية الكريمة على أنه يجب على المرء أن يكون أصما و أبكم و أعمى (متعجرفا و جاهلا)، لينكر أنَّ الدليل على وجود الخالق (الله جل جلاله) واضح بوضوح المعادلة 1+1=2. لأنني أعلم أننا كبشر نكاد لا نعرف شيئا على الاطلاق عما هو موجود في أنفسنا و كوكبنا و كوننا. فما يعرفه علمائنا أقل بكثير مما لا يعرفونه، و إذا كانت المعادلة 1+1=2 تدور حول الوضوح، فلماذا تظهر النتيجة الأولى لي في بحث (google) أننا نجهل 95٪ من الكون، حيث لا يمكننا حتى رؤيته؟!
أليست المعادلة 1+1=2 تتعلق بالوضوح، و بالتالي، يتوجب وجود من يعلم بنسبة 100٪ بشأن الكون و ما هو موجود فيه؟ و من يمكن أن يكون هذا العلام الخبير غير الله سبحانه و تعالى؟!
رحم الله امرئ عرف قدر نفسه!
لذلك، بصفتي مهندسا فخورا، أتفق مع القرآن الكريم على أنه يجب على المرء أن يكون أصما و أبكم و أعمى (متعجرفا و جاهلا) ليغض الطرف عن القرآن، و الذي تحدث قبل 1400 عاما عن نزول الحديد الى الأرض من الفضاء الخارجي:
“لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌۭ شَدِيدٌۭ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌۭ” سورة الحديد الآية 25.
لكن، هناك أشخاص يسخرون من هذه الآية الكريمة و يقللون من شأنها بسبب عجزهم امام اعجازها، و التي تأكد على أن الحديد جاء إلينا من الفضاء الخارجي، و هذا ما يؤكده العلم الحديث. لكن مثل هذا الموقف الساخر لا يكفي لاستبعاد آية واضحة و بديهية من عيار 1+1=2، و كدليل على أن الإسلام هو دين الله الخالق، بغض النظر عما يقوله الصم و البكم و العمي (المتغطرس و الجاهل).
كما أنني كمهندس فخور، أؤمن بأن المصريين القدماء قد بنوا الأهرامات في مصر، دون الحاجة الى رؤية البنائين. فكما هو مذكور في القرآن، يجب على المرء أن يكون أصما و أبكم و أعمى (متعجرفا و جاهلا) لينكر ذلك أو يدعي مثلا بأن الطبيعة بنت الأهرامات!
فلماذا يتم قبول هذه الأهرامات كعلامات واضحة و بديهية من عيار 1+1=2 على وجود بُنَاتها، بينما لا يتم قبول الكون كعلامة واضحة و بديهية من عيار 1+1=2 على وجود خالقه (الله جل جلاله)؟! من سوى الله جل جلاله يمكنه ان يخلق هذا الكون الواضح و البديهي من عيار 1+1= 2؟!
أرجوك يا منكر، احترم عقلي الهندسي!
بغض النظر عما يقوله الصم و البكم و العمي (المتغطرس و الجاهل)، فإن الكون دليل واضح وجلي من عيار 1+1=2 على وجود الله الخالق، و لا أحتاج أن أرى الله جل جلاله لأصدق ذلك، كما أنني لا أحتاج أن أرى المصريين القدماء لاعتقد بأنهم بنوا الأهرامات.
و كمهندس فخور، أتفق مع القرآن الكريم على أنه يجب على المرء أن يكون أصما و أبكم و أعمى (متعجرفا و جاهلا) لينكر أن كل شيء بحاجة الى الصيانة، و أن بدونها تتعرض جميع الاختراعات و المنتجات البشرية الى الفشل و الانهيار و التلف. و عليه، يحتاج الكون أيضا الى الصيانة. ولكن، من غير الله جل جلاله قادر على أن يصون هذا الكون المستدام و المعقد؟!
أرجوك يا منكر، احترم عقلي الهندسي!
الكون المستدام هو دليل واضح وجلي من عيار 1+1=2 على وجود الله الخالق، بغض النظر عما يقوله الصم و البكم و العمي (المتكبر و الجاهل). و أنا متأكد من أنك إذا نظرت من حولك، فستجد من الصم و البكم و العمي (المتعجرف و الجاهل) من يُسَفسِط و ينكر بأن 1+1=2، و بغض النظر عن نوع المنطق و المعجزات و الأدلة التي تستخدمها معهم، هؤلاء لن يصدقوا أن 1+1=2. هل انكارهم هذا يجعلهم على حق؟!
و هناك أناس من جميع الطوائف و الثقافات من ينكرون أن تكون الأرض كروية، و لن يجدي معهم استخدام منطق 1+1=2 و المعجزات و الأدلة كي يصدقوا أن الأرض كروية. و قد ينكرون كروية الارض حتى لو أخذتهم إلى محطة الفضاء الدولية و جعلتهم يرون بأم أعينهم أن الأرض كروية. هل انكارهم هذا يجعلهم على حق؟!
جميع هؤلاء المنكرون يفكرون على حد سواء. إنها حالات نرجسية و ميؤوس منها، مهما علت اصواتهم في النقاشات و المناظرات. هؤلاء يذكرونني بالآية الكريمة:
“وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّوا۟ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوٓا۟ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌۭ مَّسْحُورُونَ (15)” سورة الحديد.
أخيرا و ليس آخرا، و كمهندس فخور، لا أرى حاجة لأن يكشف الله جل جلاله عن نفسه، بل أفضل ألا يفعل ذلك، لأنني أستطيع رؤيته بوضوح من خلال خلقه. ثم ان لا معنى لحرية الاختيار في حال الظهور الالهي الدائم، و استتاره جل جلاله عن الانظار يساعد الانسان على اتخاذ قرارته بشكل اختياري و حر. علاوة على ذلك، و أثناء الاختبار، أقَدِّر الإستتار الإلهي أكثر من الظهور الإلهي، بقدر ما أفضل امتحان الكتاب المغلق (الأسهل) على امتحان الكتاب المفتوح (الأصعب). و هذا يذكرني بالآية الكريمة:
“وَقَالُوا۟ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌۭ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِىَ ٱلْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ” سورة الانعام الآية 8.
أشكر الله سبحانه و تعالى على منحي المزيد من الوقت للتوبة!
و أقول للمنكرين: لو كنت مكانكم، لأعتذرت من نفسي!
أسال الله لكم و لمن تحبون خير الدنيا و الآخرة!
ماذا عن إبليس؟
بقلم: خالد الخاجة
يسأل النرجسي غروراً، و المحطم غضباً و الجاهل ببراءة عن عالم الغيب:
لماذا تمرد إبليس على أمر الله القادر العليم؟ لماذا خلق الله إبليس (و الإنسان) و هو يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ هل أراد الله أن يتحول إبليس إلى شيطان و أراده أن يضلل البشر؟ هل إبليس مجرد بيدق في لعبة الله؟ ألا يمكن أن تتسبب الإرادة الحرة في تمرد المؤمنين في الجنة؟ أم أن الله سيسلبهم إرادتهم الحرة؟ ألم يكن بوسع الله أن ينقذنا من هذه التمثيلية الإيمائية من خلال الاكتفاء بخلق المؤمنين منذ البداية؟ هل الله عاجز عن ذلك؟
إسأل كالملائكة
أولا و قبل كل شيء ، دعني اريحك يا عزيزي المؤمن المتعلم، لأنك ربما تشعر بالألم و الخجل من طرح مثل هذه الأسئلة. لا داعي للخجل ما دمت تسأل بأدب و تواضع، لأننا جميعا نتعلم و لدينا مثل هذه الأسئلة حول عالم الغيب. في الواقع، كان الملائكة المتعلمون أول من طرحت مثل هذه الأسئلة كما ورد في القرآن الكريم، عندما طلبوا بأدب و تواضع من الله القادر العليم (ﷻ) التوضيح:
“و َإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌۭ فِى ٱلْأَرْضِ خَلِيفَةًۭ ۖ قَالُوٓا۟ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” سورة البقرة الآية 30 .
لذا يا عزيزي المؤمن المتعلم، من الطبيعي أن تطرح أسئلة حول ما لا تعرفه عن عالم الغيب، و الإجابات على الأرجح يقدمها الله (ﷻ) أو نبيه محمد (ﷺ)، كما سيتضح في هذا المقال. و إذا لم تتمكن من العثور على إجابة أو الوصول إليها، فتذكر أنه لا أحد (باستثناء الله جل جلاله) يعرف كل الإجابات في هذا الكون. لذا كن منطقياً و صبورا و متواضعا و اتبع القرآن الكريم الذي يتطلب من أولئك الذين يبحثون عن الصراط المستقيم أن يهدؤا و يؤمنوا بالغيب، كأول صفة ملحة لمن يتقون الله (ﷻ):
“الٓمٓ (1) ذَٰلِكَ ٱلْكِتَـٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًۭى لِّلْمُتَّقِينَ (2) ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ” الآية 3 من سورة البقرة .
الآلهة تشكك في الله (ﷻ)
قبل الإجابة على الأسئلة المذكورة أعلاه، نحتاج إلى معالجة السؤال التالي و الملح: كيف يمكن لغير المؤمن الذي لا يستطيع حتى خلق نملة صغيرة معروفة أن يسأل الأسئلة السابقة و يشكك في الله القادر العليم (ﷻ)، خالق الكون اللامتناهي، دائم التوسع، المجهول و الغامض ؟!
الاجابة المنطقية هي: هذا ممكن فقط عندما يقوم شخص غاضب (محطم) أو نرجسي (يظن نفسه إِلَـٰهَ) باستجواب و انتقاد إِلَـٰهَ آخر! و ذلك عندما يسأل غير المؤمن أسئلة ذات نفس نرجسي و أُلوهي، كما في حالة إبليس.
كما ذكرت في مقالي بعنوان “الدين و الإنسانية”، إن الدين يدعوك إلى النظر إلى ما وراء العالم الذي يتم مشاهدته للتعرف على عالم الغيب، و الكشف عن حقيقة الوجود و سر الخلق و حب الخالق و توسيع أبعاد الوجود البشري. لذلك، و على الرغم من أن مثل هذه الأسئلة حقاً صعبة، إلا أن إجاباتها سهلة و واضحة إلى حد ما، كما يقدمها الدين الإسلامي لأولئك الذين يبحثون بجدية و صدق عن الحقيقة، ولكن تلك الاجابات ليست للنرجسيين الذين يتصرفون و يتحدثون كالآله، كما فعل إبليس!
إذن، هذه محاولتي المتواضعة لتقديم إجابات إسلامية نموذجية على الأسئلة المذكورة أعلاه، أقدمها للجادين و المخلصين و الغاضبين (المحطمين) من غير المؤمنين، كما أقدمها للمؤمنين المتعلمين. هذه الإجابات ليست للنرجسيين من غير المؤمنين، و الذين يتصرفون و يتحدثون كالآله، كما فعل ابليس!
اولا: لماذا تمرد إبليس على أمر الله القادر العليم؟
دعونا نفحص هذا السؤال تحت مجهر القرآن الكريم:
“إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي خَـٰلِقٌۢ بَشَرًۭا مِّن طِينٍۢ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِينَ (72) فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّآ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَ كَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ (74) قَالَ يَـٰٓإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍۢ وَ خَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍۢ (76) قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌۭ (77)” سورة ص.
إن مشكلة ابليس تكمن في سلوكه المتضمن في عبارته: ” أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ”، اذ يظهر هذا البيان بوضوح أن إبليس تمرد على أمر الله القادر العليم (ﷻ) بسبب سلوكه النرجسي الإلهي. و على الرغم من أن عبارة “أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ” تبدو عنصرية، إلا أنها لا تكفي لتأليب الله (ﷻ) ضد إبليس و لعنه، إذ يحق لإبليس أن يشعر بأنه متفوق على آدم (ﷺ)، كما يحق لنا جميعا أن نشعر بالتفوق على بعضنا البعض. المشكلة الحقيقية في عبارة: ” أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ” أن إبليس كان يعتقد أن الأمر الذي أصدره الله له كان خاطئا و ما كان ينبغي أن يصدر له أصلا، فهو أفضل من آدم (ﷺ)! فسلوكه النرجسي و الإلهي جعله يعتقد أنه أكثر دراية من الله القادر العليم (ﷻ). كذلك، أي إنسان بمثل هذه الشخصية الالهية النرجسية يستحق اللعنة، و إبليس ليس الوحيد الذي يشعر بأنه مساو لله (ﷻ) و يحق له التشكيك في قرارات الله (ﷻ) و خلقه. انها مسألة إِلَـٰه (إبليس أو الإنسان) يرى نفسه أهلاً لمُسَاءلة الله (ﷻ) و انتقاده! و كذلك الحال عندما يشكك غير المؤمن في قرارات الله (ﷻ) و خلقه و يوجه انتقادات ذات نَفَس نرجسي و أُلُوهي، كما فعل إبليس، و هو يسأل ناقدا: لماذا خلق الله إبليس و الإنسان؟ و كأنه يقول: ما كان ينبغي لله أن يخلق إبليس و الإنسان! و كأنه يقول: قد أخطأ الله (ﷻ)!
الله (ﷻ) يتحقق
قبل الإجابة على السؤال الثاني، دعونا نتذكر أن الله (ﷻ) لم يلعن ابليس الا بعد أن تحقق من نيته السيئة و اسباب تمرده و اصراره على موقفه بسؤاله: “قَالَ يَـٰٓإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ (75)”؟ من خلال هذا (ﷻ) السؤال، أعطى الله بكل إنصاف و رحمة فرصة ذهبية لإبليس ليبتلع كبريائه النرجسي و الإلهي بطلب المغفرة، لكن ابليس لم يفعل. بل تحدى الله (ﷻ) بثقة و أصر على فعلته ذات النفس النرجسي و الإلهي، كما يفعل الكثير من البشر النرجسيين.
لذلك، من المهم أن نتذكر أن الله (ﷻ) عرض على إبليس مخرج للهروب و طريق للنجاة، لكنه اختار أن لا يسلكه. دعونا نتذكر أيضا أن التواجد في حضرة الله (ﷻ)، كما كان في حالة إبليس، لن يمنع الإنسان النرجسي و الإلهي من التشكيك في قرارات الله (ﷻ) و أفعاله.
ثانيا: لماذا خلق الله إبليس (و الإنسان) إذا كان يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ هل أراد الله أن يتحول إبليس إلى شيطان و أراده أن يضلل البشر؟ هل إبليس مجرد بيدق في لعبة الله؟
الإرادة الحرة
بادئ ذي بدء ، بدلا من إلقاء اللوم على الله (ﷻ) على خلقه لك، تذكر أن والديك هما اللذان أحضراك عن طيب خاطر إلى هذا العالم، و أنك أنت من أحضر أطفالك عن طيب خاطر إلى هذا العالم. فباستخدام إرادتك الحرة، كان بإمكانك تجنب ذلك كما يفعل العديد من الأزواج. لذا، انتقادك لله (ﷻ) في شيء تمارسه هو نفاق و نرجسية.
علاوة على ذلك، ليس الخلق ما يجعل من إبليس أو الانسان شيطاناً، ولكنها “الارادة الحرة” المرغوبة. فجميع مخلوقات الله (ﷻ) الأخرى، كالملائكة، لا يمكن أن تتحول إلى شيطان لأنها و باختيارها لا تتمتع بالارادة الحرة. نتيجة لذلك، الملائكة مخلوقات لا يتم اختبارها و لا ينتهي بها المطاف في الجنة و لا في الجحيم. لن تسمع السماء أو الأرض أو الملائكة تشكو من خلقها. الحقيقة هي أن الله (ﷻ) خلق إبليس و الإنسان و الملائكة و الكون بأسره ليعبدوه، و لم يكن الخلق لعبة، كما ورد في القرآن الكريم.
“وَ مَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَ ٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍۢ وَ مَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57)” سورة الذاريات.
“وَ مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَ ٱلْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ (16)” سورة الأنبياء.
إذن، السؤال التالي و المذكور أعلاه خاطئ: لماذا خلق الله إبليس (و الإنسان) إذا كان يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ بدلا من ذلك، فإن السؤال الصحيح و الذي يستحق الإجابة هو: لماذا أعطى الله إبليس (و الإنسان) الارادة الحرة، إذا كان يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ القرآن يجيب على هذا السؤال:
“إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَ ٱلْأَرْضِ وَ ٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهَا وَ حَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا” الآية 72 من سورة الأحزاب.
ورد في تفسير ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعني بالأمانة: الطاعة، و عرضها عليهم (السماوات و الارض و الجبال) قبل أن يعرضها على آدم (ﷺ)، فلم يطقنها. فقال لآدم (ﷺ): إني قد عرضت الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال: يا رب، و ما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت، و إن أسأت عوقبت. فأخذها آدم فتحملها، فذلك قوله: “وَ حَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا”.
يتضح من الرواية السابقة أن الأمانة هي ” إن أحسنت جزيت، و إن أسأت عوقبت”، و هي معادلة “الارادة الحرة”. لذلك، أنت (الإنسان) من طلب الارادة الحرة و التي يمكنها أن تحولك إلى شيطان. لم يتم فرضها أبدا على الإنسان أو إبليس، بل تم تحذيرك منها باعلامك بأن المخلوقات الأخرى لم يطقنها و رفضتها. لكنالانسان قبل أن يكافأ على فعل الخير و يعاقب على فعل الشر من أجل الحصول على الارادة الحرة، و ببساطة سمح الله (ﷻ) للإنسان بفعل الخير أو الشر. إنه قرارهم و ارادتهم الحرة. في الواقع، يتضح من الآية أعلاه أن الله (ﷻ) لم يرد أن يقبل آدم (ﷺ) الأمانة، و يتضح ذلك في قوله تعالي: “وَ حَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا”.
قد يسأل أحدهم الآن سؤالاً يستحق الاجابة: إذن لماذا عرض الله (ﷻ) الأمانة على آدم (ﷺ)؟ هذا سؤال يستحق المزيد من البحث، ولكن في رأيي المتواضع و على الأرجح، إن الامانة و الارادة الحرة لم تعرض على ابليس ولكنه طلبها من قبل فمنحها الله (ﷻ) له. لذلك و من باب الانصاف و المساواة بين خلقه، عرض الله (ﷻ) الأمانة و الارادة الحرة على جميع مخلوقاته، إنصافاً و عدلاً و دون اكراه، و لم يقبل بها من بعد ابليس سوى الانسان.
لكن السؤال الملح و الذي يحتاج إلى إجابة هو: ما سر رغبة إبليس و الانسان الشديدة في الارادة الحرة، رغم ما بها من شر؟
نعيم الربوبية
الارادة الحرة نعيم الربوبية، و هي سمة إِلَـٰهَية ثمينة و جذابة، و سلطة لا يتمتع بها سوى الله (ﷻ) من قبل أن يكون هناك زمان أو مكان. الارادة الحرة هي النعيم الذي يشفي غليل النرجسي غير المؤمن من خلال الشعور بنشوة التحدث و التصرف بحرية كالإِلَـٰه، كما في حالة إبليس (أول نرجسي غير مؤمن على الإطلاق)، و الذي استمتع بنشوة التشكيك في قرارات الله (ﷻ)، كما يستمتع الانسان النرجسي غير المؤمن بنشوة الحكم على الله (ﷻ) و طرح الأسئلة المذكورة أعلاه بغرور.
اذاً لا! ليس الله (ﷻ) من أراد أن يتحول إبليس إلى شيطان و ليس الله (ﷻ) من أراده أن يضل البشر. و كما ورد في القرآن الكريم، الجن ليسوا جميعا غير مؤمنين و شياطين، و إبليس واحد منهم و تحول إلى شيطان باختياره و ارادته الحرة. ببساطة، سمح الله (ﷻ) لإبليس أن يتحول إلى الشيطان.
“قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌۭ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوٓا۟ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًۭا (1) يَهْدِيٓ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦ ۖ وَ لَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدًۭا (2) وَ أَنَّهُۥ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَةًۭ وَ لَا وَلَدًۭا (3) و َأَنَّهُۥ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطًۭا (4)” سورة الجن.
و كما ورد في القرآن الكريم، لإبليس القدرة على تضليل الذين لديهم القابلية للضلال. ببساطة، الله (ﷻ) يسمح لإبليس بالتضليل و يسمح للإنسان أن يتبعه. في الواقع، و كما ورد في القرآن الكريم، إبليس ليس المصدر الوحيد للتضليل، اذ يمكن للإنسان أيضا أن يلعب دور الشيطان و يتسبب في التضليل. و مع ذلك، ان للانسان الاختيار التام و الارادة الحرة في اتباع إبليس و شياطين الإنس و الجن، و بالتالي إما أن يكون عبداً من عباد الله (ﷻ) أو من المنحرفين.
“قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَـٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ (42) وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43)” سورة الحجر.
“وَ كَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّۭا شَيَـٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَ ٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍۢ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًۭا ۚ وَ لَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَ مَا يَفْتَرُونَ (112)” سورة الأنعام.
الخير في الارادة الحرة
إن الارادة الحرة لا تؤدي بالضرورة إلى الشر. بل على العكس من ذلك و كما ورد في الحديث، يمكن أن تؤدي الارادة الحرة إلى الخير و شعور المؤمنين بنشوة حلوة في طاعة الله. يمكنك بسهولة تجربة مثل هذه النشوة الحلوة في العائدين الجدد إلى الإسلام، و الحديث التالي يقدم أمثلة على حلاوة (بهجة) الإيمان بالله:
“ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَ أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَ أَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ” صحيح البخاري 16.
مرة أخرى، من المهم أن نتذكر أن التواجد في حضرة الله (ﷻ)، كما في حالة إبليس، لن يمنع الإنسان النرجسي و الإِلَـٰهي من التمرد و التشكيك في قرارات الله (ﷻ)، تماما كما لا يستطيع النمر تغيير بقعه، و الآية القرآنية التالية تؤكد على أن لا شيء، و لا حتى المعجزات يمكنها أن تغير سلوكياتهم النرجسية و الإِلَـٰهية:
“وَ مَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلْـَٔايَـٰت إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلْأَوَّلُونَ ۚ وَ ءَاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةًۭ فَظَلَمُوا۟ بِهَا ۚ وَ مَا نُرْسِلُ بِٱلْـَٔايَـٰتِ إِلَّا تَخْوِيفًۭا” سورة الاسراء الآية 59.
كما يؤكد القرآن الكريم على أن تجربة حياة الآخرة لن تغير غير المؤمنين و لن تشفي سلوكياتهم النرجسيية و الإِلَـٰهية المنحرفة، و سيتبعون دائما ارادتهم الحرة و المنحرفة بغرور.
“وَ لَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ يَـٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَ لَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّنَا وَ نَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا۟ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَ لَوْ رُدُّوا۟ لَعَادُوا۟ لِمَا نُهُوا۟ عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ (28)” سورة الانعام.
ثالثا: ألا يمكن أن تتسبب الإرادة الحرة في تمرد المؤمنين في الجنة؟ أم أن الله سيسلبهم إرادتهم الحرة؟
الاستقرار
عدم الاستقرار يسبب التمرد، و الارادة الحرة إذا تم توظيفها بشكل جيد تعد أداة يمكن أن تحقق الاستقرار. فالارادة الحرة و التمرد ليستا مطلوبتان بعد تحقيق الاستقرار. يخبرنا القرآن الكريم أن آدم و حواء (ﷺ) خلقا مستقرين في الجنة، و بالتالي لم يجوعا أو يتعريا أبدا، و لم يعانوا أبدا من العطش أو حرارة الشمس، و لم يمرضوا أو يكبروا … إلخ. لكنهما طُرِدا من الجنة بسبب سعيهما لتحقيق الاستقرار الأبدي في الجنة (أن يصبحا ملائكة أو خالدين) عندما خدعهم إبليس (كائن غير مستقر) و الذي أقسم لهما زورا و غروراً، و هو جرم لم يتوقع آدم و حواء (ﷺ) أن يرتكبه مخلوق، لما فيه من الكذب الصريح على الله ﷻ).
“وَ يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَ زَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَ لَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَٰتِهِمَا وَ قَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ (20) وَ قَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ (21) فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٍۢ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَ طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۖ وَ نَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَ أَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ (22)” سورة الاعراف.
“فَقُلْنَا يَـٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّۭ لَّكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَ لَا تَعْرَىٰ (118) وَ أَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا۟ فِيهَا وَ لَا تَضْحَىٰ (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَـٰنُ قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَ مُلْكٍۢ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَ طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۚ وَ عَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ (121)”سورة طه.
نتيجة لذلك، سيظل الإنسان غير مستقر (في شقاء) على الأرض حتى يعود إلى الجنة. لذلك، لن يحتاج الله (ﷻ) إلى أن يسلب المؤمنين ارادتهم الحرة بعد منحهم الاستقرار، و هو الهدف النهائي و الأسمى للارادة الحرة، و لا يمكن للبشر أن يحققوا الاستقرار في غير الجنة. فلما التمرد في مكان مستقر و في غياب إبليس و شياطين الانس و الجن؟!
الارادة الحرة في الجنة
ولكن و كما ورد في الحديث التالي، سيستمر الانسان في ممارسة ارادته الحرة في الجنة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ “أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. قَالَ: فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَ اسْتِوَاؤُهُ وَ اسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ”. فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَ اللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَ أَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ (ﷺ). صحيح البخاري 2348.
الاستقرار في الطبيعة
السعي المستمر للطبيعة من أجل الاستقرار هو شيء يعترف به العلم الحديث أيضا. نعلم أن الحديد مصنوع داخل النجوم (و ليس على الأرض)، و تحديدا النجوم الحمراء العملاقة. و تتشكل العناصر معا داخل النجم أثناء الاندماج fusion ، و هي عملية ذوبان مادة أو جسم بحرارة شديدة للانضمام إلى غيرها. عندما يحدث المستعر الأعظم supernova ، يزداد سطوع النجم فجأة بشكل كبير بسبب انفجار كارثي يقذف معظم كتلته و يتم تفجير شظايا الحديد في الفضاء. هكذا جاء الحديد إلى الأرض منذ ملايين السنين. سبحان الله، قبل 1400 عام ذكر القرآن الكريم بأعجوبة أن الحديد قد نزل إلى الأرض.
“وَ أَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌۭ شَدِيدٌۭ وَ مَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَ رُسُلَهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌۭ” سورة الحديد الآية 25.
https://socratic.org/questions/how-did-iron-come-to-earth-millions-of-years-ago
https://science.nasa.gov/where-your-elements-came
خامات الحديد هي صخور يمكن استخراج الحديد المعدني منها اقتصاديا. يمكن تحويل هذه الصخور (أكسيد الحديد أو الصدأ) إلى حديد نقي عن طريق تسخينه في الفرن حتى يذوب. لذلك، عندما يصدأ الحديد فإنه يعود إلى أكسيد الحديد، لأن أكسيد الحديد هو الشكل الأكثر استقرارا للحديد من الحديد النقي (أو الفولاذ) نفسه. لذلك ، يحتاج الحديد النقي إلى علاج مستمر لمنعه من العودة إلى شكله المستقر.
استقرار الإنسان
و بالمثل و على الأرض، الانسان أيضا في حالة غير مستقرة. لهذا السبب يشعر بالجوع و العطش، و بدون أكل و شرب و نظافة … إلخ، سوف يتحلل الإنسان، محاولا العودة إلى حالته المستقرة (الموت للعودة إلى الجنة). ذلك لأن الانسان من الجنة، و هذا هو المكان الذي يصل فيه إلى الاستقرار، و هذا هو المكان الذي لا يشعر فيه بالجوع و العطش و الأمراض و لا يحتاج إلى الأكل و الشراب و العلاج … إلخ، كما ورد في القرآن الكريم. لذلك، لن يحتاج الله (ﷻ) أن يسلب المؤمنين ارادتهم الحرة بعد منحهم الاستقرار (الجنة)، و هو الهدف النهائي و الاسمى للارادة الحرة، و لا يمكن للبشر إلا أن يحققوا الاستقرار في الجنة. فلما التمرد في مكان مستقر و في غياب إبليس و شياطين الانس و الجن؟!
رابعاً: ألم يكن الله ليجنبنا هذه التمثيلية الإيمائية من خلال خلق المؤمنين فقط منذ البداية؟ هل الله عاجز عن ذلك؟
أولا و قبل كل شيء، أشعر بأنني مضطر للرد بسؤال: ما الذي فعلناه لنستحق وضع حد لهذه التمثيلية الإيمائية؟ لماذا لا يستطيع غير المؤمن أن يصبح مؤمناً ببساطة؟ هل غير المؤمن غير قادر على أن يصبح مؤمن مطيعاً؟ لو أن الله (ﷻ) اكتفى بخلق المؤمنين منذ البداية فقط، فما الذي يمنع النرجسيين من غير المؤمنين في حالتهم العدمية الغير مستقرة من الشكوى و التظلم الى الله (ﷻ) و المطالبة بالاستقرار و دخول الجنة؟
نهاية المسرحية الايمائية
في هذه الحياة، لا أحد يستحق أن يرى الله (ﷻ) أو يتحدث إليه، بما فيهم المؤمنين، الى أن ننمو و ننضج و نطهر (نتزكى) من خلال الطاعة (التكامل). فلرؤية الله و التحدث إليه (ﷻ)، يجب على الجن و الإنسان أن يكافحوا باستخدام ارادتهم الحرة في إرضاء الله (ﷻ) من خلال الطاعة. فكما ورد في القرآن الكريم، ستنتهي التمثيلية الإيمائية في الحياة الآخرة، عندما ينتهي المؤمنون من تكامل أرواحهم و تطويرها و تنميتها و تطهيرها و تزكيتها من خلال الطاعة، و بالتالي كسب حق العودة إلى الجنة و شرف التحدث إلى الله و رؤيته (ﷻ). يجب الحصول على شرف التحول الى كائنات الاهية أتقياء من خلال عملية التكامل بالألم و النضال و الارادة الحرة، لا أن يتم منح الشرف من خلال عملية برمجة الانسان كما يتم برمجة الذكاء الاصطناعي الفاقد للروح و الحياة.
“وُجُوهٌۭ يَوْمَئِذٍۢ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌۭ (23)” سورة القيامة.
“رَبَّنَا وَ ٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًۭا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَ ٱلْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ (129)” سورة البقرة.
جل جلال الله الرحمن الرحيم
هل تذكر الآية التالية من القرآن الكريم، حيث وصف الله (ﷻ) الإنسان: “ظَلُومًۭا جَهُولًۭا”؟
لهذا السبب لم يتخلى الله (ﷻ) عن الانسان اثناء هذه التمثيلية الإيمائية من التكامل بالألم و النضال و الارادة الحرة، بل أخذ على عاتقه (ﷻ) بدعم الانسان بدءًا من آدم و حواء (ﷺ). و نتيجة لذلك، قام الله (ﷻ) بما يلي:
• حذر آدم و حواء (ﷺ) من إبليس و غفر خطيئتهم الأولى في الجنة.
• يدعم الإنسان من خلال إرسال الأنبياء (ﷺ) إليهم و تقديم ارشادات مكتوبة و واضحة (الكتب السماوية).
• يغفر الخطايا الصغيرة مقابل أعمالهم الصالحة، و يرحمهم بارشادهم الى الصراط المستقيم.
• يغفر الخطايا الكبرى (الكبائر)، بما فيها الكفر، مقابل التوبة الصادقة.
• يُخرج المؤمنين المذنبين من الجحيم، بمجرد تطهيرهم من خطاياهم.
• لن يخلد في النار الا شياطين الانس و الجن.
الطاعة كما استلخصها الدكتور جيفري لانغ بشكل جميل من القرآن الكريم في كلمته بعنوان “الغرض من الحياة” (انظر الرابط أدناه) هي محبة الله (ﷻ) من خلال التخلق بصفاته الجميلة، مثل: الرحمه، المغفرة، التسامح، العدل، نصرة الضعفاء، الدفاع عن المظلومين، طلب العلم و الحكمة، الكرم، الصدق و محبة أخيه الإنسان. إذا كان الأمر كذلك، أتساءل: لماذا لا يمكن لغير المؤمن أن يصبح ببساطة مؤمن مطيع ؟!
التكامل و الانسان
و يؤكد الدكتور إسلامي، و هو مفكر إيراني، في كلمته بعنوان “الإسلام يؤمن بالتكامل و ليس التناسخ”، على عملية تكامل الإنسان و تطوره و نموه و تزكيته، بقوله:
في أحد الأيام كنا جميعا حيوانات منوية في مسيرة استمرت ثلاثة أيام، بوعي و هدف واضحين. أكلنا و شربنا للعيش و الوصول إلى البويضة. ثم رأت الحيونات المنوية حيوانا منوياً و هو يدخل تلك الدائرة الكبيرة و يختفي. قالت الحيوانات المنوية: الدائرة أكلت الحيوان المنوي فمات. ولكن بعد ثلاثة أيام، ماتت جميع الحيوانات المنوية، و أكمل ذاك الحيوان المنوي حياته و تحول إلى جنين.
يكمل الجنين الرحلة في رحم الأم و ينمو و يأكل و يشرب و يتحرك و يبني علاقات مع قلب الأم و رئتيها و كبدها و كل ما حوله. الجنين ذكي، فهو يعرف كم يجب أن يكون طول شعر الرأس و الحواجب. بعد 9 أشهر، تدفع بعض القوى الجنين للخارج، لكن أعضاء الأم تظهر معارضة و تتمسك بجنينها. في النهاية، يتم دفع الجنين للخارج، داعيا الأعضاء الموجودة داخل جسم الأم إلى الحزن على وفاته، بينما يحتفل أولئك الذين هم خارج جسم الأم بميلاد الطفل.
الموت و الولادة أداتان في عملية التكامل، كوجهين لعملة واحدة، و الفرق يعتمد على المكان الذي نقف فيه. أولئك الذين على هذا الجانب يشهدون الموت و أولئك الذين على الجانب الآخر يشهدون الولادة. وهكذا، تستمر عملية التكامل.
في هذه العملية، تتكامل الأبعاد المكانية و الزمانية فينا. البعد المكاني تكامل فينا منذ أن كنا حيوانات منوية، تتحرك في مساحة لا تتجاوز عدة ملليمترات، بينما كان الجنين في الرحم يحرك يده، و كانت هذه الحركة أكبر نسبيا من حركة الحيوانات المنوية. ثم يأتي الرجل الذي يسافر بين قارات الكوكب، و تتجول روحه أخيرا في السماوات التي لا نهاية لها. و بالمثل، فإن البعد الزمني قد تم تكامله فينا منذ أن كنا حيوانات منوية تعيش لمدة 3 أيام فقط، ثم جنين عاش لمدة 9 أشهر، ثم إنسان عاش 90 عاما و أخيرا روح تعيش إلى الأبد. وهكذا، تستمر عملية التكامل.
عندما كنا حيوانات منوية، كنا بحاجة إلى ذيل للبقاء على قيد الحياة و النجاح، و كان الجنين بحاجة إلى الحبل السري للبقاء على قيد الحياة و النجاح، و يحتاج الإنسان إلى اليدين و الرجلين للبقاء على قيد الحياة و النجاح. في هذه العملية التكاملية، لا يحتاج الجنين إلى ذيل مثل الحيوانات المنوية، و لا يحتاج الرجل إلى الحبل السري مثل الجنين، و لا تحتاج الروح إلى الجسد بعد الموت. و الحقيقة هي أن الذيل و الحبل السري و جسم الإنسان ليست سوى أدوات مؤقتة لعملية التكامل.
يجب ألا نغفل عن أداتين مهمتين للعملية التكاملية، و هما الذكاء المادي (الجسدي) و الذكاء الأخلاقي. يعتني الذكاء الجسدي باحتياجات الجسم، مثل مساعدة الإنسان على الجري من خلال توفير كمية كافية من الأكسجين و أمر العضلات بالانقباض و توسيع و تسريع عملية التنفس عن طريق تسريع ضربات القلب. بینما يعتني الذكاء الأخلاقي بالروح و يعدها للحياة بعد الموت، و يتطور فينا من خلال ممارسة الحب و النزاهة و الصدق و غيرها من الصفات الجميلة، فالذكاء الجسدي يوفر الرخاء و ليس الطمأنينة، و السرير و ليس النوم.
إذن، ما هو الشيء الذي يتم تكامله باستمرار باسمي؟ ما الذي يستمر في التحرك للحفاظ على هويتي؟
الذكاء الأخلاقي هو ما يشكل شخصيتي و هويتي و من أنا، من خلال الروابط التي تربطنا بالآخرين، مثل الصدق أو الحب أو الكراهية و الأكاذيب. الذكاء الأخلاقي يشكل الروح، و سيحدد صلاح الروح أو فسادها و استعدادك للحياة بعد الموت.
و الصلاة هي سنام الروابط الأخلاقية التي تشكل علاقتنا مع الخالق، الله (ﷻ). لذلك، نحن مطالبون بالصلاة عدة مرات في اليوم حتى لا ننسى أن وجودنا في هذا العالم هو إعداد للولادة الحقيقية. و نحن بحاجة إلى الروابط الأخلاقية للحياة بعد الموت. و كلما كانت هذه الروابط أقوى (مثل الحب و النزاهة و الصدق)، كلما كنا أكثر نجاحا بعد الولادة الحقيقية.
الخلاصة
• للاسلام أجوبة نموذجية للأسئلة الغيبة.
• حب الله (ﷻ) يرفع من شـأن الانسان فوق كل المخلوقات.
• طاعة الله (ﷻ) تكمل الإنسان من خلال الاتصال بالناس بأجمل صفاته و الاتصال بالله (ﷻ) باجمل عباداته.
• التشكيك في الله (ﷻ) بطرح الأسئلة النرجسية يحط من شأن الانسان.
• قد تقنع هذه المقالة المحطم الغاضب، لكنها لن تقنع أبدا النرجسي المغرور.
• انه اختيارك و ارادتك الحرة.
إنه لأمر مضحك عندما أصادف المستهزئين من غير المؤمنين، الذين ينتقدون السخرية التي يمارسها المؤمنون الصابرون في الحياة الآخرة، كما في الآية 34 من سورة المطففين:
“فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ”
من الواضح أن هذه الآية و السورة تزعجان غير المؤمنين الساخرين. يبدو أنهم يرضون السخرية من المؤمنين و لا يرضون استهزاء المؤمنين منهم. و يبدو أنهم يعتبرون السخرية من المؤمنين في الحياة الدنيا أمر لطيف و صحيح، ولكن يعتبرون سخرية المؤمنون منهم في الحياة الآخرة امر قبيح و خاطئ. إنه لأمر مضحك فعلا!
و هنا، أحتاج أن أشرح للمؤمنين و الكفار المسالمين (الغير مستهزئين) موقف القرآن المشرف و المبرَّر. و للقيام بذلك، أحتاج إلى مقارنة أسلوب القيادة في القرآن الكريم بأسلوب القيادة المتبع في أكثر الشركات شهرة في العصر الحديث، و مقارنة تعاملهما مع الكفار. نعم، عزيزي القارئ، حتى المؤسسات و الشركات يجب أن تتعامل مع الكفار بقوانين المؤسسات!
و المثال الذي لا يمكن ان يُفهم بسوء موجود في الصفحة 47 من كتاب جميل عن القيادة و عنوانه “Monday Morning Mentoring” بقلم ديفيد كوتريل، و الذي يبرر إنهاء خدمة الموظفي ذو النجوم الساقطة (كفار الشركات) قائلا:
“إذا كانوا (اي موظفو الشركات) يعرفون قواعد السلوك المقبولة، و توقعات الأداء، و عواقب عدم الأداء، فقد اتخذوا (اي كفار الشركات) الخيار لك (القائد) للمضي قدما (و إنهاء خدماتهم)”.
لن أستطيع قول ذلك بشكل أفضل!
فعندما يتخذ الموظف قرارا مستنيرا بانتهاك قانون الشركة، فإن قيادة الشركة سوف تمتثل ببساطة و تحترم قراره و اختياره، و ستقوم الشركة في النهاية “بمكافأة” مثل هذا الموظف من خلال تطبيق العقوبة المنصوص عليها و التي اختارها الموظف لنفسه (انهاء الخدمة)، وفقا للقوانين و القواعد التي قرر الموظف انتهاكها بوعي. هذا الأسلوب اللائق في القيادة تتبعه جميع الشركات ذات السمعة الطيبة في العصر الحديث، حتى لو اعترض عليه الموظفو ذو النجوم الساقطة (كفار الشركات)، تماما كما يعترض الكفار الساخرون على أسلوب القيادة في القرآن الكريم. فلابد لانتهاك القواعد من عواقب و عقوبات.
إن أسلوب القيادة الحديث و اللائق أعلاه لدى الشركات الناجحة مطابق لأسلوب القيادة اللائق للقرآن الكريم و الذي ينتقده المستهزئون بجهل، كما هو منصوص عليه في الآية 36 و الأخيرة من نفس السورة (المطففين):
“هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ”
فكما هو الحال في الشركات الحديثة ذات السمعة الطيبة، أولئك الذين يختارون عن علم انتهاك قواعد السلوك الإسلامية المقبولة، و توقعات الأداء، و عواقب عدم الأداء، فقد اختاروا أن يمضي الله جل جلاله (ملك يوم الدين) قدما بتكريمهم و مكافأتهم و منحهم العقوبة التي اختاروها لأنفسهم.
فالقرآن يتعامل مع الكفار كما تتعامل الشركات ذات السمعة الطيبة مع كفار الشركات، و لا يهم الله رأي المستهزئ الكافر في اسلوب قيادته، كما أن رأي كفار الشركات لا يهم القيادة في الشركات الحديثة. فلا يمكن للمرء أن يتوقع أن يفلت من قراراته المستنيرة و أفعاله المنتهِكة، ما لم يتب. و وفقا للقواعد القرآنية، يمكن لغير المؤمنين الساخرين الاستمرار بحرية في السخرية و الضحك على المؤمنين في الحياة الدنيا، و المؤمنين بدورهم سيفعلون الشيء نفسه معهم في الحياة الآخرة، و هذا لائق و عادل تماما.
أخيرا و ليس آخرا، دعونا نقرأ معا هذا الحديث الصحيح و الجميل، و الذي لا يحتاج إلى شرح و يزعج مثل هؤلاء المستهزئين:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (رضي الله عنه) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): “مَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ فِي الْحَقِّ يَكُونُ لَهُ فِي الدُّنْيَا بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ فِي إِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ أُدْخِلُوا النَّارَ. قَالَ يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَحُجُّونَ مَعَنَا فَأَدْخَلْتَهُمْ النَّارَ. قَالَ فَيَقُولُ (الله جل جلاله): اذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ. قَالَ فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى كَعْبَيْهِ فَيُخْرِجُونَهُمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا. قَالَ وَيَقُولُ (الله جل جلاله): أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنْ الْإِيمَانِ. ثُمَّ قَالَ (الله جل جلاله): مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ نِصْفِ دِينَارٍ، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ.” قَالَ أَبُو سَعِيدٍ (رضي الله عنه): فَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ” إِلَى “عَظِيمًا” سورة النساء الآية 48.
إذا كنتُ في مكان مثل هؤلاء المستهزئين، لأعتذرت لنفسي!
أدعو الله أن يهديهم و يمنحهم و أحبائهم خير الدنيا و الآخرة. آمين!
الدين و الانسانية
ترجمة و تصرف: خالد الخاجة
في زماننا و مجتمعاتنا، يتصدر الكلام عن الدين و المذاهب بمقارنتهما بالليبرالية و مذاهبها الديمقراطية. فبينما هناك من يرى الحل في وجوب تشريع الاحكام الدينية و العمل بها، تجد أيضاً من يرى أن الدين سبباً لكل المصائب في التاريخ. كما أن هناك من يرى الحل في وجوب تشريع الاحكام الليبرالية و العمل بها، و من يرى أن الليبرالية و الديمقراطية مجرد شكل جماعي للاستبداد و سبباً لكل المصائب في التاريخ الحديث.
و أكثر ما يُنفِر البعض عن الدين و الليبرالية، هي التصرفات المتناقضة لبعض المنتسبين الى الدين و الليبرالية. فتجد الليبرالي يتصدر المنظمات الحقوقية و يتكلم عن العدالة و المساواة و الحفاظ على البيئة و احترام حرية التعبير و كرامة الانسان و حقوق البشر و الحيوان، بجانب ظلمه للعباد و أكله لحقوق الناس و الكذب عليهم و تكميم افواههم. هؤلاء يفتنون المسلمين و الليبراليين بسوء صنيعهم. و تجد المتدين يرتاد المعابد و يصلي و يصوم، بجانب ظلمه للعباد و أكله لحقوق الناس و الكذب عليهم. هؤلاء أيضا يفتنون الكفار و المسلمين بسوء صنيعهم، و نعوذ بالله أن نكون منهم كما ورد في الآية 5 من سورة الممتحنة “رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ”
و المشكلة تبدأ عندما تشاهد مقطع فيديو بعنوان “الانسانية أفضل الأديان”، يظهر فيه رجل ليبرالي ملحد و هو يرحم حيواناً عاجزاً، ثم يظهر رجل متدين و هو يؤذي حيوناً لطيفاً.
الكثيرون يعتقدون خطأً بأن الانسانية من ثمار الدين و الليبرالية، في حين أن الانسانية في حقيقتها من ثمار العقل و الفطرة. فالانسانية ليست ديناً أو فلسفة سياسية، و انما وظيفة، و الطيبة و الصدق و العدالة واجباتنا الانسانية. و لأننا كائنات عاقلة، تعد ميزة العقلانية مسؤولية اضافية نحملها و تثقل أكتافنا. و البعض يعتقد باطلاً بوجوب التصفيق للصادق و العادل و الأمين، في حين أن هذه صفات انسانية و غريزية و تختص بالانسان، كما أن الصفات الحيوانية غريزية و تختص بالحيوانات. لذا، صلاح الانسان من العقل و الفطرة و ليس من الدين أو الليبرالية. أي أن البشر كانوا سيتوصلون بأنفسهم الى هذه المعاني الفطرية و يراعونها.
و الدين فلسفة سياسية و اجتماعية، حالها حال الليبرالية، كما أن الدين مرتبة ما بعد الانسانية و ليس قبلها، فالانسانية قاعدة الدين لا سقفه. و لأنك خُلِقتَ انساناً، يَعتبِر الدين انسانيتك أول وظائفك البديهية. و بعد مراعاتك للقوانين الانسانية و تحولك الى انسان كامل، عندها فقط ستكون على استعداد لتولي مهام دينية جديدة و اكثر رقياً، بهدف الارتقاء بك الى مراتب أعلى من الانسانية، كما في الرواية “…. فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا”، البخاري 3374.
فالدين (الاسلام) فلسفة سياسية و اجتماعية كالليبرالية، لم يأتي ليجعل منك انساناً، فبناء الانسانية من واجباتنا الفطرية. الدين أتى ليقربك الى الله، و من شروط التقرب الى الله أن تكون انسانا كاملا. فالدين يدعوك للاطلاع على ما وراء العالم المشهود، و التعرف على عالم الغيب و كشف حقيقة الوجود و سر الخلق و عشق الخالق و توسيع ابعاد وجود الانسان. ولكن، لن يتحقق اي من هذا الا بعد تحقق الانسانية.
فالانسانية أُولى درجات سُلَّم الدين، و لا يستطيع احد أن يرتقي درجات السلم دون ان يرتقي الدرجة الاولى من السلم. و مَثَلُ من أحيى في نفسه الانسانية، كمثل من بذر بذرة طيبة، و الدين هو الماء القادر على تحويل هذه البذرة الى شجرة مباركة. و مثل من يأدي المناسك الدينية من دون تحقق الانسانية، كمثل من يسقي أرض بلا بذر خمس مرات في اليوم و لمدة خمسين سنة. و مثل من يأدي المناسك الليبرالية من دون تحقق الانسانية، كمثل من يسقي أرض بلا بذر مرات في اليوم و لمدة خمسين سنة.
و مثل من يملك الدين و لا يملك الانسانية، كمثل من يركب قطار الملاهي، و هو يدور على نفسه في حلقة مغلقة، ظناً و وهماً منه بأنه سيصل الى المقصد، كما في الآية 104 من سورة الكهف “ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”.
و مثل من يملك الانسانية و لا يملك الدين، كمثل رجل عادل يركب قطاراً حقيقيا و قادر على الوصول الى مقصده الدنيوي، كما لمَّحَ الى ذلك الامام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 28:146 “ان الله يقيم الدولة العادلة و ان كانت كافرة، و لا يقيم الدولة الظالمة و ان كانت مسلمة”. و مثل من يملك الانسانية و الدين، كمثل رجل عادل يملك أجنحة للطيران.
فالدين من دون الانسانية دعابة طفولية، و المتون الدينية صريحة في أن لا ايمان لمن لا يرحم و لا ايمان لمن لا يستحي و لا ايمان لمن لا يصبر. فمن المهم أن لا نخلط بين التدين و الايمان، فالكثيرون يملكون الدين و لكنهم لا يملكون ايماناً. و وردت اهمية الايمان في سنن ابن ماجه، الرواية 61:
“عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ (ﷺ) وَ نَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا” و الحزور هو الغلام الذي قارب البلوغ.
و التدين أو الليبرالية يجعلان الطيب أطيب و السيء أسوأ. فمن كان يملك الرحمة سيزيده الدين رحمة، في سبيل الله و حباً في الله. أما من كان لا يملك الرحمة، فسيزيده الدين و الليبرالية و الفسلفات السياسية و الاجتماعية الأخرى، نقصا في رحمته، و يبرر له اعماله الخالية من الرحمة. و هذا يصدق في شأن دواعش الشرق، و هم الذين صوروا تقطيعهم لرؤوس البشر بالسكاكين، كما صدق من قبل في شأن دواعش الغرب و الذين صوروا إحراقهم للبشر (رجالا و نساء و اطفال و كهولا و مرضى) بالقنبلة النووية.
و قد يسأل سائل: أيعقل أن يجعل الدين الطيب أطيب و السيء أسوأ؟!
الاجابة: نعم! و القرآن الكريم، معجزة محمد (ﷺ)، يؤكد على ذلك في سورة الاسراء الآية 82 “وَ نُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ لَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا”
فالقرآن شفاء للمؤمن، و هو الانسان الصالح و الذي تستطيع أن تكون في حضرته على حقيقتك، و دون أن تخشى التهمة، كما في الآية 4 من سورة التوبة “إِلَّا ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْـًٔا وَلَمْ يُظَـٰهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوٓا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ”
ولكن القرآن أيضا سبب خسارة الظالم، و ليس هدايته. و مثال ذلك، عندما تضع بيضة و بطاطا معاً في ماء يغلي، ستتصلب المحتويات اللينة في البيضة و تلين المحتويات الصلبة في البطاطا. الانسان الصالح كالبطاطا، عندما يواجه الدين يلين و يلطف قلبه، في حين أن الانسان السيء كالبيضة، عندما يواجه الدين يقسوا و يتصلب قلبه.
و العبادات، كالصلاة و الحج و الزكاة، لم تأت لتصنع الانسان، و إنما أتت لتعرج بالانسان. فالصلاة لا تُصلِح الانسان السيء و انما تزيد الانسان الصالح صلاحاً. و الدنيا مليئة بالطيبين و الطيبات و إن لم يصلوا و لم يصوموا، و مليئة بالسيئين و السيئات و إن صلوا و صاموا. إن ادائي لسبعة عشرة ركعة في اليوم، تعظيما لله، لن تعالج رغبتي في احتقار الآخرين و حسدهم و غيرها من العقد النفسية. فهذه الامراض و الصفات القبيحة بحاجة الى العلاج بالمطالعة و الحوار و جهاد النفس. فالصلاة لا تُصلِح انسان يعاني من عدم الثقة بالنفس و الصيام لا يُبدِل الحسد عزة.
قيل أن رجل التقى بعالم و سأله عن شكله في البرزخ. فأجابه العالم: ستشبه الحمار. فاختلى الرجل بنفسه اربعون ليلة، يتهجد لياليها و يصوم نهارها، ثم رجع الى العالم و سأله تارة أخرى عن شكله في البرزخ، و أجابه العالم: أصبحت تشبه حمارا منيراً.
أتى الدين و الليبرالية ليزيدوك نورا، ولكن ما الفائدة من النور في غياب الانسانية؟ أمثال هذا الحمار المنير، كمن اغتالوا عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و علي بن ابي طالب و الحسين بن علي، رضوان الله عليهم. و أمثال هذا الحمار المنير ، كمن اغتالوا غاندي و مارتن لوثر كينغ و مالكوم اكس و الرئيس الامريكي كنيدي. فلا يوجد شيء أخطر من التدين او الليبرالية في غياب الانسانية. لأن هذا الشخص سيبيح لنفسه افعال غير انسانية مع الاحساس بالروحانية الدينية أو سمو الليبرالية، كالمسلم الذي يضطهد امرأة حرة ليذكرها بالحجاب او كالليبرالي الذي يضطهد امرأة حرة ليخلع عنها الحجاب. و لسان حالهما كمن قال في الآية 12 من سورة الأعراف “أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ”.
و عليه، اذكر نفسي و اياكم بأن الانسان بحاجة الى الانسانية. فالدين و المذاهب أو الليبرالية و مذاهبها الديمقراطية لن ينفعونا في غياب الانسانية. فحاسب إنسانيتك، أيها الانسان، قبل أن تحاسب الدين (الاسلام)!
لماذا نرى جانبا واحدا من القمر؟
الكاتب: خالد الخاجة
في السنوات ال 300 الماضية، اكتشف العلم الحديث أن القمر يدور حول محوره مرة واحدة في نفس الوقت الذي يستغرقه للدوران حول الأرض مرة واحدة. لهذا السبب، يكون جانب واحد من القمر مظلما دائما (ليلاً) بينما يكون الجانب الآخر ساطعا دائما (نهاراً). نحن على الأرض فقط نرى جانب القمر الذي يكون ساطعا دائما. سبحان الله!
بفضل الله، تدور الأرض حول محورها مرة كل 24 ساعة، نصفها ليل و نصفها الآخر نهار. ولكن إذا تباطأت الأرض في الدوران و دارت حول محورها مرة كل 365 يوما (وهو نفس مقدار الوقت الذي تستغرقه الأرض للدوران حول الشمس مرة واحدة)، فسيكون جانب واحد من الأرض مظلما دائما (ليلاً) بينما سيكون الجانب الآخر ساطعا دائما (نهاراً).
تبارك الله الذي سجل الظاهرة المذكورة أعلاه في القرآن الكريم قبل 1400 سنة، و اقرأ ان شئت تفسير الآيات 71 و 72 من سورة القصص:
“
”قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ. قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ”
فسبحان الله الخالق الذي يطمئن المؤمنين في شتى الأزمان و بطرق حديثة.
فقداننا للصمت
للكاتب: Sa’īd Abdul Latif
المصدر: موقع Medium
ترجمة: خالد الخاجة
“كانت حياتك القديمة هروباً جنونياً من الصمت …”
هناك جائحة في وسطنا. إنه نظام لا يعرف حدوداً ولا حداً، و يجري القليل لمواجهته. في الواقع ، يزداد الأمر سوءا بشكل متزايد و نشط.
أنا لا أتحدث عن كوفيد. بالأحرى، هو شيء أكثر غدرا، و ربما يلتهم المزيد من الأرواح داخل فكيه.
إنني أتحدث عن جائحة فقداننا للصمت.
قد يبدو من المبتذل الشكوى من فقدان الصمت عبر الإنترنت. فالميمات و الاقتباسات حول أهمية الصمت تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من بين اقتباسات ملهمة أخرى و كلمات الحكمة. و المثير للسخرية، أن النشر على الإنترنت حول أهمية الصمت يضيف المزيد من الضوضاء و الفوضى. ربما من الأفضل عدم قول أي شيء على الإطلاق؟ أغلق الكمبيوتر المحمول، و تناول كوبا من الشاي، واذهب إلى الفراش.
ربما!
و مع ذلك، بدا لي أنه يستحق القول، وغالبا ما أجد شيئا يستحق القول، لأنه يستحق أن أقوله لنفسي. حدث لي شيء ما مؤخرا كشف عن هروبي من الصمت. بل “هروباً جنونياً من الصمت” ، على حد تعبير الرومي.
مشكلتنا
لقد أصبحنا مثل الضفدع الذي يضرب به المثل في وعاء من الماء الذي يسخن ببطء. فالضفدع لا يلاحظ ارتفاع درجة حرارة الماء في القدر إلا بعد فوات الأوان، و يتم غليه حيا. (في الواقع، الحقيقة مغايرة تماماً و الضفدع سوف يقفز بكل بساطة، ولكن دعونا نلتزم بقصة المثل لغرض النقطة التي أحاول توضيحها).
في بيئتنا الخاصة، نحن مثل هذا الضفدع بقدر ما أصبحت حياتنا صاخبة و فوضوية، مع عدم وجود صمت داخلي أو خارجي.
هناك قدسية في الصمت و السكون. في الإسلام، و كذلك في تقاليد الصلاة لدى الأخرين، يعد الصمت شرطا أساسيا للصلاة. يجب أن نلتزم الصمت. سكون. مدركين لحضور الله. هادئ. متأن. ومع ذلك، لا يمكن القيام بذلك عندما تكون كل حياتنا الداخلية و الخارجية ضوضاء. هروباً جنونياً. ضوضاء. فوضى. حتى الفوضى الجسدية و القذارة في المكان الذي يصلي فيه المرء حرام.
مثل المياه الهائجة و المضطربة، تصبح أرواحنا الفوضوية متقطعة و موحلة، و لا يمكننا سوى رؤية السطح. ولكن عندما نكون صامتين و في سكون، تهدأ المياه. الروح نقية، فيمكننا أن نرى العمق.
هذا السكون – هذا الصمت – هو شرط أساسي للحياة الروحية. فالصخب و الفوضى و الضوضاء تؤدي إلى الصد الروحي. (كلمة سمعتها منذ بضعة عقود و ما زلت أقتبسها كثيرا: “الشيطان هو مخترع تعدد المهام”).
و مع ذلك، من الممكن تماما ألا يدرك المرء حقا افتقاره إلى الصمت. في مجتمع يشجع على تعددية المهام (الشيطانية)، و تولي وظائف متعددة، و العمل المستمر (السياسي، و الاجتماعي، و ما إلى ذلك)، و “إنجاز الأمور”، و قدر لا نهائي من وسائل التواصل الاجتماعي، و بث مستمر للموسيقى، و مقاطع الفيديو، و ما إلى ذلك، قد نكون ببساطة غير مدركين أن هذا ليس طبيعيا. ربما تكون شخصا، مثلي، يحب تحليل الأشياء و الدراسة و قراءة الكتب وما إلى ذلك. حتى هذا – حتى عندما يتم من أجل خدمة الخير و الإيمان و من أجل الآخرين و حتى من أجل الله – يمكن أن يصبح هروبا جنونيا من الصمت، ولكن من نوع مختلف. قد تكون الأهداف و المثل العليا أسمى، لكن النتيجة النهائية هي نفسها. فقدان السكون. هروباً جنونياً من الصمت.
بدون الصمت، لا يوجد ذكر لله. و بدون ذكر الله، لا توجد صلاة. و إذا لم تكن هناك صلاة … فلن يكون شيء على ما يرام. سوف تذبل أرواحنا بين ضجيج العالم.
إعادة تعلم الصمت
يحدث في بعض الأحيان أن يجد المرء نفسه في حادث أو مرض أو موقف منهك، يحتم عليه أن يتعلم كيفية المشي من جديد. هكذا هو الحال مع الصمت بالنسبة لنا. لقد اعتدنا (و أنا منهم) على الضوضاء المستمرة و القصف الجنوني للقلق طوال اليوم، لدرجة أننا نسينا كيف نصمت حقا. حتى الصلاة نفسها يمكن أن يتم التعجيل بها كواجب، بدون صمت حقيقي و لا ذكرى حقيقية.
و عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “تعلموا الصمت كما تعلمون الكلام، فإنَّ الصمت حلم عظيم، و كن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، و لا تتكلم في شيء لا يعنيك، و لا تكن مضحاكاً من غير عجب، و لا مشَّاءً إلى غير أرب”.
الصمت ليس ببساطة عدم الكلام. انها ليست حتى عدم وجود ضوضاء. بدلا من ذلك، الصمت هو حالة كاملة من روح المرء. يمكن للمرء أن يكون صامتا داخليا، متناغما مع ذكر الله، و في صلاة عميقة حتى في وسط تايمز سكوير. ومع ذلك، فإن الشخص ذو الروح المضطربة لن يجد الصمت حتى في وسط أكثر المساجد هدوءا أو أبعد القفار عن كل الناس أو الحضارة. بمعنى، أن الأمر متروك لنا أن من نكون. و مع ذلك، فإن حقيقة القرار هو: ما إذا كنا سنفتح قلوبنا للعالم و ضجيجه، أو نفتحها لله. إن مهمتنا هي أن نخضع لله – في صمت، في صبر، في عبودية، في محبة – و سيوفر لنا الله كل ما نحتاجه.
يجب أن نتوقف عن هروبنا الجنوني من الصمت.
“البدر العاجز عن الكلام يخرج الآن”
لقد ناقشت مؤخرا بعض هذه الأمور مع صديق مقرب، شيخ و إمام مثقف. وجهني إلى كتاب للعالم الصوفي الكبير ابن عطاء الله السكندري و هو بعنوان: التنوير في إسقاط التدبير (ترجمة د. إبراهيم حكيم). لقد كنت أقرأ هذا العمل مؤخرا و جنيت الكثير من الفوائد منه، حتى في الصفحات الافتتاحية (أخطط لكتابة المزيد عن هذا العمل لاحقا).
بينما كنت أقرأ الكتاب، صادفت هذا الجزء (ترجمة النص الانجليزي):
إن مثل من يقوم بالتدبير مع الله جل جلاله كالطفل الذي يسافر مع أبيه. أثناء سفرهم ليلا، يراقبه الأب، بدافع اهتمامه على ابنه، و يراقبه من حيث لا يراه ابنه. لا يستطيع الابن رؤية والده بسبب ظلام الليل الحالك، لذلك فهو مليء بالقلق بشأن كيفية تصرفه و العناية بنفسه. ولكن عندما يشرق القمر بنوره و يرى قرب والده منه، يسكت قلقه. لأنه يرى قرب أبيه منه، و يجد كفاية في رعاية والده له، حتى لا يضطر إلى الاعتناء بنفسه. و كذلك، من يقوم بالتدبير لنفسه مع الله جل جلاله، يفعل ذلك لأنه يعيش ظلمة الفراق، فلم يشهد قرب الله منه. لو كان قمر الوحدة الإلهية (التوحيد) قد أشرق، أو شمس العرفان، لكان قد رأى قربه الحقيقي منه، و لكان قد خجل من القيام بالتدبير معه. كان سيجد الاكتفاء في تدبير الله جل جلاله له، حتى لا يحتاج إلى التخطيط و الإدارة لنفسه.
“التدبير” في هذا الاقتباس تعني “الإدارة” و “تنظيم شؤون المرء”، و في هذا السياق تعني القلق المفرط بشأن إدارة شؤوننا الخاصة و اهتماماتنا الخاصة دون الثقة في الله، الذي يوفر لنا باستمرار ما نحتاجه. لأن الله هو الذي يدير كل شيء و يعرف الأفضل. هذا هو مفتاح صمتنا الداخلي. الثقة في الله. خضوعنا لمشيئة الله الذي يهدي الجميع الى عطفه و رحمته. ما الذي يجب أن نقلق بشأنه، باستثناء الخطيئة؟ و حتى عندما نخطئ، نلجأ إلى رحمته و شفقته من أجل المغفرة. ثم يصمت القلب في رحمة الله و تأمله. القلب الساكن، بمياه صافية، حيث يمكن للمرء أن يرى العمق.
هذا الرسم التوضيحي من ابن عطاء الله السكندري يتناسب تماما مع مقدمتي للرومي. و تنص القصيدة كاملة، المنسوبة إلى الرومي، على ما يلي (ترجمة النص الانجليزي):
مُتْ، داخل هذا الحب الجديد. طريقك يبدأ على الجانب الآخر. كن سماءً. خذ فأساً إلى جدار السجن. اهرب. اخرج مثل شخص ولد فجأة في الألوان. افعلها الآن. أنت مغطى بسحابة كثيفة. اهرب على رسلك جانبا. مُتْ، وكن هادئا. الهدوء أضمن علامة على أنك قد مُتَّ. كانت حياتك القديمة هروباً جنونياً من الصمت. البدر العاجز عن الكلام يخرج الآن.
كما قال ابن السكندري، في كمال بدر نور الله، تتوقف مخاوفنا من ليلة انفصالنا المظلمة عنه، بينما نعيش قربنا منه. مثل كهف أفلاطون، أصبحنا مفتونين بالصور الخيالية التي تعرض نفسها في الليل. تصبح أذهاننا مشغولة. نفقد صمتنا في ضجيج المشهد. ولكن عندما يضيء نور الله علينا في الظلام، سيتوقف هذا “الهروب الجنوني من الصمت” بالتَّأمل في مجد الله و جماله و جلاله و رحمته و إحسانه و إرادته.
إخوتي و أخواتي، أرجوكم صلوا و أدعوا لي ما استطعتم. هذه ليست سوى بعض الكلمات الفقيرة و المبعثرة من خادمكم. أتحدث بها في الغالب لأذكر نفسي بهذه الحقائق. إن شاء الله، قد تستفيد منها أيضا.
يرحمك الله. المجد لله لكل شيء.
ٱلْحَمْدُ لِلَّٰهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
الرابط:
https://medium.com/@SaidAbdulLatif/your-old-life-was-a-frantic-running-from-silence-842d847c37a9
التقويم الكوني في القرآن (6 أيام)
بقلم: خالد الخاجة
قرأت اليوم مقالة يشير الكاتب فيها إلى الآية 54 من سورة الأعراف و يطرح بسخرية السؤال التالي، و ذلك سعياً منه لنشر الشكوك حول القرآن (الإسلام):
سؤاله: “ما هي أهمية ذكر ستة أيام في القرآن (كما في الآية التالية)؟ ففي غياب السياق، يبقى الامر اعتباطياً. فالقرآن لا يقدم أي تفسير”.
“إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُۥ حَثِيثًۭا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍۭ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ” سورة الاعراف الآية 54.
اقول و بالله التوفيق: ما أحوجنا الى الجدية!
و للإجابة على سؤاله، أحتاج إلى شرح و مقارنة تقويمين كونيين.
التقويم الكوني لكارل سيغان:
في عام 1977، حصر البروفيسور كارل سيغان ببراعة 13.8 مليار سنة من تاريخ الكون (الوقت) في 12 شهرا، و يبدأ مع الانفجار العظيم (1 يناير) و ينتهي باليوم (31 ديسمبر)، و كل شيء آخر يقع بينهما.
التقويم الكوني للقرآن:
و بالمثل، يحصر القرآن تاريخ الكون (الوقت) في تقويم كوني مدته 6 أيام، و تصف الآية 10 من سورة فصلت أحداث اليوم الرابع بمزيد من التفصيل، على النحو التالي:
“وَ جَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِىَ مِن فَوْقِهَا وَ بَـٰرَكَ فِيهَا وَ قَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَٰتَهَا فِىٓ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍۢ سَوَآءًۭ لِّلسَّآئِلِينَ” سورة فصلت الأية 10.
لذا اقول لكل السائلين:
من المثير للاهتمام، أن إذا قارنا التقويم الكوني للقرآن و مدته 6 أيام بالتقويم الكوني لكارل سيجان و مدته 12 شهرا، يمكننا أن نلاحظ أنه في كلا التقويمين الكونيين، يتشكل كوكب الأرض بعد ثلثي الوقت، أي في اليوم الرابع وفقا للتقويم الكوني للقرآن و في الشهر الثامن وفقا للتقويم الكوني لكارل سيغان (الرجاء مراجعة الصورة و الرابط أدناه).
https://visav.phys.uvic.ca/~babul/AstroCourses/P303/BB-slide.htm
و من أصعب الأمور في الحياة هو شرح الواضحات، كما في هذه الحالة و كما هو الحال مع هذا السائل. فتفسير و أهمية العبارة “6 أيام” و المذكورة في القرآن واضحة جدا في الآيات التالية من سورة فصلت، و هي الآيات من 9 إلى 11، حيث يتم شرح التسلسل الزمني لتكوين الكون:
“قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادًۭا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ” 9.
“وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِىَ مِن فَوْقِهَا وَبَـٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَٰتَهَا فِىٓ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍۢ سَوَآءًۭ لِّلسَّآئِلِينَ” 10.
“ثُمَّ ٱسْتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِىَ دُخَانٌۭ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًۭا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ” 11.
بناء على ما سبق، و باختصار، يبدأ التسلسل الزمني لتكوين الكون في القرآن بالتشكل التدريجي لكوكب الأرض خلال اليومين 1 و 2، يليه تطور الجبال وغيرها من معالم كوكب الأرض خلال اليومين 3 و 4، و ينتهي بتكوين السماوات خلال اليومين 5 و 6. هذا و ببساطة، تفسير و أهمية العبارة القرآنية “6 أيام”، يا من تدعي غياب التفسير في القرآن!
و من الجدير بالذكر أن هذا التسلسل الزمني للتكوين الكوني القرآني (التقويم الكوني القرآني) يتوافق إلى حد كبير مع التسلسل الزمني للتكوين الكوني لكارل سيغان. بمعنى أنه في السنوات ال 1400 الماضية، تطور العلم بشكل كبير ليسد الفجوات مع مفاهيم القرآن. و أنا على يقين من أن العلم سيستمر، باذن الله، في القيام بذلك في السنوات ال 1400 القادمة وما بعدها.
و بهذا، أكون قد أجبت بالتمام و الكمال على سؤال من العصور الوسطى و انتهت صلاحيته، و الذي لن يسأله أبداً شخص مخلص و متعلم. فقبل طرح مثل هكذا سؤال، يحتاج المرء إلى تثقيف نفسه حول آيات القرآن المتشابهات، كما في الآية التالية:
“هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ ءَايَـٰتٌۭ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ وَ أُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌۭ ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌۭ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَ ٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِۦ ۗ وَ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ وَ ٱلرَّٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّۭ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَ مَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ” سورة آل عمران الاية 7.
بادئ ذي بدء، الآية السابقة في القرآن الذي يسخر منه الكاتب، تتنبأ بأعجوبة بالسلوك المنحرف للسائل من خلال كشفها لسعيه في نشر الفتنة و الشكوك حول القرآن.
أما بالنسبة للآية التي كان يسخر منها الكاتب، فهي آية من الآيات المتشابهات، و التي لم يعرف معناها “الكامل” سوى الله، كما هو مذكور في الآية 7 من سور آل عمران. و ستبقى هذه الآيات غامضة لحكمة يعلمها الله و الى أن يحين الوقت المناسب و يأذن الله بالكشف عن معانيها الكاملة، كما في حالة الآية 54 من سورة الأعراف.
في الواقع و كما أوضحنا سابقاً، فإن عبارة “6 أيام” في الآية 54 من سورة الأعراف و التي أرقت مضاجع كاتب المقال و من على شاكلته، هي آية متشابهة و معجزة، سجلها الله في القرآن في القرن السابع الميلادي، بحيث يتم البدء بالتعرف على معانيها “كاملة” من خلال جهود العلماء الملحدين في القرن العشرين.
و تهدف هذه الآيات المتشابهة إلى إثبات صحة القرآن للأجيال القادمة، و إثبات أن القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلمة الله، خالق الكون سبحانه و تعالى. و كما ورد في الآية 7 من سورة آل عمران، فإن أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ (العقلاء) فقط من يدركون مثل هذه الآيات، و من الواضح أن السائل قد قرر عن طيب خاطر ألا يكون واحدا منهم. هذا محزن ولكنه عادل، فلا اكراه في الدين!
و لا يسعني الا أن أشكر الكاتب على سؤاله الرائع و أنصحه بالمداومة على سلوكه الاستجوابي، ولكن مع شيء من التواضع.
“قُلْ سِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُوا۟ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلْـَٔاخِرَةَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ“ سورة العنكبوت الأية 20.
رحم الله امرئ عرف قدر نفسه!
أشهد ان لا اله الا الله و أشهد أن محمد رسول الله!
“نعمة الله” كدليل على نموذج عثماني مكتوب
أهمية الخصوصيات الإملائية المشتركة
نشرت هذه الدراسة على الإنترنت من قبل مطبعة جامعة كامبريدج بتاريخ: 21 يونيو 2019
الباحث: مارين فان بوتين (Marijn van Putten): ملحد و متخصص في التاريخ اللغوي للعربية و البربرية. يركز حاليا على البحث في السمات اللغوية للنص القرآني و علاقتها باللغة العربية كما تنعكس في الأوراق البردية و النقوش الإسلامية المبكرة، و كذلك النسخ بالأحرف غير العربية مثل النصوص اليهودية العربية و النسخ باليونانية و القبطية العربية. إلى جانب ذلك، يواصل العمل على إعادة بناء التشكل التاريخي للغة البربرية.
المترجم: خالد الخاجة
مقدمة المترجم:
هذا ملخص لما استطعت أن أترجم من هذا البحث الجامعي الصعب و الغزير، حيث يقوم الدكتور فان بوتين (و هو ملحد) بالتحقيق في تاريخ القرآن الكريم. و الجدير بالذكر بأن الباحث يعتمد الاخطاء الاملائية في المخطوطات القرآنية منهجية له للتأكيد على التماسك الشديد و الاتساق الدقيق و ترتيب النص و المعنى القرآني في جميع المخطوطات القرآنية، و بدقة شديدة. و يأكد الباحث كذلك على سلامة و دقة الرويات (السنة النبوية و علم الحديث) التي أرخت لنا القصة التقليدية لكتابة القرآن في عهد الرسول (ﷺ)، و من ثم جمعه في نسخته الاصلية في خلافة أبوبكر الصديق و نسخه و توحيده و نشره في خلافة عثمان بن عفان، رضوان الله عليهم.
قد تبدوا منهجية الدكتور بوتين غريبة للعامة، الا أن المختصون في المصارف المالية سيتفهمونها. فالخبراء المسؤولين عن التحقق و اعتماد توقيعات المتعاملين يشكون في التوقيع الذي يشبه التوقيع النموذجي مئة في المئة، بل ان من علامات التوقيع الحقيقي أن يشبه التوقيع النموذجي بنسبة سبعين بالمئة. فسبحان الذي قدر لنُسَّاخ القرآن الكريم (رضوان الله عليهم) أن يرتكبوا أخطاء املائية عفوية، ليضل بها من يشاء من الغوغاء و ممن في قلوبهم مرض و يهدي بها من يشاء من المختصين كالدكتور بوتين. و الحمد لله الذي جند عباد له ملحدين ليشهدوا على سلامة و اتساق علم الحديث و نزاهة رواده، كالامام البخاري، رحمهم الله.
الخلاصة
يتخذ هذا البحث نهج جديد للاجابة على: متى و كيف تم تدوين نص القرآن في شكله الحالي، و الذي يشار إليه عادة باسم “النص العثماني”؟ في القرآن، يمكن لكلمة “نعمة” كما في العبارة “نعمة الله” أو “نعمة ربك” أن تتهجى إما بالتاء المفتوحة أو التاء المربوطة. و من خلال فحص 14 مخطوطة قرآنية مبكرة، يتبين أن هذه العبارة مكتوبة باستمرار باستخدام تهجئة واحدة فقط من التهجئتين في نفس الموضع و في جميع هذه المخطوطات المختلفة. يقال إن هذا الاتساق لا يمكن تفسيره إلا بافتراض أن كل هذه المخطوطات تأتي من نموذج أصلي مكتوب واحد، مما يعني أنه يجب أن يكون هناك مشروع تدوين في وقت ما في القرن الأول. تشير النتائج أيضا إلى أن هذه المخطوطات، و بالتالي مخطوطات القرآن بشكل عام، تم نسخها من نماذج مكتوبة منذ الأيام الأولى.
المقدمة
على مدار تاريخ الدراسات القرآنية، يمكننا إدراك عدم الارتياح العام لدى المختصين حول تاريخ تدوين النصوص المتفاوتة. تقليديا، يعتقد أن الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنه) هو الذي قنن الرسمة، أو هيكل النص كما لدينا اليوم. و اشتهر وانبوره Wansbrough في السبعينيات من القرن التاسع عشر بموقفه المخالف لهذا الفهم التقليدي، و افترض أن عملية جمع النص لابد لها أن حدثت في وقت متأخر من قرنين أو ثلاثة قرون بعد التاريخ المحدد تقليديا.
مع اكتشاف العديد من المخطوطات القرآنية المبكرة و التي من الواضح أنها أقدم من التاريخ المتأخر الذي اقترحه وانبوره، أصبح من الواضح الآن أنه يجب التخلص من هذا الموقف المخالف في أكثر أشكاله تطرفا. و مع ذلك، لم يتم تبديد العديد من أسباب التشكيك في تحديد موعد مبكر لتجميع النص، ولا يزال هناك قلق عام في مجال الدراسات القرآنية.
يهدف هذا البحث إلى إظهار ليس فقط أن جميع مخطوطات القرآن المبكرة تنحدر من نموذج أصلي مكتوب واحد، ولكن أيضا أن النص قد انتشر بوضوح من خلال نسخ نموذج مكتوب، و ليس عن طريق النسخ من خلال الإملاء أو النسخ من تقليد شفهي. و بالنظر إلى التاريخ المبكر لبعض المخطوطات القرآنية العديدة التي تمت مناقشتها هنا (و التي يجب أن يعود تاريخ العديد منها إلى الفترة الأموية المبكرة)، يبدو من غير المرجح أن يكون هذا النموذج الأصلي المكتوب قد تم توحيده في وقت متأخر جدا عن وقت حكم عثمان (رضوان الله عليه)، و بالتالي يمكن اعتبار أن الحقائق تأكد الرواية الإسلامية التقليدية بدقة شديدة.
النص العثماني
ساهم العمل الرائد على طرس صنعاء من قبل صادقي و بيرغمان (المرجع صادقي و بيرغمان Bergmann 2010)، و لاحقا صادقي و غودارزي (المرجع صادقي و غودارزي Goudarzi 2012)، بشكل كبير في فهم أفضل للتأريخ النصي للقرآن. و قد سمح لهم استخدامهم للعلم الجذري (إعادة بناء عملية نقل النص في مخطوطة ما، على أساس علاقتها بمخطوطات أخرى) النظر إلى النص السفلي (ما تم مسحه) من طرس صنعاء، و بالتالي إثبات أن نصه يجب أن ينحدر من نوع نص مختلف عن ذلك الذي يعتبر عموما نوع النص العثماني، و علاوة على ذلك، للتأكيد على أن بعض النصوص القرآنية المنسوبة إلى “مصاحف الصحابة” يمكن اعتبارها أنواعا بديلة من النصوص. وبالمثل، يجب اعتبار طرس صنعاء، مع العديد من المتغيرات اللافتة للنظر (و التي غالبا ما تتفق مع مصاحف الصحابة الغير عثمانية)، كنوع نص منفصل.
يعرف صادقي نوع النص العثماني بأنه يتفق مع نص طبعة القاهرة للقرآن عام 1924، و هو تقليد “يقال إنه بدأ مع نشر المخطوطات العثمانية كأسلاف لجميع المخطوطات في التقليد النصي”، و تتفق جميع هذه المخطوطات على:
الغالبية العظمى من المخطوطات القرآنية المعروفة (جميعها باستثناء طرس صنعاء، في الواقع) هي من نوع النص العثماني، و لا توجد سوى اختلافات طفيفة في هذا النوع من النصوص. تطورت خلافات أكبر حول كيفية قراءة القرآن في تقاليد القراءة، ولكن ليس لها تأثير يذكر في الوحدة الشاملة الواضحة و المتسقة لنوع النص العثماني. و مع ذلك، فقد أدى السؤال حول مدى قدم هذا النوع من النصوص الموحدة إلى مناقشات مثيرة للجدل بين الأكاديميين في العقود الأخيرة، و القلق العام بشأن متى تم الانتهاء من النص بالضبط، يتخلل الكثير من الكتابة حول هذا الموضوع.
اقترح دونر Donner (المرجع دونر و رينولدز Reynolds 2008: 31) أن أحد الأسئلة الخمسة الأكثر أهمية و التي يتم تقديمها حاليا لعلماء القرآن هو ما إذا كان هناك نموذج نصي مبكر للقرآن الحالي أم لا؟ جادل وانبوره Wansbrough (المرجع ونبوره 1977) بأن القرآن لم يتم تجميعه إلا بعد مائتي أو ثلاثمائة عام من وفاة النبي (ﷺ)، في حين جادل بيرتون Burton (المرجع بيرتون 1977) بأنه تم تجميعه من قبل النبي (ﷺ) نفسه و ليس من قبل عثمان. منذ ذلك الحين، قام العديد من المؤلفين بتقييم هذه الأسئلة، ولكن لم يظهر إجماع واضح. سيناء Sinai (المرجع سيناء 2014 أ: 276) يتحدث عن “نموذج قانوني ناشئ”، و هو يفضل إغلاق النص القرآني المستلم في حوالي 700 ميلادية، بدلا من التاريخ التقليدي لحوالي 650 ميلادية. يقدم سيناء Sinai العديد من الحجج المضادة و التي تم اقتراحها، ولكن في دفاعه عن التاريخ التقليدي في الجزء الثاني من المقال (المرجع سيناء 2014 ب: خاصة 520 ف)، يعترف أنه من الصعب معرفة ما إذا كانت بعض الأجزاء لم يتم تصحيحها أو إضافتها حتى حوالي 700 ميلادية.
يعبر نوورث Neuwirth عن عدم يقين مماثل، و يقترح أن السيناريو التقليدي للاصدار العثماني هو “… معقول وإن لم يكن من الممكن إثباته” (مرجع نوورث 2003: 11).
شرع موتسكي (المرجع موتسكي 2001) في إثبات السرد التقليدي من خلال تتبع روايات هذه المجموعة من خلال طريقة الإسناد مع المتن، و يعبر عن تشاؤمه بشأن فائدة المخطوطات في المساعدة على تأريخ تدوين القرآن، مؤكدا أن “الطابع المجزأ لمعظم أقدم المخطوطات القرآنية لا يسمح لنا أن نستنتج على وجه اليقين أن أقدم المصاحف يجب أن يكون لها نفس الشكل، الحجم و المحتوى مثل تلك اللاحقة. و بالتالي لا يبدو أن المخطوطات مفيدة (حتى الآن) فيما يتعلق بقضيتنا” (المرجع موتسكي 2001: 2).
في السنوات الأخيرة، قدم المؤلفون العديد من الحجج القوية التي تتحدث لصالح التنقيح المبكر لنوع النص العثماني. الأدبيات التقليدية حول الرسم من المخطوطة العثمانية صادقة بشأن العديد من التفاصيل الدقيقة. وفقا لصادقي، من غير المرجح أن يكون مخطئا بشأن افتراضه الأساسي الرئيسي: تجميع القرآن من قبل عثمان (صادقي و بيرغمان 2010: 366 ف). تعتمد هذه الحجة إلى حد كبير على المقال الرائد الذي كتبه كوك Cook (المرجع كوك و ليفاديس Lividas 2004)، و الذي يوضح أن المتغيرات في الرسم و التي تم الإبلاغ عنها للمخطوطات الإقليمية المختلفة للكوفة و البصرة و دمشق و المدينة المنورة من قبل عثمان بن سعيد الداني في كتابه “المقنع في رسم مصاحف الأمصار” تشكل سياقاً. يبين كوك، على سبيل المثال، أن المصحف الدمشقي له العديد من القراءات الفريدة، و يشترك في العديد من القراءات الأخرى مع مصحف المدينة، لكنه لا يشترك أبدا في المتغيرات مع المصحف الكوفي أو المصحف البصري. تشير هذه الأنماط بوضوح إلى أن نقل و إدخال هذه المتغيرات يشير فقط إلى حوالي سبعة أنواع مختلفة ممكنة من السياقات stemmata، و أنها تتفق مع رواية نقل النص. و نظرا لأن العلماء المسلمين في العصور الوسطى لم يكن لديهم أي مفهوم عن علم الجذري، فإن حقيقة ظهور مثل هذا النمط تقود كوك إلى استنتاج أنه “علينا أن نتعامل مع الانتقال الحقيقي من النموذج الأصلي” (2004: 104).
و بما أنها لا تستند إلى مخطوطات فعلية و لا يقارنها كوك بالمخطوطات، فإن التقارير التي أنتجها الداني يمكن أن تكون حول أي مجموعة من المخطوطات المترابطة و المنسوخة من بعضها البعض، و ربما لم يكن لها بالضرورة أي علاقة بمصاحف الأمصار، إن وجدت أصلا. و مع ذلك، ان فرضية كوك و كون النموذج الأصلي يجب أن يكون مبكرا جدا، واضح بالتأكيد من عمل داتون Dutton على أقدم مخطوطة قرآنية و Or. 2165 (المتحف البريطاني)، و كلاهما مخطوطات قرآنية حجازية مبكرة و تظهران جميع أنواع المتغيرات في المصحف السوري، ولكن لم ينسب أي منها إلى المصاحف الأخرى، كما أفاد الداني (المرجع دوتون 2001 و دوتون 2004). لذلك لابد أن يستند تقرير الداني إلى واقع يمكن تأكيده في تقليد المخطوطات.
تقدم حجج كوك، جنبا إلى جنب مع تأكيدها على أدلة المخطوطة، حجة قوية لتدوين و توزيع مبكر للغاية لنوع النص العثماني. و من ثم فهو يتسق مع السرد التقليدي لتدوين و توزيع المخطوطات الإقليمية الأربعة. بينما أجد حجج كوك مقنعة، يبدو أنها مرت إلى حد كبير دون أن يلاحظها أحد، أو لم يتم اعتبارها مقنعة تماما. لذلك أود أن أقدم حجة أخرى تشير إلى نموذج أصلي مكتوب لنوع النص العثماني و الذي، علاوة على ذلك، يظهر أن هذا النوع من النص تم نسخه باستمرار من نموذج مكتوب و لم يتم نقله، كما يمكن تخيله، من خلال الإملاء أو النقل الشفوي.
الخصوصيات الإملائية
كما هو مذكور في القسم السابق، من حيث ترتيب السورة و ترتيب الآيات و حتى الصياغة المحددة، فإن جميع المخطوطات القرآنية، باستثناء واحدة، تنتمي إلى نفس نوع النص العثماني. ومع ذلك، ما لا يزال غير واضح هو كيف تم نقل هذا النوع من النص و متى تم إنشاؤه في شكله الثابت؟ لا يمكن العثور على إجابة محددة لهذا السؤال من خلال فحص الأدبيات الإسلامية، بل يجب أن تستند إلى دراسة نصوص المخطوطات القرآنية المبكرة. يظهر الفحص الدقيق لهذه المخطوطات أنه حتى الرسم المحدد بكل خصوصياته الإملائية يشير إلى نموذج أصلي واحد و مكتوب، تم نسخه من مصحف إلى آخر من خلال النسخ من نموذج مكتوب.
حتى الفحص السريع لطبعة القاهرة من القرآن يكشف عن العديد من التهجئات التي لا تتوافق مع قواعد الإملاء العربية الكلاسيكية. يمكن أن تكون هذه التهجئات في طبعة القاهرة ببساطة إعادة إنتاج الخصوصيات الإملائية المتحجرة و التي نشأت في الممارسات الإملائية ما قبل الكلاسيكية. لكن بعض هذه التهجئات غير القياسية و ما قبل الكلاسيكية تبدو في تباين حر. و تشمل ثنائيات مثل رحمة الله (تهجئة كل من رحمت و رحمة) نعمة الله (نعمت و نعمة)، جزاء سيئة (جزوا سيئة، جزا سيئة) ، و الملا (الملوا، الملا). تحدث مثل هذه الخصوصيات الإملائية بشكل متكرر في القرآن. عندما نجد مثل هذه الاختلافات في التهجئة، يجب أن نستنتج أنها لا تحمل أي قيمة لغوية، لأنها تعبر عن نفس العبارة بالضبط و بنفس المعنى. و يبدو أن هذه الاختلافات الإملائية تعزى إلى تقدير الناسخ.
ولكن هذه الخصوصيات الإملائية تعني لنا أكثر بكثير من مجرد إنعكاس أهواء الناسخ. فهذه الخصوصيات الإملائية تسمح لنا لنبين أن المخطوطات القرآنية تعود إلى نموذج أصلي مكتوب واحد و تم نسخ كل هذه الوثائق منه. إذا لم تنحدر مخطوطتان بالنسخ من نموذج أصلي واحد، فلن نتوقع حدوث نفس التهجئة في نفس الموقع بالضبط مرارا و تكرارا. ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما نجده: تحدث تهجئات شديدة الخصوصية مرارا و تكرارا في نفس الموقع بالضبط عبر جميع المخطوطات القرآنية المبكرة. لا يمكن أن يكون هذا الاختلاف إلا نتيجة نقل كتابي دقيق.
مثال: “نعمة الله”
من المواضع الجيدة لإظهار كيف أن الخصوصيات الإملائية تشير إلى نموذج أصلي مكتوب، هو من خلال الأسماء المؤنثة في حالة الاضافة. فبينما في قواعد الإملاء القرآنية، عادة ما تنتهي الأسماء المؤنثة بالتاء المربوطة (ة)، كما هو الحال في قواعد الإملاء العربية الفصحى، فإن نسبة كبيرة إلى حد ما (حوالي 22 في المائة) من التركيبات المؤنثة تكتب بالتاء المفتوحة (ت) بدلا من ذلك. بالنسبة لبعض العبارات الشائعة، يكون التوزيع بين هذين الشكلين متساويا تقريبا، و بالنسبة لبعض العناصر المعجمية، تكون هي التهجئة الوحيدة الموثقة. فالعناصر التي يكون فيها الشكلان سائدين على قدم المساواة هي مكان جيد بشكل خاص لإظهار أن الخصوصيات الإملائية يتم استنساخها باستمرار. يقدم الجدول 1 نظرة عامة على الأسماء المؤنثة و التي لها تناوب بين (ة) و (ت) في التهجئة، أو لها تهجئة (ت) فقط.
الجدول 1 تركيبة مؤنثة مع (ت) في القرآن
المترجم: الرجاء مراجعة رابط المقال
سأركز هنا على العنصر المعجمي الأكثر شيوعا، علاوة على ذلك، له توزيع متساو تماما تقريبا للتهجئتين، و هما في كلمة نعمة. هذه الكلمة تأتي اضافة إما الى كلمة الله أو ربك او ربكم. الاسم الذي يتم اضافته الى كلمة “نعمة” لا علاقة له باختيار التهجئتين، و يحدث تهجئته في كلا الاتجاهين أمام أي من الاسمين في طبعة القاهرة.
المخطوطات
تم فحص تهجئة “نعمة” مكررا في 23 موضع في القرآن عبر 14 مخطوطة قرآنية. في الجدول 1، تم استخدام اختصارات لهذه المخطوطات. النظرة العامة التالية تقدم بعض المعلومات حول هذه المخطوطات. تم أخذ هذه المعلومات من موقع Corpus Coranicum (www.corpuscoranicum.de)، ما لم يذكر خلاف ذلك على وجه التحديد.
المترجم: للاطلاع على النظرة العامة لبوتين، الرجاء مراجعة النسخة الانجليزية (الاصلية).
النتائج
يوضح الجدول 2 تهجئة كلمة “نعمة” كما تشهد عليها المخطوطات التي تم فحصها. ترد رمز المخطوطات القرآنية على المحور الأفقي، حيث تشير C إلى طبعة القاهرة، و عموديا هي المواقع ال 15 لتهجئة كلمة “نعمة” بالتاء المربوطة (ة) و التاء المفتوحة (ت)، و تدل على التهجئة “نعمة” و “نعمت” على التوالي.
الجدول 2 توزيع نوعين من الهجاء لعبارة “نعمة الله”
المترجم: الرجاء مراجعة رابط المقال
كما يتضح من الجدول 2، هناك علاقة قوية للغاية بين موقع التهجئة الخاصة في طبعة القاهرة و المخطوطات القرآنية السابقة. عدى موقعين فقط، Q 16:114 و Q 37:57، لا يظهر أي خلاف على الإطلاق. لا يمكن أن يعزى هذا الاتساق الكبير إلى الصدفة.
في حالة Q 16:114، تختلف مخطوطة واحدة فقط مع النمط العام، في حين أن المخطوطات السبع الأخرى و التي تم فحصها و التي تم إثبات هذا النموذج، تستخدم جميعها التهجئة الموجودة في طبعة القاهرة.
أم في حالة Q 37:57، فإن مخطوطتين لهما نفس نمط طبعة القاهرة، لكن الأربعة الآخريات لديهم جميعا تهجئة نعمت الله. يبدو أن طبعة القاهرة هنا مبتكرة جنبا إلى جنب مع W و Zid.
هناك مشكلة أخرى: تهجئة Q 2: 231 في K تختلف عن بقية المخطوطات. لكن من الواضح أن هذه الصفحة مكتوبة بخط متأخر جدا عن الصفحات الأخرى من هذه المخطوطة، لذلك لا ينبغي أن يهمنا ذلك. لدى Zid نفس الوضع بسبب خط متأخر جدا في Q 35: 3، ولكن في هذه الحالة يتوافق تهجئتها مع المخطوطات الأخرى.
الأثار و النتائج
لا يوجد سوى تفسير واحد محتمل للاتفاق القوي بين العديد من المخطوطات القرآنية المختلفة مع التهجئتين المحتملتين لكلمة “نعمة”: يجب أن يكون هناك نموذج أصلي وحيد و مكتوب تنحدر منه جميع المخطوطات القرآنية من نوع النص العثماني. و بالنظر إلى التاريخ المبكر المحتمل للعديد من هذه المخطوطات (النصف الثاني من القرن السابع)، فمن غير المرجح أن يكون للنموذج الأصلي لنوع النص “العثماني” تاريخ متأخر عن التاريخ المعتمد في التقليد – في عهد عثمان رضوان الله عليه (24-34 ه). حتى أن إسناد النص العثماني إلى “مشروع المصاحف الثاني” خلال ولاية الحجاج (رحمه الله 75-95 هجرية) يصعب قبوله. لا تشير أي من الروايات إلى مثل هذا التغيير الجذري خلال هذا المشروع، و العديد من المخطوطات التي تم فحصها هنا لها نطاقات زمنية أعلى في تأريخها الكربوني و الذي يسبق حكم الحجاج بعدة عقود. في حين أنه من المستحيل بالطبع إثبات أن التوحيد لم يحدث قبل عهد عثمان (رضوان الله عليه) على أساس هذه البيانات، فإن البيانات تتفق تماما مع الحساب التقليدي.
و النتيجة الثانية لهذه النتائج هي أنه منذ بداية توحيد النص، لابد لكل مخطوطة تنتمي إلى النص العثماني أن تكون قد نسخت من نموذج مكتوب. هذه الأنواع من الخصوصيات الإملائية هي بالضبط التي سيكون من المستحيل إعادة إنتاجها من خلال عملية الكتابة من الإملاء. و هذا النمط العام للنسخ القائم على النماذج المكتوبة من مخطوطة إلى أخرى يجب أن يكون قد استمر لعدة قرون. بينما ركزتُ في هذه الدراسة على أقدم المخطوطات القرآنية الممكنة، من الواضح أن هذه الأنماط استمرت في أوقات لاحقة، و إنحرفت عنها إلا بشكل ملحوظ في الفترة العثمانية باستخدام التهجئة الكلاسيكية. طبعة القاهرة هي عودة مقصودة و ناجحة للغاية إلى شكل الرسم الأصلي.
الخصوصيات الإملائية الأخرى
لقد درسنا التوزيع الخاص لتهجئة نعمت/نعمه، و أظهرنا أن هذا التوزيع يرتبط ارتباطا وثيقا عبر العديد من المخطوطات القرآنية المختلفة. يقدم هذا المثال أكثر من دليل كاف على وجود نسخة مكتوبة أصلية تنبع منها جميع المخطوطات القرآنية الأخرى، و أن جميع المخطوطات القرآنية من نوع النص العثماني قد التزمت بالكتابة ليس من الذاكرة، أو النسخ من الإملاء، ولكن تم نسخها من نسخة مكتوبة سابقة.
نعمت/ نعمة ليست العبارة الوحيدة التي يرتبط تهجئتها ارتباطا وثيقا عبر العديد من المخطوطات القرآنية المختلفة. جميع العبارات الأخرى ذات البنية المؤنثة و التي لها تهجئة مماثلة ترتبط بشكل مستمر، على سبيل المثال، رحمت/ رحمة و لعنة/ لعنت إلخ.
هناك أنواع أخرى من الخصوصيات الإملائية مثل تهجئة كلمة “جزاء”، و التي عادة ما يتم تهجئتها “جزا”، ولكنها تظهر مكتوبة “جزاو” مرارا و تكرارا في خمسة أماكن محددة: Q 5:29، 33، Q 42:40، Q20:76 و Q 39:34. و بالمثل من المستحيل فهم هذا التوزيع المحدد دون افتراض نسخ المصاحف من النماذج المكتوبة.
نقطة أخرى من الاختلاف الإملائي هي كلمة “الملأ”، مكتوبة “الملا” اثنتي عشرة مرة، ولكن في أربعة مواضع في طبعة القاهرة يتم تهجئتها الملوا (Q 23:24 ، Q 27:29 ، Q 27:32 ، Q 27:38). كل مخطوطة قرآنية مبكرة قمت بفحصها تتفق على أنه يجب تهجئتها على هذا النحو، بينما يتم تهجئة الباقي بالطريقة العادية “الملا”.
و مع ذلك، من المهم أن نلاحظ أنه لا يمكن إرجاع جميع الخصوصيات الإملائية كما وردت في طبعة القاهرة إلى هذه المخطوطات المبكرة. على سبيل المثال “دعوا الكفرين” Q 40:50 مكتوبة بشكل مطابق ل Q 13:14 “دعا الكفرين” في جميع المخطوطات القرآنية المبكرة التي فحصتها. و هكذا يبدو أن التهجئة مع “واو و الف” هي ابتكار لاحق.
علاوة على ذلك، لم يتم نقل جميع الخصائص الإملائية للنص العثماني بدقة حتى طبعة القاهرة. على سبيل المثال، يتم تهجئة ابرهم/ابرهيم كما في كلمة “ابراهيم” على شكل “ابرهم” في Q 2 من طبعة القاهرة. و رغم أن هذه التهجئة أكثر عشوائية، ولكنها مرتبطة داخليا ارتباطا وثيقا في جميع المخطوطات القرآنية المبكرة.
إن تحديد مثل هذه الخصوصيات الإملائية المشتركة بين هذه المخطوطات القرآنية المبكرة هو خطوة لا غنى عنها في دراسة النص القرآني، و ضروري لإنشاء طبعة نقدية من الرسم، و إعادة بناء النموذج العثماني. إن تحديد مثل هذه الخصوصيات، و ربما العثور على الأماكن التي تنحرف فيها المخطوطات اللاحقة بوضوح عن المعايير السابقة سيسمح لنا بإعادة بناء الاتجاهات و التطورات في قواعد الإملاء للمخطوطات القرآنية اللاحقة، و قد يسمح لنا حتى بتأكيد و/ أو تحديد المزيد من مساقات المخطوطات القرآنية المبكرة و التي حددها كوك (المرجع كوك و ليفاديس 2004) من أجل الحصول على فهم أفضل لانتشار و تطور النص القرآني.
قضية النص الكامل للكلمة الداخلية ( آ)
المشكلة الأخيرة التي يتم التركيز عليها بسبب فحص الاستنساخ المتسق للغاية للخصوصيات الإملائية في المخطوطات القرآنية المبكرة هي مسألة النص العام للكلمة التي يتخللها/يدخل عليها رمز (آ) أو حرف (آ) كاملة. فكما رأينا في هذا البحث، لا يحافظ النص العثماني على ترتيب الكلمات و ترتيب الآيات و ترتيب السور بشكل مثالي فحسب، بل يحافظ أيضا و باستمرار على اختلافات إملائية خاصة للغاية، لابد من تواجدها في النموذج العثماني. و نظرا للانتقال المتسق و بشكل لافت للنظر لهذه الميزات الخاصة، فمن المدهش للغاية أنه عندما يتعلق الأمر بالتهجئة المعيبة (المختصرة) لرمز الحرف (آ)، يبدو أن هناك تباينا حراً إلى حد ما بين الاحتمالين عبر المخطوطات القرآنية في بيئات معينة.
استحوذ هذا الاختلاف الحر على انتباه ديروش Déroche (المرجع ديروش 2009، ديروش f2014:25) الذي فحص الاختلافات الإملائية الداخلية للعديد من العناصر المعجمية في أقدم مخطوطة قرآنية و العديد من المخطوطات القرآنية المبكرة الأخرى. و يخلص إلى أن المعاملة غير المتسقة بين الكتبة تشير إلى أن كتبة أقدم مخطوطة قرآنية كانوا يقومون بترقية قواعد الإملاء نحو نص مُشَكَّل مقارنة بالنموذج الذي كانوا يعملون منه. من غير الواضح ما إذا كان النموذج الذي تم نسخ المخطوطة القرآنية القديمة منه قد استخدم النص المُشَكَّل بشكل غير منتظم، ثم تم استنساخه بدقة من قبل الكتبة، أو ما إذا كان الكتبة يقومون بالفعل بترقية الرسم كما يقترح ديروش، نحو الحصول على المزيد من النصوص المُشَكَّلّة. تجدر الإشارة إلى أن لابد من وجود درجة معينة على الأقل من النص المُشَكَّل في النموذج العثماني الأصلي.
على سبيل المثال، هناك اتفاق عالمي على أن جميع الجذور التي تشمل الحرف (آ) مكتوبة كاملة. لا يوجد شكل جذري آخر يعرض مثل هذا التهجئة المتسقة للكلمة التي تضم الحرف (آ). تم شرح هذا التوزيع بشكل مقنع بواسطة دييم Diem (المرجع دييم 1976: 258 ف و المرجع دييم 1979: 251 ف). و يشير إلى أنه في الخط الآرامي النبطي (سلف الخط العربي) لم تكن هناك طريقة لكتابة الحرف (آ) داخل الكلمة. لذلك يجادل بأن التهجئة الكاملة للحرف (آ) هي ابتكار من قواعد الإملاء الحجازية (القرآنية). و يشير إلى أن هذا قد حدث بسبب فقدان كلمة الهمزة الداخلية، فتليها إطالة تعويضية. نتيجة لذلك، ستتحول الأسماء التي بها الحرف (أ) إلى الحرف (آ)، و بالتالي ينتهي بها الأمر إلى الحصول على شكل مشابه للأسماء التي كان لها بالفعل الحرف (آ). على هذا النحو، كانت هناك أسماء تحمل الحرف (آ)، بعضها يحتوي على تهجئة مع ألف بينما يفتقر البعض الآخر إليها. تم تعميم التهجئة مع الألف لاحقا على جميع الأسماء من هذا الشكل، بغض النظر عما إذا كانت تحتوي في الأصل على همزة أم لا. يمكن تمثيل ذلك بشكل تخطيطي على النحو التالي:
المترجم: الرجاء مراجعة رابط المقال
في المرحلة الثالثة، يجب اعتبار تهجئة نار مع الألف بشكل أساسي شبه تاريخي. نظرا لعدم وجود طريقة للتمييز بين كلمات التي تحتوي الحرف (آ) و أسماء تحتوي الحرف (آ)، فقد تمت كتابة كل كلمة بهذا الشكل بحرف الألف.
فقط بعد اكتمال التعميم (باستثناء الفعل قال)، انتشرت هذه الأداة الإملائية الجديدة لكتابة الكلمة الداخلية (آ) إلى أشكال لا يمكن أن يكون لها همزة في هذا الموضع، مثل أشكال الأسماء التي تشمل الحرف الف و الحرف (آ). يبدو أن قواعد الإملاء التي نجدها في المخطوطات القرآنية المبكرة و كذلك في طبعة القاهرة من القرآن في طور انتقالي نحو الكتابة الكاملة لمثل هذه الأسماء، حيث يبدو أنه اختياري بشكل أساسي سواء كانت (آ) مكتوبة أم لا. عندما نقارن مثل هذه التهجئات عبر المخطوطات القرآنية المبكرة، على سبيل المثال أحد الأسماء التي درسها ديروش في أقدم المخطوطات القرآنية، و هي كلمة “عباد”، نجد أنه حتى المخطوطات التي هي كلها جزء من نوع المخطوطة السورية (أي المخطوطة القرآنية القديمة، Or. 2165 و We II 1913) يبدو أن هناك اختلافا حرا عبر المخطوطات، و لا يبدو أن المواضع التي تظهر فيها مرتبطة على الإطلاق.
الجدول 3 يجدول جميع تكرارات كلمة “عباد” في جميع المخطوطات الثلاث. كما يمكن أن نرى، لا يوجد اتفاق أو اتجاه واضح بين هذه المخطوطات الثلاث، مما يدل على أن وجود أو عدم وجود الألف لا يبدو فريدا من نوعه بالنسبة للمخطوطات السورية. يبقى هذا الاتجاه كما هو عندما نقوم بتضمين مخطوطات من نوع الكوفي أو البصري أو المدني.
الجدول 3 تهجئة كلمة “عباد”
المترجم: الرجاء مراجعة رابط المقال
لذلك في حين أن هناك العديد من الأمثلة على الخصوصيات الإملائية التي تم استنساخها بأمانة لمئات السنين في المخطوطات القرآنية، يبدو أن تقليد الكتابة الذي أنتج هذه النسخ لم يضع أي قيمة على الاستنساخ الدقيق للخصوصية الإملائية المحددة لكتابة كلمة (آ) مع ألف أم لا.
حتى لو افترضنا أن ديروش صحيح و أن الكتبة كانوا في الأساس “يطورون” قواعد الإملاء للنموذج الذي كانوا ينسخون منه، لا يمكننا أن نفترض أنه كلما كانت المخطوطات المبكرة في خلاف مع بعضها البعض، فإن التهجئة بدون ألف هي الأقدم. يبدو أن هناك “إهمالا” أكثر عمومية عندما يتعلق الأمر بالكلمات التي يدخل فيها الحرف الف، أيضا عندما لا تدل على (آ). على سبيل المثال، غالبا ما يتم تهجئة مايه (مائة) “ميه” و شاى (شيء) “شى”. هنا أيضا لا يمكن للمرء أن يتحدث عن أي استنساخ أمين للخصوصيات الإملائية عبر العديد من المخطوطات القرآنية المبكرة. يفحص الجدول 4 تهجئة مايه (مائة) و مايتين (مائتي) عبر المخطوطات القرآنية المبكرة التي تم فحصها أعلاه. من الواضح هنا أنه لا يوجد نمط ثابت بين قواعد الإملاء لمخطوطات القرآن المختلفة.
الجدول 4 تهجئة “المئة”
المترجم: الرجاء مراجعة رابط المقال
و بعبارة أخرى، فإن الكلمات التي تدخل فيها الحرف الف و التي لا تدل بوضوح إلى (آ) لا يتم التحكم فيها في تقليد الكتابة الذي أنتج هذه المخطوطات القرآنية المبكرة. و مع ذلك، يتفق العلماء بشكل عام على أن التهجئة مع الألف في “المية” و “الشي” هي التهجئة القديمة، في حين أن التهجئة التي لا تحتوي عليها مبتكرة (المرجع دييم 1980: 103 ف). لذلك يبدو أن إضافة و إزالة كلمة “ألف” الداخلية كانت تعتمد على تقدير الناسخ نفسه. لذلك لا يبدو من المفيد، عند مناقشة قواعد الإملاء القرآنية، التفكير من حيث التهجئة القديمة و المبتكرة للألف. من الواضح أنه في زمن المخطوطات القرآنية المبكرة المتاحة لنا، كان كل من التهجئة القديمة و المبتكرة متعايشتين. لا يوجد سبب لافتراض أن هذا الوضع كان مختلفا في وقت كتابة النموذج العثماني قبل عدة عقود. كما لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه عندما يتم إثبات تهجئة أو أخرى، يجب أن يكون للنموذج الأصلي العثماني الشكل القديم. و إلى أن تظهر أدلة أخرى، أو يتم التوصل إلى فهم أفضل لتذبذب كلمة “ألف” الداخلية، فمن السابق لأوانه التأكيد و الحديث عن ترقية قواعد الإملاء من نص مكتوب بشكل مختصر إلى نص مكتوب بشكل كامل.
في حين أن هذه القضية من الكتابة الكامل و المختصرة تمثل مشكلة لإعادة بناء رسم النموذج العثماني، يجب التأكيد على أن هذه القضية تؤثر فقط على أقلية من الكلمات التي تحتوي على كلمة داخلية (آ). فغالبية الكلمات ذات الكلمات الداخلية (آ) لها تهجئة يمكن التنبؤ بها في جميع المخطوطات القرآنية المبكرة و كذلك في طبعة القاهرة. تم تحديد بعض هذه المبادئ الإملائية بواسطة دييم Diem (المرجع دييم 1979: 255 ف)، و أنا ألخصها هنا. في بعض الأماكن قدمت إضافات إلى تعميمات دييم. و بما أن دييم استند في تعميماته حصريا إلى طبعة القاهرة، فإن أدلة المخطوطات تختلف أحيانا مع هذه التعميمات.
المترجم: للاطلاع على ملخص بوتين، الرجاء مراجعة النسخة الانجليزية (الاصلية).
يتضح هنا لماذا لا ينبغي إخضاع التهجئة لدراسة مخصصة لكل مخطوطة، بل يجب وضعها في دراسة مقارنة منهجية. فلا يمكننا البدء في إجراء استنتاجات معقولة حول أي ألف قد يكون إضافة لاحقة و أيه قد لا يكون، و لماذا، الا بعد أن نؤسس المبادئ الإملائية العامة.
الاستنتاج
أظهرت هذه الدراسة أن التهجئة الخاصة لبعض الكلمات لا ترجع إلى أهواء الناسخ، ولكنها مستنسخة بنفس التهجئة في جميع المخطوطات القرآنية المبكرة. الطريقة الوحيدة التي يمكن بها تفسير مثل هذا الاستنساخ المتسق هي بافتراض أن جميع المستندات التي تنتمي إلى النص العثماني تعود إلى نموذج أصلي مكتوب وحيد تم نسخ تهجئته بدقة من نسخة إلى أخرى، مما يدل على أن هذه النسخ كانت تستند إلى نموذج مكتوب.
المخطوطات التي تم فحصها في هذه الدراسة مبكرة بما فيه الكفاية، بحيث يكون تدوين النص العثماني متسقا تماما مع نسبته إلى مصدره التقليدي: عثمان بن عفان (رضوان الله عليه).
علاوة على ذلك، ناقشت هذه الدراسة الحالة المحيرة للتناوب بين الكتابة الكاملة (scriptio plena) و الكتابة المختصرة (scriptio defective). يبدو أنه لا يوجد نقل دقيق بشكل واضح عندما يتعلق الأمر بكتابة الألف في نصف الكلمة، كما في حالة الحرف/ الرمز (آ). و مع ذلك، فإن الأنماط و القواعد القابلة للتعميم توضح أن النموذج العثماني لم يكتب بالكامل مختصرا (scriptio defective). من المؤكد أن بعض الكلمات كانت ستكتب بشكل كامل بينما كان من الممكن كتابة كلمات أخرى بشكل مختصر، حتى في النموذج العثماني. قد يمنحنا الفحص الدقيق للأنماط عبر المخطوطات القرآنية المختلفة إحساسا أفضل بأنماط و تطور التهجئة الكاملة للحرف (آ) في المخطوطات القرآنية المبكرة.
رابط الدراسة:
لا حدود لنفاق الغرب، و لا حدود لسذاجة الشرق!
يمنعون مناقشة المثلية و يسمحون كالتتار بحرق الكتب الدينية. رحم الله روح حرية التعبير الغربية!
يا سادة، انه الكيل بمكيالين و دليل جديد على أن لا حدود لنفاق الغرب!
منذ فترة و مواضيع المثلية الغربية تشغل الاعلام و الراي العام الغربي، فأنستهم قصصهم الخيالية عن “المخاطر المحمدية”!
و ما المسرحية السويدية الا مناورة يراد منها الهاء الراي العام بالمخاطر المخابراتية المختلقة (أزمة الاسلام) عن المخاطر الحقيقية الفكرية (أزمة الليبرالية)!
يروق لمخرج و منتج المسرحية الغربية أن يتشنج الغوغاء في الشرق و يغضبوا و يهيجوا و يحطموا و يحرقوا. يروق لهم أن يخففوا من التشنج الشرجي الغربي الغربي بتشنج غربي شرقي وهمي!
و اقرؤا يا أمة لا اله الا الله و افيقوا:
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَ أَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِینَ (94) إِنَّا كَفَیۡنَـٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِینَ (95) ٱلَّذِینَ یَجۡعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَۚ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ (96) وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ یَضِیقُ صَدۡرُكَ بِمَا یَقُولُونَ (97) فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ (98) وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ} سورة الحجر
اقرؤا و رددوا مطمئنين:
رب اغفر لهم فانهم لا يعلمون!
التناقض و عدم الاتساق
التناقض آفة يؤدي الى الخطأ و علامة من علامات التحيز، و التي من شأنها أن تنسف البحوث و تقدح في نزاهة الباحث. و من التناقض أن يستخدم الباحث مقاييس مختلفة (بشكل ملائم كما تقتضي هواه) كلما تعامل مع مواضيع متشابهة. لهذا السبب، يعد الاتساق أو عدم التناقض، قيمة أساسية في الإسلام منذ القرن السابع الميلادي كما هو مطلوب في القرآن الكريم.
{یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّاٰمِینَ لِلَّهِ شُهَدَاۤءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَ لَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰۤ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ ٱعۡدِلُوا۟ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} سورة المائدة الآية ٨.
إن رفض فكرة ما و التمسك بما يشبهها في نفس الوقت هو علامة على التناقض و عدم الاتساق. قرأت مقالا هذا الصباح، يرفض فيها الكاتب المرتد بشكل غير متسق ما اعتبره قيمٌ بالية من القرن السابع الميلادي و التي عفا عليها الزمن (و كان يقصد الإسلام بوضوح)، و مع ذلك وجدته يؤيد في نفس المقال (دون وعي منه) قيم رومانية من القرن الثاني الميلادي و التي عفا عليها الزمن أيضا.
عجباً!
رفض الكاتب القيم الإسلامية من القرن السابع و كتب:
“يجب أن نكافح مع الأسئلة الصعبة باستخدام ضميرنا و فهمنا المتطور للحالة الإنسانية. قد لا يكون الأمر سهلا دائما وقد لا نتفق دائما (و تجدر الإشارة إلى أن أولئك الذين يدعون اتباع معايير أخلاقية موضوعية لا يتفقون دائما أيضا)، لكنه يسمح للبشرية بمواصلة السعي للتحسين بدلا من البقاء مقيدين بأخلاق القرن السابع”.
ثم أيد الكاتب القيم الرومانية من القرن الثاني الميلادي عندما كتب:
“مقولة غالبا ما تنسب إلى ماركوس أوريليوس يضعها بشكل جيد.”
سؤال: من هو ماركوس أوريليوس؟
الجواب: إمبراطور روماني و فيلسوف رواقي، حكم من سنة 161 إلى 180 ميلادية (من القرن الثاني الميلادي).
إن رفض القيم الإسلامية لكونها قديمة من القرن السابع الميلادي ثم التمسك بالقيم الرومانية من القرن الثاني الميلادي و هي الاكثر قدماً، هو إحدى اعراض آفة التناقض و الذي يؤدي الى الخطأ، و هو علامة من علامات التحيز، و التي تقدح في نزاهة الكاتب و تنسف كتاباته.
في ثمانينيات القرن العشرين، كان أخي أو عمي (لست متأكدا) طالبا في مدينة ميامي بولاية فلوريدا. خلال دورة دينية حضرها، انتقد طالب غير مسلم القرآن الكريم لكونه قديما. فأجاب الاستاذ غير المسلم “يا بني! القدم ميزة إضافية!”.
أحسنت يا أستاذ!
لذلك لا تفهموني خطأ، فأنا لست ضد التعاليم القديمة أو التطور بطرح الأسئلة الصعبة. أنا فقط ضد التناقض و النفاق!
اياك أعني يا جارة!
بقلم: خالد الخاجة
لابد من التواضع و الانصاف عند دراسة ثقافات الشعوب و الملل التي تختلف عنا، و لابد أن نخاطبهم و كأننا نخاطب أنفسنا، و تماماً كما نود أن تخاطبنا تلك الملل. فلابد من التواضع و الانصاف:
فمن الجور أن نحكم على الملل الأخرى بقياس مدى استقامتهم على مبادئنا، و من الجور أن يفعل غيرنا بنا ذلك. فلابد من العدالة عند الدراسة، مهما بدت تلك الثقافات غريبة علينا. فهذا سبيل كل باحث جاد عن الحقيقة.
و اعلم أن في الاستقامة على المبادئ تكمن نقطة ضعف كل الملل و الشعوب. أما الثقافات بحد ذاتها، فتكاد قيمها أن تكون متقاربة نسبياً، و إن وجدت بعض الاختلافات الجذرية. فما أسهل الخطابات و الشعارات، و ما أصعب الاستقامة عليها!
و على سبيل المثال، ثقافة رواد القرون الخيرية و الامة الإسلامية الأولى (الصحابة رضوان الله عليهم)، كانت تشبه لحد ما الثقافة الفرنسية في محاربتها للحجاب. فقد كان روادنا يمنعون الحجاب على الأَمَة (العبدة) المسلمة، أي أن الأَمَة المسلمة كانت ملزمة في زمن القرون الخيرية أن لا تتستر، بل كان عليها أن تكشف عن شعرها في الأسواق. ببساطة، هكذا كانت ثقافة الأمة الإسلامية الأولى في القرون الخيرية، و ما زالت هذه القيم و الأحكام جزء لا يتجزأ من الفقه الإسلامي، و انا اتفهمها و اتفق معها و افتخر بها لأسباب سأبينها لاحقاً!
لذا، و من حيث المبدأ، إن أردنا أن نخاطب الفرنسيين و ننتقد موقفهم السلبي من مسألة الحجاب، فلا يمكننا أن ننتقدهم من باب عدم مراعاتهم لأهمية الحجاب و الحشمة. فالشريعة الإسلامية أيضا لا تراعي أهمية لحجاب الأَمَة المسلمة، و لا فرق بين الحرة المسلمة و الأَمَة المسلمة في الجنس، فكلاهن إناث.
إلا أن هناك فارق كبير بين موقف رواد الثقافة الإسلامية في القرون الخيرية و موقف رواد الثقافة الفرنسية اليوم. فبينما كانت للأمة الإسلامية الأولى مصداقية (الاستقامة على مبادئهم الدينية و المبنية على سعادة المجتمع)، لا أجد مصداقية لدى رواد الثقافة الفرنسية (الاستقامة على مبادئهم الديمقراطية الليبرالية و المبنية على سعادة الفرد). أي أن رواد الأمة الاسلامية نجحت في استقامتها (مصداقيتها)، من حيث رسبت رواد الأمة الفرنسية.
فالتشريعات الإسلامية التي كانت تلزم الأمَة المسلمة بالتبرج في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، كانت عالمية و دارجة في زمنهم بين كل الشعوب و الملل. إلا ان عند المقارنة، نجد أن القوانين الاسلامية المتعلقة بالرق قد تم اصلاحها لتتميز في زمانها عن سواها لدى الشعوب و الملل الاخرى. فقد كانت القوانين الإسلامية في الرِّق أكثر رُقيّاً و انسانية اذا ما قورنت بقوانين الرق الهمجية لدى الشعوب الاخرى. و لهذا، انا اتفهم التشريعات الإسلامية الاصلاحية و اتفق معها و افتخر بها!
المهم، أن المسلمون إستقاموا في تطبيق قوانينهم بعدالة و دون تمييز، و هذا ما لا نجده عند الفرنسيين. فبالرغم من أن القوانين الفرنسية المناهضة للحجاب في ظاهرها عامة و تشمل محاربة كافة الرموز الدينية، إلا أن المنصف لا يجد صعوبة في كشف عشوائيتها و إستهدافها للجالية المسلمة بالذات و دون غيرها، و هذا التمييز يقدح في مصداقيتهم و إستقامتهم على مبادئهم الديمقراطية الليبرالية. فما الفائدة المرجوة من مبادئ جميلة جف حبرها و لم يتم الاستقامة عليها، و بقت مجرد شعارات فارغة؟!
إذاً، عندما نخاطب التجربة الفرنسية، يمكننا أن نطعن في مصداقية الحكومة الفرنسية لكيلها بمكيالين و تخبطها في الاستقامة على مبادئها الديمقراطية الليبرالية. ولكن، لا يصح أن نخاطبهم بموجب مبادئنا و انظمتنا الإسلامية و المناهضة للمبادئ الليبرالية.
و كذلك، عند مقارنة الديانة الاسلامية بغيرها، لابد من التفريق بين الخطاب الدعوي الداخلي (الموجه للمسلمين) و الخطاب الدعوي الخارجي (الموجه لغير المسلمين). فعند مخاطبة الملل الاخرى في دينها، من التواضع و الانصاف أن نستند الى كتبهم المقدسة و ليس كتبنا، كما يفعل الشيخ زاكر نايك حفظه الله، عندما يكشف أن عامة الهندوس يخالفون كتبهم المقدسة، و نصوص صريحة تدعوا الى التوحيد و تمنع عبادة الاصنام و اتخاذ صور كأرباب من دون الله جل جلاله. و يكشف كذلك بأن عامة النصارى يخالفون كتبهم المقدسة، و نصوص صريحة تدعوا الى التوحيد و تقدم عيسى عليه الصلاة و السلام لهم كبشر و نبي، و ليس كابن الله و العياذ بالله. هذه أمثلة جميلة من موروثهم الديني و الدالة على عدم إستقامة عامة الهندوس على التعاليم الهندوسية، و عدم إستقامة عامة النصارى على التعاليم النصرانية.
و عليه، علينا كمسلمين أن نسعد إن خاطبتنا و إنتقدتنا الملل الاخرى و كشفت مخالفاتنا لكتبنا المقدسة (القرآن و السنة الصحيحة)، و نصوص صريحة تدل على عدم استقامتنا كمسلمين على التعاليم الإسلامية. لا أن ينتقدونا بسبب عدم استقامتنا على مبادئ و ممارسات و ثقافات و قوانين ليبرالية تروق لهم، و تبدوا لنا شاذة و قبيحة!
فهل ترين ما أرى؟!
صديقي الليبرالي
(و َٱلَّـٰتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ ٱهۡجُرُوهُنَّ فِی ٱلۡمَضَاجِعِ وَ ٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُوا۟ عَلَیۡهِنَّ سَبِیلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیّا كَبِیرا) سورة النساء الأية 34.
دون لف و دوران!
أنا مقتنع بأن كلمة “ٱضۡرِبُوهُنَّ” في الآية 34 من سورة النساء تشير إلى الضرب. و أعلم بأن الآية السابقة، و التي تشمل حكماً شرعياً بجواز ضرب النساء، تأرق مضجعك ولكن ليس مضجعي، و إقرأ الى النهاية لتفهم مقصدي. إلا أنني و لله الحمد، لم أضرب قط زوجتي الحبيبة أو امرأة أخرى، تماما كما لم يضرب النبي محمد (ﷺ) زوجاته رضوان الله عليهن أو أي امرأة أخرى (باستثناء مشاجراتي مع أختي الصغرى و الحبيبة عندما كنت طفلا ذكوريا و أحمق).
ولكن و كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى، ان التميز في صناعة القانون (اصدار الاحكام) لا يكمن في قدرة المرء على الاختيار بين أفضل الخيرين، فهذا واضح. ولكن يكون التميز في القدرة على الاختيار بين أفضل الشرين (أي أخفهما) عند الضرورة. فمعاقبة الفرد بسوء السجن عند الضرورة، يهدف الى تجنب سوء أكبر على المجتمع. فبالرغم من أن حدث “سجن الروح” في حد ذاته صنيعة سيئة، إلا أنه يتعين علينا أحيانا قبوله لمنع حدوث سوء أكبر!
و هذا يفسر كيف أن المجتمعات الليبرالية الغربية و التي كانت تعاقب متعاطي المخدرات بقسوة في القرن 20، اكتشفت فجأة في القرن 21 أن معاقبة مدمن المخدرات عمل غير أخلاقي، فأجازت تعاطي المخدرات؟!
ان المجتمعات الليبرالية الغربية تعرف جيدا بأن المخدرات مفسدة، ولكنها تبنت هذا القانون السيئ و الصديق للمخدرات من باب الضرورة، و بهدف إحداث ضرر أقل على المجتمع. فالمشرعين في هذه المجتمعات الليبرالية يمارسون ببساطة حقهم في الاختيار بين أفضل الشرين و اخفهما ضرارا!
و الآن ، هل هذا القانون الأخير و الصديق للمخدرات هو النهج الصحيح؟!
حسنا، علينا أن ننتظر عقوداً من الزمن لمعرفة الإجابة، كما استغرق الغرب الليبرالي عقوداً من الزمن ليستنتج أن: المجتمعات الغربية الليبرالية حاربت مدمني المخدرات بالنهج الخاطئ. إنها منهجية التجربة و الخطأ (Trial & Error) لايجاد الحل، أو مشروع تجريبي و بدون ضمانات. حظاً سعيداً مع هذه التجربة و غيرها!
صناعة القانون
أما أحكام الآية 34 من سورة النساء، فيستبعد أن تكون موجهة الى المجتمع العربي في عهد النبي محمد (ﷺ). فهناك روايات كثيرة تؤكد أن ضرب المرأة لم تكن ظاهرة متفشية، بل كان يُعَد عمل مخجل و مشين و معيب في ذلك المجتمع العربي، سواء قبل الإسلام أو بعده. و عليه، في هذه الآية إشارة واضحة الى عالمية الرسالة المحمدية الاصلاحية، عليه و على آله أفضل الصلاة و أتم التسليم. و من ثم، لابد أن تكون الآية و أحكامها موجهة الى مجتمعات أخرى و مضطربة و تميل إلى ضرب الإناث، كما هو الحال في المجتمعات الغربية الليبرالية الحالية.
في الثمانينيات من القرن المنصرم و عندما كنت طالباً شاباً في الولايات المتحدة الأمريكية، سألت فتاة أميركية شابة، كانت على علاقة بشاب عربي: لماذا لا تواعدين الشباب الأميركيين؟ فأجابتني: لأن العرب لا يضربونني!
و بما أن الغضب هو السبب الأكثر شيوعا في المجتمعات الذكورية الحمقاء و التي تعاني من رهاب (فوبيا) ضرب النساء، فإن إرضاء غرور الشخص الذكوري و الحصول على موافقته لاعتبار الضرب ملاذه الثالث و الأخير، يعد استراتيجية ردع منطقية تهدف إلى إدارة غضبه و تهدئته عند الغضب، و بالتالي تجنيب النساء مغبة الضرب. فمن الصعب أن يبقى شخص غاضباً لعدة أيام متتالية، بينما يمر بالمنهجية القرآنية، حيث يتعين على الزوج الهائج أن يمر بالمرحلة الأولى (التحذير) لعدة ايام و من ثم بالمرحلة الثانية (الهجر السريري) لعدة أيام. و في أسوأ الحالات، أي اذا لم تُجدِ المرحلتين الأولى و الثانية في حل الخلاف، يحق للزوج أن يضرب زوجته ضرباً غير مبرح (بالسواك و ليس على الوجه و لا يظهر أثره بدنياً)، أي بنفس القوة التي يضرب بها مدرب محترف في الغرب الليبرالي على مؤخرة اللاعبات في الفرق النسائية، بغية التشجيع او التوبيخ الحنون!
أي أن الآية 34 من سورة النساء في واقعها تحتوي على أحكام و قوانين رادعة لمواجهة ضرب الزوجات في المجتمعات المضطربة (كالمجتمعات الغربية الليبرالية) و يعالج مخاطر رهاب الذكورة. و لا يمكن أن يصدر مثل هذا القانون المتطور و الراقي و العميق إلا من قبل خالق الكون جل جلاله، و الذي يعرف مزاج و سيكولوجية مخلوقه الحر الأرعن!
و ما زال الغوغاء و الرعاع عاجزين عن إدراك مثل هذه القوانين المعقدة و الرادعة، و لن يقدرها إلا خبراء و صناع القانون. لذا، لا عجب أن يتم تكريم النبي محمد (ﷺ) في عام 1935 من قبل المحكمة العليا الأمريكية، كواحد من أعظم المشرعين في العالم!
هل ترى ما أرى؟!
الحضارة
تُعرف الحضارات بلغتها، و إن صرخ من صرخ بغير ذلك!
فلغة الحضارة الغربية الانجليزية، و ستبقى حضارة غربية و إن ساهم فيها الشرق!
و بالمثل، لغة الحضارة الإسلامية كانت العربية و ستبقى حضارة عربية و إن ساهم فيها العجم!
و في الحالتين، يرجع الفضل إلى صنعة القيادة في الغرب و العرب، و لاعدادهما بيئة نقية تصلح لغرس البذور النقية من شتى الثقافات و البَرِيَّة!
و لك أن تتأمل كيف يدمر اليوم جفاف التخلف افضل البذور الآسيوية!
العقول ليست محكورة لثقافات معينة و لا تنتج صنعة بذاتها، فهي بحاجة الى من يعي صنعة القيادة لتهيئ لها الأرضيات الخصبة!
الحضارة نتاج التقاء العقول الذكية بالقيادات الحاضنة!
و اذا كانت صنعة غير العرب العلوم، فصنعة العرب القيادة الحاضنة. و لذلك، اختارهم الله للقيادة و احتضان رسالته و خلقه باختلاف ثقافاتهم، شاء من شاء و أبى من أبى!
تصور حديث للفوبيا في أطروحة البلخي في القرن 9 الميلادي: قوت الجسد و الروح
تأليف: رانيا عواد و سارة علي
ترجمة: خالد الخاجة
الخلاصة
تم ذكر المخاوف المرضية و الرهاب في المخطوطات الدينية و الفلسفية و الطبية منذ العصور القديمة. و على الرغم من الرؤى المبكرة من قبل الإغريق، لم يظهر الرهاب كظاهرة سريرية منفصلة في الطب الغربي حتى القرن 17، ثم تطور بشكل كبير منذ ذلك الحين. و مع ذلك، ظهرت تحقيقات قوية تحاول فك رموز الطبيعة السريرية للرهاب في عصور ما قبل الحداثة خلال العصر الذهبي الإسلامي الذي غالبا ما يتم تجاهله (القرون 9 الى 12 ميلادية)، و التي تداخلت مع فترة العصور الوسطى في أوروبا. فقد قام العالم المسلم في القرن 9 الميلادي، أبو زيد البلخي، بمحاولة مبتكرة في مخطوطته الطبية “قوت الجسد و الروح”، لتعريف الرهاب ككيان تشخيصي منفصل. كان البلخي من أوائل من جمعوا الأعراض النفسية و الجسدية للرهاب تحت فئة واحدة، و هي “الفزعة”، و حدد لها خطة إدارة محددة. نقوم هنا بتحليل وصف البلخي للرهاب، وفقا للفهم الحديث للتصنيفات النفسية و الأعراض كما هو موضح في DSM-5 (الدليل التشخيصي و الإحصائي للاضطراب العقلية).
المقدمة
خضعت تعاريف و أوصاف و تصنيفات الاضطرابات العقلية لعقود من التطور و إعادة التنظيم المفاهيمي، و التي تأثرت بالعوامل المجتمعية و الثقافية و الاقتصادية المتغيرة (كانينو و اليغريا 2008، كيرماير و يونغ 1999، ليلينفيلد و مارينو 1995). معرفة تاريخ التعاريف و التصنيفات النفسية أمر حتمي لأسباب عديدة: يشرح فهم الحالات النفسية التي ظلت مستقرة مقابل تلك التي تغيرت بمرور الوقت، و العوامل التي تؤثر على هذه التغييرات، و آثارها على رعاية الصحة العقلية (جونز، جرين، دافين، و هارلي، 2014). كذلك، يخبر التاريخ مقدمي الرعاية تقدير الجذور الثقافية و المجتمعية التي تؤثر على تصور المرض العقلي، و بالتالي فهم سلوكيات تبحث عن المساعدة لدى الأفراد و السكان (جونز إل آل.، 2014).
و الهدف من هذه الورقة ذو شقين. سيكون هدفنا الأول هو تسليط الضوء على التقدم الكبير و المساهمات التي تحققت خلال العصر الذهبي الإسلامي (القرون 9 الى 12 ميلادية) في فهم الاضطرابات النفسية. و سيتم تحقيق ذلك من خلال تسليط الضوء على عمل البلخي المهم في تعريف و وصف الرهاب. أما هدفنا الثاني فهو تحليل مخطوطة البلخي في ضوء DSM-5 (الدليل التشخيصي و الإحصائي للاضطراب العقلية) و مناقشة آثارها العملية. و من خلال القيام بذلك، نأمل أيضا في فهم العوامل التاريخية التي ربما أثرت على تصورات الاضطرابات النفسية في المجتمعات الإسلامية الكلاسيكية.
مصطلح الرهاب مشتق من المصطلح اليوناني “فوبوس”، و الذي يعني الذعر و الخوف و الرعب (إيريرا 1962، ماركس 1970). يتضح تصنيف الرهاب وفقا لحالة مخيفة من خلال البادئات التي لا تعد و لا تحصى المرتبطة بكلمة رهاب من قبل الإغريق (ماركس، 1970). على سبيل المثال، رهاب الماء يعني الخوف من الماء أو رهاب الخلاء يعني الخوف من الأسواق. علاوة على ذلك، تم ذكر اثنين من أقدم الأوصاف السريرية للرجال الذين لديهم مخاوف مفرطة في مجموعة أبقراط (إيريرا 1962، هيملهوخ و ليفين و جيرشون 2001). و مع ذلك، من الضروري ملاحظة أن الأطباء اليونانيين اعتبروا المخاوف المرضية و الرهاب جزءا من اضطراب عقلي أطلقوا عليه اسم “الكآبة” و ليس اضطرابا سريريا قائما بذاته (كاسبر و دين بوإير و سيستين 2003 الصفحات 1 الى 7). و يعتقد الأطباء اليونانيون أيضا أن الكآبة كانت ناجمة عن غلبة الصفراء السوداء ( black bile). بحلول ظهور العصر الروماني، قام كاليوس اوريليانوس (Caelius Aurelianus) و هو طبيب روماني، بتجميع الرهاب مع الهوس في تصنيفاته (إيريرا 1962).
في الفترة ما بين القرنين الخامس و الثامن عشر في أوروبا الغربية، ظهرت أوصاف المظاهر النفسية للرهاب في أعمال الفلاسفة و اللاهوتيين. ومع ذلك، لم يعتبر الرهاب أمراضا طبية كما يتضح من الأعمال العلمية من هذه الفترة الزمنية (إيريرا 1962).
و يؤكد مؤرخو علم النفس المعاصرون، أنه لم يظهر مفهوم الرهاب في الأدب الطبي أو النفسي حتى القرن 18 الميلادي (بينفينوا و ووييك و إستين 2009، إيريرا 1962، هيميلهوش إت آل. 2001) كمرض طبي قائم بذاته (ماركس، 1970). في الأعمال العلمية من القرنين 17 و 18، بدأ استخدام مصطلح الرهاب في وصف المخاوف الشديدة بما لا يتناسب مع التحفيز الظاهر. كان فهم الرهاب المميز لهذه الحقبة هو أنها كانت مرضا نفسيا، إما قائما بذاته أو جزءا من كوكبة من الأعراض في اضطراب أكبر، أصاب الأفراد بمخاوف لا يمكن تفسيرها أدت بهم بعد ذلك إلى تجنب التحفيز المخيف (ماركس، 1970). حاليا، ينظر DSM-5 (الدليل التشخيصي و الإحصائي للاضطراب العقلية) إلى الرهاب على أنه خوف أو قلق ملحوظ يتعلق بموقف أو كائن معين لا يتناسب مع الخطر الفعلي للكائن أو الموقف. عادة ما يرتبط هذا الخوف الشديد بزيادة في الإثارة الفسيولوجية، تستمر لأكثر من ستة أشهر و تسبب ضائقة كبيرة سريريا في المجالات الاجتماعية أو المهنية أو غيرها من مجالات الحياة المهمة.
و خلال ذروة الحكم العباسي، القرون 9 الى 12 ميلادية، شهدت المجتمعات الإسلامية طفرة هائلة في الإنتاج العلمي يشار إليها الآن باسم العصر الذهبي الإسلامي (أحمد و عامر 2012، فلاغاس، زرقادولية، و سمونيس 2006 و فرندلي 2008). في الوقت الذي كان فيه العالم الإسلامي على وشك الشروع في ما يعادل عصر النهضة، كانت أوروبا في العصور الوسطى تنحدر إلى ما يسمى الآن “العصور المظلمة” (الصفحات 205-206). في تناقض صارخ مع العصور المظلمة، تطور البحث العلمي و الفهم في ظل الحكم العباسي على قدم و ساق (فلاغاس ات آل. 2006). على سبيل المثال، بنى الحكام العباسيون مؤسسات، مثل بيت الحكمة، حيث ترجمت النصوص الطبية القديمة من اليونانية و السريانية إلى العربية (عوض و علي 2015، مجيد 2005 والاس وجاتش 2010، الصفحات 205 الى 206). كان الغرض من هذه المؤسسات هو استفادة العلماء و الأطباء و الباحثين الذين يعيشون في العالم الإسلامي من المعرفة الطبية للأسلاف اليونانيين و الرومان. و بمجرد ترجمتها إلى اللغة العربية، طور علماء العالم الإسلامي العلوم الطبية للقدماء من خلال المساهمة بملاحظاتهم السريرية و تجاربهم و علاجاتهم المبتكرة (عوض و علي 2015، غوريني 2007، غراتسياني 1980، مجيد 2005، تشاموروف 2006). و في وقت لاحق، ترجمت المخطوطات الطبية من العصر الذهبي الإسلامي من العربية إلى اللاتينية، و من المحتمل أنها وصلت إلى أوروبا بهذه الطريقة (عوض و علي 2015، حسين 1970، شانكس و القلعي 1984).
اكتسبت الكتب الطبية لجالينوس و أبقراط شهرة كبيرة بين أطباء العالم الإسلامي (كاسب اي آل. 2003 الصفحات 1 الى 7، يوسف، يوسف، و دينينغ، 1996; والاس وجاتش، 2010 الصفحات 205-206). ومن ثم، فليس من المستغرب أن يستخدم العلماء المسلمون نظرية الصفراء السوداء كنموذج تفسيري للعديد من الاضطرابات العقلية. و بالمثل، وصف معظم العلماء المخاوف المرضية و الرهاب خلال العصر الذهبي الإسلامي بنفس الطريقة التي وصف بها أسلافهم اليونانيون. كانت المخاوف و الرهاب إما تعتبر أعراضا نفسية ذاتية تشكل جزءا من متلازمة أخرى، أي “الكآبة”، أو تم إدراجها كأعراض جسدية للأمراض الجسدية، أي خلل وظيفي في الأعضاء.
و المثال التوضيحي هو وصف المخاوف المرضية من قبل ابن سينا (980 الى 1037)، المعروف في الغرب باسم افيسينا، في موسوعته الطبية الشهيرة قانون الطب (ابن سينا، 1877). وفقا لابن سينا، يمكن أن تظهر المخاوف من أصل غير معروف كأحد أعراض الكآبة الخفيفة. و مع ذلك، إذا كان الحزن شديدا، فمن المحتمل أن يكون الشخص يعاني من “الفزعة”، و هو ما يترجم إلى رهاب أو ذعر. و أشار أيضا إلى أن الرهاب الموجود في الكآبة الشديدة عادة ما يكون غير واقعي و من أنواع لا حصر لها. و أوضح أن مثل هذا الرهاب قد يترافق مع الأعراض الجسدية، و يمكن الخلط بينه و بين الأمراض الجسدية. علاوة على ذلك، أكد ابن سينا أن هناك علاقة بين نبض المرء و حالته النفسية. على سبيل المثال، إذا ظهر رهاب “الفزعة” فجأة، فإنه يرتبط بنبض سريع و غير منتظم. أما إذا كان “الفزعة” يأتي تدريجيا أكثر، فإن النبض يشبه نبض “الغم”، و هو بطيء و ضعيف و متغير. في قسم آخر من القانون في الطب، عزا ابن سينا المخاوف المفرطة كعرض من أعراض اضطراب عصبي أطلق عليه اسم “الرعشة”، أو اهتزاز الجسم.
و على غرار فهم ابن سينا للفوبيا، رأى الرازي (865-925) و نجيب الدين السمرقندي (1097) في كتابيهما “الحاوي” (الحسين والعقبي، 1977) و “الأسباب و العالمات” (السمرقندي 1222)، أن الرهاب هو المظهر النفسي للحزن. و تماشيا مع رأي ابن سينا الثاني، وصف ثابت بن قرة الحراني (836-901) في موسوعته الطبية “الذخيرة”، الفزعة كسبب أساسي للاضطراب العصبي المسمى “الرعشة”، و هو اهتزاز الجسم (كردي، 2010).
على حد علمنا، لم يتم وصف المخاوف المرضية و الرهاب ككيان تشخيصي منفصل في أشهر المخطوطات الطبية في العالم الإسلامي. و مع ذلك، فإن الاستثناء من هذه القاعدة العامة هو المخطوطة الطبية التي تعود إلى القرن 9 الميلادي “مصالح الأبدان و الأنفس” (قوت الجسد و الروح) التي ألفها العالم المسلم أبو زيد البلخي، و التي خصص فيها فصلا كاملا عن تصنيف و تشخيص و علاج “الفزعة” بطريقة مشابهة جدا للفهم الحديث للفوبيا.
مخطوط البلخي “قوت الجسد و الروح” و وصفه للفوبيا
كان أبو زيد أحمد بن سهل البلخي عالما مسلما موسوعيا من خراسان، عاش في أواخر القرن 9 الميلادي (البلخي، مصري و الحياة، 2005؛ البلخي، بدري و أشوي، 2003). تاريخيا، تشير خراسان إلى المنطقة الواقعة بين الهند و العراق، و كانت جزءا من الإمبراطورية الإسلامية خلال حياة البلخي. لم يكن البلخي طبيبا ممارسا (البلخي و آخرون، 2005; عواد و علي، 2015)؛ بدلا من ذلك، برع في الطب النظري.
مخطوطته “مصالح الابدان و الأنفس” مكتوبة باللغة العربية، و تترجم إلى “قوت الجسد و الروح”. كلمة “أبدان” في اللغة العربية هي جمع كلمة “بدن” و تعني الجسم. كلمة “أنفس” هي جمع الكلمة “النفس” و تعني الروح. يستند تحليلنا لعمل البلخي إلى مخطوطته العربية الأصلية الموجودة في الكتاب الذي يحمل الاسم “مصالح الابدان و الأنفس”، و التي إستنسخت بواسطة “البلخي ات آل” (2005) و نشرته معهد المخطوطات العربية و منظمة الصحة العالمية. تم العثور على نفس المخطوطة العربية الأصلية أيضا في نسخة بلخي – سيزكين و سليمانية – أومومي كوتوفانيسي (1998) تحت نفس العنوان.
يتكون كتاب البلخي من قسمين. يركز القسم الأول “مصالح الأبدان” على الحفاظ على الصحة البدنية، في حين أن الثاني “مصالح الأنفس” مخصص للصحة النفسية. ينقسم القسم الخاص بمصالح الأنفس إلى ثمانية فصول تغطي مواضيع الصحة العقلية المختلفة، مثل تعريف الصحة العقلية، و أهمية علوم الصحة العقلية، و الوقاية من اضطرابات الصحة العقلية. في الفصول الخمسة الأخيرة، البلخي يناقش تصنيف الاضطرابات النفسية و يقدم طرق العلاج المقترحة.
في الفصل السادس و أجزاء من الفصل الرابع، يعرف البلخي و يصف اضطرابا نفسيا قائما بذاته يسميه “الفزعة”. من خلال مقارنة وصفه لهذا الاضطراب بأوصاف اضطرابات القلق الموجودةDSM-5 ، يتطابق “الفزعة” بشكل وثيق مع معايير الرهاب المحددة. يصف البلخي “الفزعة” بأنه خوف مفرط ينتج عن الرؤية أو السماع أو التفكير….
الخاتمة
على الرغم من أن مفهوم الرهاب كان معروفا منذ العصور القديمة، إلا أن البلخي كان من أوائل من اعتبروه كيانا تشخيصيا منفصلا. من المحتمل أيضا أن يكون من أوائل من أوضحوا أنه على الرغم من أن الرهاب هو اضطراب أساسي، إلا أنه قد يظهر بأعراض جسدية. كما هو موضح سابقا في الجدول، فإن غالبية السمات التشخيصية الحديثة لأنواع الرهاب المحددة تتطابق مع وصف “الفزعة” الموجود في مخطوطة البلخي. علاوة على ذلك، قد يكون هذا الاستنتاج…
مجلة اضطرابات القلق (المجلد 37، يناير 2016، الصفحات 89-93)
https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0887618515300347
يُعد موت الأب كسراً لعمود خيمتك، و كأن الخيمة بأكملها إنهارت على رأسك. إنه شعور بالعجز، لا أتمناه حتى لأسوأ أعدائي. إنه بالتأكيد شعور صعب عانيت منه بجُلي و كلي، و شعور لا ينبغي للمرء أن يختبره لأكثر من مرة. إنه أمر صعب حقاً، لكنه سنة الحياة و هي عادلة!
و في خظم الحياة، ينتهي الأمر بالبعض منا إلى كسب المزيد من الشخصيات الأبوية. أولئك منا المباركون و المنكودن. فهم المباركون بالغني و امتلاك أكبر عدد ممكن من الخيام (بل القصور) و هم المنكودون لاضطرارهم خوض تجربة الانهيار الحتمي لتك الخيام و كسر قلوبهم مرارا و تكرارا. إنه لأمر صعب حقاً، لكنه سنة الحياة و هي عادلة!
اليوم، انهارت إحدى خيامي الثمينة على رأسي، عندما علمت أن أحد شخصياتي الأبوية غادر عالمنا يوم الجمعة. هزني الخبر كالزلزال، و نزف رأسي و قلبي العديد من الذكريات المختلطة. إنه أمر صعب حقاً، لكنه سنة الحياة و هي عادلة!
سوف أتذكر هداياه العديدة، و التي ما زلت أستمتع بها في راحة بيتي. سأتذكره لكل مصباح يضيء ظلمتي و لمكييفات الهواء التي تحول صيفي ربيعاً. سأتذكره رغم أنه لا يزال بالنسبة للكثيرين “الجندي المجهول” الذي خاض بصمت معارك الكهرباء و المياه في دبي القديمة الجميلة، و سهر لنعيش حياتنا بسلام.
السيد ميرشانت (سيدي)، الى أن نلتقي، إبق جميلاً كما عهدتك!
كيف نفهم الرواية: عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و: “لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ ولا النَّصارَى بالسَّلامِ، فإذا لَقِيتُمْ أحَدَهُمْ في طَرِيقٍ، فاضْطَرُّوهُ إلى أضْيَقِهِ.” صحيح مسلم؟!
بقلم: خالد الخاجه
هذه الرواية من الروايات “الرادعة”، و التي تبيح للمسلمين أن يضايقوا أهل الكتاب عند الحاجة، بهدف ثنيهم عن مضايقة المسلمين.
في الواقع، الرواية صحيحة و يستشهد بها أعداء الاسلام أو أعداء السنة النبوية، ولكنها لا تستهدف ضعفاء و منصفي أهل الكتاب، و انما تستهدف الذين يكرهون الإسلام و يضايقون المسلمين منهم.
فعند البحث و المراجعة، نجد على سبيل المثال الشيخان ابن باز رحمه الله و المنجد حفظه الله، يؤمنان تمام الايمان بتلك الرواية، ولكنهما يلينان عندما يُسألان عن كيفية التوفيق بين الرواية و الاية الكريمة {لَّا یَنۡهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ} الممتحنة ٨.
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: “هذا ممكن (يقصد ان يضيق المسلم عليهم) و هذا ممكن (يقصد أن يقسطهم المسلم و يبرهم) و لا منافاة بين هذا و هذا، أن يقسط إليهم و يحسن إليهم إذا كان محتاجاً أو فقيراً أو قريباً“
و يقول الشيخ المنجد حفظه الله: “من المعلوم أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ليس إذا رأى الكافر ذهب يزحمه إلى الجدار حتى يرصه على الجدار، لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يفعل هذا باليهود في المدينة و لا أصحابه (رضوان الله عليهم) يفعلونه بعد فتوح الأمصار“.
و عليه، الرواية لا تستهدف عامة أهل الكتاب، و انما تستهدف طائفة منهم تكره الإسلام و تضايق المسلمين و تتكبر عليهم. أي أن القاعدة هي المعاملة بالمثل، فإن ضايقونا ضايقناهم أو سامحناهم، و إن بروا بنا، وجب أن نبرهم.
في الحقيقة، منذ عهد الرسول صلى الله عليه و سلم و الى الآن، هناك طائفة من اليهود و النصارى من يكنون للاسلام الكره و العداء و يتعالون على المسلمين في كل مناسبة، و ما حوادث حرق القرآن في الغرب عنا ببعيد. فلا بأس أن نعامل هؤلاء بالشدة، أو نسامحهم عملاً بقوله تعالى في الآية 34 من سورة فصلت {وَلَا تَسۡتَوِی ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّیِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِی بَیۡنَكَ وَبَیۡنَهُۥ عَدَ ٰوَةࣱ كَأَنَّهُۥ وَلِیٌّ حَمِیمࣱ}.
و لعل بنفس المنطق، و من باب الردع بالمعاملة بالمثل، أبقى الشرع على باب واحد فقط من أبواب العبودية البشعة، و هو سبي من أصر على معاداة المسلمين و محاربتهم. و الشرع ابقى على هذا الباب البشع مضطراً ليكون رادعاً للكفار و مانعهم من الاساءة الى اسرى المسلمين لديهم. فالاعداء اصناف، و بعضهم لا يفهم الا لغة القوة.
و لذلك، اباح الشرع للحاكم المسلم أن يتصرف مع الاسرى كيفما رأى مناسباً، إما أن يسبيهم أو يطلقهم احرارا أو يقايض بهم اسرى المسلمين.
و عليه في الاسلام، الرحمة و العدالة و البر هي أُسس التعامل مع غير المسلمين. إلا أن الرواية تخير المسلم أن يتعامل بالتعالي مع أهل الكتاب إذا إقتضت الحاجة، بهدف تعزيز العدالة و الاستقرار في المجتمع.
هكذا نفهم الرواية!
التواضع، سر نجاح الإمبراطورية العربية (الاسلامية)
بقلم: خالد الخاجه
يقول الدكتور روي كاساغراندا (Roy Casagranda)، بروفيسور في اوستن كوميونيتي كوليدج بالولايات المتحدة الامريكية:
ولدت الإمبراطورية العربية (الاسلامية) في عام 632 ميلادية، حين اتحدت شبه الجزيرة العربية بأكملها لأول مرة في التاريخ!
و بحلول عام 711 ميلادية، كان لدى الإمبراطورية العربية (الاسلامية) أغلبية مسيحية بنسبة 60٪. في الواقع، كان 60٪ من إجمالي السكان المسيحيين في العالم متواجدون في هذه الإمبراطورية العربية الفتية، بالاضافة الى أقلية بوذية تقدر ما بين 5 إلى 10٪، اذ كانت لدى أفغانستان آن ذاك حضور بوذي ضخم!
و في هذه التركيبة السكانية، إشارة صريحة على تسامح و تواضع تلك الامبراطورية العربية (الاسلامية) مع الثقافات الاخرى، و تميزها في قيادة أمة متعددة الاعراق و الثقافات!
فقد جرت العادة أن يكون الغزاة متعجرفين وساديين، مثل الرومان. و على سبيل المثال، بعد سيطرة الجنرال الروماني يوليوس قيصر على الغال (Gaul) في فرنسا، انخفض عدد سكانها من 3 إلى 1 مليون (و كذلك بعد سيطرة الاسكندر الاكبر على العاصمة الفارسية بيرسبوليس، قام باحراق قصر الملك داريوش). هذا ما فعله الغزاة في كثير من الأحيان.
أقول: و هذا مصداقاً لقوله تعالى في سورة الانعام، الآية 34: {قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا۟ قَرۡیَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوۤا۟ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَاۤ أَذِلَّةࣰۚ وَكَذَ ٰلِكَ یَفۡعَلُونَ}
ثم يقول الدكتور روي كاساغراندا: بينما كان العرب متواضعون بشأن هذا الأمر، و تركوا الأمم المحتلة تدير شؤونها الخاصة. لأن العرب اعترفوا بأنهم لا يعرفون كيف يفعلون ذلك، و لم تكن لديهم ميول خاصة. لهذا السبب و بكل ذكاء و تواضع، استخدمت الإمبراطورية العربية (الاسلامية) في العهد الاموي و لسنوات، العملات الرومانية التي كانت تُضرَب في غير بلاد المسلمين و طُبعت عليها صلبان متعددة!
و في هذا الصدد، يقول البروفسور جورج صليبا في بودكاست الفنجان:
لا يمكن إغفال دور بني أمية في تقوية الإمبراطورية العربية (الاسلامية) عسكرياً و مالياً، خاصة الدور السياسي للخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان (رضوان الله عليه) في تقوية و استقرار الإمبراطورية العربية و إدارة امورها بسياسة: الشَّعرَة، و الاخذ و العطاء!
و كذلك، لا يمكن إغفال الدور الاداري و المالي للخليفة الاموي عبدالملك بن مروان. فمنذ عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، كان العرب و المسلمون يتعاملون بالدينار و الذهب البيزنطي. و كان من ذكائهم (تواضعهم)، الابقاء على الوضع الاقتصادي العام، بهدف المحافظة على النقد. الى أن كتب الإمبراطور البيزنطي الى عبدالملك بن مروان يهدده، عندما قال ما مفاده:
أنا لا أعترف برب المسلمين و لا في رسولهم. لذا، إذا لم تتوقف عن كتابة “بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على محمد بن عبدالله” في بداية رسائلك الموجهة الي، فسأمنع عنكم الدينار الذهبي البيزنطي الذي تتداولون به في اسواقكم و معاملاتكم!
عندها، لجأ الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان الى إبن عمه خالد بن يزيد بن معاوية، يستشيره في كيفية التعامل مع هذا التهديد الاقتصادي. و كان لخالد اهتمامات بعلم الكيمياء و علاقة العناصر ببعضها، فاقترح خالد على ابن عمه أن يَصُبُّوا ديناراً جديداً. إذ كان خالد يعرف التعامل مع الموازين الحساسة في تحديد نسبة الذهب المطلوب خلطه مع النحاس، لانتاج عملة ذهبية قيمتها ثابتة و صالحة للتداول بسبب صلابتها، فالذهب الخالص لا يصلح للتداول كعملة. و بالفعل، تم إصدار اول عملة للامبراطورية العربية (الاسلامية)، و هي موجودة الآن في المتحف البريطاني، و مكتوب على جهة: “الله الأحد الله الصمد، لم يلد و لم يولد”، و مكتوب على الوجه الآخر: “محمد رسول الله”.
فاستحدث بني أمية بذلك عملة عربية إسلامية تضاهي العملة البيزنطية النصرانية، و التي كان على جهة منها صورة الإمبراطور البيزنطي، و في الجهة الاخرى صورة الصليب. و عليه، يُعَد ما فعله الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان إستحداث لدولة جديدة و مستقلة إقتصادياً، و هذا ما يجعل الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان من أهم خلفاء الإمبراطورية العربية (الاسلامية) القوية عسكرياً و إقتصادياً، و على استعداد للقيام بنهضة علمية مُكلِفة!
و إستمر بني امية باستحداث أنظمةٍ من شأنها تعزيز استقلالية الإمبراطورية العربية (الاسلامية). فلأكثر من 50 عاما (و بمنتهى التواضع)، تبنت دواوين الإمبراطورية العربية (الاسلامية) اللغة الساسانية (الفارسية القديمه) و حساباتها الخاصة، و كذلك اللغة البيزنطية و حساباتها الخاصة، عند التعامل مع الأموال التي كانت تدخل من الشرق و الغرب على خزانة الإمبراطورية العربية (الاسلامية).
الى أن قام الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان بترجمة تلك الحسابات و “توحيدها”، و إستحدث بذلك امبراطورية لها انظمتها الادارية و الحسابية الخاصة، و القائمة على اللغة العربية.
و العباسيون أبقوا على تلك الأنظمة كما تركها الامويون، و لم يرجعوها الى سابق عهدها. و لذلك، يُعتبر العباسيون قد حصدوا ما أنتجه الامويون من أنظمة و إقتصاد و ثراء (استقرار و استقلال). و نتج من هذا الحصاد طفرة علمية لم يشهدها التاريخ!
إن مبادرة الأمويين في تعريب الانظمة أفقدت المتحدثين بالفارسية و اليونانية وظائفهم في الديوان. فاصبحوا يترزقون بالتنافس في ترجمة كل ما هو غير معلوم في الإمبراطورية العربية (الاسلامية) الى اللغة العربية. و نتج من هذا التنافس بداية عصر الترجمة، حيث تم ترجمة علوم فلكية و فلسفية و طبية و غيرها، و لم تبدأ الترجمة في العصر العباسي كما يتوهم البعض!
أقول: تجلت حس القيادة في بني أمية، باستمرارهم في ادارة موارد الامبراطورية العربية (الاسلامية) الفتية و تطوير سياساتها المالية تدريجياً بكل ذكاء و تواضع، الى أن بدأ الامويون في عهد عبدالملك بن مروان بطباعة عملة مستقلة للامبراطورية العربية (الاسلامية) و فك الارتباط بالعملة الرومانية.
و أدت مثل هذه السياسات المالية لبني أمية الى إثراء الامبراطورية العربية (الاسلامية)، ليأتي العباسيون من بعدهم ليتسلموا زمام هذه الامبراطورية العربية القوية و يستثمروا ثروتها في العلوم و الصناعة. فالحضارات تقوم على الاستقرار و الثروات، و بني أمية هم من وضعوا القواعد لبيت الحضارة العربية (الاسلامية)، و أتى العباسيون من بعدهم و رفعوا تلك القواعد!
قرار محكمة ١٩٣٠ الدولية بشأن حائط البراق
هل سمعت بالمحكمة الدولية التي عُقِدَت سنة ١٩٣٠ (قبل ٩٣ سنة) و أثناء الانتداب البريطاني لفلسطين؟
و ماذا قال المحكمون الاوربيون من الساسة و القضاة و المحامون و العلماء، و لم يكن بينهم عربي و لا مسلم واحد؟
كان ذلك عندما تقاضى سكان بيت المقدس من المسلمين (على مضض) و اليهود حول حق إدارة شؤون المقدسات و ضوابط الزيارات، و بالتحديد الحائط الغربي العتيق (حائط البراق كما يسميه المسلمون او حائط المبكى كما يسميه اليهود) و الساحة التي امام الحائط.
اثناء الانتداب البريطاني على فلسطين، اندلعت انتفاضة البراق الدامية عام ١٩٢٩ ضد المستعمر البريطاني احتجاجا على تسهيلات قدمها الانجليز لليهود للوصول و الصلاة عند الحائط الغربي للمسجد الأقصى. و من أبرز تلك التسهيلات، منع سياح العرب من الاقتراب من الحائط أثناء اداء اليهود لشعائرهم الدينية أيام الاثنين و الخميس و السبت.
في الحقيقة، لم تمانع الطائفة المسلمة أن تستمر الطائفة اليهودية في ممارسة شعائرهم الدينية امام الحائط، كما كان الحال لقرون عدة في ظل الخلافة الإسلامية و الى ما قبل الحرب العالمية الأولى. ولكن المسلمون مانعوا التسهيلات البريطانية و ممارسات إستحدثتها الصهاينة من الطائفة اليهودية، كانت تبدوا في ظاهرها إستحداثات بسيطة ولكن المسلمون كانوا يرونها خطيرة.
في الحقيقة، كانت هذه الممانعة العربية منشؤها تخوف العرب من وعد بلفور الصادر في سنة ١٩١٧، و تخوف الطائفة المسلمة من النوايا الخفية للصهاينة اليهود (بدعم بريطاني) في الاستحواذ على الحرم القدسي، و ذلك عن طريق تحويل المكان تدريجيا إلى كنيس يهودي و من ثم المطالبة بملكية المكان و بناء هيكل (مسجد) سليمان عليه السلام على انقاظ المسجد الأقصى!
و تضمنت الممارسات المستحدثة و التي تخوف منها المسلمون، تنصيب الكراسي في الساحة الامامية و فرش الساحة للمصلين و تنصيب الستائر لفصل الرجال من النساء و دق الاوتاد في الحائط من أجل تعليق ملابسهم و وضع طاولة امام الحائط لتحمل التلمود أثناء قراءتها و وضع خزانة بجانب الحائط.
و لم تهدأ الاشتباكات الدامية إلا بعد أن قبل الانجليز بإحالة النزاع إلى محكمة دولية. و عين وزير المستعمرات البريطاني في ١٣ سبتمبر ١٩٢٩ ميلادية لجنة عرفت باسم “لجنة شو” للتحقيق في الأسباب المباشرة للاشتباكات، و وضع التدابير لمنع تكرارها. و اقترحت الحكومة البريطانية على مجلس عصبة الأمم تشكيل لجنة لهذا الغرض، حيث وافق مجلس العصبة في ١٥ مايو ١٩٣٠ ميلادية على تشكيلها برئاسة وزير الشؤون الخارجية السابق في حكومة السويد رئيساً، و عضوية نائب رئيس محكمة العدل في جنيف، و رئيس محكمة التحكيم النمساوية الرومانية المختلطة و حاكم الساحل الشرقي لجزيرة سومطرة السابق و عضو برلمان هولندا، وهي لجنة دولية محايدة و على أعلى مستوى قضائي و تحكيمي. و وصلت اللجنة إلى القدس في ١٩ يونيو ١٩٣٠، حيث أقامت شهراً كاملاً في فلسطين، و كانت في كل يوم تعقد جلسة أو جلستين!
و أثناء الجلسات التي عقدتها اللجنة، و عددها ٢٣ جلسة، استمعت اللجنة إلى شهادة ٥٢ شاهداً من بينهم ٢١ من حاخامات اليهود و ٣٠ من علماء المسلمين، و شاهد واحد بريطاني. و قدم الطرفان إلى اللجنة ٦١ وثيقة، منها ٣٥ مقدمة من اليهود و ٢٦ وثيقة مقدمة من المسلمين.
و بناء على مبدأ الأمر الواقع (status quo) و المعمول به لفك النزاعات بين الطوائف المسيحية على ادارة المقدسات المسيحية، ثبت للمحكمة الدولية أن حجة المسلمين في الملكية كانت هي الغالبة، إذ استطاع دفاعهم أن يثبت أن المنطقة التي تحيط بالجدار وقف إسلامي بموجب وثائق وسجلات المحكمة الشرعية، وأن نصوص القرآن وتقاليد الإسلام صريحة بقدسية المكان عندهم.
جاء قرار المحكمة بعد أكثر من خمسة أشهر من بدء جلسات اللجنة الدولية في القدس، و بعد أن استمعت إلى ممثلي العرب المسلمين و ممثلي اليهود، و اطلعت على كل الوثائق التي تقدم بها الطرفان، و بعد أن زارت كل الأماكن المقدسة في فلسطين. و عقدت اللجنة جلستها الختامية في باريس من ٢٨ نوفمبر إلى ١ ديسمبر ١٩٣٠ ميلادية، حيث انتهت اللجنة بالإجماع إلى قرارها الذي استهلته بالفقرة التالية:
– للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، و للمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر و الخير.
– لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف اعتبار ملحقات العبادة و / أو الأشياء الأخرى التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الجدار إما وفقا لأحكام هذا الحكم الحالي أو بالاتفاق الذي يتم التوصل إليه بين الطرفين، أو يكون لها تأثير، على إنشاء أي نوع من حقوق الملكية للجدار أو في الرصيف المجاور.
– و من ناحية أخرى، يلتزم المسلمون بعدم البناء أو بناء أي صرح أو هدم أو إصلاح أي مبنى داخل ممتلكات الوقف (منطقة الحرم والحي المغربي) المتاخم للحائط، بحيث يتعدى العمل المذكور على الرصيف أو يعيق وصول اليهود إلى الحائط أو ينطوي على أي إزعاج لليهود خلال أوقات زياراتهم التعبدية للحائط، إذا كان من الممكن تجنبه بأي شكل من الأشكال.
– كما يجب إخطار اليهود بتلك الاعمال من قبل الإدارة:
– في يوم رأس السنة الجديدة وفي يوم الكفارة، و كذلك في أية “أيام مقدسة” خاصة أخرى تعترف بها الحكومة على أنها أيام إعتاد فيها اليهود إحضار التابوت الذي يحتوي على مخطوطات الشريعة إلى الحائط. باستثناء ما هو منصوص عليه في مواد هذا الحكم، لا يجوز وجود أي ملحقات عبادة بالقرب من الجدار.
– لا يجوز رفع أي اعتراض أو عائق أمام اليهود، بصفتهم الفردية، و الذين يحملون معهم إلى الحائط كتيبات أو غيرها من الأشياء المستخدمة عادة في عباداتهم إما كشيء عام أو في مناسبات خاصة، ولا لارتداء الملابس القديمة المستخدمة في عباداتهم.
– يجب أن تكون المحظورات التي تم سنها مؤقتا ضد إحضار المقاعد والسجاد أو الحصير والكراسي والستائر والشاشات وما إلى ذلك إلى الجدار، وضد قيادة الحيوانات في ساعات معينة على طول الرصيف، مطلقة، وكذلك الأمر القضائي بإبقاء الباب في الطرف الجنوبي من الجدار مغلقا خلال ساعات معينة. ومع ذلك، يجب احترام حق المسلمين في الحركة ذهابا وإيابا بطريقة عادية على طول الرصيف ويظل مصونا كما هو الحال حتى الآن.
– يحظر إحضار أي خيمة أو ستارة أو أي شيء مماثل إلى الحائط بقصد وضعها فيها ولو لفترة زمنية محدودة.
– لا يسمح لليهود بالنفخ في قرن الكبش (شوفار) بالقرب من الحائط ولا التسبب في أي إزعاج آخر للمسلمين يمكن تجنبه. من ناحية أخرى، لا يسمح للمسلمين بإجراء مراسم الذكر بالقرب من الرصيف أثناء تقديم العبادات اليهودية أو التسبب في إزعاج اليهود بأي طريقة أخرى.
– يجب أن يكون مفهوما أنه يحق للإدارة إصدار التعليمات التي قد تراها مناسبة فيما يتعلق بأبعاد كل من الأشياء التي يجوز لليهود إحضارها إلى الحائط، مع احترام الأيام والساعات المحددة المشار إليها أعلاه، و كذلك احترام التفاصيل الأخرى التي قد تكون ضرورية لتنفيذ هذا الحكم الحالي للجنة بشكل كاف وكامل.
– يحظر على أي شخص أو أشخاص استخدام المكان أمام الجدار أو محيطه للخطب أو الأقوال أو المظاهرات السياسية من أي نوع كان.
– يعتبر من الأمور ذات المصلحة المشتركة للمسلمين واليهود على حد سواء عدم تشويه حائط المبكى بوضع أي نقوش عليه أو بدق المسامير أو أشياء مماثلة فيه، وكذلك الحفاظ على الرصيف أمام الجدار نظيفا واحترامه بشكل صحيح من قبل المسلمين واليهود على حد سواء. يعلن بموجب هذا أنه من حق المسلمين و واجبهم تنظيف الرصيف وإصلاحه، إذا ومتى كان ذلك ضروريا، بعد إخطار الإدارة على النحو الواجب.
– نظرا لاعتبار الجدار نصباً تاريخياً، يعهد بصيانته إلى الإدارة الفلسطينية، بحيث تقوم هذه الإدارة بإجراء أي إصلاحات قد تكون ضرورية له وتحت إشرافها ولكن بعد التشاور مع المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الحاخامي لفلسطين.
– إذا لم يعتني المسلمون في الوقت المناسب بأية إصلاحات ضرورية للرصيف، تتخذ الإدارة الفلسطينية الخطوات اللازمة لإنجاز العمل.
– يطلب من كبار حاخامات القدس أن تعين مسؤولا أو أكثر ليكون ممثلهم المفوض أو ممثليهم لتلقي التعليمات والمراسلات الأخرى التي تصدرها الإدارة الفلسطينية من وقت لآخر بشأن الحائط الغربي و الرصيف أمامه، و الإجراءات التي يجب مراعاتها فيما يتعلق بالعبادات اليهودية بالقرب من الحائط.
و قد وضعت أحكام هذا الأمر موضع التنفيذ اعتباراً من ٨ يونيو ١٩٣١، و أصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيض عن الموضوع اعترف بملكية المسلمين للمكان وتصرفهم فيه. كما أصدر ملك بريطانيا على أساس ذلك المرسوم الملكي المعروف باسم مرسوم الحائط الغربي لسنة ١٩٣١ الذي نشر في حينه في الجريدة الرسمية لفلسطين.
أعتقد بأن لجنة التحكيم كانت صادقة ولكنها لم تكن شجاعة و عادلة و حكيمة. و أجزم بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان سيحكم بما يرتضيه قلة من المخلصين من الطائفة المسلمة و الطائفة اليهودية، و كان سيرفضه الأكثرية من القومية الاسلامية و القومية اليهودية، و سأشرح هذا في مقال منفصل بإذن الله!
Jerusalem – United Kingdom Commission report on the Western Wall (1930) – LoN report/Letter from Jordan
بالامس إستودعنا الله حبيباً في خيمة البقيع، و التقينا بعتيق الاحمدية من زمن العقيق!
و طيب الله يدي في يداه و طمأن روحي بحنان عيناه. ثم توسط الطيبين بأبوته، و تميز عنهم بجماله و الكركمية كندورته!
قيل: أن شابا اخذ صديقه لدكان أباه، فرحب الرجل بالضيف و عرض عليه المكسرات إكراماً. إلا أن الضيف إمتنع خجلا، فاغترف الرجل بيده كمية من المكسرات و اهداها للضيف!
قال الشاب لصديقه بعد أن غادروا الدكان: ما كان عليك أن تخجل من أبي إذ عرض عليك المكسرات!
فأجابه الصديق: لم أخجل منه، و إنما طمعت أن يغترف هو لي المكسرات بيديه اللتان أكبر من يداي!
و ها أنا أدعوا الله أن يرزقكم بيداه المبسوطتان، خير الدنيا و الآخرة!
أستاذنا عتيق يا عقيق، إبق جميلا كما عهدتك!
الخلق من العدم
مع الدكتور باسل الطائي، و هو أستاذ الفيزياء الكونية في جامعة اليرموك بالاردن، و هو من بحث في بريطانيا، و تحت إشراف العالم ستيوارت داوكر (الذي اشتهر بحل المسائل المعقدة في الفيزياء الرياضية) حساب طاقة العدم التي خلق منها الكون، و الذي من خلاله اكد بأن الكون خلق من العدم. و كان عنوان رسالته بالتحديد:
Vacuum Energy in Einstein Universe
و للدكتور باسل الطائي إجابتين (قديمة و حديثة) على السؤال التالي: هل الخلق جاء من العدم أم من مادة كانت موجودة سابقاً؟ الاجابة الأولى و القديمة (الفلسفية) هي: في الماضي كان هناك رأيان في هذا الصدد، لفلاسفة غير مؤمنين و فلاسفة مؤمنين.
الراي الأول للفلاسفة أو العلماء الغير مؤمنين، و هم القائلين بأن الكون خُلِقَ من شيء، و هذا رأي القائلين “بقِدَم الكون”، أي أن الكون ليس له بداية في الزمان. و الفلاسفة اليونانيون كانوا يتزعمون هذا الرأي و على رأسهم ارسطوا، و تبعه أيضا فلاسفة المسلمين كابن سينا و الفارابي و إبن الرشد (و إن لم يصرح الاخير بقدم الكون، ولكنه لم يمنعه).
أما الراي الثاني للمتكلمين من علماء المسلمين ( الفلاسفة المؤمنين)، و الذين قالوا بخلق الكون من لا شيء، أي أن الكون ليس بقديم و إنما “مُحدَث” و له بداية في الزمان. و قد رفض هؤلاء مبدأ “قِدَم الكون” لكي لا يجعلوا الكون مساوياً و شريكاً لله. فالقول بقدم الكون يلزم عندهم الايمان بقدم مادة كانت موجودة من الازل مع الله، و هذا يخالف مبدأ التوحيد. فلا موجود غير الله قبل خلق الكون. فالعالم أو الكون هو كل ما سوى الله، و الله ليس جزء من هذا العالم، و لا أن العالم هو الله كما يقول بعض الفلاسفة المعاصرين.
أما الاجابة الثانية و الحديثة (العلمية) فهي: اكتشاف هابل لظاهرة توسع الكون في العشرينات من القرن العشرين، أجبرت العلماء (الغير مؤمنين) على القول بأن “الكون خُلِقَ من العدم”. و بهذا، أصبحوا مضطرين على أن يخالفوا ما ذهب إليه فلاسفة اليونان و يوافقوا ما ذهب إليه المتكلمين المسلمين.
فقد وجد هابل في المرصد الفلكي بأن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعة عالية. أي إذا عكسنا الظاهرة و رجعنا بالزمن تدريجياً، فلابد أن يكون للكون من نقطة بداية، و سميت تلك النقطة بعد ذلك بنظرية الانفجار العظيم (Big Bang) و التي اكتشفت في الأربعينات من القرن العشرين. و لم تُوضَع هذه النظرية فقط لتُفَسِّر ظاهرة توسع الكون، و إنما أيضا لتُفَسِّر وجود العناصر الطبيعية في الكون بنِسَبٍ محددة (لماذا توجد الهيدروجين بنسبة ٧٦% و الهيليوم بنسبة ٢٣% و بقية العناصر بنسبة ١%؟).
و يستكمل الدكتور باسل الطائي الحديث بتعريف “العدم الفيزيائي”، و يوضح بأن العلماء الملحدين أمثال لورانس كِرَاوس صاحب كتاب شيء من لا شيء (Something Out of Nothing) و إستيفن هاوكنغنز يؤمنون بأن الكون خلق “نفسه” من العدم!، على أساس أن “العدم الفيزيائي” ليس اللاشيء.
و للعلم، فإن”شيئية العدم” تكلم فيها قديماً المعتزلة و المتكلمين المسلمين، و كما يقول الجويني في كتاب “الشامل في اصول الدين”: حقيقة الشيء المعلوم، و العدم معلوم، فهو شيء. و الأشاعرة سألوا المعتزلة: الأشياء تتكون من الجواهر، فإذا كان العدم شيء فما جوهر العدم؟ فاجابوهم المعتزلة: جواهر العدم كجواهر الوجود، إلا أنها غير متحيزة (أي لا تُشغِلُ مكاناً). و العدم ليس مكانا بالضرورة. أما أبو حامد الغزالي، فناقش عدمية الكون في كتاب “تهافت الفلاسفة” بعمق شديد و بدقة، و قال بعدم وجود المُخَصِّص أو المُرجِّح، لأن المُرجح هو إرادة الله في الخلق.
و بمفهوم فيزيائي بحت، يمكن شرح “شيئية العدم” من خلال نظرية المجال الكمِّي ( Quantum Field Theory)، و هي نظرية تُقِرُّ رياضياً بأن الاشياء لها حد في القياس (تقبل القياس)، و أن العدم يتكون من أشياء متناهية في الصغر (زماناً) و يستحيل قياسها، و لذلك وجودها إفتراضي و قياسها مُحَال. فعلى سبيل المثال، القلم بيدك موجود لأنه قابل للقياس (له وزن و كتلة و طول و عرض) و بالنتيجة الأشياء الفيزيائية هي الأشياء القابلة للقياس. و عليه، كل ما هو غير قابل للقياس، كالملائكة و الجن مثلا، تعتبر كائنات غير فيزيائية، و فيزيائيا العدم أو اللاشيء ليس بالضرورة الغياب المطلق للاشياء، أو كما قال المعتزلة: جواهر العدم كجواهر الوجود، إلا أنها غير متحيزة، أي لا تُشغِلُ مكاناً، لتناهي دقتها و صغر حجمها.
و تَكمُن مُغَالطة أمثال لورانس كِرَاوس و إستيفن هوكنغنز في كتابه “التصميم الاعظم” في إدعائهم بأن قوانين ميكانيك الكَمْ و الجاذبية تستطيع تحويل العدم الى وجود. في الحقيقة، لا يمكن أن يُخلَق شيء من غير قوة خارجية، كالقوة النووية أو القوة الكهربائية أو القوة المغناطيسية أو قوة الجاذبية. هذه القوى الاربعة يمكنها أن تحول العدم الى وجود، و إلا سيبقى العدم عدماً لمليارات السنين. و لهذا، يقول إستيفن هاوكنغنز في كتابه أن قوة الجاذبية هي التي تخلق، و ذلك لان الجاذبية تعمل على استطالة زمن وجود الأشياء (في العدم) و بالتالي تحويلها من العدم الى جسيمات حقيقية يمكن قياسها. و إستيفن هاوكنغنز عمل على الثقوب السوداء و التي تملك قوة جاذبية هائلة، من شأنها أن تُفلٍق العدم و تنشأ جسما، فقال: إن الجاذبية تحول العدم الى وجود. و السؤال الذي نطرحه هنا على إستيفن هاوكنغنز: إذا كان العدم هو اللاشيء و أن قوة الجاذبية بامكانها أن تحول العدم الى وجود، من أين جاءت قوة الجاذبية و الجاذبية ليست من العدم؟!
ثم يستكمل الدكتور باسل الطائي الحديث نافيا ما ذهب إليه الملحدون أمثال لورانس كراوس و إستيفن هوكنغنز من أن العدم يمكنها أن تخلق نفسها ذاتيا، و يأكد الدكتور باسل الطائي بأن ذلك لا يمكن حدوثه بدون وجود قوة خارجية. و الملحدون يعترفون بضرورة وجود القوة الخارجية (كقوة الجاذبيه).
ولكن، ما هي الجاذبية؟
الجاذبية هي تَحَدُّب شديد في الزَمَكَان. ولكن، من أين أتى هذا التحدب الشديد في الزمكان؟ لابد من قوة أو إرادة خارجية (External Agency)، نحن نسميها الله.
و إذا عرفنا أن تَحَدُّب الزمان هو مَطِّهِ و إستطالته، فإن هذه الظاهرة تخدم في أن يخرج الشيء من اللاشيء (العدم).
ولكن، كيف يفسر الدكتور باسل الطائي غياب مبادئ عقلية محضة و هي أقرب إلى البداهة (كالشيء لا يخلق نفسه) على فيزيائيون عظام أمثال لورانس كراوس و إستيفن هاوكنغنز؟!
يقول الدكتور باسل الطائي، بأنه لا يتهم لورانس كراوس و إستيفن هاوكنغنز بالجهل، ولكنه يشير الى مغالطتهم و إغفالهم أن الجاذبية بحاجة الى من يُوجِدُها، كالله سبحان و تعالى.
“بل بيت الأسرة الابراهيمية المبارك“
شاهدت مقطع بعنوان “البيت الابراهيمي باطل”. فقررت أن أعلق على الموضوع، لتكراره و إفتتان الكثيرين بالدعايات التي تُنشرُ ضده على يد طائفة، لسان حالهم “أنا خير منه”!
اقول و بالله التوفيق في رد بعنوان، “بل بيت العائلة الابراهيمية المبارك”:
في مستهل هذه التذكرة المتواضعه، اذكر نفسي بقول المصطفى صلى الله عليه و سلم في حديث متفق عليه:
سيخرج في آخر الزمان قوم “أحداث الأسنان“، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، “يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم“، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة. فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة”.
ثم ياتي متحدث “صغير السن” و مجهول الهوية، يتحدث في مسألة سياسية بحته تفوق سعة فهمه السقيم، ألا و هي مسألة “البيت الابراهيمي”.
و يستند هذا الصغير السن في بحثه على الظن بدلا عن البرهان “و بفهم مغلوط للقرآن“، تماماَ كمن حذرنا منهم المصطفى صلى الله عليه وسلم!
هذا الصغير السن و غيره من النخبة الذين خاضوا و للأسف الشديد بالطعن (دون علم) في مسألة البيت الابراهيمي السياسية، ليذكرونا بالنخبة التي اتبعت خطوات عبدالرحمن بن الاشعث الانتحارية (و الذي لم يمت في دار الاسلام). أين كانت عقولهم، رحمنا و رحمهم الله؟!
و يقرر صاحب المقطع لضعفه و خوفه من الحقيقة، أن يبدأ حديثه دون التطرق إلى منشأ فكرة البيت الابراهيمي. و اذا عرف السبب بطل العجب، و السبب يا اخواني الكرام أن “اول من قال بفكرة الدولة الابراهيمية هو تكفيري مثل المتحدث و اسمه سيد نصير. و هو سجين امريكي، اقترح على ديك شيني (ادارة جورج بوش الأمريكية) فكرة الدولة الابراهيمية“. و لن تجد ذكراً لسيد نصير في المنصات التي لسان حالها “انا خير منه“!
لا أنكر أن من أهداف البيت الابراهيمي، نشر ثقافة التسامح و التعايش بين المعتنقين للأديان الابراهيمية. ولكن، هذه النظرة سطحية، “فالهدف الاساسي سياسي بحت“، و يهدف الى محاربة اجندات الغلاة في الغرب، و الذين يهدفون الى شيطنة الدين الإسلامي برمته و سحقه. اؤلئك الغلاة و الذين يحاربون الاسلام كدين إرهابي (انتج القاعدة و داعش).
و البيت الابراهيمي رسالة سياسية قوية، أُلقِيَت لتلقف ما يأفكون و تبطل أو تضعف (على أقل تقدير) اجندات الغلاة في الغرب من خلال حملاتهم العدائية ضد الدين الاسلام (المباشرة و الغير مباشرة).
ثم ياتي صبي صغير السن و بعض النخب، ليحاربوا بسذاجة هذه المبادرة السياسية الذكية، و ليبصموا بسذاجتهم على اجندات الغرب الكارهة للاسلام!
ثم يحذر هذا الصغير في السن مستمعيه من الاهداف الخبيثة لمشروع البيت الابراهيمي، و هو “إلغاء” النصوص و الآيات القرآنية التي تتحدث عن الجهاد و غيرها من المسائل الخلافية في الاسرة الابراهيمية. و يقول المتحدث الصغير في السن بأن هذا كفر و خروج من الملة، و يستند في ذلك على الآية ٨٥ من سورة البقرة {أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضࣲۚ فَمَا جَزَاۤءُ مَن یَفۡعَلُ ذَ ٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡیࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یُرَدُّونَ إِلَىٰۤ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ}. و عليه، يستنتج المتحدث الصغير في السن أن القائمين على مشروع البيت الابراهيمي و المتعاونين معهم، يكونون بهذا قد “أنكروا” آيات من القرآن، و أنهم بذلك يكونون دُعَاة إلى الكفر بشكل صريح!
يا مغيث! هذا الصغير في السن لا يعي أن آيات القرآن الكريم بعضها تخص مرحلة ضعف الأمة و بعضها تخص مرحلة القوة. و لا نحتاج أن نكون علماء ذرة لنفهم أن الامة الاسلامية اليوم تعيش مرحلة الضعف (عسكريا و فكريا)، و أن السذج أمثال المتحدث يزيدونها ضعفاً. و عليه، من يجتهد و ياخذ بنصوص مرحلة ضعف الأمة و “يؤجل” العمل بنصوص مرحلة قوة الامة، لا يُعتبر لاغياً لآيات كتاب الله. فعند الحاجة، اذا اكل المضطر لحم الخنزير، لا يُعتبر قد لغى الآيات التي تحرم اكل لحم الخنزير. و الله، صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما قال “يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم“.
اللهم بلغت، اللهم فاشهد!
ملاحظة: في الحقيقة، إن أصحاب الشأن قد وفقهم الله في إختيار اسم الكنيس اليهودي في حي البيت الابراهيمي بتسميته “كنيس موسى بن ميمون”. فمن إبن ميمون هذا؟
هو أَبُو عَمْرَان مُوسَى بْن مَيْمُون بْن عُبَيْد ٱللّٰه ٱلْقُرْطُبِيّ، المشهور في الغرب باسم ميمونيديس. و اشتهر عند العرب بلقب الرئيس موسى. و كان فيلسوف يهودياً سفاردياً، و أصبح من أكثر علماء التوراة إجتهادا و نفوذاً في العصور الوسطى. و كان كذلك عالم فلك و طبيباً بارزاً. وُلد في قرطبة ببلاد الأندلس في القرن الثاني عشر الميلادي، و من هناك انتقلت عائلته سنة ١١٥٩ إلى مدينة فاس المغربية، حيث درس بجامعة القرويين، ثم انتقلت العائلة سنة ١١٦٥ إلى فلسطين. و استقر بن ميمون في مصر آخر الأمر حتى وفاته، و عمل في مصر نقيباً للطائفة اليهودية و طبيباً لبلاط السلطان صلاح الدين الأيوبي. كان أوحد زمانه في صناعة الطب و متفنناً في العلوم. و يوجد معبد يحمل اسمه في العباسية بالقاهرة. أي أن هذا النابغة اليهودي كان ينعم بين المسلمين و في جامعاتهم و بلاطهم، و عليه كان تسمية الكنيس باسمه اكبر رسالة الى أعداء الاسلام في الغرب و في تسامح الإسلام و غالبية المسلمين!
بدون لف و دوران!
البحوث بحاجة الى منهجيات صحيحة و تخطيط!
و من الأهمية بمكان أن يمتلك الباحث القدرة على الغوص في أعماق محيط التراث المخيفة لتفحص التفاصيل. ولكن، بشرط أن يمتلك القدرة على الخروج من أعماق التفاصيل، الى سطح المحيط، حيث يمكنه فرز المعلومات و إستخراج الدرر، و لكي لا يعلق بالقاع و يغرق بالمعلومات القيمة!
بل من الضروري أن يمتلك الباحث القدرة على التحليق في سماء محيط التراث، ليرى حقيقة تلك الدرر بشكل أوضح من الأعلى، و لكي ينتهي بنتيجة مفيدة و دقيقة و صحيحة، و يصنع من تلك الدرر عقداً جميلا يزين رقبة جارية عفيفة!
فاحذر كل الحذر من أن تبقى في القاع لاهياً بالمعلومات الثمينة، و إياك أن تغوص إن لم تكن تجيد العوم و من ثم الطيران!
و كثيرا ما يغفل المخلص (او يتغافل المغرض) و يعجز عند البحث في التراث الاسلامي عن رؤية الحقائق بشكلها الكلي من الأعلى!
و يتبين هذا في مقطع يتداوله المعادين للتراث الاسلامي، حيث يتضح من خلاله أن العلماء رحمهم الله تطرقوا قديما و غاصوا في مسألة نسخ القرآن بالحديث، و أن الامام الشافعي رحمه الله كان من المعارضين للفكرة و كان يقول بنسخ القرآن بالقرآن فقط. ثم أتى العلماء من بعدهم و غاصوا بحثاً في آراء السابقين و اجمعوا على أقرب الآراء الى الصواب، و بنوا على ما بناه السابقون و إستقروا على قبول مبدأ نسخ القرآن بالسنة!
هكذا شُيد صرح الحضارة الإسلامية، طوباً على طوب و طابق من فوق طابق على مر السنين. أو كما يفعل المتسابقون في سباق التتابع، حيث يجتهد العدَّاء الاول و ينهي مهمته و من ثم يسلم العصا للعداء الذي يليه، ليُكمل اللاحقون على ما بناه السابقون!
إذاً، المسألة ليست كما يتوهم البعض و كأن علماء أهل السنة و الجماعة تآمروا قبل ١٣٠٠ سنة في جنح الظلام و حرفوا الدين لاغراض دنيوية او لاهواء شخصية (كما فعل الاحبار و الرهبان) و أتى من بعدهم من أكمل المؤامرة و اخفى المسألة من دون مناقشة، كما صنعت الفرق الإسلامية الاخرى بتراثها!
و الحقيقة ليست كما يتوهم البعض بأن هذه المسائل (المؤامرة) كانت خافية، و كشفها رواد وسائل التواصل الاجتماعي في القرن ٢١. كلا!
فتراث أهل السنة و الجماعة مدون بالتفصيل الممل و لله الحمد، و الامم الاخرى تتمنى أن تملك تراثاً مكتوباً و محفوظاً و مُدَقَّقاً و مدوناً كالتراث الإسلامي!
و إنما الحقيقة تتجلى و بنظرة علوية من سماء محيط تراثنا الغني في أن:
الأمة الاسلامية (أهل السنة و الجماعة) ناقشت ثم ناقشت مثل هذه المبادئ خلال ١٣٠٠ سنة، مناقشة علمية و مستفيضة، و بحسن نية. و اختلف علماء الامة ثم اتفقوا بمر السنين على مبدء ما، كما تفعل كل المجتمعات العلمية. فتاريخ العلوم كلها تراكمية!
نظرياً، يمكننا أن نعيد مناقشة مسألة محسومة، ولكن لماذا؟ و ما الاضافة التي سنضيفها نحن بعد ١٣٠٠ سنة من البحث؟!
الخلاصة:
البحوث بحاجة الى منهجيات صحيحة و تخطيط، و ليس الى الهوى و الطاخ و الطيط!
سألني احد الاخوة عن الشذوذ:
هل هناك لوبيات تقف خلف الشذوذ و ؟تدعمها؟ و من يرئسهم؟ و من هم الاعضاء؟ و ما هو هدفهم من نشر تلك الظاهرة؟ كيفية القضاء عليهم، حتى احافظ على اسرتي؟
اولا: من هم؟
لن أقول أن وراءهم الماسونية و الدولة العميقة، فأنا احكم بالظاهر و لا علم لي بالباطن. و اترك هكذا نظريات لانظمتنا أن تتعامل معها بما لديهم من المعلومات و بما يرونه مناسبا.
ولكنني أقول بأن وراءهم في الدرجة الاولى ابليس! و وراءهم في الدرجة الثانية الغرب المسيحي (امريكا و الاتحاد الأوروبي) المنافق و الفاقد للمصداقية، كما لوح بذلك الشيخ سيف حفظه الله!
ثانيا: ما هدفهم؟
المحافظين في الغرب المسيحي يناقشون هذا السؤال و يحاولون أن يجيبوا عليه، و هناك نظريات عدة و من أشهرها: هدم الاسرة ليسهل السيطرة على الأفراد، و كذلك، الحد من التكاثر و زيادة عدد سكان الارض!
أما رايي الشخصي: هم يستخدمون حقوق الشذوذ عصاً يضربون بها دول الشرق (كل الدول السَّوية و الشريفة و من كانت على الفطرة، و إن تخلفت صناعيا و استبدت سياسيا)، بالضبط كما إستخدموا المنظمات الحقوقية لشيطنة من يعصيهم!
كذلك، هم يستخدمون حقوق الشذوذ كوسيلة للتنمر على من سواهم من الانظمة و وصف من يخالفهم بالمتخلف، ليسهل شيطنتهم. في الحقيقة، يتم الان شيطنة المحافظين في داخل الغرب المسيحي كما يتم شيطنة المحافظين في دول الشرق لاسباب سياسية بحتة!
ثالثا: كيفية القضاء عليهم؟
بالتوعية و أن نتوحد و ندعم انظمتنا، لكي يطمئن الحاكم بأننا سنده و أننا لن نتخلى عنه في وقت العسرة و في حال حاول الغرب المسيحي شيطنة الحكام بالإعلام كما فعلوا مع شاه إيران. علينا أن ندعم أنظمتنا ليتمكن الحاكم من مجابهة ضغوط الغرب المسيحي. فلنا في اتهامهم شاه إيران بالعمالة و الفساد و تخلي الشعب عن حاكمهم عبرة يا اولي الالباب!
بوركتم
رضاع الكبير و إستعادة شخصيتنا المؤسساتية
بقلم: خالد الخاجة
و الحل في أن تستعيد أمتنا شخصيتها المؤسساتية و الجريئة. و الى ذلك الحين، لن أستغرب إن إستنكر المسلمون في عصرنا تشريعات و ممارسات عمل بها السابقون من رواد القرون الخيرية (مجتمع مؤسساتي) على عهد الرسول محمد (ﷺ) و سلفه الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم، و التابعين لهم باحسان.
فمُخرجات منهجية السابقون من القرون الخيرية كانت مؤسساتية و متزنة، تراعي الواقع و المهام و الواجبات و المخاطر. في حين أن مُخرجات منهجية اللاحقون لهم، هي مجموعة من التشريعات و الممارسات المنحازة، فتميل كل الميل لمحاربة مخاطر الفتن دون مراعاة للمهام و الواجبات. و هذا ما يجعلنا نعبس و نتولى عن ما يبدوا لنا و كأنها ممارسات إباحية و متهورة، كانت شائعة بين السابقين في القرون الخيرية. و لأننا عاجزون عن تكذيب تلك الممارسات القرآنية الصحيحة و الصريحة، نسعى بحسن نية إلى تأويلها أو تقييدها و التضييق عليها، درءاً للفتنة.
الى الآن، لن الومك أيها القارئ الكريم إذا رددت في نفسك و انت تحك ذقنك مذهولاً و مُشككاً: قد جُنَّ خالد و ضل! أقول: إطمئن يا فارس الحقيقة، و أعرني آذان عقلك الحر و قلبك الشجاع، و إنهي القرآءة الى خط النهاية، و من ثم لك أن تحكم علي بالجنون أو الماسونية.
و لكي نستسيغ هذا الحل، لابد أن نتطرق الى عدد من مُخرجات السابقون في القرون الخيرية و منهجياتهم المؤسساتية و الجريئة، و هي: عورة المسلمة الحرة و عورة الأَمَة المسلمة و رضاع الكبير، علماً بأن هذه الممارسات تعد استثنائية و مدهشة اذا ما قورنت بالممارسات التي كانت تعم العالم في تلك العصور.
أولا: عورة المسلمة الحرة
أجاز السابقون في القرون الخيرية أن تتبرج المسلمة الحرة في بيتها أمام مملوكها الذكر البالغ، و أجازوا لها أن تكتفي بستر عورتها (من السرة الى الركبة) و تخفيف ملابسها إذا إقتضت الحاجة، و بالتالي إعفائها من مشقة و عقبة إرتداء الحجاب و الثياب في بيتها أمام مملوكها الذكر، و بالرغم من المخاطر و الفتن التي قد تترتب على المجتمع بسبب تبرجها. فقد إعتبروا المملوك من محارمها الرجال بهدف تحسين جودة حياتها و إعانتها على أن تقَرَّ في بيتها، و هي الغاية الأسمى كما في الآية 33 من سورة الأحزاب }وَ قَرنَ فِی بُیُوتِكُنَّ وَ لَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ ٱلجَـٰهِلِیَّةِ ٱلأُولَىٰ{. و بموجب هذا التشريع الجريء، تم مساواة المسلمة الحرة بالمسلم الحر في حق امتلاك العبيد (الذكور). في الحقيقة، هذا تشريع مؤسساتي بحت، يوازن بين منافع أن تَقرَّ الحُرَّة في بيتها و مخاطر تبرجها امام مملوكها الذكر، بمنتهى الواقعية و العدالة و الانسانية. و إقرأ إن شئت في تفسير الآية 31 من سورة النور {أَو مَا مَلَكَت أَیمَـٰنُهُنَّ}.
كما أجاز السابقون في القرون الخيرية للنساء الَّاتي قَعَدنَ عن الولد و الحيض و الأزواج بسبب الكبر، أن تضع بعض ثيابها أمام الرجال بشرط عدم التزين، و ذلك بهدف تحسين جودة حياة المُقعَدات من النساء الحرائر بتمكينها من تخفيف ملابسها، و بالتالي إعفائها من مشقة و عقبة إرتداء الجلباب و الرداء فوق ثيابها. في الحقيقة، هذا تشريع مؤسساتي بحت، يوازن بين منافع إحتشام المسلمة الحُرَّة المُقعَدة و مخاطر تبرجها أمام الرجال، بمنتهى الواقعية و العدالة و الانسانية. و إقرأ إن شئت في تفسير الآية 60 من سورة النور {فَلَیسَ عَلَیهِنَّ جُنَاحٌ أَن یَضَعنَ ثِیَابَهُنَّ}.
ثانيا: عورة الأَمَة المسلمة
إعتبر السابقون في القرون الخيرية عورة الأَمَة المسلمة (الجارية و المملوكة البالغة) كعورة الرجل، من السُّرة الى الركبة. و يهدف هذا التشريع الجريء الى تحسين جودة حياة النساء المملوكات و اللاتي أُمِرنَ بانجاز الأعمال الشاقة خارج البيت كالرجال المسلمين الأحرار. و عليه، قاموا بمساواتها بالمسلم الحر و تمكينها من تخفيف ملابسها إذا إقتضى عملها ذلك، و بالتالي إعفاؤها من مشقة و عقبة إرتداء الحجاب و الثياب أثناء أداء واجباتها، كما يفعل المسلم الحر. و بمقتضى هذا الحكم، لا بأس على الأَمَة المسلمة أن تأخذ بالرخصة و تضع ثيابها، بالرغم من المخاطر التي قد تترتب على المجتمع بسبب تبرجها. في الحقيقة، هذا تشريع مؤسساتي بحت، يوازن بين منافع قيام الأَمَة بمهام الرجال و مخاطر تبرجها على المجتمع، بمنتهى الواقعية و العدالة و الانسانية.
ثالثا: رضاع الكبير
و أجاز بعض السابقون في القرون الخيرية و على رأسهم المصطفى (ﷺ)، ممارسة “رضاع الكبير” بهدف تحسين جودة حياة النساء الَّاتي أُمِرنَ بأن يَقَرنَ في بيوتهن، و ذلك بتمكينها من توسيع نطاق محارمها من الذكور عند الحاجة من خلال إرضاع الكبير البالغ الحر، و بالتالي إعفائها من مشقة إرتداء الحجاب و التستر في بيتها أمام من يرتاد عليها باستمرار. في الواقع، ما تكشفه هذه الرواية لنا هو مدى واقعية ذاك المجتمع المسلم النقي و تقدمه فكرياً و ثقافياً. فهذا تشريع مؤسساتي بحت، يوازن بين منافع أن تَقرَّ المسلمة الحُرَّة في بيتها و مخاطر تبرجها أمام معين لا تستطيع أن تستغني عنه و يرتاد عليها كثيرا او مخاطر خروجها المتكرر من البيت لقضاء حوائجها اليومية، بمنتهى الواقعية و العدالة و الانسانية.
و إعلم أيها القارئ الكريم أن رواية “رضاع الكبير” صحيحة و رَوَتهَا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و أرضاها. و إعلم بأنني كرجل مؤسساتي أعتز بهذه الرواية و أخواتها، و أجدها من أعمق الرويات و إن كانت غريبة، و لا أجد حرجاً في قبولها البتة. و إليك نموذجاً لتلك الرواية، و رقمها 1453 كما وردت في صحيح الامام مسلم رحمه الله، كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير:
“عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِيِّ (ﷺ) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ (و َهُوَ حَلِيفُهُ). فَقَالَ النَّبِيُّ (ﷺ): ”أَرْضِعِيهِ”. قَالَتْ: وَ كَيْفَ أُرْضِعُهُ وَ هُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟! فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) و َقَالَ: ”قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ”.
https://sunnah.com/muslim:1453a
و قد نقل لنا الدكتور ماهر ياسين الفحل (كلية العلوم الاسلامية، الرمادي، جامعة الأنبار، قسم الفقه و أصوله) في بحثه المتميز “لا تحريم بإرضاع الكبير” قول جمهور العلماء بأن: الرضاع الذي يؤثر في التحريم هو ما كان في الحولين (أول سنتين من عمر الرضيع). فإذا أرضع الصبي بعد تجاوزهما، فلا أثر لهذا الرضاع في التحريم. و هذا رأي الرافضين لرضاع الكبير، و الدكتور ماهر يرجح هذا الرأي في بحثه. إلا أنه قد نقل لنا أيضاً أقوال للمتقدمين في مسألة رضاع الكبير، و هي كالتالي:
القول الأول: من رفض رضاع الكبير مطلقاً، و هذا كما ذكر الدكتور ماهر هو رأي معظم الصحابة رضوان الله عليهم و جمهور العلماء.
القول الثاني: من قَبَلَ برضاع الكبير مطلقاً، و هذا رأي بعض الصحابة و على رأسهم أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليهم.
القول الثالث و الوسط (و هو الذي أميل اليه): من قبل رضاع الكبير عند الحاجة و ليس مطلقاً. و هذا الرأي إختاره الامام ابن تيمية رحمه الله، و حكاه عنه الامام ابن القيم رحمه الله و ذكر أنه الأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث، و اختاره أيضاً الامام الشوكاني و الامام الصنعاني و غيرهما رحمهم الله. و الأكثرون من القائلين بهذا الرأي يرون أن تجمع المرضعة حليبها في كأس ليشرب منه الكبير، دون الحاجة الى الملامسة.
الأمثلة السابقة تجسد مدى واقعية و اتزان احكام السابقون في القرون الخيرية. فقد كانوا يعينون المسلمة الحرة للعمل بالآية 33 من سورة الأحزاب {وَ قَرنَ فِی بُیُوتِكُنَّٰ} من خلال مساواة حقوقها بحقوق الرجال في إمتلاك العبيد، و يعينون الأَمَة المسلمة على العمل الشاق خارج البيت كالرجل المسلم الحر من خلال مساواة عورتها بعورة الرجال. يا له من مجتمع جريء و واقعي و متزن و مؤسساتي!
و يتجلى لنا تميز السابقون في القرون الخيرية، إن تأملنا في التشريعات التي لم يتبنوها. فعلى سبيل المثال، في مسألة تعامل المسلمة الحرة مع مملوكها، كان بامكانهم أن يحرموا على المسلمة الحرة أن تمتلك مملوكاً ذكراً من باب درء الفتنة، فيحرموها بذلك من ما يحل للمسلم الحر، و لكنهم لم يستسيغوا هذا الحل. و كان بامكانهم أن يوجبوا الحجاب على المسلمة الحرة في حضرة مملوكها الذكر من باب درء الفتنة، فيشقوا بذلك عليها في بيتها، ولكنهم لم يتبنوا هذا الحكم.
و يعلل الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله على موقعه الالكتروني سبب تساهل السابقون في القرون الخيرية بشأن عورة الأَمَة المسلمة قائلاً:
“جاء الشرع بالتفريق بين الحرائر و الإماء، فالحرة تحتجب الحجاب الكامل، و الأمة تبرز، و يجوز لها كشف رأسها و يديها و وجهها لكثرة الحاجة في استخدامهن، و كان فرض الحجاب عليهن مما يشق مشقة بالغة”.
https://islamqa.info/ar/answers/220750
كما يصف لنا الشيخ محمد صالح المنجد على موقعه الالكتروني إماء الخليفة عمر رضي الله عنه، قائلاً:
“قال البيهقي رحمه الله في سننه 3222: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّ إِمَاءُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَخْدِمْنَنَا كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ تَضْرِبُ ثُدِيّهُنَّ”. و هذا إسناد حسن.
https://islamqa.info/ar/answers/198645/
و نقل لنا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى، كيف كان الخليفة عمر بن الخطاب رضوان الله عليه يضرب الأَمَة المملوكة إذا خرجت و هي متحجبة كالمسلمات الحرائر:
“و كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَى أَمَةً مُخْتَمِرَةً ضَرَبَهَا وَ قَالَ: أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ أَيْ لَكَاع؟”
https://islamqa.info/ar/answers/198645/
و للأسف الشديد و كما ذكرت سابقاً، لا أحتاج لإجراء إستبيان لأجزم بأن الأغلبية من عامة الأمة اليوم ستستنكر الأمثلة السابقة و ستجد حتى الحديث عنها إثارة للمَفسَدَة. بل و ستعتبرها ممارسات إباحية و متهورة، رغم أنها كانت شائعة بين السابقون في القرون الخيرية.
أما أئمتنا الأجلاء و علماؤنا الكرام، فلم ينكروا أن في زمن القرون الخيرية، كان بامكان الأَمَة المسلمة (و إن كانت بالغة) أن تخرج على الرجال و هي تغطي ما بين سرتها و ركبتها، حالها حال المسلم الحر. و لم ينكروا بأن الأَمَة المسلمة (على خلاف المسلمة الحرة) كانت مُطَالبَة بأداء العمل الشاق خارج البيت كالمسلم الحر (لا أن تَقَرَّ بالبيت كالمسلمة الحُرة). إلا أن العلماء إختلفوا في جزئيات مسألة رضاع الكبير أو عورة الاَمَة المسلمة أمام الرجال أو عورة المسلمة الحُرة أمام مملوكها الذكر، بحسب عُرفهم و درجة تحفظهم. فالعلماء فئات ثلاث:
الفئة الأولى: فئة جليلة و مخلصة، ولكنها بالغت في تحفظها و قلقها من الفتن، و ربما تعاني من رهاب (فوبيا) الفتن. فتُقدِّم مصلحة المجتمع على الفرد في سبيل القضاء على جميع الفتن، و لا ترضى بالتعايش مع الفتن إطلاقاً، مهما عظم الثمن على الفرد و مهما صغرت خطورة الفتنة على المجتمع. إلا أنهم (كشيخ الاسلام ابن تيمية و الامام ابن حزم و العلامة العثيمين، رحمهم الله) يحضون بثقتي، فهم صحابة عصرهم و أئمتي و قدوتي و إن اختلفت معهم في بعض الأمور.
الفئة الثانية: فئة انهمزمت لليبرالية، ضحية للاستعمار و من مخرجاته، تبالغ في تساهلها و متهورة في تعاملها مع الفتن، و قد تُقَدم مصلحة الفرد على المجتمع. فترضي بالتعايش مع مخاطر الفتن “كأمر واقع”، و مهما عظمت خطورة و ثمن تلك المخاطر على المجتمع. و من علاماتهم القدح في علم الحديث و الطعن في عدالة الصحابة و تأويل القرآن بما تهوى أنفسهم بهدف محاكات الغرب الليبرالي. هؤلاء لا يحضون بثقتي و لا أعدهم قدوتي، و إن اتفقت معهم في بعض الأمور.
الفئة الثالثة: فئة وسط و منهجيتها مؤسساتية، حيث توازن بين مخاطر الفتن و حقوق الفرد و المجتمع. و قد ترضي بالتعايش مع شيء من الفتن المحسوبة في سبيل تحقيق مصلحة أعظم، و هي منهجية الأكثرون من السابقون في القرون الخيرية. هؤلاء (كالشيخ عادل الكلباني و الشيخ صالح المغامسي، حفظهم الله) يحضون بثقتي و تقديري، فهم صحابة عصرهم و أئمتي و قدوتي و إن اختلفت معهم في بعض الأمور.
لذلك و بالرغم من اختلاف وظائف الأَمَة و الحرة، إعتبر علماؤنا الأجلاء من الفئة الأولى عورة الأَمَة كالمسلمة الحرة (الأنثى كالأنثى) و رفضوا التعايش مع فتنة تبرج الأَمَة، وفق منهجية تُولي القضاء على المخاطر و درء المفاتن أهمية قصوى، و دون مراعاة لحقوق الأَمَة كانسانة و بالرغم من إختلاف مهامها عن المسلمة الحرة. و لأن علماؤنا من الفئة الأولى صادقون و أمناء، نجدهم عاجزون عن تكذيب تلك الممارسات الصريحة و الصحيحة و التي كانت رائجة في عهد السابقين. لذا، يسعون جاهدين إلى تأويلها أو تقييدها (بحسن نية) في سبيل القضاء على الفتن.
بينما إعتبر علماؤنا من الفئة الثالثة عورة الأَمَة كعورة الرجل (العاملة كالعامل) وفق منهجية مؤسساتية توازن بين مخاطر الفتن و الحقوق و المهام. فأخذوا بعين الاعتبار مصلحة الطرفين (الأَمَة و المجتمع). فاستنتجوا بأن من الأنانية و الظلم أن يستفيد المجتمع من قيام الأَمَة المسلمة باعمال الرجل المسلم الحر من دون أن تستفيد الأمَة من التسهيلات التي ينعم بها المسلم الحر في زيه (عورته) خارج البيت. لذا، إرتضوا بالتعايش مع مخاطر فتنة تبرج الأَمَة خارج بيتها.
و ينقل موقع “المكتبة الشاملة الحديثية” و كذلك موقع الشيخ محمد صالح المنجد، كلام العلامة العثيمين رحمه الله في “شرح الممتع”، قائلاً:
“الأَمَةُ (و لو بالغة) و هي المملوكة، فعورتها من السُّرَّة إلى الرُّكبة. فلو صلَّت الأَمَةُ مكشوفة البدن ما عدا ما بين السُّرَّة و الرُّكبة، فصلاتها صحيحة، لأنَّها سترت ما يجب عليها سَتْرُه في الصَّلاة”.
https://al-maktaba.org/book/31615/29982
“و أما في باب النَّظر: فقد ذكر الفقهاءُ رحمهم الله تعالى أن عورة الأَمَة أيضاً ما بين السُّرَّة و الرُّكبة. ولكن شيخ الإسلام رحمه الله في باب النَّظر عارض هذه المسألة، كما عارضها ابن حزم في باب النَّظر و في باب الصَّلاة، و قال ابن حزم:
“إن الأَمَة كالحُرَّة، لأن الطَّبيعة واحدة و الخِلْقَة واحدة، و الرِّقُّ وصف عارض خارج عن حقيقتها و ماهيَّتها، و لا دليلَ على التَّفريق بينها و بين الحُرَّة”.
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “إنَّ الإماء في عهد الرسول (ﷺ)، و إن كُنَّ لا يحتجبن كالحرائر، لأن الفتنة بهنَّ أقلُّ، فَهُنَّ يُشبهنَ القواعدَ مـن النِّساء اللاتي لا يرجون نكاحاً، قـال تعالى فيهن {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}” النور: من الآية 60. “و أما الإماء التركيَّات الحِسَان الوجوه، فهذا لا يمكن أبداً أن يَكُنَّ كالإماء في عهد الرسول (ﷺ)، و يجب عليها أن تستر كلَّ بدنها عن النَّظر، في باب النَّظر”.
https://islamqa.info/ar/answers/220750/
قال (العلامة العثيمين): “و علَّل ذلك بتعليل جيِّدٍ مقبولٍ، فقال: “إن المقصود من الحجاب هو ستر ما يُخاف منه الفِتنة بخلاف الصَّلاة، و لهذا يجب على الإنسان أن يستتر في الصَّلاة، و لو كان خالياً في مكان لا يطَّلع عليه إلا الله. لكن في باب النَّظر إنما يجب التَّستر حيث ينظر الناس”. قال: “فالعِلَّة في هذا غير العِلَّة في ذاك، فالعِلَّة في النَّظر: خوف الفتنة، و لا فرق في هذا بين النِّساء الحرائر و النِّساء الإماء”.
و قوله صحيح بلا شكٍّ، و هو الذي يجب المصير إليه”. انتهى كلام العلامة العثيمين، رحمه الله.
https://al-maktaba.org/book/31615/29982
عزيزي القارئ، إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح و تكميلها و تعطيل المفاسد و تقليلها. لذا، أتفق مع أئمتي الكرام أمثال ابن تيمية و ابن حزم و العثيمين رحمهم الله بإن إدارة مخاطر الفتن و إيجاد ما يزيلها أو ما يخفف عنها، تُعد ضرورة تشريعية و في صميم العمل المؤسساتي المحمود. لكن و بالرغم من أن إدارة مخاطر الفتن كانت أيضاً من أولويات مؤسسة السابقون في القرون الخيرية، إلا أننا نجدهم قد إختاروا التعايش مع بعض المخاطر و الفتن (التي أقلقت اللاحقون) بدلا من إزالتها، عملاً بمبدأ الأخذ بأدنى الشرين. و الدليل على ذلك، تقبل السابقون في القرون الخيرية التعايش مع مخاطر فتنة تبرج المسلمة الحرة في بيتها أمام مملوكها الذكر، و تقبلهم التعايش مع فتنة تبرج الأمَة المسلمة أمام الرجال خارج البيوت.
بل إن مؤسسة السابقون في القرون الخيرية قد تقبلت التعايش مع مخاطر فتنة الشرك و الكفر (و هي أمُّ المخاطر و الفتن) على أطفال المسلمين، عندما أَقرَّت للرجل المسلم الزواج من اليهودية و النصرانية، و بالتالي التعايش مع مخاطر فتنة إتخاذه مشركات و كافرات كأُمهات و مربيات لأطفاله.
ثم أعجب عندما أجد اللاحقون أمثال أئمتي الكرام ابن تيمية و ابن حزم و العثيمين رحمهم الله، و هم يزهدون في نهج السابقين في القرون الخيرية عند ممارستهم لإدارة مخاطر الفتن، فيميلون بمنهجيتهم القلقة كل الميل لقطع دابر الفتن، من خلال سحبهم الناعم لتشريعات تشمل تسهيلات منحها السابقون في لباس النساء الحرائر و المملوكات. و شتان بين أحكام متزنة أصدرها السابقون في القرون الخيرية بمنهجيتها المؤسساتية و الجريئة في ادارة مخاطر فتن النساء، و أحكام منحازة و قلقة أصدرتها مؤسسة اللاحقون المبتلية برهاب (فوبيا) فتن النساء، حتى انتهى بهم الأمر بمنعهم النساء من قيادة السيارة درأً للفتنة، ليأتي العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله و يخالفهم قائلاً ما معناه: إسألوهم، ألا يجوز شرعاً للمرأة أن تركب الحمارة؟ و أيهما أكثر فتنة، ركوبها السيارة أم ركوبها الحمارة؟!
كما ترى أيها القارئ الكريم، فالعلامة العثيمين رحمه الله يؤكد أن فقهاء المسلمين رحمهم الله إعتبروا عورة الأَمَة في الصلاة و في النَّظر، ما بين السُّرَّة و الرُّكبة. ثم ينقل لنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية و إبن حزم رحمهم الله عارضا الفقهاء (و السابقون في القرون الخيرية). ثم يتبين لنا أن حجة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ظنيه و لا تستند الى دليل صريح و صحيح. لأنه إفترض فرضية تحتمل خطأ 600 سنة، حين إفترض أن الإماء في عهد الرسول (ﷺ) كُنَّ لا يحتجبن كالحرائر لأن الفتنة بهنَّ أقلُّ، و أنهن كنَّ غير حسناوات و يُشبهنَ القواعدَ مـن النِّساء (خلاف الاماء التركيات في زمانه). و عليه، يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجوب أن تَستُر الأَمَة المملوكة كلَّ بدنها عن أنظار الرجال، حالها حال المسلمة الحرة، لأن الأمَة “أنثى” كالحرة، بغض النظر عن إختلاف ادوارهما، و هو بهذا أقرب الى إتباع منهجية اللاحقون القلقة و المنحازة، من منهجية السابقون الواثقة المتزنة!
ثم إن ما بين شيخ الاسلام إبن تيمية رحمه الله و بين القرون الخيرية من 3 الى 6 قرون، و هي مدة طويلة جداً و لا تُأهِّله أن يحكم في درجة حسن الاماء في القرون الخيرية، الا بسلطان الدليل. فاين السلطان و الدليل؟ ثم من قال أن الاماء العربيات و اليهوديات و الشاميات و الفارسيات في القرون الخيرية كُنَّ أقل حُسناً و جمالا من الاماء التركيات؟! {إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَ مَا تَهوَى ٱلأَنفُسُ} سورة النجم، الآية 23. يبدوا لي أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يبني رأيه على الظن، و يخالف بذلك (بحسن نية و بهدف درء الفتنة) ما مارسه السابقون في القرون الخيرية.
هنا، يتضح لنا كيف تتغير سلوكيات و ممارسات المجتمعات عبر العقود و القرون و تنحرف تدريجياً عن أصولها بين الإفراط و التفريط، لتزداد تَحَرُّراً فدمارا (كإفراط الليبراليين) او تزداد تَحَفُّظاً فدماراً (كتفريط الغلاة في التحفظ). إن الزمن كفيل بتغيير الامم و الاخلال في توازنها و انحرافها تدريجيا عن جوهرها النقي و المتزن من دون وعي منها، تماماً كما إنحرف قوم نوح (ﷺ) عبر القرون من عدالة التوحيد إلى ظلم الشرك. أو كما إنحرف المجتمع المسلم عبر القرون من أصله المؤسساتي العادل إلى حاضره الظني الظالم.
و يتضح لنا أيضا أن العلماء أمثال شيخ الاسلام ابن تيمية و ابن حزم و العلامة العثيمين و غيرهم رحمهم الله، نماذج لعلماء على درجة عالية من التحفظ عند التعامل مع عورة الأمة، تفوق ما كان عليه السابقون في القرون الخيرية. و كأن المحافظون الجُّدد يتمنون أن يمسحوا بهدوء ذاكرة الامة الاسلامية و يعيدوا تعريف عورة الأَمَة المملوكة لتكون كعورة المسلمة الحرة رغم اختلاف أدوارهما (كما في حالة شيخ الاسلام ابن تيمية و العلامة العثيمين و غيرهم رحمهم الله)، و يمنعوا المسلمة الحرة من أن تخرج في بيتها على مملوكها متبرجة (كما في حالة الامام ابن حزم و غيره رحمهم الله)، خوفاً من الفتنة.
و لعل إختلاف العلماء في تفسير الآية 31 من سورة النور {أَو مَا مَلَكَت أَیمَـٰنُهُنَّ}، كفيل ليتضح لنا سعي المحافظون الجُّدد الحثيث في التضييق على كل ما هو واسع، و في كل ما يبدوا لهم إباحيٌ و مفسدة من ممارسات السابقون في القرون الخيرية، بالرغم من وضوح الآيات و الأحاديث الصحيحة. و اليكم ما جاء في أسباب النزول، تفسير البغوي:
“إخْتَلَف العلماء فِي تفسير {أَو مَا مَلَكَت أَیمَـٰنُهُنَّ}، فَقَالَ قَوْمٌ: عَبْدُ الْمَرْأَةِ (المسلمة الحرة) مَحْرَمٌ لَهَا، فَيَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ عَلَيْهَا إِذَا كَانَ عَفِيفًا، وَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى بَدَنِ مَوْلَاتِهِ إِلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَ الرُّكْبَةِ، كَالْمَحَارِمِ و َهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَ أُمِّ سَلَمَةَ رضوان الله عليهما”.
“وَ قَالَ قَوْمٌ: هُوَ (العبد) كَالْأَجْنَبِيِّ مَعَهَا (المسلمة الحرة)، وَ هُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (تابعي) رحمه الله، و َقَالَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْإِمَاءُ دُونَ الْعَبِيدِ. و عن ابن جريج (رحمه الله) أنه قال: أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أنه لا يحل لامرأة مسلمة (حرة) أن تتجرد بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون تلك المرأة المشركة أَمَة لها”.
https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/baghawy/sura24-aya31.html
و الجدير بالذكر، كما ينقله لنا موقع الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله، إن تفسير الامام ابن تيمية و العلامة ابن العثيمين رحمهما الله للآية السابقة و موقفهما من نظر المملوك الى زينة سيدته المسلمة، يعتبر موقف مؤسساتي بحت، إذ انه مبني على حاجة المسلمة الحرة و ليس جنسها. يقول الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله:
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “و على هذا فقوله : “أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ” يدل على أن لها أن تبدي الزينة الباطنة لمملوكها. و فيه قولان: قيل المراد الإماء، و الإماء الكتابيات، كما قاله ابن المسيب و رجحه أحمد و غيره . و قيل: هو المملوك الرجل: كما قاله ابن عباس و غيره، و هو الرواية الأخرى عن أحمد. فهذا يقتضي جواز نظر العبد إلى مولاته، و قد جاءت بذلك أحاديث و هذا لأجل الحاجة؛ لأنها محتاجة إلى مخاطبة عبدها أكثر من حاجتها إلى رؤية الشاهد و المعامل و الخاطب، فإذا جاز نظر أولئك فنظر العبد أولى، و ليس في هذا ما يوجب أن يكون محرمًا يسافر بها، كغير أولي الإربة، فإنهم يجوز لهم النظر و ليسوا محارم يسافرون بها، فليس كل من جاز له النظر جاز له السفر بها و لا الخلوة بها، بل عبدها ينظر إليها للحاجة و إن كان لا يخلو بها و لا يسافر بها، فإنه لم يدخل في قوله (ﷺ): “لا تسافر امرأة إلا مع زوج أو ذي محرم” فإنه يجوز له أن يتزوجها إذا عتق، كما يجوز لزوج أختها أن يتزوجها إذا طلق أختها، و المحرم من تحرم عليه على التأبيد” انتهى من “مجموع الفتاوى” (22/111) .
https://islamqa.info/ar/answers/184458/
الخلاصة: لا يقول بجواز “رضاع الكبير” الا مجتمع مؤسساتي جريء و ذو شأن كبير. و لا يساوي عورة الإماء بعورة الرجال، الا مجتمع مؤسساتي جريء و راقٍ كقمم الجبال. و لا يَعدُّ عورة الحرة أمام مملوكها من السرة الى الركبة، الا مجتمع جريء و قد بلغت روح المؤسساتية به قمة الاتزان. فالمجتمع المؤسساتي الجريء هو من يفرش النجاح لأفراده بالتسهيل و التبسيط، فياخذ الغايات بعين الحسبان و من ثم يوازن بين الأدوار و مخاطرها، و يختار أعدل الخيرين أو الشرين.
و العلة ليست في الروايات، و إنما في نفسياتنا القلقة و عقدة الإباحية و رهاب فتنة النساء. فالآيات و الروايات منسجمة تماماً مع الروح المؤسساتية للسابقون في القرون الخيرية بممارساتهم الجريئة و المتزنة و الواقعية. نحن في غناً عن التَّكلُف بالبحث عن ما يقدح في سند و متن رواية، تجيز ممارسة تبدوا لنا و كأنها إباحية.
فلنتذكر بأن العفة و الشرف و محاربة الفساد، كانت قيم أساسية في مجتمعات القرون الخيرية، و لنحذر من أن تكون غلونا في التحفظ صفة الراغبين عن سنته (ﷺ) و صفة من هم أكثر ملكية من الملك. لذا، أرى الحل في أن تستعيد أمتنا شخصيتها المؤسساتية و الجريئة.
الأول، أن الامام ابو حامد الغزالي لم يقل بأن الرياضيات من العلوم الشيطانية!
إذاً، ماذا قال الامام الغزالي في شأن الرياضيات؟
ترجمة ما سبق: “أما التخصصات الجديرة بالثناء، مثل الطب و الرياضيات، فهي مرتبطة بفوائد دنيوية، وتنقسم هذه الفئة إلى تلك التي تصبح فرض الكفاية، و تلك التي لها ميزة كبيرة ولكنها ليست فرضاً”
ترجمة ما سبق: “إنه علم جدير بالثناء، ولكن مع ذلك إذا كنت تخشى أن يتجاوز شخص ما الحدود فيه، فيجب منعه من دراسته”
ترجمة ما سبق: “الشيء الآخر الذي أبهرني هو أن الغزالي نظر في العلوم بطريقة حديثة جدا. كانت هذه بالتأكيد مفاجأة بالنسبة لي، لكنها كانت مفاجأة أكبر لأولئك الذين اعتقدوا دائما أن الغزالي كان أحد الأشخاص الذين دمروا العلوم في الإسلام. أعتقد أن لا شيء أبعد من ذلك عن الحقيقة. في الواقع، إنه شخص دعم العلوم، وأراد أن يجد علم الكونيات الذي يؤدي إلى الاعتراف أولا وقبل كل شيء بالله كخالق للعالم، ولكن أيضا أرد تمكين العلماء من متابعة تلك العلوم. لذلك، و باختصار، قد أقول إنه اعتبر في علم الكونيات الخاص به (الذي لم يشمل الانفجار العظيم) ولكن إذا ترجمنا علم الكونيات الخاص به إلى الانفجار العظيم باعتباره الله خالق الانفجار العظيم، فقد خلق الله الانفجار العظيم ومنذ تلك اللحظة، كانت جميع الأسباب والآثار التي تكشفت منذ ذلك الحين ضرورية و من خلق الله. في هذه الحالة، يختار الله عمدا، كما يمكن للمرء أن يقول، كيفية خلق الانفجار العظيم وكل ما حدث منذ ذلك الحين هو في هذه الحالة تأثير عرضي لهذا الحدث الوحيد الذي وضعه الله فعلياً في هذا العالم، و الذي اعتقد أنه طريقة مناسبة جدا لعالم الاهوت للتفكير في هذا الكون”
الاول، الدهريون، و هم من ينكرون الصانع أو الخالق و الآخرة.
الثاني، الطبيعيون و هم ينكرون اليوم الآخر.
الثالث، الإلهيين أمثال سقراط و ارسطو (المعروف بالمعلم الاول).
كما ذكرنا، اوجب الإمام الغزالي تكفير ثلاثة اصول في الفلسفة:
عند البحث عن الأسباب التي أدت الى تراجع الحركة العلمية في الحضارات الشرقية (و منها الحضارة العربية و الاسلامية) و انتعاشها في الغرب، لابد أن نوافق على تفسير آدم سميث (Adam Smith) و هو أب الاقتصاد الحديث. و يجيب آدم سميث على السؤال بالنظر في أحداث القرن الخامس عشر الميلادي، و بالذات في اكتشاف أمريكا و اكتشاف طريق بحري جديد و بديل للطريق البري القديم (طريق الحرير)، يوصل الى خيرات الهند و الصين بالالتفاف بحرا على القارة الافريقية. هذه الاكتشافات حولت مسار حركة التجارة التي كانت عبر البلدان العربية و الاسلامية براً الى مسار بديل عبر البلدان الأوروبية و المسيحية بحراً. و تسببت هذه التحولات في الخطوط التجارية في تدهور و ركود اقتصاديات الحضارة العربية و الاسلامية و افتقارها، إذ أدت تلك التحولات الى التقليل من التجارة و من ثم التقليل من واردات أموال الضرائب. عندها و لسوء الاوضاع الاقتصادية، أصبح من الصعب على الحضارة الاسلامية الشرقية أن تستمر في تمويل المؤسسات العلمية، و ليس بسبب الاسلام كدين أو كتاب “تهافت الفلاسفة” (لا الفلسفة) و الذي الفه الامام الغزالي في القرن الثاني عشر الميلادي. كيف يمكن أن نتهم الامام الغزالي بالتسبب في تراجع الحركة العلمية، و نحن نعلم بأن المؤسسات العلمية بقت منتعشة لقرون عدة من بعد الامام الغزالي من خلال العديد من المراكز العلمية و على يد العديد من العلماء، و منهم شمس الدين الخفري؟!
و يضيف الدكتور جورج صليبا بأن ما يؤكد على براءة الاسلام و الامام الغزالي من تهمة التأثير سلباً على الحركة العلمية، هو أن تغيير حركة التجارة و ما يصاحبه من الركود الاقتصادي قد ضربت حضارات شرقية أخرى كالهندية و الصينية، و كانت علومها في القرن الخامس عشر عريقة و منافسة للعلوم العربية و الأوروبية، و لم يكن للامام الغزالي تاثير عليهم. و هذا يؤكد على أن الذين يتهمون الاسلام كدين او الامام الغزالي بالاضرار بالحركة العلمية إنما يعانون من التعصب الأعمى، و يُقَيِّمون علاقة الاسلام بالعلم بمقياس أوروبي ضيق من خلال مقارنتها بالعلاقة المتدهورة بين الكنيسة و العلم. هذا هراء! و الحقيقة أن هناك علاقة قوية بين الاوضاع الاقتصادية و العلم، و أن إذا توقفت التجارة فستتوقف استدرار الأموال، و عندها يتوقف الدعم الفكري و الصناعي و غيرها من الامور التي تتسبب في الانحدار.
و بالرغم من كل ما سبق، قد يقول قائل:
إفتح صفحة غوغل و أكتب: حكم دراسة الفلسفة. ثم ادخل على الصفحات التي تحرم الفلسفة، و ستجد ان رأي الغزالي و تأثيره على المسلمين لا يزال ساري المفعول الى الان. فكيف بعد هذا يمكن ان يُقال ان الغزالي لم يكن سببا في تخلف المسلمين وتراجعهم في العلوم الطبيعية؟
اقول: لو عملنا بمنهجيتك و فتحنا صفحة غوغل و كتبنا “الإرهاب الاسلامي”، فسنجد القرآن و الرسول صلى الله عليه و سلم، من اشهر مصادر الإرهاب في العالم. فهل ستعتمد انت هكذا نتائج؟!
ام انك ستطالب الباحثين في الإرهاب بالحياد، و بأن يقرؤا القرآن و سيرة المصطفى صلى الله عليه و سلم، و من ثم يحكموا اذا كانا من مصادر الارهاب ام لا؟!
كنت أظن أن الحكم على الإمام الغزالي رحمه الله يكون فقط بالاستناد الى ما كَتَبَهُ الغزالي في كُتُبه، و ليس ما يدعيه الغوغاء على الإنترنت!
فمن ينتهج هذا النهج، سيجد في كتب الامام الغزالي نصوصاً صريحة في احترامه للعلوم الطبيعية، بل و اعتبارها “فرض كفاية”. و تلك النصوص الصريحة تغنينا عن الكثير من الآراء الشخصية التي يُغرِقُ بها الرعاع شبكة الإنترنت!
الامام الغزالي رحمه بريء عن ما ينسبه اليه الأعداء، الأصدقاء و غوغل من تهمة محاربة العلوم الطبيعية، تماما كما أن القرآن و الرسول صلى الله عليه و سلم بريئآن من ما ينسبه اليهما الأعداء، الأصدقاء و غوغل من تهمة الارهاب!
فمنذ ان تصديت لمعرفة حقيقة موقف الامام الغزالي من العلوم الطبيعية، واجهت علماء ثقات من مختلف الثقافات و الاثنيات، ينقلون نصوصاً صريحة من كتب الامام الغزالي مباشرة، يرفع بها الامام من شأن العلوم الطبيعية، بل يعتبرها “فرض كفاي.
أبعد هذا، تتوقع أن أصدق إفتراءات على الإنترنت مصدرها المستشرقين، و تتهم الأمام الغزالي بمحاربة العلوم الطبيعية؟!
ثق تماماً بأن ما يشجع فرسان غوغل الشجعان على التسرع في اتهام الامام الغزالي، هو علمهم بانهم في امان من المساءلة القانونية. أقسم بالله العظيم، لو اصبح كل من يكتب عن الامام الغزالي على الإنترنت عرضة للمساءلة القانونية و غرامة قدرها مليون دولار أو سجن لفترة ٢٠ سنة، لمسح كل الطاعنين في الامام الغزالي ما كتبوه على الإنترنت، إلا من رحم ربي!
و قد يقول القائل:
ان الغزالي لم يكن شخص عادي يعبر عن رأيه في كتاب او مقال، و انما شخص ذو سلطة دينية و علمية واسعة النطاق، لذا فإنه من المغالطة ان يقول قائل ان الغزالي لم يجبر احد على تبني اراءه!
اقول: بعد الاطلاع على أفكار الامام الغزالي المنصوصة في كتبه، تبنى علماء كثر (في عصرنا) من مختلف الثقافات و الاثنيات افكار الامام الغزالي، و على خطاهم تبنيت شخصيا أفكار الامام الغزالي. فهل اجبرنا الامام الغزالي رحمه الله على تبني آرائه؟ حدث العاقل بما يعقل!
فقياساً بالحاضر، انا على يقين بأن الغالبية العظمى من العلماء و المثقفين المحايدين في زمانه اقتنعوا مثلنا بآراء الامام الغزالي المتينة و المحكمة، من دون ضغوط، بل المغالطة أن ندعي عكس ذلك.
و ربما اضطر فلاسفة اللاهوت (الكهنة) على السكوت بعد أن اثبت الامام الغزالي تفاهتهم. ولكن هذا لا يعتبر إسكات لفلاسفة العلوم الطبيعية. فشتان بين علماء العلوم الطبيعية الأجلاء ممن عكفوا على الحساب و القياس، و كهنة تكلموا في اللاهوت على خطى فلاسفة اليونان و ضرباً بالغيب.
و قد يقول القائل:
تدعون ان الغزالي حرم الفلسفة فقط. هذا الكلام نابع عن عدم درايتكم بطريقة التعليم في ذلك الزمن. فالفلسفة كانت المدخل لكل العلوم. فلم يكن ممكناً أن تدرس الرياضيات و الفيزياء و الفلك و غيرها من العلوم الطبيعية قبل ان تدرس الفلسفة و المنطق، وتعرف اراء من سبقك من كبار الفلاسفة كابن سينا و الفارابي و ارسطو!
اقول: قد شطرت الذرة يا شاطر!
ليس سراً ان الفلسفة في زمن الامام الغزالي كانت تشمل العلوم الطبيعية كالرياضيات و الفيزياء و الطب و الفلك، ولكنها كانت تشمل أيضا علم اللاهوت. و قد تعلمت هذا من كل الباحثين المحايدين، و الذين برَّؤا الامام الغزالي من تهمة معاداة العلوم الطبيعية.
إن ظنك بان غيرك لا يعلم حدود علم الفلسفة قديماً دليل على انك بنيت قناعاتك الشخصية من غير ان تسمع لانصار الامام الغزالي، و هذا بعيد كل البعد عن الحياد العلمي.
اكرر، كل من يدرس فكر الامام الغزالي بحياد، سيرى بكل وضوح بأن الامام فرَّق بين البحث في العلوم الطبيعية الجميلة و البحث في علم اللاهوت.
و يقد يقول القائل:
الغزالي كفَّرَ الفلاسفة في مسائل خالفهم فيها!
اقول: الامام الغزالي لم ينكر الفسلفه بشكل عام و لم يحرمها، و انما اثبت فشل الفلاسفة و تناقض آرائهم فيما يتعلق باللاهوت، و ما عدا ذلك لم ينكر اي شي منها. تهافت الفلاسفة هو كتاب الإمام الغزالي، و اعتبر البعض هذا الكتاب ضربة لما وصفه البعض باستكبار الفلاسفة و ادعائهم التوصل إلى الحقيقة في المسائل الغيبية بعقولهم. فقد أعلن الامام الغزالي في كتابه “تهافت الفلاسفة” فشل الفلسفة في إيجاد جواب لطبيعة الخالق، و صرح أنه يجب أن تبقى اهتمامات الفلسفة في المسائل القابلة للقياس و الملاحظة، مثل الطب و الرياضيات و الفلك. و اعتبر الامام الغزالي محاولة الفلاسفة في إدراك شيء غير قابل للإدراك بحواس الإنسان منافيا لمفهوم الفلسفة أساسا!
و قد يصر القائل و يستنتج:
ابو حامد الغزالي كان كارثة ضربت العلوم الانسانية في العالم الاسلامي بمقتل عظيم!
اقول: بل الكارثة اخي الفاضل أن تصر على إتباع قطيع المستشرقين و تخوض في ذمة العلماء مع الخائضين، و تضرب بما نصه الامام الغزالي في كتبه عرض الحائط!
و بعد كل هذا، إن كنت ما زلت مصراً على إتهام الامام الغزالي بمعاداة العلوم الطبيعية، فلا بد أن أسألك: لماذا تكره الامام الغزالي؟!
المقطع الثالث: “تهافت الفلاسفة أ. د. فتحي الزغبي”
المقطع الرابع: “تهافت الفلاسفة أ. د. فتحي الزغبي”
المقطع الخامس: “لماذا خسر المسلمون الحضارة العربية | بودكاست فنجان” جورج صليبا
الحمد لله!
في يوم نقي و رقيق، و سهل و خفيف، شهده الصفوة، عطف الله علي بحنانه و رزقني بغزالة كنت أترقب لقاؤها منذ أن كرمني الله بإبني ماجد!
و رزقني الهي الكريم شرف قرابة جديدة و شريفة، باسرة كريمة و حكيمة و أصيلة و نجيبة، سُعدت بصحبتهم و عطر حسبهم و نسبهم!
الحمد لله الذي أنعم علينا بدين سمح و سهل، يربط بين القلوب و يزامن دقاتها، و يُحِل الطيبات بكلمات خفيفات عدداً و ثقيلات في الميزان!
أسأل الله أن يُسعد دنياهما و آخرتهما، و أن يبدل الفحم ذهباً بأيديهما!
فأهلا بكِ يا إبنتي في عيني و سهلا لكِ قلبي، و لتبقي جميلة كما أنت!❤
خُيِّر العاشق بين البقاء و المعراج، فآثر احباب الدنيا و إرتضى بسرير المُقعَد!
فكُشِف له الحجاب ليرى من آيات ربه الكبرى، و حبيبة تشرق لابتسامتها السماوات العلى!
فمسحت الملائكة باسم ربها على العاشق الحائر، ليبقى لنا المظهر و يعرج الجوهر!
فترك السرير و ركب بساط الريح، و عُرِجَ الى السماء بعد أن أُسرِىَ بأحبابه في الدنيا!
و عادت النفس المطمئنة (بإذن ربها) راضية مرضية، و دخلت في عباده و دخلت جنته!
فهنيئاً لك أيها العاشق سُرُرٌ مُكَلَّلة بالياقوت و الزبرجد و الدرر، و اكواب و قوارير على ضفاف الكوثر!
عماه!
قد غرقت عيناي دمعاً، و قلبي دماً، و صوتي صمتاً، كلما رأيت الايادي ترتفع لتتضرع لك الى الله!
أهي حنان نظراتك الرهيبة؟ أم الدعابة اللطيفة في رجولتك المهيبة؟ أم جود أفعالك الصامتة؟ أم طمأنينة الزئير في صوتك؟!
أم لأنك كنت ضيفا عزيزا على قلب أبي، و حباً نقياً في قلب العزيزة عمتي؟ أم لأنك النهاية الجميلة لرواية ما أردت لها النهاية؟!
الهي! ها قد ترجل فارسك، فارزقه رضاك و رحمتك، و الثبات عند السؤال و على صراطك، و أسكنه الفردوس الأعلى من جنتك!
إنا لله و إنا اليه راجعون. عظم الله اجركم!
عماه! الى أن نلتقي، إبق جميلا كما عهدتك ❤!
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ قَالَ وَأَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ، قَالَ إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ـ رضى الله عنها ـ إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ أَىُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ قَالَتْ وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ قَالَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ. قَالَتْ لِمَ قَالَ لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ. قَالَتْ وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ، إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَىْءٍ لاَ تَشْرَبُوا الْخَمْرَ. لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا. وَلَوْ نَزَلَ. لاَ تَزْنُوا. لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا. لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلاَّ وَأَنَا عِنْدَهُ. قَالَ فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آىَ السُّوَرِ.
Sahih al-Bukhari 4993
<span;>https://sunnah.com/bukhari:4993
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ أَتَاهُ رَجُلاَنِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالاَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ ضُيِّعُوا، وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي. فَقَالاَ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} فَقَالَ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي فُلاَنٌ، وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ، أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ رَجُلاً، أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ عَامًا، وَتَتْرُكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلاَةِ الْخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ. قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلاَ تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} {إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} {قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} قَالَ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَلِيلاً، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا يُعَذِّبُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلاَمُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ. قَالَ فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ قَالَ أَمَّا عُثْمَانُ فَكَأَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنُهُ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ.
https://sunnah.com/bukhari:4513
حديث جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “اقْرَءُوا القُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ”.
رواه البخاري (5060) و مسلم (2667).
الشرح:
الرواية عن اختلاف قلوب الناس و تنازعهم و تفرقهم بسبب تناقض أفهامهم للثوابت من أركان الدين و ضرورياته، أو بسبب جهلهم بالقراءات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فلما كانت مصلحة الوحدة و التآلف أعظم من مصلحة التلاوة المجردة، كان الأولى تقديم المصلحة العليا على ما دونها من المستحبات.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
“كان اختلاف الصحابة يقع في القراءات و اللغات، فأمروا بالقيام عند الاختلاف لئلا يجحد أحدهم ما يقرأ الآخر فيكون جاحدا لما أنزله الله عز وجل”. من “كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/47)”.
و قال الإمام النووي رحمه الله:
“الأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز، أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز، كاختلاف في نفس القرآن، أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد، أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة أو فتنة و خصومة أو شجار و نحو ذلك. و أما الاختلاف في استنباط فروع الدين منه، و مناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة و إظهار الحق، و اختلافهم في ذلك، فليس منهيا عنه، بل هو مأمور به، و فضيلة ظاهرة. و قد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن”. من “شرح مسلم” (16/218-219).
يتفرقوا عند الاختلاف و يستمر كل منهم على قراءته، و مثله ما تقدم عن ابن مسعود لما وقع بينه و بين الصحابيين الآخرين الاختلاف في الأداء، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “كلكم محسن”، و بهذه النكتة تظهر الحكمة في ذكر حديث ابن مسعود عقيب حديث جندب”. من “فتح الباري” (9/101).
https://islamqa.info/ar/answers/192079/%D8%B4%D8%B1%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%82%D8%B1%D8%A1%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%89%D8%AA%D9%84%D9%81%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D9%82%D9%84%D9%88%D8%A8%D9%83%D9%85-%D9%81%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%85-%D9%81%D9%82%D9%88%D9%85%D9%88%D8%A7-%D8%B9%D9%86%D9%87
استمعت الى ما قاله السياسي الأمريكي برني ساندرز ضمن حملة إنتخابية و انتقاده للطبقة الغنية، و قلت في نفسي: لماذا تجاهل أن ١% من الاغنياء في امريكا يدفعون ٤٠% من الضرائب على الدخل؟!
ثم وجدت من علق على المقطع قائلاً: ما يقوله ساندرز هو ما يحدث في كل الوطن العربي و في الخليج بالأخص!
تعجبت من هذا التعليق، فسألت المُعلق لأتثبت قبل أن احكم على رأيه و قلت: عزيزي! هذا الأمريكي يقول بان:
١- ٧٠ مليون امريكي لا يملكون ضمان صحي أو ضماناتهم لا تكفي!
٢- الحد الادنى من الاجور لا يَقِي من الجوع!
٣- نصف الكبار في السن لا يملكون شيئا في البنك يجنبهم مخاوف التقاعد!
٤- لا يصح أن يملك شخصان في امريكا ثروة تعادل ثروة ٤٠% من الشعب الأمريكي، كما لا يصح أن يملك ١% في امريكا ثروة تعادل ثروة ٩٢% من الشعب الأمريكي!
٥- لا يصح أن يتقاضى المدراء التنفيذيين في الشركات الخاصة أجور تبلغ ٣٥٠ ضعف اجور موظفيهم!
و يطالب برني ساندرز بان:
أ- تكون الرعاية الصحية حق انساني و ليس مِنَّة (اي أنه يريد مستشفيات حكومية و علاج مجاني) لتشمل امراض الأسنان و العيون و الاذن و الحنجرة، و تخفيض اسعار الأدوية بنسبة ٥٠% بدلا من السعي الى زيادة ثروات شركات التأمينات الصحية و مصانع الادوية!
ب- مضاعفة الحد الادنى للاجور!
ت- إجازات مرضية مدفوعة الأجر!
ث- الاهتمام بالتغيير المناخي!
ج- حضر الاسلحة!
و عليه، سؤالي الاول يا صديقي العزيز: هل من المنصف أن نقول “ما يقوله ساندرز هو ما يحدث في كل الوطن العربي و في الخليج بالأخص”؟!
و سؤالي الثاني يا صديقي: هل ما يطالب به هذا الأمريكي يتماشى مع الشريعة الإسلامية في ما يخص واجبات الاغنياء إتجاه الفقراء و بالحد من معاشات المدراء في الشركات الخاصة و بالحد من زيادة ثروات الاغنياء؟!
اجابني صديقي: احيي فيك تفانيك في تحليل المواضيع بشكل ايجابي. لكن احب أن اقول بأن هناك فعلاً من يشحتون المكرمات عندكم ليعيشوا عيشة كريمة. هناك عائلات لا يتعدى دخلهم ٧ الاف درهم شهرياً، و هذا غير عادل. و بغض النظر عما يقول هذا الأمريكي، اقل ما فيها أنه يقدر أن يتكلم و يعبر عن رايه!
فاجبته بعد ان فهمته: عزيزي، انا لست ايجابيا و إنما واقعي و منصف (و ما أصعب الانصاف). انا أُراعي الاعتدال عند نقد اي موضوع أو حالة و اتجنب المبالغة (و ما أسهل المبالغة). أنا اتمالك اعصابي عند الخوض في آلام الامة (و ما أسهل الانفعال)!
صديقي العزيز: من خلال ردك، تبين لي أنك تعتقد بأننا نشارك الامريكان في مشكلة واحدة فقط من المشاكل الخمسة التي ذكرها الامريكي. كما تبين لي أنك تعتقد بأننا نشارك الامريكيين في الحاجة الى حل واحد (الحل “ب”) فقط من الحلول الخمسة التي طرحها السياسي الأمريكي!
و عليه، كان الأجدر بك أن تعلق و تقول: الحمد لله، انتم لا تعانون من المشاكل التي تكلم عنها الأمريكي، إلا أنكم بحاجة مثلهم الى زيادة معاشات من هم يتقاضون مرتبات شهرية أقل من ٢٥ الف درهم، أسوة بما فعله الشيخ سلطان القاسمي حفظه الله في إمارة الشارقة!
عندها يا صديقي، كنت ستجدني اتفق معك ١٠٠%!
اما كلامك: اقل ما فيها أنه (اي الأمريكي) يقدر أن يتكلم و يعبر عن رايه!
كانك يا صديقي تلمح باننا لا نملك القدرة على التكلم في هذه المواضيع، و هذا غير صحيح. لن أحيلك الى ما يدور من مناقشات تحت قبة المجلس الوطني الاتحادي، ولكن إذا استمعت مثلا الى برنامج “البث المباشر”، فستجد من يعبرون من خلال الإذاعة عن أحوالهم الصعبة و الحاجة إلى زيادة المعاشات، و الحاجة إلى اعطاء الاولوية للمواطنيين في التوظيفات و غلاء الأسعار الخ الخ الخ.
لكن يا صديقي: كم نسبة الحالات الصعبة عندنا نحن مقارنة بالامريكان؟ أليس من الانصاف أن نقارن الشيء بمثله؟
و كم نسبة الأُسر التي تدهورت أحوالها بسبب تهور رب الأسرة بالتجارة (الاستلاف لمشاريع غير مدروسة و الأقرب إلى المقامرة)، أو رب أسرة اهمل أسرته و تركهم بلا معيل، أو رب أسرة تعاطى المخدرات، أو اسرة فشلت في ادارة مصاريفها الشهرية بشكل جيد؟!
هذه الأسئلة يا صديقي نابعه من مفكرة انسان واقعي و منصف و دقيق و حريص، و ليس انسان ايجابي (ساذج)!
قاعدة شرعية: لا إنكار للمنكر في مسائل الاجتهاد او المسائل الخلافية ، و هي المسائل التي:
١– لم يرد ببيان حكمها دليل صريح من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي. أو ورد بحكمها دليل من السنة، ولكنه مختلف في تصحيحه.
٢– ليس صريحاً في بيان الحكم، بل يكون محتملاً.
٣- ورد فيها نصوص متعارضة في الظاهر.
ابتعد عن الشبهات!
كان يا ما كان في اغرب الأزمان:
حسناء تخشى الغرق و رحال يخشى الظمأ! و كانت الحسناء تطلب اليابسة و الرحال يطلب اليَمَّ! و أدمنت الحسناء الخوفَ و أدمن الرحال البحث! و ملَّت الحسناء البرد و ملَّ الرحال الحر!
و التقت حسناء الثلج برَحَّال النار، فتمنت ناره المُهلكه و تمنت له صقيعها المهلك!
فنادى مُنَادٍ:
رُبَّ حضن!
فتحيطه بثلجها و يحوزها بناره، و تستوعبه ببردها و يشملها بدفئه، و تضمه بقَرسِها و يَلُمُّها بحموه!
الشتاء قادم!
نشر الناشط السياسي البريطاني اليميني المحافظ پول جوزيف واتسون (Paul Joseph Watson) و المعادي للحزب الديمقراطي ما مفاده:
ترتفع اسعار الاغذية في الدول الغربية بمعدلات لم نشهدها منذ ٤٠ سنة، و هناك نقص في المواد الغذائية الأساسية. و قد يضطر الكثير من الامريكيين خلال فصل الشتاء أن يختاروا بين توفير الطعام لعوائلهم أو دفع فواتيرهم!
و قد انتقل ٥ ملايين امريكي الى المكسيك لتفادي الزيادة في اجارات الوحدات السكنية، و التي ارتفعت ٢٥% خلال سنتين. فبينما الاستوديو تكلف شهريا ٢٥٠٠ دولار في امريكا، الشقة بغرفة واحدة في المكسيك تكلف ٨٠٠ دولار.
و الحلول التي تقترحها الادارة الأمريكية للتعامل مع التضخم المصحوب بالركود (Stagflation) معظمها حلول غير مجدية و مكلفة و تصلح للمرفهين، لا الطبقة الكادحة، كالمنازل المقاومة للمناخ! فبالرغم من إمكانية شراء الالواح الشمسية بالتقسيط، إلا أن تلك الالواح لا تنفع في فصل الشتاء المظلم!
كما تشجع الادارة الأمريكية مواطنيها على شراء السيارات الكهربائية ليتمكنوا من الانتفاع بالعلاوات الضريبية. ولكن، الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية قد زادت من اسعار منتجاتها بشكل كبير، و تلك الزيادة في الاسعار تفوق الادخارات المترتبة على العلاوات الضريبية المزعومة!
فالادارة الأمريكية تروج لإمكانية توفير ٦٠ دولار لكل عملية شحن للسيارة كربائياً بدل من ملئها بالبترول. إلا ان كلفة السيارات الكهربائية عالية و في زيادة مستمرة، حيث تكلف في المعدل ٦٧ الف دولار. ولكن، السؤال الذي يطرح نفسه هو:
كيف يمكن لمن يعاني من أزمة مالية و لمن تؤرقه أسعار الوقود، أن يسدد أقساط سيارة كهربائية باهظة الثمن؟!
إن الفوضى الخلاقة هي التي تسيطر على افكار اليساريين و المهووسين بالمناخ و الاحتباس الحراري، كما يتجلى ذلك من خلال تصريح بيتر بيتيغيغ (وزير النقل الامريكي):
“الألم الذي يشعر به الشعب بسبب ارتفاع اسعار الوقود يعتبر ألم حميد و سيدفع بالمقتدرين منهم الى تقبل فكرة السيارات الكهربائية”.
في الحقيقة، إن الادارة الأمريكية تدفع قِدماً و بكل شراسة بالنظام الليبرالي العالمي و سياسة التحول الاخضر، و لا تتسامح في سعيها تلك مع من لا يشاركها الهوى، بل تضغط على الشركات التقنية و المتحكمة في الانترنت و وسائل التواصل الاجتماعي كي تمنع و تُسكِت كل من ينشر خلاف هواها.
و تصر الادارة الأمريكية بالقاء اللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ارتفاع اسعار الوقود، رغم أن بيانات أسعار الوقود تفيد بأن الاسعار كانت في إزدياد من قبل أن تبدأ الحرب الروسيه الاوكرانية. إن هذا الإنكار و قيام الادارة الأمريكية الحالية بطباعة كميات هائلة من الدولارات تفوق ما طُبِعَت في ١٠٠ سنة الماضية و ارتفاع الدَّين العام الى ٣٠ تريلون دولار و ارتفاع التضخم الى معدلات لم تشهدها أمريكا منذ سنة ١٩٨٢، هي دلالات على سياسات استراتيجية خاطئة و ركود إقتصادي مخيف يتم اخفاءه عن العامة!
و ينادي المسؤولين بمحاربة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستعمال الدراجات الهوائية و التقليل من غسيل الثياب! و بدأت فرنسا بسياسة التقشف عن طريق اطفاء انارة الطرقات، و في اسبانيا يمنع ضبط مكيفات الهواء لأقل من ٢٧ درجة سيليزية!
و في المانيا، تقيم الدولة مساحات دافئة لانقاذ العاجزين عن دفع فواتير الطاقة من الموت بردا اثناء فصل الشتاء، و يُمنَعُ ضبط أجهزة التدفئة في المباني الحكومية لاعلى من ١٩ درجة سيليزية. و بالرغم من مطالبة الشعب بارتداء المزيد من الثياب الدافئة و التقليل من الاستحمام، إلا أن الشبكة الكهربائية معرضة للعطل الشامل بسبب الأحمال الزائده (Blackout).
و بالرغم من أن ٦٠% من الالمان يصرفون مدخولهم على التدفئة و الايجار و الطعام، تطالب السياسية الألمانية اليسارية ماري اغنيس زيمرمانMarie-Agnes) (Zimmermann الشعب الالماني بالمزيد من التضحيات، و ما أسهل أن تصدر هذه المطالب من سياسية تقدر ثروتها ب ١٠ ملايين يورو!
هذه الأزمة ناتجة عن قرار المرفهين في المانيا بالاستغناء عن استقلاليتها في مجال الطاقة و التخلص عن طاقتها النووية السلمية من أجل سياستها الصديقة للبيئة و مستقبل اخضر و معادلة الانبعاثات الكربونية (Net Zero). و يتم ذلك بالترويج لطاقة الرياح، و هي تقنية تستخدم مواد كيميائية مضره كالسلفور هيكسوا فلوايد (Sulfur hexafluoride) او SF6، و هي أكثر ضرار على البيئة من الانبعاثات الكربونية ب ٢٦ الف مرة! و لا عجب أن نجد نسبة عالية منها في الأجواء الألمانية!
و يتم شيطنة كل من ينتقد تلك الاخفاقات و يحذر من الأعطال في قطاع الطاقة بوصفهم بالمتطرفين و الوحوش و أعداء الدولة و الذين يهدفون الى تغير النظام، كما صرح بذلك وزير الداخلية الالماني هيبرت روول (Herbert Reul)!
في الواقع، هناك من يتوقع اضطرابات أمنية في الشتاء القادم، تفوق بكثير تلك الاضطرابات التي خرجت بسبب اغلاقات كوفيد ١٩. و هناك توجه في بريطانيا بالعصيان و الامتناع عن تسديد المديونيات للبنوك و رفض دفع الفواتير. فالمتوقع ارتفاع فواتير الطاقة الى ٦٥٠٠ باوند بحلول ابريل ٢٠٢٣، و هو ٦ اضعاف ما هو عليه اليوم. و هذا يعني عجز الملايين عن الدفع و افتقار ثلث الشعب! لذا، يطالب الكثيرين الحكومة البريطانيه بتوفير طاقة مجانية لمدة سنتين و بكلفة تقدر ب ١٠٠ بليون باوند.
و أتت نتائج استطلاع حديث بأن ٥١% من البريطانيون يعتقدون بان المظاهرات الحاشدة قادمة لا محالة بسبب الأوضاع المعيشية، بينما يصرح المسؤولين في وزارة الطاقة عن هوسهم للوصول الى المعادلة الصفرية الكربونية بحلول سنة ٢٠٥٠، و ديتريش سامسون المولع بالمعادلة الصفرية صرح بكل وضوح:
“إن اسعار الطاقة ستكون أعلى من ما هي عليها الان، و الطاقة كانت جدا رخيصة في ٤٠ سنة الماضية. و من أجل إنقاذ الكوكب، لابد أن ندفع اكثر للطاقة و الطعام!”
و كتب الناشط و السينمائي توماس فازي (Thomas Fazi) تحت عنوان “التمرد الشعبي قادم”:
“تصميم السياسات الاقتصادية لمنفعة شرذمة من الأغنياء و الشركات الضخمة و القوية، اضاعت إمكانية الوصول إلى الإجماع و المصلحة الوطنية. فقد تم السماح لنخبة صغيره ان تحضى بسلطة كبيرة، و تترك الاخيرة عناء التعامل مع المخلفات على الشعب و الدوائر الحكوميه، و لتصبح بلادنا اكثر فقرا و ضعفا و اكثر حاجة للغريب الشرس في كل ما يخص الاكل و الطاقة و ابسط الحاجيات الطبية”
أين المصداقية؟!
أين موقفه المعادي من التطبيع الاماراتي و موقفه المسالم من التطبيع التركي مع إسرائيل؟!
أين غضب القيادات الفلسطينية و حماس و الاسلاميين من التطبيع؟
أين العوضي، صاحب نظرية الطهارة؟
أين امام الحرم القدسي ليفتي بعدم جواز زيارة الأتراك للحرم الشريف؟
تبا لمن يتاجر بفلسطين و الدين!
تبا للعهر السياسي!
تبا للكيل بمكيالين!
المخطوطات الماسورية
المخطوطة الماسورية (مخطوطة لينينجراد) هي أقدم مخطوطة عبرية كامله للعهد القديم.
و “العهد القديم” مصطلح مسيحي لا يرتضاه اليهود، و انما يسمون كتبهم “تنخ” و هو اختصار للكلمات التالية:
– توراة (أسفار سيدنا موسى) و تحتوي على جميع التشريعات.
– نبيئيم (الانبياء) و تحتوي على اخبار و تاريخ الانبياء.
– كتوبيم (التاريخ و الاناشيد) و تحتوي على الأخبار و تاريخ بني إسرائيل.
و المخطوطة الماسورية تعود للقرن ١١ (سنة ١٠٠٨) بعد الميلاد، في حين أن موسى عليه السلام توفي في أدق تقدير في القرن ١٣ قبل الميلاد. اي أن هناك إنقطاع في السند مدته ٢٤٠٠ سنة بين اقدم مخطوطه كاملة و زمن سيدنا موسى عليه السلام!
اما مخطوطات وادي المربعات فترجع للقرن الثاني بعد الميلاد و ليست كاملة و لا تتطابق مع المخطوطات الماسورية. و كذلك، مخطوطات كهوف قمران (مخطوطات البحر الميت) ترجع بعضها الى القرن ٢ قبل الميلاد، الا انها ليست كاملة و لا تتطابق مع المخطوطات الماسورية او المخطوطات اليونانية و لا المخطوطات السامرية، علاوة على أن هناك انقطاع للسند بين مخطوطات البحر الميت و زمن سيدنا موسى عليه السلام مدته ١١٠٠ سنة!
انا لله وانا اليه راجعون
رحمك الله يا سيدي. أسأل الله لك الفردوس الأعلى من الجنة و الصبر لاهلك و الثبات عند السؤال و على الصراط.
رحم الله أبا بدرية. فلا خوف إن شاء الله على روحٍ أهدتنا أختاً و جوهرة نقية كبدرية. و ما أدراكم من بدرية!
رحم الله روحاً عطفت بالأبوة و طبطبت إحساناً على أختي الغالية فريدة. رحم الله أباً و عماً و خالاً لم تلده جدَّاتي. رحم الله من أهدانا أختاً لم تلدها أمي.
رحم الله من عرفناه صابراً و حكيماً، “وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِیَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰاۗ”!
عظم الله اجركم
سيدي، أبا بدريه، أبانا جميعا! الى أن نلتقي، إبق جميلا كما عهدتك ❤
صرح الداعية المصري مبروك عطية مؤخرا بأن المرأة تتعرض للتحرش بسبب ملابسها الضيقة و عدم ارتداء الحجاب. فعلق الدكتور السعودي صفوق بن حمود الإعنزي، وهو استشاري الأمراض الباطنية، على تصريحات الداعية قائلاً:
”إذا كان التحرش بسبب تبرج المرأة فلماذا يتم التحرش بالأطفال؟ و إذا كان التحرش بسبب لباس المرأة فلماذا يتم التحرش بالمنقبات؟ و إذا كان التحرش بسبب الجهل فلماذا يتحرش المتعلمون؟ و إذا كان التحرش بعدم القدرة على الزواج فلماذا يتحرش المتزوجون؟ المتحرش مجرم تبرير سبب تحرشه جريمة أخرى!”
أقول: يا دكتور، تباً لكل متحرش! إلا أن الداعية المصري قد أصاب و أخطأت انت للاسباب التالية. تعال نتكلم بشيء من الجدية:
أولا: “إذا كانت الاصابة بكوفيد ١٩ بسبب عدم إرتداء القناع، فلماذا يصاب من يلبس القناع؟” هل ترضى أنت كطبيب محترف أن يستند أحدهم بمنطقك هكذا ليبرر عدم الحاجة للبس القناع؟ رحم الله امرئ عرف قدر نفسه!
ثانيا: التبرج من أسباب التحرش بالمرأة بنص الآية الكريمة “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَ ٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاۤءِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ یُدۡنِینَ عَلَیۡهِنَّ مِن جَلَـٰبِیبِهِنَّۚ ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن یُعۡرَفۡنَ فَلَا یُؤۡذَیۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیما” سورة الأحزاب الآية ٥٩. فاحذر هداك و هدانا الله!
ثالثا: التبرج “من” أسباب التحرش بالمرأة و ليس السبب الوحيد، و الداعية المصري مبروك عطية لم يدعي أن التبرج هو السبب الوحيد. فانتبه، رحمك و رحمنا الله!
رابعا: كفاك تحرشاً بالدين و ثوابت الأمة، و لو كنت مكانك لإعتذرت من نفسي!
"إذا كان التحرش بسبب تبرج المرأة فلماذا يتم التحرش بالأطفال؟ و إذا كان التحرش بسبب لباس المرأة فلماذا يتم التحرش بالمنقبات؟و إذا كان التحرش بسبب الجهل فلماذا يتحرش المتعلمون؟و إذا كان التحرش بعدم القدرة على الزواج فلماذا يتحرش المتزوجون؟ المتحرش مجرم تبرير سبب تحرشه جريمة أخرى.!"
— د. صفوق بن حمود العنزي (@DrSafug) June 22, 2022
اسطنبول: قبلة الكنيسة الارثوذكسية المسكونية
٣٠٠ مليون، هو عدد المسيحيين الارثوذكس في العالم. و بالرغم من أن ٤٠% (الاغلبية) منهم يتواجدون في روسيا، إلا أن مسقط رأسهم و قبلتهم (قُدسَهم) هي اسطنبول التركية!
و إشتقت كلمة المسكونية (Ecumenism) من اليونانية (οἰκουμένη oikoumene) و التي تعني “العالم المسكون بأكمله”، و كانت تستخدم تاريخياً للإشارة إلى الإمبراطورية الرومانية.
و من الجدير بالذكر أن هناك ٧ صعوبات رئيسية أمام عملية إنضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام ١٩٨٧، منها:
اعتراف تركيا بالبطريركية الأرثوذكسية في إسطنبول على أنها مـسكونية عالميـة، وليـست خاصـة بأرثوذكس تركيا.
https://www.masarat.ps/ar_print.php?id=19eab6y1698486Y19eab6
اسعار البترول و اللحوم في ايران
استلم الخميني الحكم من الشاه و سعر بترول السيارات ١ تومان/لتر، و إستلم الخامنئي الحكم من الخميني و سعر بترول السيارات ٣ تومان/لتر . اليوم و في عهد خامنئي، سعر بترول السيارات ٣٠٠٠ تومان/لتر .
اي أن بالنسبة للمواطن الايراني، سعر بترول السيارات ارتفع ٢٠٠% في عهد الخميني و ارتفع ٩٩،٩٠٠% في عهد الخامنئي. كما أن سعر اللحوم ارتفع في عهد الخامنئي ١٩،٩٠٠% .
أما عن سعر التومان الإيراني مقابل الدولار:
استلم الخميني الحكم من الشاه و الدولار يساوي ١٠ تومان، و إستلم الخامنئي الحكم من الخميني و الدولار يساوي ١٢٠ تومان (بزيادة ١١٠%). أما اليوم، فالدولار يساوي ٣١،٠٠٠ تومان، أي أن الخامنئي هبط بسعر التومان مقابل الدولار من ١٢٠ الى ٣١،٠٠٠ تومان (بزيادة ٢٥٠،٠٠٠%). اي أن العملة الإيرانية فقدت من قيمتها الكثير في عهد الخميني و الخامنئي.
فعند المقارنة، فان ورقة نقدية واحدة من فئة ١٠ تومان عند استلام الخميني للحكم كانت تساوي ٧ ورقات نقدية من فئة ١٠ تومان عندما توفى الخميني. كما أن ٣٧٠ ورقة نقدية من فئة ١٠٠ تومان في عهد الخامنئي تساوي ورقة نقدية واحدة من فئة ١٠٠ تومان في عهد الشاه.
الإستبداد الجذاب!
و في المقطع أدناه، يشهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على أزمة الأنظمة الديمقراطية في الغرب المسيحي، و ذلك في خطاب له نُشر في 22 أبريل من سنة 2022. و فيما يلي أبرز ما جاء في خطابه:
“تعاني المؤسسات الديمقراطية من الضعف في جميع أنحاء العالم، و هناك انخفاض مطرد في عدد الأشخاص المشاركين في النقابات و المنظمات المدنية و دور العبادة. هذه هي المؤسسات الوسيطة التي كانت تعمل بمثابة الغراء المجتمعي.
و ما يجعل الديمقراطية أقل جاذبية هو صعود الصين، و الخلل السياسي المزمن في الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا، بالإضافة إلى انهيار الأنظمة المالية في سنة 2008. و ما يضعف الديمقراطية هو التغيير العميق في كيفية تواصلنا واستهلاكنا للمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. فالمحتوى التحريضي و الاستقطابي على الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، يُجذِب و يُشَّجع على المشاركة.
الصين و الفلبين نظامان استبداديان “يُقيدان” استخدام الإنترنت. كما يستخدم بوتين (الرئيس الروسي) وستيف بانون (المستشار السابق للرئيس دونالد ترامب) الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي لإضعاف المؤسسات الديمقراطية. إنهم يُغرقون الساحة العامة في البلاد بما يكفي من النجاسات، و يطرحون ما يكفي من الأسئلة، و ينشرون ما يكفي من الأوساخ، و يزرعون ما يكفي من نظريات المؤامرة، كي لا يعرف المواطنون ماذا يعتقدون. و بمجرد أن يفقد المواطنون الثقة في قادتهم و وسائل الإعلام الرئيسية و المؤسسات السياسية و بعضهم البعض و في إمكانية الحقيقة، يتم الفوز باللعبة! أدى ذلك إلى نتائج انتخابات عام 2016!
نحن عرضة للأكاذيب ونظريات المؤامرة. بوتين لم يفعل ذلك، لقد فعلنا ذلك بأنفسنا. و إذا لم نفعل شيئا، فأنا مقتنع بأن الاتجاهات التي نشهدها ستصبح أسوأ. في غياب “المعايير”، فإن آثار هذه التكنولوجيا (الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي) على انتخاباتنا، و على أنظمتنا القانونية، و على ديمقراطيتنا، و على ثقافة الأدلة و الإثبات، و على نظامنا الاجتماعي بأكمله مخيفة و عميقة!
يعاني المُنتَج (الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي) من عيوب في التصميم، و نحن بحاجة إلى إصلاحه لجعله أفضل. إنه جزء من الابتكار. لم تَخلق تكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي مشاكلنا، ولكنها يمكن أن تساعد في إدارة التهديدات المرتبطة بهذه التقنيات.
حرية التعبير ضرورية و مطلوبة بموجب الدستور، و محاربة الكراهية و الخطاب التحريضي ليست هي الحل، و انما الرَّد على خطاب سيئ هو خطاب جيد.
نحن بحاجة إلى تحديد ما إذا كان محتوى وسائل التواصل الاجتماعي يضعف أو يعزز الديمقراطية الشاملة، و ما إذا كان يعزز سيادة القانون و الحكم الذاتي.
لابد من تحميل شركات التكنولوجيا شيء من المسؤولية و تعريضها للمُساءلة. الجهود التي تبذلها شركات التكنولوجيا للسيطرة على “المحتوى” لا تذهب بعيدا بما فيه الكفاية! يجب أن تخضع شركات التكنولوجيا لمستوى معين من الرقابة العامة و “المعايير” و اللوائح التنظيمية. نتوقع من شركات التكنولوجيا إعادة تعزيز مؤسساتنا الديمقراطية. كما قال لينكولن:
“المعلومات التي نحصل عليها و القصص التي نرويها يمكن أن تشجع الملائكة و الأفضل من أمتنا”.
ولكن تلك القصص و المعلومات يمكنها أيضا أن تشجع الأسوأ منا (الشياطين)! تعتمد الديمقراطية السليمة على تشجيع ملائكتنا و الأفضل منا. لذلك كمواطنين، علينا أن نأخذ على عاتقنا أن نصبح مستهلكين أفضل للأخبار.
علينا التأكد من مصادر الأخبار، و التفكير قبل أن نشارك الأخبار. علينا أن نُعَلم أطفالنا أن يصبحوا مفكرين نقديين يعرفون كيفية تقييم المصادر و فصل الواقع عن الحقائق. نحن بحاجة إلى تشجيع محو الأمية الإعلامية عبر الإنترنت! كانت بدايات وسائل التواصل الاجتماعي واعدة، ولكن الآن أصبح لحاضرها قتامة”.
و تعليقي على ما ذكره السيد أوباما هو كما يلي:
بالنسبة للاستبداد: فالولايات المتحدة الأمريكية أيضا لديها القدرة على أن تكون شكلا جماعيا من أشكال الاستبداد في الديمقراطية، و التي غالبا ما تقوض العدالة. انظروا فقط إلى الفوضى الناجمة عن غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، و التي استبدلت حكومة عراقية مستقرة بأخرى تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من إيران!
أما بالنسبة للمساءلة: ماذا عن مساءلة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عن سياساتها؟ هل تقبلون أن نُسَائلكم على غزوكم للعراق بشكل غير قانوني و بالاستناد على أدلة كاذبة، و تمكينكم للميليشيات المدعومة من إيران و التسبب في الفوضى التي أفشلت الدولة برمتها؟
أما بالنسبة للاستخدام الخبيث للإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي: ألا تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي لإضعاف منافسيها و الدول المستقرة حول العالم؟ ألم تنشر الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادتكم محتوى تحريضيا واستقطابيا على الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، لجذب العرب و إشراكهم؟ ألم تستخدم إدارتكم وسائل التواصل الاجتماعي لتغذية الربيع العربي من خلال إغراق الساحة العامة في البلدان العربية بما يكفي من النجاسة، و إثارة ما يكفي من الأسئلة، و نشر ما يكفي من الأوساخ، و زرع ما يكفي من نظريات المؤامرة، و التي لم تجلب شيئا سوى الدمار و الفوضى و الميليشيات إلى العالم العربي؟
أما بالنسبة لتقييد حرية التعبير: أليست “المعايير” التي تطالبون بها سوى فرض لوائح على وسائل التواصل الاجتماعي (شركات التكنولوجيا)، من أجل “تقييد” حرية التعبير، التي تبجح بها أمثالكم في الغرب علينا نحن في الشرق لعقود؟ أليست “المعايير” التي تدعوا اليها هي نفس القيود التي تفرضها الصين و غيرها من الدول التي تصفها أنت بالمستبدة؟! من يصلح لتحديد “المعايير” و “الإصلاحات” و “القيود” الضرورية؟ أنت أم ترامب؟!
دعنا نتحدث عن النفاق: كيف يصبح فجأة من المقبول أن تكون مُستبداً وأن تُقَيِّد حرية التعبير، وهو أمر انتقدت الصين لممارستها له قبل دقائق قليلة فقط في خطابك؟! لماذا عندما نحاول نحن في الشرق الأوسط إصلاح ما تسميها “عيوب التصميم”، فأنت تصف فعلتنا “بالرقابة” و تعتبرنا نحن “مستبدين”، ولكن عندما تقوموا أنتم بمثل هذه الإصلاحات، تصف فعلتكم “إبتكارا” و تعتبر أنفسكم “ديمقراطيين”؟!
أما بالنسبة لحرية التعبير: هل حقاً الجهود التي تبذلها الشركات في السيطرة على “المحتوى” ليست كافية، أم أنك تحاول إسكات منصات المعارضة المستقلة، كالتي أنشأها الرئيس ترامب؟ كيف نعرف أنك لا تُسكِت الأصوات التي تتحداك و تفضحك؟ أليس التحدي مسموحا به في الديمقراطيات الحقيقية؟
أما بالنسبة للحقوق الدستورية: يبدو لي أن حرية التعبير كانت حقا دستورياً عندما كانت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية تسيطر على المحتوى. ولكن ليس بعد الآن، و ليس الآن، عندما تسمح وسائل التواصل الاجتماعي بحرية التعبير الحقيقية (كما تسمح بذلك المؤسسة الديمقراطية). و الآن، و بعد أن أصبحت حرية التعبير تهدد استقراركم، أصبح من المقبول فجأة أن تُقَيدوها، كما فَعَلَت الصين و الفلبين!
أما بالنسبة للقيم الديمقراطية: إن شيطنة خصومك سلوك استبدادي. إن الإشارة إلى حزبك باسم “الملائكة” و إلى خصومك باسم “الأسوأ” (الشياطين) هي غطرسة استبدادية. السيد أوباما! ما تفتقرون إليه حقاً هو القدوة الحسنة و سياسيون جديرون بالثقة. إنني أحمل أمثالك المسؤولية عن الأزمة التي تمر بها المؤسسات الديمقراطية، و التي شكلها آباؤكم المؤسسون.
أيها القارئ الكريم! إن خطاب السيد أوباما مشكوك في أمره و يثير الريبة بسبب الجو الهادئ بشكل غير عادي و الدعم الكامل الذي أعرب عنه الجمهور بأكمله تجاه كل ما قاله المتحدث! و هذا يتناقض مع الممارسة التي اعتدنا عليها في الغرب المسيحي و المجتمعات الديمقراطية. فعادة و خاصة في وجود شخصية مثيرة للجدل مثل السيد أوباما أو ترامب، من الطبيعي أن ترتفع بعض الأصوات من بين الجمهور، معبرة عن معارضتها لأفكار المتحدث، لكن هذا لم يحدث! لذلك، من الواضح أن المشرفين على هذا الخطاب كانوا انتقائيين للغاية في “تقييد” الجمهور بمؤيدي أوباما وحدهم. هل يا ترى هذا نتيجة ممارسة “المعايير” و اللوائح التي دعا إليها السيد أوباما؟ أليس هذا عملا غير ديمقراطي، و يُعرف في الغرب المسيحي بالاستبداد و الطغيان و رفض المعارضة؟!
في الواقع، لقد خطا المشرفون على البرنامج خطوة أخرى إلى الأمام في “تقييد” مشاركة الجمهور، و ذلك من خلال “إيقاف” ميزة التعليق على قناتهم على يوتيوب، و هو أيضا عمل غير ديمقراطي، و يُعرف في الغرب المسيحي بالاستبداد و الطغيان و قمع المعارضة! مرة أخرى، هل هذا نتيجة لممارسة “المعايير” و اللوائح التي دعا إليها السيد أوباما؟
يا للفوضى! فالتجربة الديمقراطية في الغرب المسيحي تعاني من أزمة حقيقية في النزاهة. إنها غير قادرة على تحمل الشفافية الجامحة لوسائل التواصل الاجتماعي، تلك الحرية الجامحة التي ميزت الغرب المسيحي لعقود من الزمن عن الأنظمة الأخرى المسماة “بالاستبدادية”! إن أفكار و نظريات السيد أوباما هي شهادة على حقيقة أنهم يميلون بقوة إلى دفع خصومهم جانباً و خياطة أفواههم في شكل جديد من أشكال الاستبداد و في ظل قوانين و معايير حرية التعبير التقييدية!
من المؤكد أن السيد أوباما يمكنه تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية و تقييد حرية التعبير لتجنب تكرار نتائج انتخابات عام 2016. ولكن، هل يا ترى فكر في العواقب؟ هل تساءل ما هو التأثير الطويل الأجل لمثل هذه القيود على الرأي العام الأمريكي، الذي فقد بالفعل الثقة بشكل كبير في الأحزاب السياسية و السياسيين؟ ألن تخلق حلوله المقترحة أزمة تؤدي إلى انتشار كمية هائلة من الغبار و الوحل و القذارة (كما يشير إليه)، و شيطنة الناس له؟! ألا ينبغي لخلفيته العملية و السياسية و الرئاسية أن تأخذه إلى ما هو أبعد من هذا الحل قصير الأجل الذي لا يُعَدُ سوى “مكافحة للحرائق” و إلقاء الغبار على الحمم؟
أقترح على السيد أوباما أن يحذو حذو آبائهم المؤسسون و يطور حلولا طويلة الأجل و مستدامة، من خلال قراءة كتاب السيد ريبروك بعناية و كُتب المفكرين و علماء الاجتماع الآخرين. ربما يجب أن يقرأ كتابي مرتين!
و لو كنت مكانه، لاعتذرت لنفسي!
يرجى الرجوع إلى رابط اليوتيوب أدناه بعنوان “الرئيس السابق باراك أوباما يتحدث في جامعة ستانفورد عن تحديات الديمقراطية”.
ما أجمل الحياة و أن توقظك دقات قلبها، و إن دقت لغيرك.
و ما أجمل دقات قلبك لها، و إن رقصت على دقات غيرك.
فما أجمل كلماتي و هي تدق أسوار قلبها، لترجع صداً و لتُخبِرَ:
نَم يا مولاي، فما أجمل الحياة و أن توقظك دقات قلبها و إن دقت لغيرك!
خالد الخاجة
Life is beautiful and it’s beautiful to wake up to the beats of her heart, even if its beating for he who is not you.
It’s beautiful how your heart beats for her, even if she is dancing to the beats of he who is not you.
How beautiful are my words that bounce off the walls of her heart to tell: Sleep your majesty, as it’s beautiful to wake up to the beats of her heart, even if its beating for he who is not you.
Khalid Alkhaja
Peace of Westphalia
صلح وستفاليا
تمَّ التوقيعُ على هذه المعاهدة في ١٥ مايو لعامِ ١٦٤٨ و لتنهي بذلك حرب الثلاثين عاما الاوروبية، و هي سلسلة من صراعات دامية مزقت أوروبا بين عامي ١٦١٨ و ١٦٤٨، و اشتركت فيها تباعا معظم القوى الأوروبية الموجودة في ذاك العصر، فيما عدا إنكلترا و روسيا.
و قد اندلعت الحرب في البداية كصراع ديني بين الكاثوليك و البروتستانت، و انتهت كصراع سياسي من أجل السيطرة. و انتشرت خلالها المجاعات و الأمراض و هلاك العديد من سكان أوروبا. فخلال الحرب، انخفض عدد سكان ألمانيا بمقدار ٣٠%. و في أراضي براندنبورغ بلغت الخسائر النصف، في حين أنه في بعض المناطق مات ما يُقدّر بثلثي السكان، كما انخفض عدد سكان ألمانيا من الذكور بمقدار النصف تقريبا و انخفض عدد سكان الأراضي التشيكية بمقدار الثلث!
و قد دمَّر الجيش السويدي وحده ٢٠٠٠ قلعة و ١٨٠٠٠ قرية و ١٥٠٠ مدينة في ألمانيا، أي ثلث عدد المدن الألمانية. و جاء في موسوعة “قصة الحضارة” تحت عنوان “إعادة تنظيم ألمانيا”:
هبطت حرب الثلاثين بسكان ألمانيا من عشرين مليونا إلى ثلاثة عشر و نصف مليونا، و بعد عام أفاقت التربة التي روتها دماء البشر، و كان هناك وفرة في النساء و ندرة في الرجال. و عالج الأمراء الظافرون هذه الأزمة البيولوجية بالعودة إلى تعدد الزوجات كما ورد في العهد القديم. ففي مؤتمر فرنكونيا المنعقد في فبراير ١٦٥٠ بمدينة نورنبيرغ اتخذوا القرار الآتي:-
“لا يقبل في الأديار الرجال دون الستين، و على القساوسة و مساعديهم و كهنة المؤسسات الدينية أن يتزوجوا. و يسمح لكل ذكر بأن يتزوج زوجتين، و يذكر كل رجل تذكيراً جدياً، وينبه مراراً من منبر الكنيسة، إلى التصرف على هذا النحو في هذه المسألة”
و تعدُّ معاهدةُ وستڤاليا ذاتَ أهميةٍ خاصةٍ في التاريخِ الأوروبيِّ الحديثِ، فهيَ وضعتْ حدّاً للحروبِ الدينيّةِ. فقد قضتِ التسويةُ الدينيّةُ بالمساواةِ الدينيّةِ و الحريّةِ في ممارسةِ الشعائرِ، و اعترفَ بالكالڤينيةِ، و مُنحتِ الولاياتُ البروتستانتيّةُ حقوقاً سياسيّةً كاملةً، و أضحى المجلسُ الإمبراطوريّ مكوّناً بالتساوي من كاثوليكَ و بروتستانت. و أصبحت القومية، لا الرابطةُ الدينيّةُ، أساساً تجتمع عليهِ الأمّةُ.
المبادئ الأساسية للمعاهده:
١- جميعُ الأطرافِ يعرفونَ سلام أوچسبورچ (١٥٥٥) الذي قررَ الحقَّ لكل أميرٍ بتقرير دينِ مقاطعته.
٢- المسيحيّونَ الذين يعيشون في مناطقَ لا ينتمون إلى كنيستها يُكفلُ لهمُ الحقُّ بممارسةِ عقيدتهم بشكلٍ خاصٍّ أو في العلنِ في الساعاتِ المخصصة.
الخلاصة:
ثبَّتتْ معاهدةُ وستڤاليا الوضعينِ الدينيَّ و السياسي على ما هو عليه في أوروبا عامةً، فقد قُضيَ على أحلامِ المصلحينَ في تقويضِ نفوذِ الكنيسةِ إلى الأبدِ مثلما فشلَ الإصلاحُ الديني المضادُّ الذي قادته الكنيسةُ في استعادةِ ما فقدته، و بات على كلِّ طرفٍ الاعترافُ بالآخرِ ليحلَّ السلام.
ولكنْ على الرغمِ منْ أنَّ الإصلاحَ الدينيَّ قد نجا، إلا أنّهُ عانى بسبب بذاءةُ الجدلِ الدينيِّ، و وحشيّةُ الحربِ، و قساوةُ العقيدةِ، و تصلبُ رجالِ الدين. فقد أعدمَ خلالَ المعمعةِ الآلاف بتهمة السحر، و بدأ الناس يرتابون في المذاهبِ التي تبشرُ بالمسيحِ و تقترفُ قتل الأخوةِ بالجملةِ.
لقدْ أنهى صلحُ وستڤاليا سيطرةَ اللاهوتِ على العقلِ في أوروبا، و تركَ الطريقَ إلى محاولاتِ العقلِ و اجتهاداتِهِ، غيرَ معبّدٍ بعدُ، ولكنْ يمكنُ المرورُ فيه.
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D9%84%D8%AD_%D9%88%D8%B3%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7
رحلت يا أبا سلطان بهدوء الورود من دنيتي، فإعذرني إن لم نلتقي، و عزائي أنني إلتقيتُ بإنصافك و رعايتك و عطفك و أمنك و حنانك يا سيدي. كفَّيت و وفَّيت، و الله على ما أقول يشهدِ.
إعذرني إن لم نلتقي، و عزائي أن تكون إِلتَقَتكََ دعواتي و إحترامي و إمتناني و إخلاصي، و الغالية دمعتي. رحلت يا أبا سلطان دون أن نلتقي، و لكنني على يقين بأننا سنلتقي، و من قهوة الجنة إن شاء الله سوياً سنحتسي و بضيافة الرحمن ننعمِ.
رحلت يا شيخي دون أن نلتقي، ولكنك بت تراني و تسمعني بقدرة قادرِ. و الى أن نلتقي، إبق جميلا كما عهدتك يا سيدي
❤
قمت بالتعليق على المقطع المرفق و الذي يتطرق الى اعتقال سلمان العودة بسبب تصريحاته. و يتم في المقطع الإشارة الى منهجية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إدارة محاربة الفساد و مقولته المعروفه: “من أين لك هذا؟”.
فكتبت: رضينا بعمر بن الخطاب حكما. و لكن، ما هي منهجية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إدارة حرية التعبير؟ و هل كان سيرضى أن يتصدر الصحابة رضي الله عنهم التويتر و وسائل التواصل الاجتماعي و قناة الجزيره لمخاطبة العامة؟
ابحث في الأثر و ستكتشف أن علماء الصحوة كامثال سلمان العودة يعارضون نهج عمر رضي الله عنه في إدارة حرية التعبير و ستكتشف أن عمر رضي الله عنه كان سيؤيد قرار اعتقال سلمان العودة و من على شاكلته على يد السلطات السعودية، و كان عمر رضي الله عنه سيؤيد قرار منعهم من مخاطبة العامة.
فسلمان العودة و امثاله من علماء الصحوة لا يتبعون نهج عمر بن الخطاب رضي الله عنه و لكنهم يتبعون نهج الغرب المسيحي في ادارة حرية التعبير.
بعد يومين من كتابة تعليقي على هذا المقطع، وصل عدد التعليقات على ما سبق ذكره ١٢٥ ردا، كلها تدل على دهشة القراء و صدمتهم من قراءة طرح جديد. و لم أجد أحدا يريد أن يحاور و يبحث. و تنحصر الردود بين السب و الاستهزاء و شيطنتي، و القليل من من حاول أن يناقش قبل أن يفهم! و بالرغم من ذلك، قمت بالرد على غالبيتهم.
ايها الاخوة، الله جل جلاله سأل ابليس لماذا لم يسجد لآدم عليه السلام، و الله جل جلاله سأل آدم عندما عصاه و أكل من الشجرة. الله جل جلاله يسأل (و هو غني بعلمه عن السؤال) ليقيم الحجة قبل أن يحكم. الستم يا محبي سلمان العودة (هداه الله) اولى بأن تسألوا و تفهموا قبل أن تحكموا على طرحي؟
و ما قصة التناقض الذي تعيشونه؟ تطالبون بحرية التعبير و لكنكم تشيطنونني و تهاجمونني لمجرد أنني عبرت عن رايي! إنها سياسة الكيل بمكيالين و هي غريبة على أهل السنة و الجماعة.
و لكي اثبت أن علماء الصحوة (أمثال سلمان العودة) خالفوا منهج عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ادارة حرية التعبير، ساستعين بروايتين من الأثر.
الرواية الاولى وردت في صحيح البخاري برقم ٦٨٣٠ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى، وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي فُلاَنٍ يَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلاَّ فَلْتَةً، فَتَمَّتْ. فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا، وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا. فَقَالَ عُمَرُ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ.” الى آخر الرواية و هي طويلة و مهمة و أنصح بقرائتها.
ركز معي اخي الكريم الى نصيحة عبدالرحمن للخليفة عمر رضي الله عنهما إذ قال:
(يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا، وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا.)
هنا ينصح الصحابي الخليفة عمر رضي الله عنه أن لا يخاطب “عامة” المسلمين في موسم الحج لأن بينهم الغوغاء و الرعاع. و ينصح عبدالرحمن الخليفة أن يُؤجل كلامه لحين يرجع الى المدينة حيث يتواجد كبار الصحابة و عقلاء الامة. فوافق الخليفة عمر رضي الله عنه مع هذا الراي الحكيم و أبى أن يخاطب عامة المسلمين (الغوغاء و الرعاع).
أليس من الإنصاف أن أستنتج من هذه الرواية أنَّ منهجية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ادارة حرية التعبير ترتكز على الحذر من مخاطبة “العامة” (الغوغاء و الرعاع) و أن يوجه خطابه بحذر الى أهل التخصص لكي لا يُسَاء فهمه و تنتشر الفتن و الفساد و عدم الإستقرار؟
و هذا بالضبط ما يتوقعه الأمير محمد بن سلمان من علماء الصحوة أمثال سلمان العودة. إلا أنَّ علماء الصحوة أمثال سلمان العودة (هداهم الله) لا يلتزمون بهذه المنهجية العمرية عندما يصرون على إعتلاء منابر الغرب المسيحي كالتويتر و منصات التواصل الاجتماعي و قناة الجزيره، ليخاطبوا عامة المسلمين (الغوغاء و الرعاع) و ينشروا الفتنة و الفُرقة!
ما يفعله علماء الصحوة هو ما يفعله الغرب المسيحي (الديمقراطي) من مخاطبة العامة و هذه المنهجية بعيدة كل البعد عن منهجية عمر رضي الله عنه في ادارة حرية التعبير. و قد بدأ الغرب المسيحي ينتبه الى الحاجة إلى ادارة حرية التعبير كما كان يصنع العبقري عمر بن الخطاب رضي الله عنه. و بينما يقوم الغرب المسيحي بتصحيح مساره، يصر علماء الصحوة أن يقلدوا منهجية الغرب المسيحي كالأعمى!
هنا اكون قد انتهيت من الرواية الأولى. و بقي أن أشرح رواية أخرى جدا مهمة و تأكد بأن الخليفة عمر رضي الله كان سيؤيد قرار الأمير محمد بن سلمان في اعتقال سلمان العودة و من على شاكلته من علماء الصحوة، ممن ينشرون الفتنة في المجتمع بتوجيه خطاباتهم للغوغاء و الرعاع (عامة المسلمين) بسبق إصرار و ترصد، و هذا بالضبط ما كان يخشاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما يتضح في الرواية الثانية.
و الدليل الثاني مُوَضَّح في كتاب حياة الصحابة، تحت عنوان “حَصرُ مَن يَقَعُ منه الإنتشار في الأمة” حيث أخرج سيف، و إبن عساكر عن الشَّعْبي قال: لم يمت عمر رضي الله عنه حتى مَلَّته قريش، و قد كان حَصَرهم بالمدينة و أسبغ عليهم و قال: إنَّ أَخوَف ما أخاف على هذه الأمة إنتشاركم في البلاد، فإن كان الرجل يستأذنه في الغزو و هو ممن حُصِر في المدينة من المهاجرين – و لم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة – فيقول: قد كان لك في غزوك مع النبي صلى الله عليه و سلم ما يبلغك، و خير لك من الغزو اليوم أن لا ترى الدنيا، و (لا) تراك. فلما وُلِيَ عثمان رضي الله عنه خلَّى عنهم فاضطربوا في البلاد و إنقطع إليهم الناس. قال محمد، و طلحة: فكان ذلك أول وَهْن دخل في الإِسلام، و أول فتنة كانت في العامّة ليس إلا ذلك. كذا في الكنز. و أخرجه الطبري من طريق سيف بنحوه.
و عند الحاكم عن قيس بن أبي حازم قال: جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يستأذنه في الغزو، فقال عمر: إجلس في بيتك فقد غَزَوتَ مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: فَرَدَّد ذلك عليه، فقال له عمر في الثالثة أو التي تليه؛ إقعد في بيتك، فوالله إني لأجد بطرف المدينة منك و من أصحابك أن تخرجوا فتُفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم” قال الذهبي: صحيح.
لاحظ ايها القارئ كيف كان عمر رضي الله عنه “يحصر” (أي يفرض الإقامة الجبرية) على المهاجرين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم خوفا من إنتشارهم و التفاف “العامة” (الغوغاء و الرعاع) حولهم و التعبير لهم عن آرائهم الشخصية و التسبب في إثارة العامة و الفرقة بين المسلمين. كان عمر رضي الله عنه يصر على بقاء الصحابة حوله في المدينة خشية الفتنة.
أليس من الإنصاف أن نستنتج أن منهجية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ادارة حرية التعبير كانت تمنع الصحابة رضي الله عنهم من التصريح بآرائهم للعامة؟ أليس من الإنصاف أن أستنتج بأن عمر رضي الله عنه كان يسمح للصحابة بحرية التعبير و لكن فقط معه مباشرة و ليس للعامة من الغوغاء و الرعاع؟
أليس من الإنصاف أن أستنتج بأن عمر رضي الله عنه كان سيؤيد قرار الامير محمد بن سلمان في اعتقال علماء التويتر و منصات التواصل الاجتماعي و قناة الجزيره، و الذين يصرون جهلاً على توجيه خطاباتهم للعامة بغية تأليبهم على أنظمتهم الحاكمة؟
بهذا، نكون قد استنتجنا بأن منهجية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ادارة حرية التعبير قريبة من منهجية الأمير محمد بن سلمان و إن تلك المنهجية تنحصر في:
١- منع العلماء من مخاطبة العامة (الغوغاء و الرعاع ).
٢- جواز اعتقال من لا يعمل بهذه المنهجية
و عليه، قرار اعتقال سلمان العودة و امثاله (هداهم الله) من قبل السلطات السعودية صحيح و مطابق لمنهجية عمر رضي الله عنه في ادارة حرية التعبير.
تحياتي
ها هو رمضان يتفقد من قال:
“أنا لا أُبقي في الحساب البنكي شيء من أموال الصدقات قبل نهاية الشهر!”
شتان بين من يحن للتَّصَدُق في رمضان و من تحن له صدقات رمضان، و شتان بين من يفتقد رمضان و من يفتقده رمضان.
ها هو رمضان يتفقد من كان يصل رحم الفقراء و كان يختفي عن أنظار و أسماع الأهل و الأقرباء لينظر في طلبات المحتاجين و يستمع لحاجات الفقراء و المساكين. ها هو رمضان يتفقد من تميز في حرصه الشديد على حفظ كرامة اليتيم و الأرملة و العاطل و المريض.
لقد أتعبتنا من بعدك بأمانتك يا أمين فهنيئاً لك صحبة الصادق الأمين (ﷺ). لك أن تضحك و تستبشر، و قد ذهب عنك ظمأ العمل و إِبتَلٌَت عروقك بنهر من عسل و ثبت الأجر إن شاء الأَوَّل.
ألم أقل لك بأن مثلي كثير كثير و مثلك قليل؟
رحمك الله يا عم!
أنام لا لأنام
بل لأستيقظ
و لأستنشق
و في عينيك أسترسل
و من خديكِ أستنهل
و بعطر شعركِ أستشمل
فأنا أنام لكِ، لا عنكِ
أنام منكِ يا حُبي
لينام بداخلي الشر
و أعيش ملحمة التله
حيث برودة الحَرِّ
لتصافح أحلامي شدقيكِ
من دون العالم حوليكِ
و ليغشى الطوفان في عرقي
و تعلوا أمواجها أطرافي
و تخط بحبر أحلامي
بصفح ضامر وجنتكِ
على حلو العذب خديكِ
على القشطة بالعسل
على الأحمر من الكرز
دعيني لأنام لكِ، لا عنكِ
لأنام منكِ يا حُبي
لأنام لا لأنام
بل لأستيقظ
و لأستنشق العشقِ
خالد الخاجة 😊
يا عم،
خدمتُ لأكثر من ٣٠ سنة في مجال مهم و حساس و معقد، و أعي تماماً أنني من الكوادر النادرة و من فئة العيار الثقيل. فالكهرباء و الماء كالروح و الأنفاس لكل بيت و قصر و مصنع و مسجد و مستشفى و مدرسة و مطار و طريق.
أجل يا عم، أنا العملاق قبل أن أُقارن جهدك بجهدي، فأَجِدُني قزم صغير و ضئيل. فكل ما انجزتُه لا يساوي حياة أُمٍ إبتُليت بداء شديد، فسعيتَ لها ليشفيها الله و لتبقى هي تربي هذا الصغير و ذاك الرضيع و اليتيم.
و من بعدي يا عم، الكثير حملوا راية الكهرباء و الماء، فمن يحمل من بعدك راية المحروم و الفقير و المسكين و اليتيم و عابر سبيل؟
يا عم، مثلي كثير و مثلك قليل.
و يا حبي للكلام و الوعظ و يا حبك للاستماع للجميع. يا حبي للكتابة و يا حبك للقراءة. يا حبي للتنظير و التخطيط و يا حبك للعمل و التنفيذ. يا عم، ألم أقل لك بأن مثلي كثير و مثلك قليل؟
قل لي يا عم، من فينا الحي و من الميت؟ من فينا السعيد يا أبا سعيد؟ لمثلك ترخص الادمع يا عبد المغيث.
رحمك الله يا عم. أسأل الله لك الفردوس الأعلى من الجنة و الصبر لاهلك و الثبات عند السؤال و على الصراط. عظم الله اجر الجميع.
يا عم، إلى أن نلتقي، إبق جميلاً كما عهدتك ❤
رحل عمر و الأمر جلل!
الأمر جلل! فقد إفتقدتُ إبتسامة ثمينة هذا الصباح، و لمثلك تغيب الابتسامات يا عمر.
الأمر جلل! فسأفتقد الإستماع الى حوارك مع صاحبة الإبتسامة الجميلة، و ما أجمل تحاوركما يا عمر.
الأمر جلل! فقد سمعت ما خفي بين أسطر كلماتكما، و ما أجمل حبكما يا عمر.
الأمر جلل! فسأفتقد صوتك الذي كان يذكرني بأبا عبدالله، و يا لجلال صوتكما يا عمر.
الأمر جلل! فسأفتقد ملامحك التي كانت تذكرني بملامح أبو طلال، و ما أجمل ملامحكما يا عمر.
الأمر جلل! فلم أنسى موقفك بعد دفن أبا عبدالله، و ما أجملك و أنت تعمل بالسنة و تأمر بأن لا يُشرَفَ بقبره يا عمر.
الأمر جلل! فسأفتقد روحك الحُرَّة، فما أجمل إستقلالك يا عمر.
رحمك الله يا عمر. أسأل الله لك الفردوس الأعلى من الجنة و الصبر لنا جميعاً و الثبات عند السؤال و على الصراط
حبيبي عمر، إلى أن نلتقي، إبق جميلاً كما عهدتك ❤
أيها الشروق النائم في حضن الفضاء، إشتقت لك
أرسل لي بارقة من شعاع عينيك لتنير لي دربي، فالدرب لك
سهدت ليلي أترقب إطلالتك، و الطل لك
فأنا رملة على الشاطئ الطويل بين مد و جزر، و المد لك
الليل طويل و العاشق أسير، و الحب لك
سئل برنارد لويس:
ما هي أزمة الإسلام؟
فأجاب برنارد لويس قائلا:
أعتقد أن العالم الإسلامي (و ليس الإسلام) و غالبية المسلمين وصلوا الى نقطة أدركوا فيها حقيقة أن مجتمعهم إنحرف بشكل خاطئ في مرحلة ما. هناك وعي متنامٍ، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، بأنهم أصبحوا في مؤخرة سائر العالم.
إنهم يعلمون بأن حضارتهم كانت الأكثر تقدماً في العالم و لقرون عدة، بل كانت أكثر الحضارات تقدماً في التاريخ. ثم تاخروا و بشكل مريع. إنهم أدركوا مؤخراً، أنهم لم يتأخروا عن الدول الاوروبية المتقدمة فقط، بل حتى عن الدول الجديدة و على على سبيل المثال كوريا الجنوبية.
فقبل أقل من نصف قرن، كانت كوريا الجنوبية تنهض من العصور الوسطى. أما الآن، فمستوى الحياة و الانجازات في كوريا الجنوبية (تقريبا في كل المجالات) أفضل من العالم الإسلامي. إنهم يشهدون الفرق بين الهند و باكستان و يشهدون أيضا مصير الهونغ الكونغ و سنغافورة في جانب من العالم و العدن في جانب آخر.
“Conversation about Islam With Bernard Lewis Part 2”
Mi GG
You Tube, minutes 06:57 to 08:19
سُئل برنارد لويس:
هل هناك إسلام معتدل في العالم العربي؟ و ما إحتمالات ظهوره و تأثيره على العلاقات مع إسرائيل؟
يجاوب برنارد لويس قائلا:
بالتأكيد هناك إسلام معتدل و هو أقرب الى ما يمكن أن تصفه بالتيار التقليدي الإسلامي. على سبيل المثال، الحرب المقدسة فريضة دينية في القوانين المقدسة أو الشريعة الإسلامية. و لكن و لأنها فريضة مقدسة، فهي منظمة بالقوانين المقدسة.
قوانين الحرب في الشريعة الإسلامية مفصلة و تخلوا تماماً من كل الأدوات التي يستخدمها الإرهابيين في عصرنا هذا. الشريعة الإسلامية تنص بعدم الهجوم أو جرح العامة من الغير مقاتلين، و عدم أذية الكبار في السن و النساء و الأطفال. كما أن إستعمال أسلحة الدمار الشامل محرمة في الشريعة الإسلامية (كتسميم منابع مياه الشرب).
و الأهم أن كل أصناف الانتحار محرمة. الشريعة الإسلامية واضحة جدا في هذا الصدد، فمن يرتكب الانتحار يذهب إلى الجحيم و تُمحى كل أعماله الفاضلة. و نعلم أيضا أن من ينتحر يُعذب في جهنم بالانتحار مكرراً و بشكل أبدي، و هذا خلاف ما يتوقعه المنتحر في يومنا هذا. فما الذي تغير؟
إنها الحركات المتطرفة في الإسلام، بعضها بدأت قبل قرون عدة و بعضها حديثة. هؤلاء لم يعيدوا كتابة الشريعة الإسلامية و لكنهم أعادوا تفسيرها و قاموا بتغيير أشياء كثيرة. كما تعلمون، المحامي يستطيع فعل الكثير بتفسير القوانين و فقهاء الشريعة الإسلامية لا يُستَثنون من هذه القاعدة.
“Radical Islam, Israel and West”
Hebrew University of Jerusalem
YouTube, minutes 42:20 to 45:00n
سئل المؤرخ اليهودي و الصهيوني برنارد لويس:
هل ستتحول أوروبا و المسيحين خلال ١٠ الى ٢٠ سنة الى ذميين أو عبيد أو مواطنين من الدرجة الثانية للمسلمين الذين يتكاثرون؟ هل أوروبا في مصيرها الى أن تتحول إلى إمارة ذمية يخدمون المسلمين، كرغبة المسلمين في إستعباد اليهود؟
فأجاب برنارد على السؤال قائلا:
الترجمه المعتادة للذمي هي مواطن من الدرجة الثانية. في عُرفنا و ميزان قيمنا الحالية، الكلام عن مواطنة من الدرجة الثانية تعتبر إهانة و تهمة. و لكن، من المنظور التاريخي، الصورة بالتأكيد مغايرة و المواطنة من الدرجة الثانية كانت أفضل من أن لا تكون مواطناً على الإطلاق
ففي الخلافة الإسلامية، كان المسلمون مواطنون من الدرجة الأولى في حين غير مسلمين (بالاخص اليهود و النصارى) كانوا مواطنين من الدرجة الثانية. و لكن، كانت لليهود و النصارى منزلة معترف بها، و كانت لهم حقوق و قدر كبير من الاستقلالية في إدارة شؤونهم بأنفسهم. كانوا يتحكمون و يديرون تعليمهم الخاص و مدارسهم و جامعاتهم الخاصة. كانت لهم قوانينهم الخاصة و محاكمهم الخاصة و هكذا .
أعني، منزلة الذمي (و هو مصطلح عثماني) كانت بالتاكيد مواطنة من الدرجة الثانية مقارنة بالمسلمين الذين كانوا مواطنين من الدرجة الأولى، و لكن تلك المنزلة كانت أفضل بكثير من ما كانت تمنحه العالم المسيحي آن ذاك لليهود و المسيحيين المتحررين. و الدليل الواضح على كل ذلك كانت حركة المهاجرين لقرون عدة من العالم المسيحي الى العالم الإسلامي و ليس العكس.
ما يقولونه اليوم (أي المسلمين) في أوروبا، لا يقصدون إنزال المسيحيين الى مرتبة الذميين، و لكنهم يريدون نفس الحقوق التي كانت الخلافة الإسلامية تمنحها لليهود و النصارى. يقولون، تركناكم تديرون قوانينكم الخاصة و تمارسونها بمحاكمكم، لذا إمنحونا نفس الحقوق و الامتيازات. هذه المطالب تبدوا منطقية رغم صعوبة تطبيقها
“Radical Islam, Israel and West”
Hebrew University of Jerusalem.
YouTube, minutes 32:17 to 35:12.
لو كنت مكان المتحدث لإعتذرت من نفسي.
فبمجرد أن يتكلم عن المسلمين، تفقد تحليلاته قيمتها العلمية. فالطائفية و الإنحياز واضحتان في خطابه السياسي.
و اتيتكم بكلام خبير يهودي لأدلل على ما أقول و ليكن هذا اليهودي طرف محايد بين المسلمين و المسيحين.
سئل المؤرخ اليهودي و الصهيوني العريق، السيد برنارد لويس:
هل ستتحول أوروبا و المسيحين خلال ١٠ الى ٢٠ سنة الى ذميين أو عبيد أو مواطنين من الدرجة الثانية للمسلمين الذين يتكاثرون؟ هل أوروبا في مصيرها الى أن تتحول إلى إمارة ذمية يخدمون المسلمين، كرغبة المسلمين في إستعباد اليهود؟
فأجاب السيد برنارد على السؤال قائلا:
الترجمه المعتادة للذمي هي مواطن من الدرجة الثانية. في عُرفنا و ميزان قيمنا الحالية، الكلام عن مواطنة من الدرجة الثانية تعتبر إهانة و تهمة. و لكن، من المنظور التاريخي، الصورة بالتأكيد مغايرة و المواطنة من الدرجة الثانية كانت أفضل من أن لا تكون مواطناً على الإطلاق
ففي الخلافة الإسلامية، كان المسلمون مواطنون من الدرجة الأولى في حين غير مسلمين (بالاخص اليهود و النصارى) كانوا مواطنين من الدرجة الثانية. و لكن، كانت لليهود و النصارى منزلة معترف بها، و كانت لهم حقوق و قدر كبير من الاستقلالية في إدارة شؤونهم بأنفسهم. كانوا يتحكمون و يديرون تعليمهم الخاص و مدارسهم و جامعاتهم الخاصة. كانت لهم قوانينهم الخاصة و محاكمهم الخاصة و هكذا .
أعني، منزلة الذمي (و هو مصطلح عثماني) كانت بالتاكيد مواطنة من الدرجة الثانية مقارنة بالمسلمين الذين كانوا مواطنين من الدرجة الأولى، و لكن تلك المنزلة كانت أفضل بكثير من ما كانت تمنحه العالم المسيحي آن ذاك لليهود و المسيحيين المتحررين. و الدليل الواضح على كل ذلك كانت حركة المهاجرين لقرون عدة من العالم المسيحي الى العالم الإسلامي و ليس العكس.
ما يقولونه اليوم (أي المسلمين) في أوروبا، لا يقصدون إنزال المسيحيين الى مرتبة الذميين، و لكنهم يريدون نفس الحقوق التي كانت الخلافة الإسلامية تمنحها لليهود و النصارى. يقولون، تركناكم تديرون قوانينكم الخاصة و تمارسونها بمحاكمكم، لذا إمنحونا نفس الحقوق و الامتيازات. هذه المطالب تبدوا منطقية رغم صعوبة تطبيقها
“Radical Islam, Israel and West”
Hebrew University of Jerusalem.
YouTube, minutes 32:17 to 35:12.
يا مغيث!
لم تغطي مطالب آل مره لأكثر من أسبوع رغم أن الحدث كان على بعد كيلومترات من مكاتبهم و أقرب بكثير من ميدان التحرير و طرابلس و السفارة السعودية في تركيا
أحسن الله عزاءكم في المصداقيه
قال: هل لي أن أراها؟
قُلتُ: لا، لن تراها أيها المسكين
قال: دعني أراها!
قلت: و لا غيرك يا مسكين
قال: هل لي بلمحة؟
قلت: ستُفنى بلحظة!
قال: و أُصبِح نجماً
قلت: في أجمل قصة!
و لما تَجَلَّت، رُكبتاه خَرَّت
قد خانه النَّظَرا، فلم تُخلق له أبدا
فحشرج: هل لي ببسمة؟
قلت: و للحب سَكرة!
من جديد و قبل قليل، توقف الوقت حزيناً و جرى بي شريط الزمان رويداً رويداً للخلف، حيث الماضي الثمين. فقد لَفَظَت عزيزة قومٍ أنفاسها الأخيرة و توقف قلبها الكبير و نضب حبر قلمها بعد أن آن لها أن تكتب بقلم جديد لا ينضب حبره أبداً
وَدَّعَتنا الحنونه و رحلت الى حيث يستقبلها أبٌ و أمٌ و زوجٌ و أخٌ و أُختانِ و أُمي و جمعٌ غفير من الأحباب و الأصحاب و الصالحين و الملائكة و رب كريم.
تركت لنا كتابٌ كبير، سَطَّرته بجميل الكرم و حميد الخُلُق و الجود بصبر أيوب (عليه الصلاة و السلام) و التَصَدُّق بالمطلوب و المرغوب. كَفَّييت و وَفَّييت يا أم الجميع، فجزاك الله عنا خير الجزاء
أسال الله أن يعاملكِ بإحسانه و يرحمكِ رحمة واسعة و أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة و أن يجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة.
عمتي الحبيبه، إلى أن نلتقي، إبقي جميلة كما عهدتكِ ❤
الإسلام يعتبر المرأة بطلة
الإسلام يعتبر الأم الصالحة بطلة
الإسلام يعتبر الزوجة الصالحة بطلة
الإسلام يعترف بقوة المرأة و تأثيرها على الرجل
الإسلام يطالب الرجل أن يعامل المرأة كبطلة
الإسلام يحترم المرأة كما هي
المرأة بطلة و الاقتران بها بطولة
فإبقي جميلة أيتها البطلة
الشيخ فايز الكندري (معتقل كويتي سابق) يروي أحداث فتنة وقعت في معتقل غوانتاناموا الأمريكية.
هذه الفتنة لم يسلم منها حتى المثقفين، قديماً و حديثاً. بمثل هذه الفتن تم إغتيال الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على يد المغرر بهم و السامري يضحك!
يجب أن نتذكر هذه القصة كلما أتتنا أخبار و رسائل مستفزة يُراد بها الفتنة أو كلمة حق يراد بها باطل.
لا فظ فوك يا شيخ فايز.
فهل من متعظ؟
يا مغيث!
الغنوشي (زعيم حركة النهضة التونسية الإخوانية) يعد قرارات الرئيس التونسي قيس السعيد إنقلاباً لا تخدم الديمقراطية و التعددية الحزبية و تعطشاً للسيطرة على مؤسسات الدولة، و ذلك لإستحواذ الرئيس التونسي قيس السعيد مؤقتا على السلطة التنفيذية و القضائية في تونس بعد تجميده البرلمان و رفعه الحصانة من أعضاء البرلمان من أجل البحث في ملفات الفساد و علاقتها في تردي الأوضاع السياسية و الإقتصادية و الصحية و الإجتماعية في تونس بعد ١٠ سنين من حكم الإخوان المسلمين
أقول للغنوشي:
هل تعتبرون ما فعله الإخوان المسلمين في مصر سنة ٢٠١٢ أيضا إنقلاباً لا يخدم الديمقراطية و التعددية الحزبية و تعطشاً للسيطرة على مؤسسات الدولة؟
فالقرار الدستوري المكمل و الذي أصدره الرئيس المصري السابق محمد مرسي -رحمه الله- بنوفمبر ٢٠١٢، جعل قراراته الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخرى (مثلا المحكمة الدستورية) منذ توليه الرئاسة حتى إقرار دستور جديد و إنتخاب مجلس شعب جديد.
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
و كل طابخ سم سوف يأكله
و كل حافر بئر واقع فيها
يا مغيث!
يقول المؤرخ اليهودي الصهيوني الراحل برنارد لويس في محاولته التفريق بين دين الإسلام و الفرق الإسلامية المتطرفة:
“المقصود بالمسيحية هي جل الحضارة المتشكلة من الديانة المسيحية، و قد تشمل تلك الحضارة عناصر كثيرة لا علاقة لها بالديانة نفسها و قد تكون معادية لتلك الديانة، الا أنها نشأت ضمن تلك الحضارة. فعلى سبيل المثال، يمكننا أن نقول بأن هيتلر و النازية نشأتا ضمن المسيحية و لكننا لا نستطيع أن نقول بأن هيتلر و النازية نشأتا من الديانة المسيحية. لابد من مراعاة هذا الفارق”.
و عليه أيها القارئ الكريم، إن المقصود في هذه المقالة “بالغرب الصليبي” هي جل الحضارة المسيحية و ليست الديانة المسيحية أو أتباعها. فوجب التنبيه.
أقول و بالله التوفيق، إذا أردت أن تعرف الحق، فأنظر أين تتجه سهام داعش و القاعدة و الحوثيين و الفكر الإرهابي و تركيا و إيران و حزب الله و منظومة الجزيرة القطرية و الاخوان المسلمين و حماس و الحشد الشعبي و الاعلام الغربي. في الواقع، كل السهام تتجه الى الأمير الشاب و المصلح محمد بن سلمان حفظه الله.
إنها صورة معبرة للغرب الصليبي المرتبك و الذي يخطط الفشل لأجياله القادمة عندما يُفَصِّل المصائب لنا جميعا في المنطقة بالإستثمار في خلافاتنا. يريدوننا متناحرين ليُصَدِّقوا كذبة تفوقهم العرقي، و الحقيقة المؤسفة أن الغرب الصليبي خائف و قلق بسبب البدايات المزيفة لنهضته العلمية الخلابة و التي أورثتهم عدم الثقة بالنفس و وهم عدم القدرة على الاحتفاظ بصدارتهم العالمية. إلا أنني لا أرى مبرراً لكل هذا الخوف و القلق، فالكعكة كبيرة و تكفي الجميع و بقاء الحضارة الغربية الصليبية الرائدة ضرورة إنسانية ملحة بالرغم من كل عيوبها. أما آن للغرب الصليبي أن يورث الرخاء لأجياله القادمة بأن يجرب معنا الإستثمار بالشراكات الاستراتيجية القائمة على المصداقية بدلا من الإستمرار في التخبط بالمؤامرات التي أثبتت فشلها؟
ففي سعيه أو تخبطه في المحافظة على الصدارة، راق للغرب الصليبي أن تبقى المملكة العربية السعودية تحت مرمى إنتقاداتهم و متقوقعة بالتنافس على مستوى محيطها الخليجي. راق لهم أن يقارنوا المملكة العربية السعودية السنية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيعية، كطرفي نقيض لعملة إسلامية يراد لها أن تبدوا في أعين الغرب الصليبية كعقيدة رجعية و متخلفة و متوحشة، و هي صورة بشعة يُراد بها عرقلة الربيع الإسلامي السلفي السَّلس و الذي عبر على مدى عقود عدة حصون سايكس بيكوا الصليبية العاجزة. راق لهم أن يطالبوا بالإصلاحات و أن تبقى المملكة العربيه السعودية مُمتنعة و حصونهم الصليبية آمنة.
و الدليل أنهم إنزعجوا و هاجوا و إزدادوا هجوماً على المملكة العربية السعودية عندما رأوا الأمير الشاب محمد بن سلمان -حفظه الله- يقوم بإصلاحات جذرية و سريعة من شأنها أن تأخذ المملكة العربية السعودية من المحلية الى العالمية في وقت وجيز و لتصبح المملكة من الوجهات المفضلة عالميا على القلوب الغربية. و تزداد إرتباكهم و عدائيتهم للمملكة شدة كلما تسارعت وتيرة الإصلاحات و تحققت أهداف خطة ٢٠٣٠ التنموية و إنتعشت الحقوق المدنية، لتنكشف بذلك كذب شعارات الغرب الصليبي الإصلاحية. فهم لا يريدون تكرار التجربة الإماراتية و التي أسرت القلوب الغربية.
إنتبه أيها القارئ الكريم، فإصلاحات المملكة العربية السعودية إقتصادية بحتة و صادرة من العقول الإقتصادية في الرياض، و مخطئ من يظن أن الإصلاحات غربية أو إنها تستهدف الدين الإسلامي و تُملَى إملاء على المملكة. الإصلاحات السعودية الإقتصادية قديمة جديدة، فهي تنتهج النهج التنموي و المتوازن لباني دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم -رحمه الله- منذ الستينات من القرن المنصرم، و هو نهج إقتصادي صرف و قرار سيادي و لا علاقة له بالضغوطات السياسية.
الغرب الصليبي لا يخشى الإسلام السياسي المتطرف و لا يرغب في إصلاحه، بل يتفهمه و يستثمر فيه و ينتقده و يضرب به منافسيه متى ما شاء. الغرب الصليبي لم و لا و لن يتمنى الإصلاحات للمملكة العربية السعودية و ما يتحقق الآن من إصلاحات تُزعجهم، كما أزعجتهم من قبل إصلاحات شاه إيران الإقتصادية و سعيه الحثيث للعالمية بالتنمية المتسارعة، و هو ما دفع بالغرب الصليبي المرتبك الى دعم قيام خلافة إسلامية شيعية حشدية (ميليشياوية) في إيران، دون أن يكترث بشعاراتها المتشددة و المعادية للسامية مثل “الموت لأمريكا و الموت لإسرائيل” و لكنه راهن و بكل ذكاء على الأهداف التوسعية و المتعارضة مع التنمية لتلك الخلافة الشيعية الناشئة الثائرة و أفعالها المدمرة على أرض الواقع، و التي بدورها أضعفت المنطقة بأسرها إقتصادياً و أخرتها تنموياً و خدمت بذلك الغرب الصليبي.
و اليوم تُزعج النهضة الإقتصادية الصينية المتنامية الغرب الصليبي و التي تكاد أن تتوج الصين عرش نادي الكبار، ليزداد الغرب الصليبي إرتباكاً و تخبطاً و يقوم بدعم قيام خلافة هندوسية متطرفة على الحدود الصينية الباكستانية، تحمل في طياتها بشارة صدام من شأنه إزالة المنافسة الآسيوية. كما يقوم الغرب الصليبي بشيطنة الصين إعلاميا و المتاجرة بدعم مطالب الثوار في هونغ كونغ و المتاجرة بدعم مَظلومية مسلمي الإيغور. فالغرب الصليبي لا يطيق عالماً تتصدره الصين إقتصاديا و المملكة العربية السعودية عقائدياً.
التاريخ مهم لانه يشرح الحاضر، و العكس صحيح، فالحاضر يشرح الماضي. و يتبين لك بنظرة سريعة لحاضر العالم العربي و الإسلامي أن الكذب دين الطاعنين في المملكة العربية السعودية و هم بين مجتهد مخطئ و مراهق سياسي أو معارض متطرف أو أخ حاسد أو شريك طامع و عدو صليبي لا يثق بنفسه. و يقوم الأخير بتجنيد و دعم كل تلك القوى و مباركة قيام خلافة إسلامية سنية حشدية (ميليشياوية) من شأنها القضاء على ما تبقى من الأمل للأجيال القادمة.
فالعالم العربي و الإسلامي اليوم منقسمان الى كتلتين، الأولى مع عالمية المملكة العربية السعودية (و الإمارات العربية المتحدة منها)، و الثانية ضد عالمية المملكة العربية السعودية (و إيران و تركيا و قطر منها). لكل كتلة رأيها و فكرها و شعاراتها و طموحاتها المشروعة، إلا أن الكتلة الثانية تتميز بالجرأة على الكذب و التدليس الإعلامي و الكيل بمكيالين في حين الكتلة الأولى تتميز بقدر أكبر من الصراحة و الشفافية. هذا المشهد يذكرنا بحال المسلمين بعد القرون الخيرية و عندما ضربت تسونامي الأخبار الكاذبة شواطئ المجتمع المسلم و فتنتها، و أتت برواد التدليس ينهشون في صدور الأمة كالقرش الأبيض. فتصدى لتلك الموجات العارمة علماء ثقات نذروا أنفسهم لإنقاذ الأمة بتنقيح تلك الأخبار و تمييز الغث من الثمين و إتباع الصحيح منها. و عليه، إن صادفك من يُصَهيِن المملكة العربية السعودية بالطعن في ماضيها و الاستناد الى أخبار تفيد بأن نشأتها كانت يهودية، تذكر أن تلك الأخبار و المصادر القديمة ليست آيات قرآنية لا ريب فيها، بل يمكن لتلك الأخبار أن تكون محض حكايات و أكاذيب نشرها أجداد رواد حاضرنا الكاذب. لذا، إتَّبع من شئت و لكن إياك أن تتبع مدلس كاذب، فهذا يخالف نهج أهل السنة و الجماعة.
و لا يخفى على عاقل بأن الشقيقة تركيا المتصوفة تتمنى أن تبقى هي واجهة العالم الإسلامي المتحضر (و لها ذلك)، و لذا تأرقها فكرة عالمية المملكة العربية السعودية السلفية. و للأسف الشديد، المنافسة السعودية تقلق مضجع العثمانيين الجدد و طموحاتهم التوسعية و القيادية، كما أن المنافسة السعودية تقلق مضجع الغرب الصليبي المرتبك و الذي يعمل جاهداً و في غفلة من بني جلدتنا على أن لا تصل العقيدة الاسلامية السلفية الصوفية النقية و العقلانية و الجذابة و المتسامحة بشكلها الجديد و السهل و السمح الى العالمية على بساط الإصلاحات السعودية. تلك العقيدة المُوحِّدة و التي من شأنها أن تجمع الناس مجدداً باختلاف أعراقهم على دين واحد خال من الأحقاد و النعرات، و أخص هنا الأمة الغربية الصليبية و التي ترعرعت على حسن الإستماع و الإستقلالية في الرأي و الفكر و تقبل كل ما هو منطقي و علمي و سهل.
يبقى أن يتذكر الجميع أن الكعكة كبيرة و تكفي الجميع و أن المنافسة مطلوبة دون أن يطمع الأكبر في حصة الأصغر و دون الإضرار بقيمنا و هويتنا و أُسرنا المتماسكة، فالآخرين يروننا أجمل بتراثنا و قيمنا و هويتنا الأصيلة. فلنتنافس بهدف توريث الرخاء لأجيالنا القادمة و جيراننا و البشرية جمعاء بالإستثمار في الشراكات الاستراتيجية و القائمة على المصداقية.
و المضحك المبكي أن رغم كل الاصلاحات الإقتصادية و الإجتماعية السعودية و إنجازاتها المبهرة، تضل سهام محور المقاومة بقيادة الإعلام الغربي متجهة الى الأمير الشاب محمد بن سلمان، حفظه الله. و ما زال الغرب الصليبي يدق على الطبول بينما يطوف بنوا جلدتنا من حوله بالمُكاء و التصدية و هم مستمرون بشيطنة المملكة العربية السعودية و إستهدافها. فإياك أن تصفق و تخوض مع الخائضين!
أما آن للأسمر السني أن يترك المنهج الإنتحاري و المُدمِّر و يتبع حَسَن بن علي (سيد أهل السنة و الجماعة، رضي الله عنهما) و منهجه الجامع و المُعمِّر، أما آن للأسمر الشيعي أن يترك المنهج الصفوي المدمر و يتبع منهج آل البيت الكرام المُعمِّر، و أما آن للأشقر الصليبي أن يهدأ و يعتذر من نفسه و يكف عن التنمر؟
يا مغيث!
في مغالطة جينية، تكلم الكاتب السعودي مشاري الذايدي (و هو محسوب على التيار الليبرالي) على قناة الإخبارية السعودية منتقداً جماعات الصحوة الإسلامية و دورهم في إختراق الثقافة السعودية على مر العقود و تغييرهم لمفرداتها من “شكرا” الى “جزاك الله خير” و من “ألو” الى “السلام عليكم“!!!
و ذكرت القناة أيضا أن جماعة أهل الحديث و شيخها ناصر الدين الألباني -رحمه الله- نشأت منها جماعات سلفية أخرى متطرفة و أبرزها الجماعة السلفية المحتسبة و التي بدأت كجماعة دعوية و سرعان ما تقمصت دور الدولة من خلال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و إنتهت بإحتلالها للمسجد الحرام على يد جهيمان و أتباعه
و من جانب آخر، أدانت طائفة غير ليبراليه و مخالفة لجماعات الصحوة الاسلامية طرح الاستاذ مشاري بشكل خاص و السياسة الإعلامية لقناة الإخبارية بشكل عام، و إتهموهم بالسذاجة السياسية و الإعلاء من شأن تلك الجماعات الإسلامية من حيث لا يعلمون. و دافعت هذه الطائفه عن الشيخ الألباني -رحمه الله- و بَرَّأته من تهم التطرف و أكدوا أن من المضحك و المبكي أن مسيرة الشيخ -رحمه الله- إتسمت بمحاربة الأحزاب و تحريم الإنضمام اليها
أقول: مهلا أيها السادة!
شئنا أم أبينا، الجماعات الإسلامية المتطرفة لم تخرج من الملاعب و المراقص، و إنما خرجت من مجالس العلماء الأجلاء كأمثال الشيخ الالباني، رحمه الله رحمة واسعة. هذه الحقيقة لا تقدح في مكانة الشيخ كما أن ظهور الخوارج لا يقدح في سلامة موقف الصحابي الجليل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. فلا تزر وازرة وزر أخرى، و إنما هي ظاهرة سياسية بحتة لابد من دراستها و مناقشتها بجدية و شفافية من أجل التعامل معها و إيجاد الحلول لها، بعيداً عن العاطفة و القدسية
أما الليبراليين، فشئنا أم أبينا سيأخذون قسطهم من الحرية بعد عقود من الكبت و الضعف عاشوها في زمن سيطرة جماعات الصحوة الإسلامية على الساحة العربية، و سيستغل غُلاة الليبرالية كل الفرص لطرح أفكارهم المتطرفة و مغالطاتهم الجينية. و لابد أن نتصدى فكريا لكل أشكال التطرف و الغلو، سواءً كان ليبرالياً أو محافظاً أو شيوعي أو قومي أو ديمقراطي (رواد الجندرة). فلا جدوى من إستبدال تطرف بآخر و لا خير في سياسي أو مُصلح متطرف و مراهق و متهور، و على الشعوب أن تلفظ مثل هذه الغُلاة و تنأى بنفسها عنهم
في النهاية، لابد أن يعلم الجميع أن الشعوب العربية لم تعد صغيرة و مراهقة و لابد من مصارحتها، و إن لم نصارحها بالحقيقة فسيصارحها غيرنا بالشبهات و الشائعات و المغالطات. بات العالم قرية صغيرة و بيئتها فاسدة و عدائية. و الحقيقة أن الشعوب تعبت من لعبة الشيطنة و تعبت و هي تشاهد كل طرف يشيطن الآخر. الشيطنة تعزل الشعوب و الجماعات و تجعلها تتقوقع على نفسها دون أن تتغير، ليبقى كل طرف على حاله أو يزداد تطرفاً و عزلة، و تصطادها الذئاب الغريبة كالأغنام القاصية
الشيطنة ضرب من ضروب التطرف و التنجيم بالحكم على نوايا و بواطن الآخرين، و هي تُفقِد المتعاملين بها المصداقيه و ثقة الشعوب. و يلجأ الى الشيطنة كل مخالف للكتاب و السنة، و كل معاند عاجز مكابر و فاقد للبرهان و الأدلة المادية الظاهرية. كما أن على الشعوب أن تنضج و ترتقي الى مستوى التعامل مع الحقيقة الظاهره بعقلانية و الأخذ بمبدء “خير الخيرين و أقل الشرين” كما أرشد إليه سلفنا الصالح
لابد أن نُقِر بأن الأطراف التي لا ترفع السيف فيها من الخير و الشر. و لابد أن نقدر خيرهم و ننتقد شرهم، دون المساس بحقهم في التعبير عن آرائهم بحرية و إن بلغت أفكارهم المتطرفة عنان السماء. هكذا يمكن أن نكسب ثقة الشعوب و نحصنها من الذئاب الغريبه. بالمصداقية يمكننا أن نكسب ثقة الشارع العربي و الاسلامي و نحصن أنفسنا من الحملات الاعلامية الغربية المغرضة، بما فيها تلك التي تُبَث بلغتنا و على لسان بني جلدتنا
أنا لا أختلف مع المعارضة و المعارضين في الخارج و إنما أصطدم معهم لأنني لا أحترمهم. إصطدامي بهم لا لأفكارهم أو معتقداتهم أو غُلُوُّهم أو لأنهم شياطين و مخطؤون في كل شيء، و إنما أصطدم معهم لسببين. الأول أنهم مدلسون و عاجزون أن يكونوا صادقين بحق مخالفيهم كما فعل أبو سفيان -رضي الله عنه- مع هرقل، و الثاني أنهم مُخترقون و أدوات تستعملها أعدائنا الحقيقين في الغرب و “الشرق” لزعزعة أمننا و إستقرارنا و لإشغالنا ببعضنا، لكي لا نتطور و لا ننموا و لا نكون لهما نِدَّاً إقتصاديا و علمياً و عسكرياً. إن عذرنا من سبقوكم لشدة الغمة و مراهقتهم السياسية، فلا عذر لكم و لا حباً و لا كرامة
يا مغيث!
ما الفرق بين:
١- حدودكِ يا إسرائيل من الفرات الى النيل
٢- حدودكِ يا تركيا من الفرات الى ليبيا
٣- حدودكِ يا إيران من الفرات عبر صنعاء و موريتانيا الى لبنان
لا للهدم و الإحتلال. نعم للإستقرار و التنمية و الإستثمار و التحالفات الإقتصادية. تخيلوا هكذا علاقات بين إيران و تركيا و الدول العربية. لكن، ما يمنع مثل هذه التحالفات هي الأطماع المتجذرة من الإرث التاريخي و النظرة الإيرانية و التركية الدونية و الظالمه إتجاه الدول العربية، و ليتها كانت نظرة حقيقيه!
لماذا لا نتعلم من التجربة الغربية؟
الديمقراطية لم تسعفهم و كادوا أن ينهون تفوقهم بأنفسهم في مطلع القرن العشرين بالحروب العالمية التي كادت أن تقضي عليهم. ثم تحالفوا إقتصاديا و إتفقوا على عدم التدخل في شئون بعضهم البعض و عدم التآمر على بعضهم البعض. تلك الإتفاقيات و الشراكات و التحالفات الإقتصادية الذكيه، و ليست أنظمتهم الديمقراطية، هي ما أمدت بعمرهم و جعلتهم كيانات لا يُستهان بها. فالصين ليست ديمقراطية و لكن تملك كيان ينافس الكيان الأعظم في الغرب و هو الكيان الأمريكي.
أين نحن من هكذا كيانات و تحالفات و شراكات ذكية؟
يا مغيث!
قانون جديد في ولاية كاليفورنيا الأمريكيه يمنع الشرطة من إلقاء القبض على من يأخذ (يسرق) بضاعة ثمنها أقل من ٩٠٠ دولار. كان الحد القانوني سابقا ٤٥٠ دولار. يبدوا أن محلات كثيرة تغلق أبوابها بسبب هذا القانون. للتغلب على هذه المحنة، إضطر صاحب محل ٧/١١ أن يسعر جميع بضاعاته ١٠٠٠ دولار و التخفيض عند الدفع
في عام الرمادة، أوقف الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- العمل بحكم حد السرقة (قطع اليد) بسبب مجاعة ألمَّت بالامة، حين إضطر البعض أن يسرق من أجل إطعام نفسه و أهله خشية الهلاك
إلا أن من نراهم في المقطع مجرد لصوص يقومون بالسرقة من أجل الفائدة أو مدمنون يسعون لتأمين جرعتهم من المخدرات أو الحكول و ليس النجاة من الهلاك. المحتاج لا يسرق و إنما يأخذ قدر حاجته، لا كمن نراهم في المقطع
سترك يا الله
بعد ٧٠ سنة من الخسائر، خرج في العرب و المسلمين من يطالب بتغيير خطة نصرة القضية الفلسطينية و المطالبة بحقوقهم المشروعة. فلبس الشيخ محمد العوضي عباءة الوعظ و دعى الى المصارحة و الإجهار بالحق و الى سراطه المستقيم. فنادى العوضي بأعلى صوته يعلن إختلافه معهم (و هذا من حقه)، إلا أنه شيطن مخالفيه و اعتبرهم صهاينة العرب، طاهر يتدنس، الممسوخين، العبيد، المفرطين بالعرض و العاملين بالدياثة التغريدية و التثقيفية، العملاء الثقافيين، المبتذلون، أبو جهل و مسيلمة و سجاح عصرهم، بوق و حذاء، الصفَّاقة، المتخاذلين، زوار السفارات و الأكلة من كل الموائد، المتواطئون، الصعاليك الجدد، المزورون، ذباب و بعوض إلكتروني!
فشعرت بالغثيان و سألت نفسي متحسرا: ماذا سيفعل مثله اذا تسلط على رقاب مخالفيه (المفسدون في الأرض)؟ فكتبت التالي منذ ٣ سنوات مع شيء من التحديث:
دكتور!
أنت مصيب و قد تكون مخطئاً، و أنا مخطئ و قد أكون مصيباً. لذا، إسمعني و كف عن أذيتي و إتهامي زوراً لاختلافي معك، و لا تخاطبني بثقة مبالغة و كأنك المعصوم أو من يعمل بمبدء “خلقتني من نار و خلقته من طين”! أين أنت من مبدء “قُلۡ مَن یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّاۤ أَوۡ إِیَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ (24) قُل لَّا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّاۤ أَجۡرَمۡنَا وَلَا نُسۡـَٔلُ عَمَّا تَعۡمَلُونَ (25) قُلۡ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ یَفۡتَحُ بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَهُوَ ٱلۡفَتَّاحُ ٱلۡعَلِیمُ (26)” سورة سبأ؟
إن كانت القضية الفلسطينية دينية و مقدسة فلن تكون أكثر دينية و قدسية من مكة المكرمة، و لم نسمعكم تدينون الهجمات الحوثية (أعزكم الله) على المكة المكرمة.
أنت تعلم بأن الرسول -صلى الله عليه و سلم- ترك مكة للكفار رغم قدسيتها و هاجر لضعف المسلمين يومه. فلماذا تنكر على المسلمين اليوم تركهم فلسطين للصهاينه بسبب الضعف العسكري، علما بأنهم لم يتركوها اقتصاديا و معنويا؟ لماذا تتغافلون عن قصة عبدالمطلب و مقولته المعروفة “للبيت رب يحميه”؟ أعجزتم أن تتبعوا الرسول -صلى الله عليه و سلم- أو أن تكونوا حكماء كعبدالمطلب؟ ماذا تعلمتم من قصة عبدالمطلب؟ أم هي قصص تحكونها للناس من باب الأُنس و إظهار العلم؟ أم أنكم تعملون بمبدء “أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمۡ لِیُحَاۤجُّوكُم بِهِۦ عِندَ رَبِّكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (76)” سورة البقرة؟
أنت تعلم بأن المسلمين أكثر ضعفا اليوم من المسلمين في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم. فلم تحملنا ما لا نطيق؟ أنت تعلم أن الرسول -صلى ألله عليه و سلم- عقد صلحاً مع كفار مكه في الحديبية رغم أنه كان رئيس دولة قوية. إلا أنه -عليه الصلاة و السلام- قدَّم الصلح و الدبلوماسية و أخَّر الحرب. فلم تنكر على الحكام اليوم الدبلوماسية و نحن ورثنا الضعف الشديد و الهوان من بعد إخواننا العثمانيين؟ لماذا تستنكر الدبلوماسية على الحكام و الأصل في الكتاب و السنة هو الصلح؟ وا محمداه!
لماذا تحترم الدبلوماسية التركية و تنكر الدبلوماسية العربية و الخليجية؟ اليست الدبلوماسية ما جعلت تركيا تُطَبِّع مع إسرائيل؟ اليست الدبلوماسية ما جعلت أردوغان يقوم بزيارة إسرائيل ليستقبله شارون و يضع الأكاليل على قبر هرتزل، مؤسس الصهيونية العالمية و الأب الروحي للكيان الصهيوني؟ اليست الدبلوماسية ما جعلت أردوغان يسبق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسنتين و يفتتح قنصلية تركية في القدس سنة ٢٠١٦، أي قبل أن يفتتح ترامب سفارته في القدس سنة ٢٠١٨؟ اليست الدبلوماسية ما جعلت أردوغان يتبنى نظرية شرق الأوسط الجديد و الفوضى الخلاقة و التي تعارضها أنت؟ وا محمداه!
من المؤسف أن تشيطن و تُسفه من يخالفك و تطعن في إخلاصهم و نواياهم. أشققت عن قلوبهم و الرسول -صلى الله عليه و سلم- أمرنا أن نحكم بظاهر الناس؟ لماذا تطعن في من يخالفك الرأي و تخونهم؟ لماذا ترهبون كل مسلم ذي فكر حر و مخالف؟ أتريدونها محاكم للتفتيش تشقون فيها عن قلوب العباد؟ أين أنت من قول المصطفى -صلى الله عليه و سلم “عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى” (متفق عليه). و حسابهم على الله يا شيخ، فكف عن شيطنة مخالفيك و الحكم بما في قلوبهم. هل شيطن الرسول -صلى الله عليه و سلم- المؤمنين عندما اعترضوا على صلح الحديبية؟ هل شيطن ابوبكر الصديق عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- عندما اعترض الاخير على حرب أهل الردة؟ وا محمداه!
إيران تاجرت بالقضية الفلسطينية و الان الدور على تركيا. الم تعلم بأن ضعاف الأسد (إيران و تركيا) أكثرها زئيرا و أصرمها (المملكة العربية السعودية) اللواتي لا تزير؟ إحمد ربك أنك لم تعايش الرسول -صلى الله عليه و سلم- و وقائع صلح الحديبية. واضح أنك كنت ستطعن في الصلح و من وافق على الصلح.
من يخالفك الرأي ليس ذبابا و حشرات و بعوض. أنا كنتُ و ما زلتُ من الذين يستمعون اليك و يتعلمون منك الدين. لأن الله طالبنا أن نسمع و نتبع الأحسن. و لكنني أختلف معك اليوم و أنكر عليك ما تقول و هذا حقي الشرعي كمسلم حر و الإختلاف معك لا يجعلني صهيونيا أو ممسوخ أو عميل أو ذبابا أو حشرة أو بعوضاً. نعم، إن أردت أن تقارن قوتنا العسكرية و الإقتصاديه بقوة أمريكا فلك أن تشبهنا بالذباب و هم العملاقة. يبدوا لي أنك توافق أسامة بن لادن الذي إعتقد بأنه و جماعته من طردوا الروس بالكلاشينات! ليتك تكون أنت و تكف عن إتباع الشارع و الفرق.
للبيت رب يحميه، فاصبر و قل خيرا أو أصمت، فالمسألة سياسية و ليست دينية. ليتك تركز في العلوم الدينية و تترك السياسية لمن يتبعون حكمة عبدالمطلب و سيرة خير خلق الله، عليه و على آله أفضل الصلاة و أتم التسليم.
رحم الله المصداقيه!
يا مغيث!
يا مغيث!
إسمحوا لي أن أبدا رحلتي مع الاستاذ فايق الشيخ علي و الصندوق الأسود من الحلقة ٤٦ و الأخيرة.
الانتحار هو الخيار الاسهل و خيار من يخشى مواجهة العواقب. لذا، رحل صدام حسين -رحمه الله- و لم ينتحر و بقى بعد ٢٠٠٣ ليقود جمع كبير من العراقيين و يمثل غالبية العرب و المسلمين. لم يترك أنصاره و لم يخذلهم، لذا لم ينتحر و لم يهرب. رحل صدام واقفا و هو يدرك أن عدوه الوهمي عراقي و إيراني، في حين عدوه الحقيقي غربي. رحل مبتسما، فازداد شعبية في العالم و أصبح رمزا للعراق و العروبه و كابوساً للغرب.
تعلمت الكثير من هذه الرواية العراقية الحزينه، و أنا أحترم و أجل أساتذتي و الاستاذ فايق و عمار أصبحا منهم. أشكرهما على هذه الحلقات الرائعه و المهمة، و أسال الله لهما و للقائمين على البرنامج و أهلنا في العراق و لي و لكم جميعا الهداية و خير الدنيا و الآخرة.
أحببنا العراق بسبب الاستاذ فايق كما أحببنا العراق من قبل بسبب صدام حسين رحمه الله. بكى الاستاذ فايق على العراق و أبكانا معه كما بكى من قبله صدام حسين-رحمه الله- على العراق و أبكانا أيضا معه. حيَّرنا الأستاذ فايق بذكائه و تهوره كما حيرنا صدام حسين -رحمه الله- من قبل بذكائه و تهوره. و لعله لو حكم العراق مثلما فعل صدام حسين رحمه الله لسجن الاستاذ فايق مخالفيه و أذاقهم سوء العذاب من أجل العراق، مثلما يشوي مخالفيه الآن و يذيقهم سوء العذاب بلظى كلماته الناقدة من أجل العراق.
صدام و فايق وجهان لعملة واحدة و إن إختلفا و تقاتلى، و لعل الآية ٤٧ من سورة الحجر تصف حالهما و نزلت في أمثالهم:
(وَ نَزَعۡنَا مَا فِی صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَ ٰنًا عَلَىٰ سُرُرࣲ مُّتَقَـٰبِلِینَ)
خطاب الاستاذ فايق عقلاني و حكيم في حين أن قراراته كمعارض تتسم أحيانا بالتشدد و التطرف. نجح الأستاذ فايق من خلال برنامج الصندوق الأسود أن يكسب قلوب المشاهدين و إحترامهم و نجح في تبرير مواقفه، إلا أنه عجز عن تبرير موقفين من مواقفه السياسية.
فلم ينجح الاستاذ فايق كثائر و وطني مخلص أن يبرر تهربه من حرب الخليج الأولى بحجة عبثيتها التي كلفت العراق الكثير، رغم أن قرار صدام لمحاربة إيران لم يكن أكثر عبثية و كلفة من قرار فايق بدعم الإحتلال الأمريكي لبلاده بحجة إسقاط نظام صدام و الذي مهد الطريق لسيطرة إيران على العراق و تمكين المليشيات الموالية لايران من مراكز صناعة القرار في العراق. الأستاذ فايق تأخذه العزة بالإثم، فيرفض أن يعترف بقراراته الخاطئه التي أجهزت على الهوية العراقية و إستقلالية العراق.
الاستاذ الفاضل فايق الشيخ علي و غيره ليسوا سوى أعداء صدام الوهميين و سيضلون إخوة لصدام حسين و إن أنكروا و إختلفوا معه، و لكل مجتهد نصيب.
تحية طيبة للاستاذ فايق و للاستاذ عمار و أهنئهم لنجاح البرنامج بجدارة و أترككم الآن مع ملاحظات لي على بعض الحلقات و إعذروا صراحتي الفائقيه. صوچك أستاذ فايق!
الحلقة ١٧
إنها حلقة صعبه و بحاجه الى التأمل، فقد تبين من خلال الطرح الحزين للأستاذ فايق أن “السواد الاعظم!” من العراقيين كانوا يتوقعون أن يجاهد الخليجيين بأنفسهم قبل أموالهم مع العراق دفاعا عن شرعيتهم المهددة من قبل الزحف الإيراني خلال حرب الخليج الأولى، كما فعلنا في اليمن مؤخراً. الأستاذ فايق يبين أن “غالبية!” العراقيين كانوا يعتبرون دعم الدول الخليجية موجه لشخص صدام و نظامه و ليس للعراق أو الشعب العراقي، و أن الأنظمة الخليجيه إستغلت و زجت بالدماء و بالموارد العراقيه في وجه ملالي إيران الطامعين بالخليج من أجل الحفاظ على أمن أنظمتهم. الأستاذ فايق يعتبر هذا الدعم تطبيل لنظام صدام الديكتاتوري و جرم في حق الشعب العراقي المغلوب على أمره. الأستاذ فايق يرى أن هذا الدعم أمد من عمر الحرب التي أدت الى إزهاق المزيد من الأرواح البريئه و تبديد الموارد العراقية، بينما كان الخليجيون ينعمون في بلدانهم بالأمان و التنمية.
عموما، أعتقد أن الأستاذ فايق يصف حال “معظم الشيعة” و ليس معظم العراقيين، و أتساءل:
١- لماذا لا يرى الاستاذ فايق الخطر الايراني على إستقرار العراق سببا كافياً لمشروعية محاربة إيران و التضحية في سبيل ذلك؟
٢- لماذا يعتبر صدام قد أهدر الأرواح و الأموال بمحاربته لايران و قد سمعت الاستاذ فايق مؤخراً يصرح من خلال برنامج آخر بأنه إذا إستلم زمام الحكم في العراق فسيستخدم الجيش العراقي لضرب المليشيات الموالية لايران الى أن ينتهوا أو يهربوا الى ايران؟ ماذا عن الضحايا التي ستقع و الموارد التي ستتبدد جراء تنفيذ هكذا عمليات ضد المليشيات؟
٣- ألم يتهم الاستاذ فايق صدام حسين -رحمه الله- طيلة الحلقات بالغباء السياسي و خيانة العراق لمحاربته إيران و إراقته لدماء رجال العراق و ترميله للنساء العراقيات؟ أبعد كل هذا يأتي و يناقض نفسه و ينادي للقتال و قد كان من قبل ينكر ذلك على صدام؟ أحلال عليه تعريض الدماء و الموارد العراقية للخطر و حرام على صدام؟!
٤- ألا يمكننا أن نستنتج بأن الاستاذ فايق لن يتردد في إستخدام الجيش و إعلان الحرب ضد إيران اذا لزم الامر و من أجل إستقلال العراق؟ لماذا اذاً ينتقد صدام لمحاربته إيران؟
٥- ألا يحق للبعثيين و أنصار صدام حسين -رحمه الله- أن يتهموا الاستاذ فايق بالجبن و إفتعاله المصوغات و المبررات لتهربه من القتال بجانب إخوانه على جبهات القتال؟
على العموم، لم تأيد دول الخليج صدام حسين -رحمه الله- في قراره غزو إيران، بل سعت للصلح و بقت على الحياد تتابع المجريات بقلق و لم تتدخل في الحرب. الى أن مضت سنتين من الحرب و إستطاعت القوات الإيرانية أن تحرر أراضيها و أصبحت تنادي بالحرب لإسقاط صدام و نظامه. حينها، تدخلت دول الخليج و وقفت مع العراق و أيدته بالمال و العتاد حرصاً على سيادته، بينما هي مستمرة محلياً و دولياً في سعيها للإصلاح و إنهاء الحرب
الحلقة ١٨
الاستاذ فايق يرى أن كان الأجدر بالدول الخليجية أن تترك صدام يحارب إيران منفردا، لإجباره على إنهاء الحرب مبكرا. و في سبيل ذلك، واضح أن الأستاذ فايق على إستعداد للمخاطرة بانتصار إيران بالحرب على العراق من أجل التخلص من صدام -رحمه الله- و نظامه البعثي.
أتساءل:
١- ألا يعد هذا إنتحاراً سياسيا؟
٢- أليس هذا هو التطرف و الغلو في المعارضة و المراهقة و الأنانية السياسية بعينها و التي تبرر خذلان الوطن بالهروب من الحرب، و خذلان العراق بتعريضه للهزيمة في حربها مع إيران، و خذلان العائلة بتعريضها للهلاك في العراق بينما يهنأُ هو و أسرته بالأمان في الخارج، و خذلان العراق بتعريضه للإحتلال الأمريكي و خذلان السيادة العراقية بدعم حلول سياسية مَكَّنت الإيرانيين من سيادة العراق. كل هذا في سبيل الإطاحة بصدام؟!!!
علاج من يعاني من القمل هو أن يتم التخلص من القمل بالأدوية، لا أن يضرم النار برأسه أو أن يُقطع رأسه. يا مغيث!!!
شخصيا، لا أستطيع أن الوم صدام لدخوله الحرب ضد نظام في إيران كان يعمل علناً للإطاحة به و إقامة نظام يوالي الولي الفقيه في إيران، و في سبيل ذلك يقوم بادارة عمليات تخريبية داخل العراق، في حين لم نسمع أن صدام قام باعمال تخريبيه داخل إيران قبل إندلاع حرب الخليج الأولى.
و لكني أعتقد كان الأفضل لصدام، إن أمكن، أن لا يدخل الحرب مع الملالي في إيران و يكتفي بقمع العراقيين الموالين للنظام الإيراني و محاربتهم كما فعل سابقا مع الشيوعيين الموالين للإتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى دعم المعارضة الإيرانية في داخل إيران (و هم كثر يومئذ) و تجنيب العراق ويلات الحرب. و صدام كان ضليعا في مثل هكذا حروب إستخباراتيه و التي كان من شأنها حقن الدماء و الحفاظ على موارد العراق خاصة و دول الخليج عامة، و كان الأفضل أن يتفرغ صدام لقيادة مسيرة التنمية في المنطقة. يجب أن نبحث و نرى لماذا آثر صدام حسين -رحمه الله- الحرب مع إيران على قمع المعارضة العراقية الموالية لإيران، و هو خبير في قمع المعارضين؟
طبعا، ما زلت أرى تناقضاً في موقف الاستاذ فايق، الذي صرح مؤخرا إنه إذا تسلم زمام الحكم في العراق فسيحارب المليشيات بقسوة و ذلك بالاستعانه بالجيش العراقي. فهكذا مواجهات ستتسبب في إراقة دماء عراقية و ترميل النساء العراقيات كما حدث أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
(لا تنه عن خلق و تأتي بمثله، عار عليك إذا فعلت عظيم) أبو الأسود الدؤلي
يتضح أن دعايات أذناب إيران داخل العراق كانت تبث الريبة بين العراقيين و تشككهم في جدوى الحرب و يبدوا لي أن الاستاذ فايق كان أحد ضحايا تلك الدعايات أو من الذين إستحسنوا تلك الرويات لكي يبرر هروبه عن حرب الخليج الأولى.
الحلقة ١٩
العنف الذي مارسه صدام مع المعارضة، بما فيهم حزب الدعوة الموالي للنظام الإيراني و المؤمن بنظرية ولاية الفقيه الإيرانية الخمينيه، كان يمارسه الخميني مع المعارضة الإيرانية في إيران. و لعل لو تمكن آل الحكيم و أنصار حزب الدعوة من الحكم آن ذاك لمارسوا العنف مع معارضيهم في العراق (و هم كثر) إقتداءً بزعيمهم الروحي في إيران. و الدليل أن منذ ٢٠٠٣، العنف و القتل و الاغتيالات الطائفية جارية على يد أنصار الحكيم و حزب الدعوة و المتوغلين في المليشيات الموالية لإيران، و لعلها أشد بكثير من عهد صدام. مع الاسف، في منطقتنا، إن لم تضرب مخالفيك بالحديد و النار فسيقتلعونك. أما شعارات المعارضة التحررية فهي مؤقتة، في حين أفعالهم القمعية هي الدائمة.
و من المؤسف جدا، وقوع بعض الضحايا من عائلات الناشطين و خاصة الصغار على يد النظام البعثي في العراق. و لكن، هذا يحدث أيضا في إيران منذ تولي الخميني زمام الأمور في سنة ١٩٧٩ و يحدث الآن في العراق منذ التحرير في سنة ٢٠٠٣ و بشكل أبشع. أعني، لو تمكن أهالي تلك الضحايا من زمام الأمور لربما إرتكبوا جرائم في حق عائلات معارضيهم كما تفعل إيران (قدوتهم) مع أهالي مخالفيها في إيران.
ثم إن المعارضة في منطقتنا غالباً تعمل على قلب النظام الحاكم بدعم من قوى أجنبية. هذا المبدء الذي يرتضيه لنا الأجنبي مرفوض في كل الدول الديمقراطية في الغرب. ففي الغرب، التدخل الاجنبي في شؤونهم الداخلية مرفوض جملة و تفصيلاً، و إتهام روسيا مؤخرا بالتدخل في إنتخابات الرئاسة الأمريكية و التحقق رسميا من ذلك مادة معروفة لكل المراقبين للأوضاع في أمريكا و التي كادت أن تعزل الرئيس المنتخب دونالد ترامب من الحكم. فلم نرضى نحن لأنفسنا ما لا يرتضونه هم لأنفسهم؟
و الأستاذ فايق صرح في هذا البرنامج و في غيره أنه سيقوم بإعدام كل طائفي و مليشياتي و كل موالِ لجهات أجنبية. هو مقتنع أن هكذا إعدامات مبررة و غيره يعتقد غير ذلك و هكذا. إنها إذاً مسألة قناعات، و لا أعتقد أن صدام أو الخميني أو غيرهم كانوا سيمسون شعرة في رأس أحدٍ أو أهله بسوء إذا عاشو حياتهم و لم يعملوا على قلب أنظمتهم.
و لا أنسى انني سمعت الاستاذ فايق مؤخرا يقول في إحدى اللقاءات أن الحل الان هو الحوار و الاقناع و ليس الانقلابات. و أكاد أجزم أن صدام و غيره كانوا سيرحبون بهذا الحل. فلماذا لم يحاوروا صدام حسين -رحمه الله- بدلاً من خلعه؟ و لماذا شيطن الأستاذ فايق كل صوت معارض في الخارج نصح بالحوار مع نظام صدام حسين رحمه الله؟
مع الأسف، إنه الكيل بمكيالين!
الحلقة ٢١
مؤسف ما يتعرض له الأطفال و النساء العُزَّل أثناء الصراعات، سواءً تم إستخدام الكيماويات أو البراميل الحارقة (كما يفعل النظام في سوريا و حليفته الإيرانية). و لكن تبين لنا في هذه الحلقة و التي قبلها أن العائلات الكرديه كانت تشارك في الحرب ضد النظام العراقي بمساندة و إيواء المقاتلين الأكراد و بالسماح بالانشطة الإيرانية المعادية للنظام العراقي على الأراضي العراقية (الكرديه و الشيعية). و عليه، تتحمل المعارضة الكرديه و الشيعية جزء من المسؤولية، إن لم يكن الجزء الأكبر من المسؤولية، لإقحامها العائلات في الصراعات و تعريضها الجماهير الكرديه و الشيعية الداعمة للمعارضة للخطر.
لذا، أتفهم فكرة ضرب النظام العراقي الأكراد و غيرهم و لكن أتسال:
١- الم يملك النظام العراقي خيرات أخرى للدفاع عن حقوقه الشرعية في الحفاظ على النظام غير القتل الجماعي و بإستخدام الأسلحة الكيماويه؟
٢- ألم تكن هناك وسائل أخرى للقمع تحفظ بها أرواح الأطفال و النساء و كل من هو غير نظامي؟
٣- و إذا إفترضنا أن النظام قام بالقتل الجماعي مُجبراً و مُكرهاً، ما هي تلك الأسباب و المبررات التي إستند عليها النظام في قتل المعارضين النظاميين و غير النظاميين سوياً؟
٤- و فيما يخص السلاح الكيماوي، هل إعترف صدام باستعمال الكيماوي في حلبچه و غيرها أثناء محاكمته؟
من الضروري الإجابة على هذه الأسئلة و الإجابة على السؤال الأخير أمانة أخلاقية. فصدام لم يُعرف بالخوف أثناء محاكمته و غلبت عليه الصدق و الجرأة و الشجاعة. فهل إعترف بالهجوم الكيماوي في حلبچه و غيرها من المناطق؟
رحم الله ضحايا الأنفال و حلبچه و غيرها.
الحلقة ٢٤
عرفنا من خلال الحلقات أن النظام قتل بوحشية قرابة ربع مليون عراقي أثناء إخماد إنتفاضة الجنوب. و لكن و للتاريخ، لم نعرف تعامل الثوار مع أنصار النظام أثناء إنتفاضة الجنوب. في النهايه و كما فهمت من خلال متابعتي للحلقات، كان لحزب البعث و لصدام أنصار كثر من المدنيين في الجنوب. لذا، أتساءل:
١- هل تعامل الثوار بالوحشية مع أنصار صدام و العسكريين أثناء إنتفاضة الجنوب؟
٢- هل ضربوهم أو داسوهم بالاحذية بوحشية؟
٣- هل مارسوا معهم العنف و الوحشية؟
٤- هل قتلوهم و أعدموهم بوحشية؟
لذا، أعتبر هذه الحلقة غير موفقه و أُحمل الأستاذ عمار (مدير اللقاء) المسؤولية و الذي غابت عليه كل هذه الأسئلة المهمة، و جل من لا يسهوا.
الحلقه ٢٦
يتساءل الاستاذ فايق معاتباً: لماذا لم تقف الدول العربية مع إنتفاضة الجنوب؟
الدول العربية هي أفضل من تستطيع أن ترد على هذا السؤال الجميل، و لكني و من خلال ما تعلمته من هذا البرنامج و مشاهداتي لأحداث ما بعد ٢٠٠٣، سأحاول أن أجيب على هذا السؤال بصوت عالٍ و أنا لا أكذب على نفسي أبداً:
السؤال صعب و لكن الغريب أن الإجابة تبدوا بسيطة و أعجب أنها تخفى على الاستاذ فايق. لذا، أنا الان بصدد تحليل شخصية الاستاذ فايق لأكتشف الأسباب التي تمنعه من رؤية ما أراه؟
أكد الاستاذ فايق أن عناصر من فيلق بدر دخلت العراق من إيران أثناء حرب الخليج الثانية (أي قبل إندلاع إنتفاضةالجنوب)، و هذه العناصر لم تأت تحمل السلام و إنما أتت بأجندات إيرانية بحته. و قال الاستاذ فايق أيضا بأن هناك عناصر من الأمن و جمعٌ من الشعب العراقي من كان يقف في صف صدام و حكومة البعث، و أن هؤلاء كانوا يرسلون المعلومات و يكشفون للنظام عن الدخلاء من عناصر فيلق بدر الإيرانية و معلومات أخرى عن إنتفاضة الجنوب. و عليه، كانت تتوفر لدى السلطة في بغداد أنباء عن توغل عناصر عراقية من إيران تم تدريبها على القتال و إدارة الثورات. و أغلب الظن أن تلك العناصر من فيلق بدر هي من قامت باشعال فتيل الانتفاضة في الجنوب. أي أن النظام في بغداد كان يعتبر الانتفاضة إيرانية ١٠٠%، و لعل الدول العربية كانت أيضا مطلعه على هذه التطورات.
تلك العناصر من فيلق بدر سنة ١٩٩١ هي نفسها من شكلت المليشيات الدموية بعد ٢٠٠٣ و هي من أزهقت أرواح العراقيين بدم بارد و كتمت أنفاسهم و دمرت العراق من أجل إيران و أهدت العراق الى إيران على طبق من ذهب، دون أن تعبأ و تلتفت الى صرخات الشعب العراقي المظلوم و المغلوب على أمره و هو ينظر و يشاهد بحسرة الى تلك المليشيات و هي تنهب ثرواتهم و تنتهك قراراتهم من أجل إيران بل و تستبيح دماءهم.
و عليه، يبدوا لي أن الدول العربية لم تخذل العراق بعدم مساندتها لإنتفاضة الجنوب، و إنما خذلت المشروع الإيراني. و يبدوا لي أن الدول العربية كانت في قمة الذكاء و قادرة في سنة ١٩٩١ أن ترى البصمات الايرانية في إنتفاضة الجنوب كما إنها كانت قادرة أن ترى البصمات الإيرانية لاحتلال العراق في ٢٠٠٣. و تتجلى شرف و ثبات مواقف الدول العربية في رفضها دعم إنتفاضة ١٩٩١ في الجنوب و رفضها دعم الثورة سنة ٢٠٠٣ (إن جاز التعبير)، في حين دَعَم الاستاذ فايق الثورتين. ربما كان تعذر على الاستاذ فايق أن يعرف سبب عدم دعم الدول العربية لإنتفاضة الجنوب سنة ١٩٩١، و لكن لم يعد صعبا أن يعرف سبب عدم دعم الدول لتلك الانتفاضة بعد أن أصبح واضحا أن إيران كانت المستفيدة الأولى و الأخيرة من تلك الانتفاضة كما هي الآن المستفيدة الوحيدة من ثورة ٢٠٠٣.
الغلو و التطرف في المعارضة و الأنانية و المراهقة السياسية هي ما حالت بين الأستاذ فايق و بين قرآءة واقعية لأحداث سنة ١٩٩١ و هي ما جعلته يعجز مجدداً عن قرآءة الواقع قبل ٢٠٠٣، و أدت به الى تأييد الاحتلال بكل سذاجة ضنا منه بأن القوى العراقية بهويتها العربية ستسيطر على زمام الأمور في حين أن إيران هي التي سيطرت و بسطت نفوذها و إحتلت العراق و بسطت يدها على قرارات العراق و ثروات العراق و ثقافة العراق و تاريخه و هويته العربية. الأستاذ فايق وضع ثقته في الامريكان سنة ٢٠٠٣ و نسي أو تناسى أن الأمريكان هم من خذلوه سنة ١٩٩١ في إنتفاضة الجنوب.
أمرك مريب يا أستاذ فايق!
أنا إنسان عادي و بسيط و لست سياسياً مثل الاستاذ فايق، و لكني كنت أدرك آن ذاك الخطر الايراني على السيادة العراقية، و لذلك كنت أتوجس خيفة من إنتفاضة الجنوب في ١٩٩١ و ثورة ٢٠٠٣. لذا، أتسال متعجباً، لماذا إستطعت أن أرى الواقع أفضل من الأستاذ فايق رغم أنه أكثر مني خبرة و دراية و يمتلك الشجاعة لمواجهة الواقع البشع؟ إنها الغلو و التطرف في المعارضة و الأنانية و المراهقة السياسية.
السؤال الحقيقي هو: بعد غزو صدام للكويت و ضربه المملكة العربية السعودية بالصواريخ و تهديده لدول الخليج، ألم يكن من مصلحة الدول الخليجية أن تدعم إنتفاضة الجنوب نكاية في صدام و حزب البعث؟ إذاً، لماذا لم تفعل؟
١- اليس في وقوف الدول الخليجية مع صدام بعد كل ما أصابهم منه دليل على بعد رؤيتهم السياسية و ثباتها و قدرتهم على رؤية الواقع أفضل بمرات من الاستاذ فايق؟
٢- ألم تثبت دول الخليج بعدم دعمها الثورة الإيرانية في الجنوب العراقي (إنتفاضة الجنوب) سنة ١٩٩١ بأنهم ليسوا عاطفيين و ليسوا عدائيين و ليسوا بدو لا يفقهون؟
أعجب من الاستاذ فايق و هو صَرحٌ سياسي و تاريخي لمواقفه التي، أحيانا و ليس دائما، تغلب عليها العاطفة و التهور. لذا، أحتاج أن أسمعه أكثر لأحلل شخصيته و منطقه و فكره. إذا كان هذا حال الاستاذ فايق، و هو من أعقل السياسين العراقين المعاصرين و أعتز بمعرفته و متابعته، فما حال البقية من النشطاء و المثقفين و السياسيين العراقيين؟
يا مغيث!
ثم يسأل الاستاذ فايق سؤاله المحزن: لماذا يتعرض العراق بالذات لكل هذه المصائب دون غيره؟
سؤال مؤلم فعلا و يؤلمني كثيراً و أنا لست بعراقي، و إن كان هواي عراقيا و بابلي و سومري. مؤلم ما يتعرض له هذا الشعب العريق. دموعك يا أستاذ فايق أغرقت قلبي دماً و عيوني دمعاً. و لكن، هذا السؤال يسأله أيضا كل إيراني و سوري و لبناني و ليبي و غيرهم الكثير ممن ذاقوا ويلات الثورات. لستم وحدكم من يشعر هكذا في المنطقة، و هذا مؤسف و يضاعف من ألمي. و هذا يستوجب أن تراجعوا أنفسكم و تصلوا الى إجابة مقنعه تقي الاجيال ويلات الحروب المدمرة و الهجرات المهينه و الثورات المخترقة و الانقلابات المتكررة و التحالفات الخاسرة.
الحلقة ٣٣
الأستاذ فايق يذكر هنا بأن الاجتماع التداولي للمعارضة العراقية في لندن سنة ١٩٩٣ حدث تحت مظلة سعودية. و الموقف السعودي هذا يؤكد خلاف ما قاله الأستاذ فايق من خذلان دول الخليج للمعارضة العراقية لعدم دعمها لإنتفاضة الجنوب سنة ١٩٩١. واضح أن السعودية كانت تعلم بأن الانتفاضة جذورها إيرانية فلم تدعمها. هذا دليل على أن قرآءة دول الخليج للحالة السياسية في العراق كانت و لا تزال أدق من قرآءة الأستاذ فايق و إن دول الخليج لم تطبل عبثاً لصدام.
الحلقة ٣٧
يقول الاستاذ فايق أن كثيرين من رجلات العراق ظُلموا. و ربما يأتي يوم و يضيف الاستاذ فايق الرئيس صدام حسين -رحمه الله- لتلك القائمة.
الحلقة ٣٨
إتضح في هذه الحلقة أن صالح الجبر (و هو شيعي) كان المعارض الوحيد في لندن و القادر على جمع السنة و الشيعة و غيرهم من المعارضة تحت مظلته. واضح أنه كان شيعي مستقلاً، و لذا كان يحظى بثقة المعارضة السنية في الخارج. و لعله دفع ثمن إستقلاليته بعد إحتلال العراق في سنة ٢٠٠٣ و بعد أن أهملته أمريكا و قوى المعارضة العراقية و الأحزاب الشيعية الحاكمة أو المسيطرة، و هي طائفية و موالية لإيران.
و لعل عدنان باجه جي و غيره من الذين كانوا يميلون لفكرة “إنقلاب القصر” كانوا أقرب للحق و أكثر حكمة من السذج الذين تطرفوا في معارضتهم لصدام حسين -رحمه الله- الى درجة مساهمتهم و دعمهم لمحتل غريب أراد الفشل للعراق و تمكين إيران من العراق، كما عمل لاحقاً بإفشال دولة ليبيا تحت شعارات الحرية و بالاطاحة بنظام معمر القذافي -رحمه الله- و تمكين المليشيات من ليبيا.
نعم يا أستاذ فايق، حتى المعارضة يمكنها أن تتطرف و تغلو و تكون أنانية و مراهقة سياسياً، حالها حال القاعدة و داعش و جماعة الإخوان المسلمين و الملالي في إيران.
الحلقة ٣٩
لابد أن أتوقف عند محاولة مسؤولين في النظام الحاكم من الإستحواذ على أراض موقوفة للجالية اليهودية في العراق و إستنجاد الأخيرة بالقضاء و المحكمة التي حكمت لصالح الطائفة اليهودية، معلنة خسارة الحكومة العراقية. هذه تحسب لصدام حسين و عهده يا أستاذ فايق.
الحلقة ٤١
يتبادر على ذهني سؤال لم أجد له إجابة في كل الحلقات السابقة و السؤال هو:
هل إعتاد الاستاذ فايق الشيخ علي في المهجر محاورة البعثيين أو من يميلون و يتعاطفون مع صدام -رحمه الله- بشكل منهجي و دوري؟ هل إعتادت إحدى فصائل المعارضة ذلك؟ هل حاولت المعارضة إمتحان أفكارها بمقارعتها بتلك التي يتبنَّاها خصومها؟
أقول هذا لأنني أستنكر لغة الاستاذ فايق الاستقصائية للأخر و شيطنته لكل من لا يرى الخروج على صدام حسين، في حين أن الله جل جلاله حاور إبليس قبل أن يخرجه من الرحمة.
مناقشة الخلافات عن بعد بتراشق المقالات أو حضور برامج في الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة لا يعد حواراً مع الآخر. لا يعد الحوار حواراً إذا إعتقد المتحاورين اليقين في رأيهم، بل إن كل من يصل الى درجة اليقين في رأيه يكون متطرفاً و مغالياً و داعشيا و إن قال أنه ديمقراطي أو ليبرالي. لابد من التواضع عند الحوار و لابد من تقبل المحاور إمكانية أحقية طرح من يحاوره (الآخر)، و إلا يكون المحاور يعمل بمبدء “خلقتني من نار و خلقته من طين”.
أَعتب على أستاذي فايق الشيخ علي في لمزه و همزه في صحيفة الحياة اللندنية لاحتضانها أصوات معارضه كانت ترضى بالتعايش مع صدام و ينسى الأستاذ فايق أن الصحيفة أعطته كل الحرية كي يكتب كمعارض شرس ضد البعث و ضد صدام بالذات. أعتب على الاستاذ فايق إقصائه للآخر لمجرد أن الآخر يرى حسنة في صدام أو يرى الحوار مع صدام حلاً، خاصة أن الاستاذ فايق اليوم يتصالح و يتعايش مع من نهبوا العراق (و هو ليس منهم) و باعوه لايران بثمن بخس بعد ٢٠٠٣، بل و يقوم الاستاذ فايق بتعذيبهم و تأديبهم بحسنات صدام.
و في هذا الصدد، أشكر الاستاذ عمار لأسئلته الرائعه و التي ناقشت مبدء الاستاذ فايق و فكره الإقصائي و القريب من فكر جورج بوش الإقصائي (إن لم تكن معنا فأنت مع الإرهاب!). و يتضح من خلال الحوار، تطرف و غلو الاستاذ فايق في معارضته لصدام و أنانيته و مراهقته السياسية التي أدت به إلى إهداء العراق لأمريكا على طبق من ذهب بسعر بخس، لتقوم الأخيرة بإهداء الطبق العراقي الى ملالي إيران مجاناً.
وا أسفاه!!!
الحلقة ٤٢
ما أحوج المعارضة العراقية الى النصيحة التي قدمها الكويتي فايز الكندري من خلال حلقات الصندوق الأسود (و هو من معتقلي غوانتناموا السابقين) و حثه الجميع على العدالة مع الآخرين عندما قال ما معناه:
ليت فرقة السلفيين (المداخلة) يكونون لينيين مع الفرق الإسلامية الأخرى كما هم لينيين مع ولاة الأمور. و ليت الفرق و الأحزاب الإسلامية السياسية (خاصة الاخوان) يكونون لينيين مع ولاة الأمور كما هم لينيين مع جميع الفرق الإسلامية و الأحزاب المخالفة لهم.
أين حرص الاستاذ فايق الجميل في تحقيق العدالة و هو في مخيمات رفح بالسعودية عن تسرعه و الجزم في إتهام صدام باغتيال السيد محمد الصدر رحمه الله؟ فكما لمَّح الاستاذ عمار من خلال سؤاله الذكي، يمكن إتهام المعارضة العراقية و الحانقة على السيد محمد الصدر (و بالاخص الموالية لإيران) بإغتيال السيد محمد الصدر رحمه الله. فإقامة الصدر -رحمه الله- لصلاة الجمعة كانت تعد جريمة بشعة في نظر جُل المعارضة في الخارج و في نظر المرجعية في إيران و أغاظت الكثيرين. كما أن طريقة إغتياله كانت بدائية و لا تعد دليلاً على أن صدام كان وراء الاغتيال كما يقول الاستاذ فايق. بل إن خبرة نظام الملالي في إيران في الاغتيالات و التخطيط للفتن تعادل خبرة صدام و تفوقه بمرات، و حادثة إحراق سينما ريكس في إيران بمن فيها من الأبرياء في سنة ١٩٧٨ على يد الثوار و رميهم بالتهمة على نظام الشاه لتأجيج الشارع ضد الشاه خير دليل.
واضح جدا أن في تطرف و غلو الاستاذ فايق و كرهه لصدام أثر كبير على أفكاره و تحليلاته السياسية، فأصبح معارضاً متطرفا. لا أنكر أن في تعرض البعض من عائلته للإعدامات و الإعتقالات أثر كبير على شخصيته و قراراته. لكن، هناك أيضا أمثال فايز الكندري الذي رغم ما تعرض له من الممارسات البشعه في معتقل غوانتناموا، إلا إن قراراته و تحليلاته و إستنتاجاته بقت متزنه لحد كبير و خالية من العاطفة، و هذا ديدن كل سياسي عاقل على مر التاريخ، بدءً بسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في جزيرة العرب و غاندي في الهند و مارتن لوثر كنغ في أمريكا و مانديلا في أفريقيا الجنوبية و الشيخ زايد -رحمه الله- في الإمارات العربية المتحدة عندما عفا عن ما سلف من الإستغلال (رفض شركات النفط البريطانيه قبول خدمات من الشركات المحلية و تدريب المواطنين) و مد يده ليبدأ صفحة جديدة و متزنه و قائمة على المصالح المشتركة مع المستعمر البريطاني.
لدي إحساس قوي بأن الاستاذ فايق يخفي ندمه على تطرفه و غلوه في المعارضة و مشاركته في إحتلال أدى إلى غزو إيران للعراق. و موقفه الجديد و المتصالح نسبياً مع النظام البعثي و صدام حسين -رحمه الله- تحمل دلالات واعده.
الحلقة ٤٥
أشكر الاستاذ عمار لحواره الرائع و أسئلته التي تشفي صدور السواد الاعظم من الامة الإسلامية و العربية و اللتان كانتا تشككان في البشارة الأمريكية بولادة دولة ديمقراطية في العراق بعملية قيصرية!!
هداك الله يا أستاذ فايق، كأنك صدَّقت أن من يضع الجبن على المصيده يريد الخير و الخلاص للفأر. و كأنك صدَّقت بأن من يضع العصفورة في القفص يريد لها الأذى و الهلاك!!!
يا أستاذ فايق، دعني أستخدم منطقك معك:
تقول بأن لو إستقبلتَ من أمرك ما إستدبرت، لأيدت الاحتلال الأمريكي مجدداً لأنك ترى الضرر الذي تسببتم به كمعارضة عراقية بعد ٢٠٠٣ (مليون قتيل عراقي) أقل من الضرر الذي تسبب به صدام قبل ٢٠٠٣ (٤ مليون عراقي).
حسناً. بمنطقك هذا، لا يحق لك أن تعترض على قرار صدام و إعلانه الحرب على إيران، لأن صدام كان يرى مثلك بأن الأضرار الإقتصاديه و الروحية التي ستسببها الحرب على إيران (مليون قتيل) أقل ضرراً من السكوت على تدخلات إيران في الشأن العراقي و نجاح إيران بتنصيب حاكم من عندها على العراق (كالمالكي). ألا ترى كيف أنكم الآن و في عهد إيران رجعتم القهقرى، لا تنعمون بالماء و لا الكهرباء و شُوهت هويتكم و تزعزعت وحدتكم و ضاع أمانكم و في المقابل تعانون من الفساد و فشل الدولة في ظل المليشيات؟!!
لا يا أستاذ فايق، الأمة الإسلامية و العربية كانتا على الصواب في إعتراضها على الإحتلال و أقل ما يمكن أن يقال فيكم أنتم (المعارضة في الخارج) أنكم كنتم متطرفين و غلاة و أنانيين و سذج الى أبعد الحدود، لدرجة أنكم صدَّقتم بأن الجبنة على المصيدة الأمريكية كان يراد بها خيركم!
نعم يا أستاذ فايق، جنابك و صدام حسين -رحمه الله- تتشابهان كثيرا و إن أنكرت ذلك. فأنتما تشابهتما في أنكما إجتهدتما و قبلتما بالتضحية بدم مليون عراقي من أجل العراق. و العجيب و الجميل أن كلاكما بكى على العراق و من أجل العراق.
عجيب أمرك أستاذي الفاضل، فأنت لا تملك جرأة الكذب على الناس و لكنك تملك القدرة على أن تكذب على نفسك و الكذب على النفس من أخطر أنواع الكذب.
و في الختام، رغم إختلافي معك و رغم أخطائك و غُلُوِّك و تطرفك و رغم سذاجتك بتعاونك مع المحتل و رغم إنفتاح شهيتك الطفولية للجبنة الامريكية و رغم مشاركتك في إفشال دولة العراق (و ليس حكومة صدام) باهدائها الى المليشيات و رغم عجزك عن التَّغيُّر و ضعفك الشديد في تقبل الحقيقة و إن كانت ساطعة كشمس النهار الجلية، رغم كل هذا أحترمك و أعزك و أقدرك و أعذرك لمراهقتك السياسية. كما أنني أحترم و أعز و أقدر الرئيس صدام حسين رحمه الله (مع الفارق) و الذي ما زلتَ تَذُمُّه مُكابرة و أنت تعلم في قرارة نفسك بأنه عراقي شريف و مخلص و إن أخطأ. إلا أنه لم يتاجر بسيادة العراق مثلك و شهدت بذلك خواتيم أعماله و إبتسامته الأخيرة للعراق و طقطقة فقرات رقبته التي ذكرتنا بالبطل الشهيد عمر المختار، رحمهما الله.
سياسياً يا أستاذي الفاضل، العصابة التي تحكم العراق لا تساوي حذاءك، و عليه أنت أفضل قائد للثورة العربية العراقية. إلا أنك لا تساوي حذاء صدام -رحمه الله- و حذاء حكام الخليج.
عاش العراق العظيم!
و الآن، معاً الى الحلقة الأولى من هذه السلسلة الذهبية و التي تبين بشكل جلي أضرار “المعارضة في الخارج” على هوية و سيادة و أمن الدول:
غدا أجمل بإذن الله
إسمحوا لي أن أبدا رحلتي مع الشيخ فايز الكندري و الصندوق الأسود من الحلقة ٢٣ و الأخيرة
إسمحوا لي أن أعترف بأنني تعلمت منكم الكثير و أنا أحترم و أجل أساتذتي و أنتم منهم. كما سرني كثيرا ما قاله الشيخ فايز عن الأخوة السلفيين و المشهورين “بالمَدَاخِلة”. دعوني أكمل فكرة الشيخ فايز الرائعه و اُلخِّص و أقول:
أرجوا من الجماعات الإسلامية (كالمداخلة) و التي تتحلى بالحكمة و تتعامل باللين عند الإختلاف مع ولاة الأمر أن يفعلوا ذلك مع جميع مخالفيهم. كما أرجوا من الفرق الإسلامية التي تتحلى بالحكمة و تتعامل بالرفق و اللين مع كل الفرق و الجماعات الإسلامية المخالفة أن تفعل ذلك مع ولاة الأمور
خطاب الشيخ فايز الكندري عقلاني و حكيم في حين قراراته كلها تتسم بالشدة. فعند كل مفترق طريق، أجده يختار أصعب الخيرين و الشرين، بدءً باختياره لأفغانستان كمكان لتنفيذ عمله الخيري و كذلك إصراره على الحضور شخصيا و الإشراف على حسن سير تلك الأعمال الخيرية دون أن يبالي بالأوضاع السياسية الملتهبة و الصراعات الدموية القائمة بين الجماعات الإسلامية و الفرق الطائفية المتناحرة و المخاطر التي تنتظر كل من يطئ قدمه تلك البقعة المفتونه. لعل قراراته الصعبة هي التي إنتهت به الى معتقل غوانتناموا البشع و بقائه هناك ١٤ سنة. لو تصرف الرسول صلى الله عليه و سلم كما تصرف فايز الكندري- حفظه الله – لانتهى الاسلام في مهده، و لكنه عليه الصلاة و السلام تصرف بالإعتدال و الحكمة و الرحمة و المتمثلة في منهجه الذي لخصه في روايات كثيرة و منها:
و عن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه و سلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه و سلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها و قالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه و سلم قد غفر الله له تقدم من ذنبه و ما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً و قال الآخر: و أنا أصوم الدهر أبداً و لا أفطر، و قال الآخر: و أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم فقال: “أنتم الذين قلتم كذا و كذا؟! أما و الله إني لأخشاكم لله و أتقاكم له لكني أصوم و أفطر، و أصلي و أرقد، و أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني” ((متفق عليه)) .
أشكر الاخ عمار و الشيخ فايز على هذه الحلقات الرائعه، و أسال الله لهما و للقائمين على البرنامج و المعتقلين و لي و لكم جميعا الهداية و خير الدنيا و الآخرةو أترككم الآن مع ملاحظات لي على بعض الحلقات
الحلقة ١٣
في هذه الحلقة، تحدث الاخ فايز عن تفنن الأمريكيين بالحرب النفسية من خلال عرضهم صور للشيخ السديس و غيره من المشايخ على المعتقلين من خلال شاشات مرئية كنماذج للشيوخ المعتدلين. فعلق احد المشاهدين على هذه الحلقة قائلا:
“الآن هل عرفت سبب حب الامريكان للسديس؟ هل بطل العجب ام لا؟”
عجبت من تعليقه و أجبته قائلا:
الامريكان الذين حاولوا أن يخدعوا و يفتنوا فايز الكندري عندما قالوا له أنهم يأسرون الامام أحمد بن حنبل – رحمه الله – و أن الإمام أحمد إعترف بجرائم فايز الكندري و إنتمائه لطالبان و تنظيم القاعدة، هم نفس الامريكان الذين أرادوا أن يخدعوا و يفتنوا فايز بعرض صور الشيخ سديس حفظه الله
العجيب أن الأمريكان فشلوا أن يفتنوا الاخ فايز و هو معتقل و لكنهم نجحوا أن يفتنوك بعد سنين طويلة و أنت خارج المعتقل و لمجرد إستماعك للروياه
فايز الكندري كان سجينا جسدا الا إنه كان حر الفكر و كيس فطن. في حين أنت أخي الكريم حر طليق جسدا و لكن عقلك أسير الظنون
الحلقة ١٧
أتفق مع الأخ فايز الكندري بأن الحكم يجب أن يكون على الافعال و المناهج و ليس على الشخصيات. فقد أمدح فعلا لشخص و أذم أفعاله الأخرى.
و لكن أتساءل عندما يقول الأخ فايز أن الأمة لا تستحق النصرة لأنها تتناقض و تنتقد التكفير في حين أنها لا تبالي و تسكت و تتفهم و تبرر دعس الامريكي على العناق هنا و هناك. سؤالي للشيخ فايز هو:
من يرضى و يبرر إنتهاكات أمريكا أو غيرها؟ هل يقصد و يعتبر عجزنا بالرد على تلك الانتكاهات سكوتاً و موافقة و تفهم لكل ما تقترفه أمريكا؟
يبدوا لي انه نسي بأن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يمر بالمعتقلين المسلمين و الكفار يدوسونهم و يذيقونهم شر العذاب و يكتفي عليه الصلاة و السلام بقوله لهم: إصبروا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنه. هل يجرؤ أحد أن يتهم الرسول صلى الله عليه و سلم بالخنوع أو التناقض بسبب موقفه هذا؟ طبعا لا، لأن الله نصرهم بصبرهم و لو بعد حين
الحلقة ١٩
الفانوس الذي صنعه المعتقلين و أهدوه للمحامي الأمريكي المخلص “باري” يعبر بكل جمال عن الآية الكريمة ٨ من سورة المائدة
(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ لِلَّهِ شُهَدَاۤءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰۤ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ۚ ٱعۡدِلُوا۟ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ). لفتة رائعه من المعتقلين جزاهم الله خير
جميل حوار عمار و فايز عن الربيع العربي، و أميل لراي الشيخ فايز بأن الثورات كانت مسيرة من قبل الغرب. نحن الآن تتوفر لدينا الكثير من الادلة التي تفيد بأن قيادات الثورة و خاصة الاخوان المسلمين كانت تنسق سراً مع الأمريكان و الغرب منذ عهد بوش و تخطط و تدرب الشباب للربيع العربي و إفشال الدول
الربيع العربي كان في الظاهر يهدف الى الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية و نشر الحريات في حين الحقيقة إنه كان يهدف للإطاحة بالدول و إفشالها (و شتان بين النظام و الدولة) و نشر الفوضى بتمكين المليشيات منها
و لكن الاخ عمار سأل سؤال جميلا. سأل هل يجوز إتهام الشعوب بالسذاجة لدعمها الربيع العربي في ٢٠١١؟
أقول نعم، فقد كنت من الشعوب و لكني كنت أعلم من تجربتي بالثورة الإيرانية سنة ١٩٧٩ بأن الأنظمة الغربية لا تساعدنا من أجل الحرية و إنما لدمارنا و زعزعة إستقرارنا. فايران أيضا تحكمها المليشيات الى الآن و الشعب الإيراني مضطهد و معدوم و مسجون و يتم قمعهم و تعذيبهم و إعدامهم. هؤلاء أتوا الى الحكم بدعم غربي و أمريكي. كذلك العراق من بعد إسقاط صدام، تحكمها المليشيات و الدمار في المنظومة العلمية و الصحية و الأمنية. الاعتقالات ما زالت مستمرة و الاغتيالات و قتل المتظاهرين و الفساد و التطهير العرقي و الطائفي. التجربة الإيرانية و العراقية كانتا بمباركة غربية و أمريكيه بحجة دعم حريات الشعوب و نشر الديمقراطية. هذه التجارب تكفي أن نستنتج بأن التنسيق مع الغرب سذاجة و الإعتقاد بأننا أذكى منهم غباء سياسي و واقع بشع
لذا، رغم إتفاقي مع الاخ فايز بأن الربيع العربي كان مسيراً أمريكياً و ليس مخيراً، الا أنني أختلف معه في أنني لم أفرح مثله عندما سقط الرئيس المصري حسني مبارك و إن كان دكتاتورا كما أنني لم أفرح لسقوط صدام
الحلقة ٢٠
يسال مستشار أوباما الاخ فايز أثناء التحقيق: ماذا تقول في من يقطعون الرؤوس بالسكاكين؟ فيجيبه الاخ فايز على سؤاله و يزيد قائلاً:
الاسلام يحرم قطع الروؤس بالسكاكين كما إنه يحرم قتل الأبرياء بصواريخ توماهوك الأمريكية!!!
فيبتسم المستشار و يرفض إطلاق سراح الاخ فايز
الاخ فايز مُصِر أن يناكف و يستفز الظالم و نسي أن الله جل جلاله أوصى نبيه موسى عليه الصلاة و السلام و أخاه هارون عليه السلام أن لا يستفزا فرعون كما في الآية ٤٤ من سورة طه (فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلࣰا لَّیِّنࣰا لَّعَلَّهُۥ یَتَذَكَّرُ أَوۡ یَخۡشَىٰ). فما لي أراك يا أخ فايز أكثر ملكية من ملك الملوك؟!!!
إن شئت، إقرأ قوله تعالى في سورة النحل الآية ١٠٦ ( مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).
و في السنة، أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، ثُمَّ تَرَكُوهُ. فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟. قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ؟! قَالَ: كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟. قَالَ: مُطْمَئِنًا بِالإِيمَانِ. قَالَ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ”
لماذا يصر الأخ فايز أن لا يأخذ بكل هذه الرخص و هو أعلم مني بها؟ لماذا يحمل أسرته و شعبه و حكومته ما لا يطيقون؟
إن الله و رسوله صلى الله عليه و سلم رخصوا لعمار رضي الله عنه أن يقول بالكفر للنجاة بنفسه، فما بال الاخ فايز يصر أن يستفز و يذكر الامريكان بصواريخهم التوماهوك و كأنه يبرر قطع القاعدة لرؤوس مخالفيها بالسكين؟!!
لماذا يا أخ فايز انت أكثر ملكية من ملك الملوك؟!!!
لا يمكنني أن أنهي هذه المقالة دون أن أُذَكِّر نفسي بما قاله الشيخ فايز الكندري في إحدى حلقات الصندوق الأسود واصفاً حال أنصار القاعدة في أفغانستان “بأفراد جمعتهم الروايات”. أقول، مع إختلافي مع القاعدة إلا أنني أعتبر تلك الثلة التي كانت تجتمع من أجل الآخرة، كانت أنضف و أنقى سريرة من الجماعات الإسلامية الحالية و التي تجتمع من أجل الدنيا و المال و الجاه و الطائفية البغيضة. مع الأسف، المعارضة لدينا في تدهور مستمر
أدعوا الله أن يثيبك خيراً على إبتلائك و أن يهدينا جميعا لما فيه خيرنا
يا مغيث
و الآن، هيا معا الى الحلقة الأولى من هذه السلسة الذهبية:
القلم ثقيل و يدي ترتجف لدقات قلبي و أنا أكتب المشهد الأخير من قصة حياة أخ لم تلده أمي
حسين علي كريم القوي الأمين، شخصيته الاستثنائية و قصته تكادا تطابقان شخصية حسين بن عاقول و قصته مع درب الزلق. فلكل حي و دير حسين، يَضحك ليُضحك الجميع و يدفن ثقل مسؤولياته و قلقه على مستقبل أهله و جيرانه في قرية كاريون الإيرانية
لقاؤنا الأول كان في بيتنا الجديد و في منطقة المطينه و أنا أبلغ الثالثة من عمري (سنة ١٩٦٩ تقريبا). كنت أنزل من السلم فوافيته على مدخل البيت و هو يبلغ من العمر ١٢ سنة تقريبا. فقد توفي والده رحمه الله، فإضطر حسين الأُمِّي و اليتيم أن يترك أغنامه في السهول و يهاجر الى دبي ليعمل خادماً و طباخاً فسائقاً و من ثم أخ لنا لم تلده أُمنا
كم هو مؤلم أن تترك أمك و أخواتك الصغار و أصدقائك و قريتك و أغنامك و ذكرياتك بحثا عن لقمة العيش الكريمه، و كم هو صعب أن تضطر لدفن طفولتك في لحظة لتكبر و تصبح رجلاً و مسؤولاً. يشهد الله أنه لم يقصر معهم، فأكرمه الله لاحقاً بأن تموت أمه في حضنه بسلام و هي راضية عنه. فهنيأً لك يا حسين رضا والديك
شرَّفنا حسين بأمانته و خدمته لأكثر من ٤٧ سنه، فأصبحنا نخدمه حباً و كرامه بعد أن إضطر الى الرحيل لأسباب صحية و بعد أن إضطر مجدداً أن يدفن شخصيته و يعيش غربة جديدة هناك بين أهله و أهل قريته. يشهد الله أنه لم يقصر معنا، فأكرمه الله لاحقاً برحيل أمي و أبي و هما راضيان عنه كل الرضا. فهنيأً لك يا حسين مجدداً رضا الوالدين
بعد التقاعد و رغم مرضه، إنشغل حسين في حفظ القرآن و توزيع نسخ منه بين أهل كاريون. كما إنشغل في جمع الأموال لشراء الأضاحي و توزيع لحومها على أهل قريته من الفقراء و المساكين
ترجل الفارس اليوم عن صهوة جواده على سرير المستشفى و في جسمه طعنات اليتم و المسؤولية المبكرة و الكد و الحاجة و الغربة عن عمر يناهز ٦٣. أراد القدر أن يعيش حسين غربتين، غربة البعد عن أهله في كاريون و غربة البعد عن أهله في دبي. و أراد القدر أن يدفن حسين ٣ مرات، مرة عندما قدم الى دبي و مرة عندما ترك دبي و مرة عندما إستدعاه الرحمن الرحيم. و أراد القدر أن يتيتم حسين مرتين، مرة لوفاة والديه في كاريون و مرة لوفاة والديه في دبي
كم هو محزن أن لا أتمكن من حضور جنازة أخ لم تلده أمي. كفاك غربة و يُتماً أيها القوي الأمين. أسأل الله أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة و أن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنة و أسال الله أن يصبر أهلك و أن يصبرنا، و أسأل الله لك الثبات عند السؤال و على الصراط
حبيبي حسين (حسين الخاجة)، لن ننساك أبداً أيها الوفي و دبي ستفتقدك كثيرا و لمثلك ترخص الدموع. أحمد الله الذي رزقنا بنعمة صحبتك. و الى أن نلتقي، إبقَ جميلاً كما عهدتك
يا مغيث!
يبدوا لي أن الاستاذ مجدي خليل يؤيد الوحشية أو الابادة الجماعية للأقوام المجاورة (رجالاً و نساءً و أطفالاً و شيوخاً) و سلب ممتلكاتهم و ثرواتهم!
ففي الدقيقة (٢:٢٠) الى (٢:٣٠) يقول الاستاذ مجدي خليل:
“إن فساد المؤسسات الكنسية عبر التاريخ هو فساد شخوص (أشخاص) و ليس نصوص، عكس الإسلام”!!!
الحقيقة، لن يقول هذا الا متوحش أو جاهل بالنصوص، و أقدم اليكم الأدلة التالية:
أولا، ما يدل بوضوح على جهل الاستاذ مجدي خليل بالنصوص المسيحية و خطابه الطائفي (و قد يدل أيضا على وحشيته) هو إعتباره النص التالي من الانجيل (العهد القديم) طاهر و غير فاسد، علماً بأن النص يدعوا الى الابادة الجماعية للأقوام المجاورة و بأن لا يَسْتَبقَوا منها نسمة ما (رجالاً و نساءً و أطفالاً و شيوخاً) و سلب ممتلكاتهم و ثرواتهم:
نص سفر التثنية (١٠ الى ١٦):
10 «حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ،
11 فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ.
12 وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا.
13 وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ.
14 وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.
15 هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا
16 وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا”
ثانيا، ما يدل أيضا على جهل الاستاذ مجدي خليل بالنصوص الإنجيليه و القرآنية و كونه طائفياً هي الدراسة التي نشرتها الاندپندنت و التي تأكد أن نصوص الإنجيل (العهد الجديد) أكثر ذكراً للعنف و الدمار و الإرهاب مقارنة بالقرآن الكريم بنسبة (٢.٨%) في حين نصوص الإنجيل (العهد القديم) أكثرهم ذكراً للعنف و الدمار و الإرهاب. أرجوا الاطلاع على الرابط التالي
ثالثا، ما يدل أيضا على جهل الاستاذ مجدي خليل بالنصوص القرآنية أو كونه طائفياً هو أن القرآن، و الذي يتهمه الاستاذ مجدي خليل بفساد نصوصه، يتفق معه في تصنيفه المؤسسات الكنسية بالفساد. فالاية التالية تخبر عن فساد المؤسسات الكنسية:
(۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَیَأۡكُلُونَ أَمۡوَ ٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَیَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِینَ یَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ) سورة التوبة الآية ٣٤
أما في الدقيقة ٢٠:٤٠، يدعوا الاستاذ مجدي خليل و بكل فخر الناس للعصيان المدني إذا أجبروا على طاعة غير الله عندما يذكر:
“رفض المسيحيون الأوائل أن يدعوا قيصر نفسه رباً (القيصر الروماني) رفضوا هكذا و رفضوا السجود له (عصيان مدني) المسيحيون الأوائل عملوا عصيان مدني على الدولة الرومانية (نرفض أن نسجد لقيصر). طلب الأمر الإمبراطوري أن الجميع يسجدون فقال المسيحيون الأوائل (لن نسجد، ينبغي أن يطاع الله لا الناس)”
و هنا أسأل، بناءً على ما سبق ذكره، هل يرضى الاستاذ مجدي خليل أن يقوم الملتزمين من الغير مسيحيين و المسيحين اليوم بالعصيان المدني في البلدان الغربية كلما طلب منهم الحاكم الغربي أن يخالفوا معتقداتهم الدينية؟
في النهاية، أتساءل: أين شعارات “دقة المعلومات، عمق التحليل و إستقلالية الطرح مع وضوح الرؤيا” و التي يرفعها الاستاذ مجدي خليل؟
عدى ذلك، إستمتعت بالتسجيل و إستفدت كثيرا.
شكراً
الغرب الصليبي يستفز سفهائنا ليخرجوا أسوء ما فينا، ثم يقولون لنا هذا أنتم! لا يا عزيزي، هذا ليس نحن و لكن هذا ما تريدونه انتم
سلفنا أقاموا أعظم حضارة عرفها التاريخ و بإعتراف حكمائكم، عندما كان سلفكم يغرق الغرب في ظلمة الصليبية
بعد سقوط الخلافة العثمانية، لو تحلى الغرب بالثقة بالنفس و تعامل مع الشرق الأوسط بالمصداقية بدل عن المؤامرات، لكسبتم ود الشرق و قلوبهم و ربما أكثر. و لكن، كيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟
لم تفهموا بعد المشكلة أو العلة، و خطابكم الطائفي يضر و لا ينفع و يزيد التطرف تطرفاً، فقل خيراً رحمك الله أو أصمت
دعوا الاميران محمد بن زايد و محمد بن سلمان (و ليس سليمان) حفظهما الله يكملا مسيرتهما النيرة و يصلحا ما افسدته سياسات الغرب الصليبية
يا مغيث
يقول الاستاذ مجدي خليل (قبطي) و هو ناشط حقوق إنسان و محلل سياسي مصري مقيم في الولايات المتحدة منذ منتصف التسعينات، و يدير منتدى الشرق الأوسط للحريات هناك في أمريكا:
بدأت الحرب بين حماس و إسرائيل في ١٠ من مايو ٢٠٢١ و إستمرت (١١) يوما. يصعب تحديد المنتصر في حرب بين جيش و مليشيات تختبؤ عناصرها بين المدنيين، فقواعد الحرب مختلفة لدى الطرفين و المقارنة غير صحيحة، إلا اذا دخل الجيش بيتا بيتا و هذا بالطبع سيوقع الكثير من الضحايا بين المدنيين
الصواريخ:
حماس أطلقت سيل من الصواريخ تقدر عددها بحوالي (٤٣٦٠) صاروخا، (٧٨%) منها سقطت على إسرائيل. نظام القبه الحديده الاسرائيلية أسقطت (٩٠%) من هذا السيل، و هي نسبة جيدة، و إسرائيل الآن بصدد تقوية النظام و التحسين من كفاءتها
(١٦%) أو ما يعادل (٦٨٠) من صواريخ حماس سقطت على غزة نفسها، و البقية (٧%) سقطت في البحر أو على مناطق السلطة الفلسطينية
القتلى:
الروايات متضاربة. بحسب حماس، سقط (٢٨٧) قتيل في غزة. إسرائيل تقول أن (٨٠%) من من سقطوا في غزة هم من مقاتلي حماس و الجهاد الإسلامي، بينما حماس تقول أن (٦٩) طفلا و (٤٠) إمرأة و (١٧) مسنا كانوا من ضمن الضحايا
أما ما هو مؤكد و دقيق هو وقوع (١٣) قتيلا في إسرائيل، منهم (٣) أجانب و (٢) من عرب إسرائيل و (٨) يهود إسرائيلين بينهم جندي واحد. أي أن كل (٣٣٥) صاروخا من حماس أسقطت ضحية واحدة في إسرائيل
وقف النار:
بعد الاتفاق على وقف النار، خرجت الجماهير الفلسطينية في غزة تحتفل بالنصر و هنأ خامنئي الفلسطينيين بالنصر العظيم. كما خرج إسماعيل هنية في قطر يبارك للانتصار الرباني، مثلما أعلن حسن نصر الله في ٢٠٠٦ بالنصر الالهي، رغم أنه و في لحظة صدق أكد أنه لو علم بحجم الدمار الذي ستسببه الحرب لما بدأها، و لعل لبنان اليوم تعاني من أثر دمار حرب ٢٠٠٦
الاحتفال بالهزائم أصبحت عادة عربية من أيام جمال عبدالناصر عندما إحتفل بهزيمته و الدمار الذي لحق بمصر في حرب ١٩٦٧، علما بأن أمريكا هي التي أخرجت الدول المعتدية من مصر و ليس عبدالناصر. و أيضا، إعلان صدام بانتصاره في أم المعارك على الامريكان. يبدوا أن مفهوم الانتصار هو أن يبقى القائد أو التنظيم حيا، و كل عنصر في المنظومة يبقى حياً يعتبر نفسه منتصرا
و العجيب أن حماس تعتبر تقييم الاسرائيلين لنتائج الحرب إعترافا منهم بهزيمتهم، رغم أن الاسرائيلين يقومون بما تفعله الانظمة الديمقراطية، في حين حماس لم تقم بتقييم نتائج الحرب، بل إنشغلت في جني المكاسب السياسية و المالية
في هذه الحرب، حماس لم تكن تكترث لوقوع الضحايا من المدنيين الاسرائيلين أو الفلسطينيين. حماس كانت تهدف الى قتل أكبر عدد من الاسرائيلين (بالذات اليهود) و هي غير معنيه بوقوع ضحايا من الفلسطينيين. شهدت العالم كيف أن إسرائيل، تحت ضغوط دولية، كانت تتوخى أعلى درجات الحذر للتقليل من إصابة المدنيين الفلسطينيين في حين حماس كانت تبذل كل طاقتها لإصابة أكبر عدد من المدنيين الاسرائيلين. فالكل يعلم أن كان باستطاعة الاسرائيلين أن يسقطوا آلاف الضحايا من المدنيين الفلسطينيين
“شهدائنا في الجنة و قتلاكم في النار” عبارة يسيء استغلالها الاسلاميين لتبرير أجنداتهم الانتحارية. هؤلاء الانتحاريون شعارهم و رسائلهم لإسرائيل هي “إما ننهيكم أو تنهوننا”، و بمثل هذا العنف و التخوين يتعاملون مع المسلمين الذين يرفعون شعارات مخالفة و غير إنتحارية
الأكراد أيضا شجعان و يطالبون بالاستقلال. الأكراد و الفلسطينيين حصلوا على الحكم الذاتي في نفس الوقت تقريبا، و لكن أنظر أين كردستان اليوم و أين غزة أو ما تبقى من فلسطين. الفرق أن الأكراد ليسوا إنتحاريين
المكاسب:
حماس، و ليس الفلسطينيين، حققت مكاسب كمنظمة سياسية، و الايام ستثبت مدى نجاحها بذلك. فمن مكاسبها:
١- أضعفت السلطة الفلسطينية مؤقتا
٢- شيطنت الحلول السلمية عندما أعلن يحيى السنوار مؤخرا بوجوب القضاء على إسرائيل
٣- أنعشت محور المقاومة (إيران) بعد تراجع مصداقيتها شعبيا في العراق و لبنان و غيرها من الدول الإسلامية و ذلك عندما خرج إسماعيل هنية يشكر إيران
٤- أنعشت الاسلام السياسي السني بعد تراجع حضور الاخوان المسلمين في المنطقة و ذلك عندما خرج يحيى السنوار ينادي نحن حماس و نحن الإخوان المسلمين
٥- ضرب محور التطبيع متمثلة في الامارات و المملكه العربيه السعوديه
٦- تنفيذ طلبات و أوامر و أجندات داعميها و مموليها كايران و غيرها
٧- الهروب للامام من معاناة الفلسطينيين في غزة
٨- كتم أصوات المعارضة في غزة بحجة الحرب
٩- جمع الأموال، فقطر ساهمت بنصف مليار دولار و مصر (بالنيابة عن الامارات) ساهمت بنصف مليار دولار، كما أن أمريكا ساهمت ب أكثر من ٣٠٠ مليون دولار
١٠- إبتزاز الأمهات عاطفيا بالقبول و الفرح لسقوط أحبابهم شهداء
١١- و المكسب الاخير هو إنعاش القضية الفلسطينية جزئيا و هذا هو المكسب الفلسطيني الوحيد و الذي دفع الفلسطينيين له ثمناً باهظ جدا
أما المكاسب الاسرائيلية فهي:
١- إضعاف حماس مع الحرص على عدم القضاء عليها، فحماس تشكل خطر على إسرائيل و لكنها لا تشكل تهديدا وجوديا على إسرائيل و يمكن التعامل معها في حين القضاء عليها نهائيا ستوجد فراغا قد يشكل خطر أكبر على إسرائيل
٢- إعادة حماس عدة سنوات عسكريا للوراء
٣- تقييم مدى تطور قدرات حماس العسكرية كمَّاً و نوعاً
٤- قتل أكبر عدد ممكن من مقاتلي حماس و جهاد، و إسرائيل تدعي قتل (١٣٠) منهم و أن (٨٠%) من قتلى الفلسطينيين من قوات حماس و الجهاد. على كل حال، لم تنجح إسرائيل بشكل كبير في هذا الصدد
٥- تقييم الموقف من عرب ٤٨ و هم يشكلون (٢٠%) من سكان إسرائيل. تعتبر الحكومة الاسرائيلية هؤلاء كقنبلة داخلية و يتم دراستها كمخاطر يجب التعامل معها إستراتيجيا
٦- المزيد من التضييق في حصار غزة
٧- المزيد من المراقبة الاسرائيلية للمساعدات و الاموال القادمة و فقدان حماس السيطرة على إدارة الأموال
٨- و المكسب الاخير هو تقييم خيار القضاء التام على حركة حماس دون إثارة الرأي العام و الدولي
الفائزون و الخاسرون:
١- مصر مستفيدة بقوة، فقد أخذت دورا كبيرا كوسيط للسلام، أو بالاحرى كسمسار سلام تستفيد من الصراع
٢- السيسي مستفيد بقوة، فقد تم تعزيز شرعيته في الغرب كوسيط مهم في المنطقة بعد أن كان يكسب شرعيته لدى الغرب بصفقات الاسلحه. و يكفي أن الرئيس الأمريكي بايدن تواصل معه مرتين بعد أن كان يرفض محادثته
٣- الاسلامين في مصر إستفادوا و علت خطاباتهم مجددا بعد صمت طويل و هم يقومون باعادة شحن الشارع المصري بالشعارات و الخطابات العاطفية
٤- استفادت حماس تنظيميا و فازت في فلسطين و فازت على الفلسطينيين و ليس على إسرائيل
٥- إيران إستفادت بشكل كبير و أحكمت قبضتها على المنظمات الإسلامية في غزة و فلسطين
٦- أمريكا خسرت و رجعت إلى مستنقع الشرق الأوسط و دفعت (٣٤٠) مليون دولار للسلطة الفلسطينية و دعمت الاسرائيلين
٧- محمود عباس خسر و قلت شعبيته بين الفلسطينيين، و السلطة الفلسطينية متهمة بالفساد و تدنت شعبيتها في إستطلاع أخير الى ما دون (١٤%)
٨- الاردن إستفادت شيئا ما لإهتمام أمريكا مجددا بالقضية الفلسطينية و إعتمادها على الاردن جزئيا في إدارة هذا الملف. و من جهة أخرى، الاردن خاسرة لارتباطها بالسلطة الفلسطينية و قطع علاقتها بحماس منذ ١٩٩٩
٩- إسرائيل إستفادت في إضعاف حماس جزئيا، إذ منعتها الضغوط الدولية من تحقيق مكاسب أضخم
١٠- خسرت حماس و الاخوان المسلمين و محور المقاومة عندما فشلوا أن يشيطنوا تيار التطبيع مع إسرائيل و المتمثلة في الامارات و السعودية و اللتان إستفادتا بوقوف شعوبها معهما. فلم تنجح الحرب في تهييج الشارع ضد الامارات و المملكه العربيه السعوديه، فالخليجيون فهموا عقلية التنظيمات الفلسطينية فأدانوها و لم ينقلبوا على قادتهم و عرفوا أن حماس تحارب لصالح إيران. يبقى أن نرى أثر الحرب على تبطيئ عملية التطبيع مع إسرائيل
الخلاصة:
في الحرب الاخيرة، إنتصرت حماس على الشعب الفلسطينيي كما إنتصر حزب الله على الشعب اللبناني في حرب ٢٠٠٦. فبعد (١٥) سنة، لم تنطلق رصاصة من حزب الله إتجاه إسرائيل من لبنان و إستحكمت حزب الله سيطرتها على لبنان التي أصبحت اليوم دولة مدمرة و فاشلة تماما. و حماس أيضا إنتصرت على الفلسطينيين و ستتحكم فيهم و تزيدهم خرابا و فشلا. إنه إنتصار الخراب
و الان:
إسرائيل متحفزة و تنتظر ضربة جديدة من حماس لتشن حملتها الشاملة و المدمرة لتكمل بها ما لم تستطع أن تحققه بسبب الضغوطات الدولية. و حماس ستكون حذرة جدا في عدم إثارة الاسرائيلين، في حين إسرائيل ستستمر في جني المكاسب الجزئية هنا و هناك
بعد ٥٠ جيلا من الشتات، لن يتنازل غلاة اليهود في اسرائيل بسهولة عن فلسطين. إنها عودتهم الاخيرة و لن يتنازلوا عنها. كما أن غلاة المسلمين في فلسطين لن يهدؤا حتى يمحوا إسرائيل من الخارطة و يجتثوا اليهود من فلسطين. هذا الصراع لن ينتهي
أسال الاستاذ مجدي خليل: هل يا ترى ستسمح أوروبا الصليبية بهجرة اليهود من إسرائيل اليها (إن قرر اليهود ذلك) أم ستمنعهم كما فعل رئيس الوزراء الانجليزي آرثر بلفور في سنة ١٩٠٥ و كما توقع هيبرت ساموئيل، اليهودي الوحيد في البرلمان البريطاني قبيل إصدار وعد بلفور؟
أخي الكريم،
هل تعلم بأنك تنام مع الإخوان و إيران في سرير واحد دون أن تدرك؟
لا تستعجل في الهجوم على الحكومة الإيرانية أو حزب الاخوان المسلمين، فأنت باطني مثلهم دون أن تدرك و تتبع منهجيتهم في تفسير الأمور كما سأوضح لك ذلك لاحقا
بإختصار شديد، سياسة دولة الإمارات تتسم بالوضوح و البيت الإبراهيمي بديل لمخطط الشرق الأوسط الجديد و الذي كاد أن يفشل الدولة المصرية و الهولوكوست فاجعة إنسانية أوروبية يجب الاتعاض منها و العقلاء يدركون بوجوب التعامل مع الصراع الإسرائيلي العربي على أساس أنه صنيعة صليبية. كما أنني اتفهم زيارة السفير الإماراتي للحاخام اليهودي و ملاطفته له، في ظل تنامي نفوذ الاخوان المسلمين في البرلمان الاسرائيلي، و لغيرها من الأسباب التي تخفى علينا
أنا إماراتي، كنت أتابعك و مازلت أتابعك، بالرغم من إختلافك معنا و شيطنتنا و إتهامنا بسوء النية و الإضرار بمصالح مصر و إهانة رموزنا. أنا أعتز بقيادتي و افتخر بقيادتكم و لا اشيطنها إن تضاربت مصالحنا
قد لا أتفق معك في كل شيء، كما أنني لا أختلف معك في كل شيء. و لكني أتفهم موقفك و أعذرك لجهلك و كلي ثقة في قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة و سياستها الخارجية، و التاريخ سيثبت من منا كان أقرب الى الحق
السياسة اخي الكريم سرية بنسبة ٨٠%، أي أنك يا أخ مصري تحلل و تحكم و تتهم و تشيطن بناء على ٢٠% من المعلومات المنشورة في الإعلام و الصحافة و كانها آيات محكمات من لدن عزيز حكيم! و هذه النسبة القليلة، و هي غالبا مضلله، لا تكفي لاتخاذ موقف سياسي و لا تكفي لتعرف صديقك من عدوك
لذا، انا أترك الحكومات، و هي الأدرى بالحقائق و تملك المعلومات، أن تحكم و خاصة في ما يتعلق بالاوضاع المستجدة. أنا أثق في ما تُقِرُّه قيادتنا و إن لم أفهم الحكمة من وراء قراراتهم، و لا يجب أن أفهم كل شيء. فليس كُل ما يُعرف يُقال. و يجب أن لا ننسى بأن الإيمان بالغيب هي حكمة و ليست سذاجة و هي أول صفة يعطيها الله سبحانه و تعالى للمتقين كما في الآية الثالثة من سورة البقرة
لك أخي أن تبحث و تحلل و تحكم على مواقف سياسية قديمة و التي تتوفر حولها المعلومات الكافية و الضرورية للبحث و التحليل، بعد أن أفصحت عنها السلطات المعنية. و هذا لا ينطبق على المواقف و الأحداث السياسية المعاصرة و التي تشوبها التعتيم، بسبب شح المعلومات المعتمدة
لذا، يمكننا أن نختلف، و لكن ليس من الحكمة أن نشكك في نوايا بعضنا البعض. فالسياسة هي العمل بخير الخيرين و أقل الشرين بعد الاطلاع على ٨٠% من الحقائق، و ليس ٢٠% من الأخبار
أخي الكريم، من الطبيعي أن لا نتفق، لأن لنا حق الاجتهاد و الاختلاف. و لكن مهم جدا بالنسبة لي أن تبقى أنت متفقا مع سياسات حكومتك و أن تستمر كمصري في دعم الرئيس السيسي و كل ما يعزز إستقرار و نجاح مصر، سواءً فهمت الحكمة أم لم تفهم. و مهم جدا بالنسبة لي أن لا تنقلب على السيسي، سواءً ضرب السد أو لم يضرب
و تحيا مصر ❤
و الآن أكرر، لا تستعجل في الهجوم على الحكومة الإيرانية أو حزب الاخوان المسلمين، فأنت باطني مثلهم دون أن تدرك و تتبع منهجيتهم في تفسير الأمور. دعني أوضح لك وجه التشابه بين منهجيتك في التحليل و منهجية الحكومة الإيرانية و حزب الاخوان المسلمين الذين تظن أنك تخالفهم و تعاديهم في حين أنك دون أن تدرك تتبع منهجيتهم في تفسير الأمور و الحكم على الأوضاع
عندما عجزت غلاة الشيعة (أجداد الشيعة الحاكمين في إيران اليوم) عن تبرير الواقع المناقض لمعتقداتهم، لجؤوا الى منهجيات باطنية كالتقية، و هذا ما تصنعه أنت اليوم دون أن تدرك، و هي آفة كل معاند و عنيد
فالغلاة من الشيعة قالوا أن الخليفة علي رضي الله عنه كان يبغض الخلفاء من قبله. و الحقيقة أن قولهم هذا يتناقض مع الواقع و مع الحقائق التاريخية، كتزويج علي رضي الله عنه إبنته للخليفة عمر رضي الله عنهم أجمعين. و العقلاء يتساءلون، كيف للخليفة علي رضي الله عنه أن يزوج إبنته لعدو يبغضه؟! و عندما عجزت غلاة الشيعة عن إنكار الواقع و الحقائق التاريخية، لجؤوا الى مبدأ التقية و الحكم بأن علي رضي الله عنه أظهر الحب و الولاء للخلفاء من باب التقية. نسبوا بذلك الخوف و الجبن و الخبث للخليفة علي – حاشاه الله – ليبرروا نظرياتهم العقيمة و معتقداتهم الركيكه. و هذا ما تصنعه أنت للأسف مع الرئيس السيسي دون أن تعي
أنت و غيرك من أعداء الامارات أخذتم منحى غلاة الشيعة و المتمثلة في القائمين على الحكومة الإيرانية بعد أن صدمكم الرئيس السيسي بإستقباله للشيخ محمد بن زايد – حفظهم الله – شخصيا في المطار و بكل حفاوة و صدمكم مجدداً عندما شاهدناهم يمشون بمنتهى الود و أذرعهم تتشابك كالأشقاء أثناء توديع الرئيس السيسي للشيخ محمد بن زايد في المطار. هذه المشاهد أسعدت الكثيرين ممن يحكمون بالظاهر كما أنها أغاظت الغلاة أمثالك ممكن يحكمون بالباطن
لذا، انت و غيرك من الغلاة و الباطنيين تدعون بأن السيسي يعمل بالتقية و يخبؤ في نفسه خلاف ما يظهر للشيخ محمد بن زايد حفظهما الله. لجأتم لهذا التفسير الباطني عندما عجزتم عن إنكار الواقع. بهذا، أصبحتم غلاة و باطنيين كالشيعة و أتباعهم الإيرانيين الذين تدعي مخالفتهم.
تفسيراتكم الباطنية لمواقف الرئيس السيسي ليست من أجل نصرة مصر و لكن من أجل نصرة نظرياتكم و آرائكم الشخصية و التي تنافي الواقع و الظاهر. نقص الامانه العلمية و الشجاعة جعلتكم تلجؤون الى التنجيم و تفسير الأحداث بالكلام عما في قلوب العباد، و كأنكم تعلمون الغيب.
إنكم غلاة و تعملون بمبدء “خلقتني من نار و خلقته من طين”، أي أنكم دائما على الصواب و غيركم مخطؤون، و هذا شذوذ و إنحراف عن مبادئ الصحافة الإستقصائية التي يفترض أن تعتمد كليا على الدلائل الملموسة، لا على الظن. أمثالكم من الغلاة سيصرون على شيطنة الامارات و الشيخ محمد بن زايد حتى إن خرج عليكم الرئيس السيسي بنفسه يحلف على القرآن بأن علاقاته مع الشيخ محمد بن زايد أقوى من جيدة
و الغلو أيضا ديدن الاخوان المسلمين الذين تظن بأنك تخالفهم في حين أنك تتبع منهجيتهم الباطنية، إذ يحسنون الظن في أردوغان و يبررون تطبيعه مع إسرائيل في حين يسيؤن الظن في محمد بن زايد و يشيطنون تطبيعه مع إسرائيل
فإنتبه رحمك الله
ملاحظاتي على الحلقة ١
انا مسلم حر و سلفي التوجه، اؤمن بوجوب الاستماع للجميع (الراي و الراي الاخر) و من ثم إعمال العقل في ما سمعت و الخروج باستنتاج و قرار كما تدل الاية الكريمه (ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤئكَ ٱلَّذِینَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُو۟لَـٰۤئكَ هُمۡ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ) زمر ١٨. كما اؤمن بوجوب احترام التراث الموروث و تفهمه و إن إختلفنا معه، فمن صنعوا التراث لا يتواجدون معنا ليشرحوا ما قصدوه و لعل لو عشنا عصرهم لقلنا بما قالوا به.
خبرتي المتواضعه علمتني أن للاستماع أشكال مختلفة، كحضور الدروس (كهذه الحلقات) و قراءة الكتب. و بالنسبة لي خير بيئة للاستماع هي حضور او مشاهدة المناظرات حيث يمكن التاكد من مدى قوة الحجج و الشبهات.
و شاهدت لك مناظرة مع اثنين من مشايخ الأزهر الكرام و وجدتك تتكلم بهدوء و تمتلك الشجاعة لتقبل الرأي الاخر، و هذا حدث أثناء اللقاء. و ما عكر صفو اللقاء أن الازهريين كانوا يتعاملون معك بالشك و الريبة، الا أنهم تعجبوا لقبولك لبعض ردودهم . الحقيقة أنني لم أجد فيك التزمت و التكابر و العند كما هو الحال في من سواكِ من غالبية المطالبين بتنقية التراث الديني الموروث كالسيد اسلام بحيري، رغم أن المشايخ الذين ناظروه كانوا اكثر لطفا و علما و حجه مقارنة بالمشايخ الذين ناظروك.
لذا، ساتابع هذه السلسة دون عواطف و سأكون ناقد شرسا و مؤدب إن لزم الامر.
ادعوا الله أن يوفقكم.
ملاحظاتي على الحلقة ٢
إنتهيت من مشاهدة الحلقة الثانية و المثيرة من خطابكم الصريح. و جميل ما ذكرتم بأن الدين هو النص و ليس فهم الناس للنص و أن مناقشة فهم الناس للنصوص لا يعد قدحا في النصوص الدينية. و أتفق أننا يجب أن نعبد الله و ليس الموروث، و أن لا نجعل للموروث قدسية تمنع مناقشتها. لم نمنع النقاش و قد سمح الله سبحانه و تعالى أن يناقشه الملائكة في خلق آدم عليه السلام كما ورد في سورة البقرة الآية ٣٠ (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤئكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَ یَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ وَ نَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ).
الا أنني ما زلت أنتظر أن تبينوا لي كمسلم حائر و مسكين، المنهجية التي تعتمدونها في غربلة التراث الإسلامي الموروث. لأنني أرفض كإنسان مثقف و متعلم أن أنظم لمدرستكم الجديدة قبل أن تتضح لي معالم مناهجكم و معاييركم في البحث و التطوير التعليمي.
اتفق معكم بأن النهايات قد تؤثر في صناعة البدايات و الواقع، لذا يجب أن تخلوا من الأهواء الشخصية و إن حسنت النيه، و لكن هذا يحدث فقط في القصص و الحكايات أو الأبحاث المكذوبة و المبنية على الخيال. أما في العملية التعليمية و كما تعلمون، فالبدايات هي التي تصنع النهايات، و الأبحاث المعتمدة و الموثوقة تبدأ بطرح المعايير و الفرضيات و المنهجيات المعتمدة قبل أن تنشر نتائجها. لذا، أجد طعنكم في بعض النتائج (النهايات) التي وصلت الينا من التراث الاسلامي الموروث مغالطة أخلاقية، إذ إنكم تعتمدون ذات الأسلوب الذي تحذرون منه و تنتقدونه في رواد التراث الاسلام الموروث من تهويل و تدمير و نسف للنهايات لقناعات شخصية بحته بغرض التأثير على الواقع و البدايات.
فبإستنكاركم لنتائج (نهايات) علوم وصلتنا كتراث ديني موروث (كاسماء الملكين، منكر و نكير) لمجرد أنكم لا تستسيغون معنى إسم “المنكر”، تقومون بالحقيقة بتشويه النهايات التى توصل اليها غيركم للتاثير على واقع المشاهدين و إقناعهم ببدايات جديدة إرتضيتموها أنتم لهم. اليس أسلوبكم هذا في التشويه و الترهيب و الترغيب هو بالضبط ما تتهمون به كُتَّاب التراث الاسلامي الموروث و تنتقدونه فيهم، هذا إن صحت التهمة؟ فانتم أيضا تدمرون نهايات غيركم للتأثر على واقع من يشاهدونكم من المسلمين.
لذا، ما زلت أنتظر أن أعرف منهجكم و معاييركم في غربلة التراث الموروث، و لعل الحلقات القادمة ستوضح ذلك، فنحن في بداية الطريق. فصبر جميل.
و لكن، ما هو مؤكد هو أن كُتَّاب التراث الإسلامي الموروث و رواده كالبخاري و مسلم رحمهما الله، لهم منهجيات و معايير واضحة و مكتوبة في البحث و غربلة التراث الاسلامي، و من أراد أن ينتقدهم عليه أن يبحث و يغربل التراث الموروث بناءً على تلك المنهجيات و المعايير المعتمدة أو أن يأتوا بمنهجية و معايير جديدة و أكثر دقة و صحة و تفوقاً لإعتمادها من قبل المختصين.
و كل محاولة للنقد و التجديد مرفوضة علميا إذا لم ترتكز على فرضيات و مناهج سليمة، كما هو الحال في كافة العلوم و كما هو متبع في جميع مراكز الأبحاث الطبية و الهندسية و الفيزيائية المعتمدة. فعالم الفيزياء المشهور آينشتين أقنع العالم بنتائجه (النهايات) بالإثباتات المبنية على الفرضيات و المنهجيات و المعايير السليمة (البدايات)، لا على ذوقه و أمنياته و أهوائه الشخصية. و الحقيقة أنني الى الان، لم أجد أحد من ناقدي رواد التراث الموروث (النهايات) يناقش المنهجيات و الفرضيات و المعايير التي تبناها أولئك الرواد (البدايات) في البحث، و لعلكم ستفعلون ذلك إن شاء الله في الحلقات القادمة. فصبر جميل.
أما ما يخص إستنكاركم و تشكيككم في إسم “منكر” و كونه لا يليق إسماً لمَلَك كريم، فأذكركم بأن الله جل جلاله أسمى نفسه في القرآن “بالمتكبر” و “القهار”. فهل ترضون أن يستنكر أحدهم هذه الأسماء، و هي من الأسماء الحسنى، بسبب معانيها التي قد لا يستسيغها شخصيا؟. و إستنكرتم أيضا أن يكون لون الملكين منكر و نكير أسود و أزرق كما ورد في التراث الاسلامي الموروث، و في هذا شيء من العنصرية. فكأنك تستهجن لون بشرة الأفارقة و منهم الأسود و الأزرق؟ فإنتبه رحمك الله. مع إحترامي الشديد لأذواقنا الشخصية، إلا أنها لا تصلح أن تكون معيار و منهج في البحوث العلمية.
و ذكرتم أن الأكثرية دائما على خطأ، و هذا لا يستقيم. فالأكثيرية و الأقلية يمكن أن يكونا على خطأ أو صواب. و على سبيل المثال، القرآن يذم الملأ من قوم نوح عليه الصلاة و السلام، و الملأ هي الأقلية المسيطرة في أي قوم، و يعتبرها هنا على خطأ كما في الآية ٦٠ من سورة الأعراف (قَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِۦۤ إِنَّا لَنَرَاكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ). مع الأسف الشديد، كثيرا ما يبحث الكُتَّاب عن مبررات قرآنية لاحتقار الأكثرية لصالح الأقلية. كل هؤلاء فسروا الآيات الكريمات التي وردت في مقام ذم الأكثرية بما يوافق هواهم. فسروها كما شاءوا ليبينوا فضل الأقلية على الأكثرية. فانتبه رحمك الله
كما عهدتكم، ساتابع هذه السلسة دون عواطف و سأكون ناقد شرسا و مؤدب إن لزم الامر
ادعوا الله أن يوفقكم
ملاحظاتي على الحلقة ٣
يبدوا لي من خلال تصفحي و تتبعي لما يتم تداوله عن الاحداث المؤلمه في فلسطين المحتلة، أن العاطفة إستحكمت على أقلام كُتَّاب العرب و المسلمين و أعمت بصيرتهم و قدحت في عدالتهم و مصداقيتهم. أقصد بالتحديد اؤلئك الذين ركبوا موجة أحزان الأمة ليطعنوا في هذا و يعظموا من شان ذاك بما تشتهي أنفسهم، في حين أن ديننا يأمرنا بالعدالة مع من نخالف و نبغض إذا صدقوا و أن نأخذ على يد من نوافق و نحب إذا ظلموا
فنجد الكُتَّاب يستغلون الفرصة و يساوون بين التطبيع و الإساءة للقضية الفلسطينية أو مديح الإسرائيلين، في حين لا علاقة بين التطبيع مع إسرائيل و طعن سفهاء المطبعين في القضية الفلسطينية العادلة و ضحاياها الأبرياء بالسب أو مديح إسرائيل
فالسفهاء موجودون في الفريقين و لعل سفهاء العرب اليوم و من يهاجمون الفلسطينيين بالتحديد إنما يردون على:
١- التاريخ الاسود للقيادة الفلسطينية مع إخوتها العرب مقابل كرمها و تسامحها مع غير العرب.
٢- التطبيع الفلسطيني مع الغزو العراقي للكويت و ما ترتب عليه من قتل للأبرياء من الكويتين (و العراقيين) و السكوت عن دماء كويتية بريئة أريقت ظلما كانت تتبنى القضية الفلسطينية و تهتف لها.
٣- التجريح المستمر للسفهاء الفلسطينيين في القيادات العربية و إتهامهم بالخيانه في ظل سكوت القيادات الفلسطينية.
معضم الكتاب لم يوفقوا في مقالاتهم، لانهم سكتوا عن السفهاء الفلسطينيين و كأن الفلسطينيين كلهم عقلاء، و هذه مغالطة أدبية و تاريخية
فعلى الصعيد الرسمي، الكُتَّاب يطعنون في التطبيع في مقالاتهم (و هذا رايهم و يحق لهم) و لكنهم لا يذكرون أن الامارات مثلا طبعت رسميا مع إسرائيل و لكنها لم تمدح الاسرائيلين، بل أستنكرت رسميا الهجمات الاخيرة و جمدت رسميا الملفات مع إسرائيل من أجل التهدئه. هؤلاء الكُتَّاب أقرب إلى التنجيم من التحليل و أبعد ما يكونون عن منهج أهل السنة و الجماعة عندما يتغافلون عن كل هذه الحقائق رغم أهميتها و إرتباطها بالموضوع و يظنون بالقيادات الظنون و يحكمون عليها بما في القلوب ضربا بالغيب.
أما على الصعيد الشعبي، فلا يجب أن نساوي بين ما يفعله السفهاء و ما يفعله الناقدين لقرارات الفصائل الفلسطينية. فمن حق الفلسطينيين علينا كمسلمين و عرب أن نسدي اليهم النصائح بأدب و نناقش قرارات حركة حماس و تبعاتها على الابرياء من الفلسطينيين. فحركة حماس قد تكون مسؤولة جزئيا، و ربما كليا، عن دماء الضحايا التي أريقت في غزة جراء القصف الاسرائيلي العنيف و المدمر و الذي جاء رداً على القصف الانتحاري لحركة حماس لإسرائيل بالرغم من عدم تكافؤ الكفة العسكريه و الإقتصادية
و ليس خطأ أن يقوم المسلمون و العرب (خاصة من يتحملون أعباء الأعمار في فلسطين) بمُساءلة أهلية حركة حماس و جدوى مقاومتها الدموية في قيادة صراع القضية الفلسطينية العادلة، كما قام العرب و الفلسطينيين مؤخرا بالسماح لأنفسهم بانتقاد قرار دولة الإمارات بالتطبيع مع إسرائيل، رغم أن التطبيع لم يتسبب في إراقة قطرة دم فلسطينية. و إذا يحق لحركة حماس أن تهاجم إسرائيل دون إستئذان إخوتها العرب، يحق كذلك لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تطبع مع إسرائيل دون إستئذان الفلسطينيين. ينسى الكُتَّاب مجددا أن ما يَحِلُ للفلسطينيين يحل لكل العرب
النقد البناء لا يعتبر قدحا في مبدء الولاء و البراء، كما نسمع و نقرأ هنا و هناك كلما إختلف أحدنا و قدم النصح للقيادات الفلسطينية، فالصحافة الاسرائيلية تقوم الان بنقد و دك حكومة نتنياهو دون أن يتهمها أحد بخيانة إسرائيل و القضية الصهيونية. و الله سبحانه و تعالى إنتقد المؤمنين المخالفين من الرُمَاه في غزوة أُحد لتهورهم و تسببهم في إلحاق الخسائر في الجيش المسلم و تسببهم في إصابة الرسول صلى الله عليه و سلم بجراح بليغة. فما بال البعض و ما سر حساسيتهم الزائدة و كَونهم ملكيين أكثر من ملك الملوك؟!
إن أردنا أن نستنكر السفاهة، فعلينا أن نستنكر كل السفاهات العربية، بما فيها الفلسطينية. و النقد البناء و المؤدب للسياسات ليست سفاهة و لا طعنا في الولاء و البراء أو إستخفافا بآلام الجرحى و أرواح الشهداء. فالعقلاء و السفهاء موجودون في الطرفين، و هذا ما يغفل عنه الكتاب أو يتغافلون عنه لاسباب عاطفية أو أهواء سياسية
عاشت فلسطين حرة
يتساءل الأحباب:
لماذا تنوى الحكومة إستبدال إجازة الجمعة و السبت الأسبوعية بالسبت و الأحد، علماً بأن في هذا التغيير التشبه باليهود و النصارى؟!
أقول:
إجازة الجمعة ليست سُنَّة نبوية، و إنما هي عُرف إجتماعي. فيوم الجمعة كان يوم عمل على عهد الرسول صلى الله عليه و سلم و لم يكن عطلة أسبوعية. فما قبل و بعد صلاة الجمعة كان عمل و تجارة، حاله حال باقي أيام الأسبوع كما يتبين من الآيات:
(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ فَإِذَا قُضِیَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ) سورة الجمعة الآيتين ٩ و ١٠
إطمئنوا أيها الأحباب، فتحديد أيام الإجازات الاسبوعية مسالة تنظيمية و إقتصادية و سياسية بحته و لا علاقة له بالعقيدة. و إن كان و لابد، فإهتموا و إقلقوا على تماسك أُسَرِكُم و تربية أبنائكم و لا تخافوا على ديننا الذي تكفل الله بحفظه من خلال علمائنا الأجلاء. علموا أبنائكم اللغة العربية و هي لغة القرآن و السنة النبوية الشريفة، و التي أصبحت غريبة بين أطفالنا مع الأسف الشديد بسبب مبالغة الأهالي في الإهتمام باللغات الأجنبية. إزرعوا في أبنائكم العقيدة السلفية الصحيحة و تسامح إخواننا من جماعة الدعوة و التبليغ
هنا قد يرد الأحباب:
نتفق معك على أهمية اللغة العربية و الأسرة و التربية الصحيحة، و نتفق معك أن إجازة الجمعة ليست سنة نبوية و أنها عُرف إجتماعي. و لكن الرسول عليه الصلاة و السلام أمرنا بأن نخالف اليهود و النصارى، في حين إننا نستنسخ إجازاتهم، فإجازة اليهود يوم السبت و إجازة النصارى يوم الاحد و بهذا نحن عمليا نخالف هدي المصطفى صلى الله عليه و سلم. ما يجري هو أننا و على غفلة منا نخالف الآية
(وَ لَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینٌ) البقرة ١٦٨
ألا ترى أننا نتبع عادات غير المسلمين كما الحال في تركيا، البلد المسلم الذي عندما تزوره تشعر و كأنك في دولة أوروبية؟!
أقول:
أحيي فيكم غيرتكم على الدين و أحسنتم إذ إستشهدتم بهدي الرسول صلى الله عليه و سلم في مخالفة اليهود و النصارى و المجوس. فعلا، هذه نقطة مهمه و جوهرية و بحاجة الى تأمل
راجعت و على عجالة الروايات التي دعى الرسول صلى الله عليه و سلم فيها بمخالفة اليهود و النصارى و المجوس و وجدتها كلها تنهي عن أمور إما كفرية أو عادات و تقاليد بالية، لا تليق بأمة الإسلام. و لكنني لم أجده – صلى الله عليه و سلم – يطلب مخالفة أمور طيبة أو حسنة. الرسول صلى الله عليه و سلم كان فقط يخالف منهجياتهم الخاطئه
من المستحيل أن تجد في السنة الشريفة الأمر بمخالفة اليهود و النصارى و المجوس في كل شيء، فهذا غير منطقي. و يكفي أن الله مدح أهل المدينه في القرآن و وصفهم بانهم يتطهرون، و لما سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن سر مديح الله لهم قالوا أنهم يغسلون أدبارهم بالماء بعد الغائط أسوة بجيرانهم اليهود. و الرسول صلى الله عليه و سلم سُرَّ بفعلتهم هذه و لم يطلب منهم مخالفة اليهود، و لك أن تراجع تفسير الآيه ١٠٨ من سورة التوبه
(فِیهِ رِجَالࣱ یُحِبُّونَ أَن یَتَطَهَّرُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِینَ)
إذاً، مخالفة اليهود و النصارى و المجوس منهجية راقية تهدف الى ترك عاداتهم الفاسدة و كذلك العادات الفاسدة لمن سواهم. و الاسلام لا يرتكز على منهجية واحدة، بل على منهجيات عدة و كلها جميله و تكمل بعضها البعض و لابد من مراعاة كل المنهجيات عند بحث أية مسألة جديدة. و كما أن هناك منهجية المخالفة، هناك أيضا منهجية قرآنية تدعوا الى التشبه بغيرنا من الأقوام. كيف؟
هناك منهجية إسلامية راقية تبدوا في الظاهر إنها تناقض منهجية مخالفة اليهود و النصارى في حين إنها تكملها. فالآية التالية تطلب منا البحث عن الممارسات الحسنة و تبنيها
(ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤئكَ ٱلَّذِینَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُو۟لَـٰۤئكَ هُمۡ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ) سورة الزمر الآية ١٨
هذه الآية تدعونا أن نبحث عن أفضل الممارسات بهدف تبنيها و بغض النظر عن مصدرها، و إن فعلنا ذلك نكون عباد الله الذين إستحقوا البشارة كما ذكرت في نهاية الآية التي تسبقها
(فَبَشِّرۡ عِبَادِ) سورة الزمر الآية ١٧
ثم، هل ترضون أن يخالفنا اليهود و النصارى و المجوس في كل شيء و ينغصون علينا و على المسلمين في الغرب و يغلقون أكثر من ١٣،٠٠٠ مسجد في أوروبا فقط؟
إقرؤا عن وثيقة المدينة و هي أول دستور كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مباشرة و بعد إستلامه زمام الحكم في المدينه. أنظروا كيف عامل الرسول صلى الله عليه و سلم غير المسلمين في دولته و كيف انه وصف كل من وافقوا على الوثيقة “بالامة” من المسلمين و اليهود و النصارى و المشركين و إعتبرهم جميعا جزء من الامة
هنا قد يتساءل الأحباب:
حسنا. لماذا اليهود لا يبدلون إجازتهم من يوم السبت منذ آلاف السنين و لماذا الغرب النصرانية لا يتبعوننا و أصبحنا نتبعهم خطوة بخطوة في كل أمور الحياة؟ و كذلك ما نسمعه من أخبار تفيد بقبولنا تعايش النصارى بيننا و إنجابهم الأطفال بدون عقد الزواج!! الى أين نحن ذاهبون وراءهم؟! كانت إجازتنا جميلة عندما كانت يومي الخميس و الجمعة. ألا ترى أننا و للأسف أخذنا نتبع الغرب و خطوات الشيطان شيئا فشيئا في غفلة من أمرنا؟!
أقول:
أسئلتكم جميلة و صعبة، و لكن الإجابة بسيطة. فبعد قدر من التأمل خَلصت الى أن إستنكاركم أنتم و غيركم من غالبية المسلمين نابع من حرصكم على الدين و قدسية يوم الجمعه، و ذلك لإهتمامكم بشعيرة صلاة الجمعة. إلا أن المِلَل الاخرى من اليهود و النصارى تكاد لا تطأ بيوت العبادة و يحتاجون الاجازة لكي يمارسوا هواياتهم الشخصية و منها الشُرب حتى السُكر و لعب القمار. صحيح أن إجازاتهم تصادف أيام دينية مهمة في اليهودية و النصرانية، الا أن الهدف منها هو اللهو الغير المباح و ليس التدين. و هذا النظام بدأ في الغرب في مطلع القرن العشرين و تبنتها الدول الصناعية للتخفيف عن العمال و تحسين إنتاجيتهم، و لكي يرجعوا للعمل نشطين و بانتاجية جيدة بعد يومين من الراحة و اللعب و العربدة
كما سبق أن ذكرت، نظام الإجازات ليست إسلامية و الرسول صلى الله عليه و سلم لم يعلن الجمعة يوم عطلة، و إنما الثورة الصناعية هي التي أتت بفكرة الإجازات الاسبوعية و فعلت ذلك لاسباب ربحية. المسألة ليست عقدية و إنما اقتصادية و سياسية بحته
فعبر التاريخ، كان و ما زال الأقوى إقتصاديا هم من يحكمون السوق و يفرضون شروطهم و قوانينهم. و إذا علمنا أن الناتج القومي السنوي الأمريكي يعادل ٢٠ تريليون دولار، و تأتي الصين في المرتبة الثانية بناتج قومي تفوق ١٤ تريليون دولار، في حين الناتج القومي السنوي للمملكه العربية السعودية يفوق ٧٠٠ مليار دولار بقليل (أي أقل من التريليون الواحد)، عندها يسهل الإستنتاج بأن الدول الغير إسلامية هي من تتقدم العالم إقتصاديا و لا عجب من إتباعنا لهم من أجل الربحية. إنها مسألة إقتصادية بحته. و عليه، إن أردنا أن نتحكم في العالم، فعلينا أن نعزز الإستقرار بالكف عن الثورات المشبوهة و بث القلاقل. علينا أن ندعم البرامج التنموية لحكوماتنا و التي أثبتت نجاحها لكل مراقب منصف
كما ذكرنا، أَسَّس الرسول صلى الله عليه و سلم دولته على وثيقة المدينة التي كانت تتبنى حرية المعتقد لأقلياتها و إحترام ثقافاتها من اليهود و النصارى و المشركين كجزء من أمة يحكمها نبي الامة صلى الله عليه و سلم. فبينما كانت الدولة تحرم على المسلم التعامل مع المسكرات و التجارة بها، كان اليهود و النصارى في الدولة الإسلامية يحق لهم أن يتعاملوا بالخمر، لأن للخمرة قدسية في شرائعهم و وثيقة المدينه كانت تضمن لهم حرية المعتقد و الثقافة. فالآية ٩٠ من سورة المائدة موجهة للمؤمنين و ليس اليهود و النصارى و المجوس لأنهم غير مؤمنين من المنظور الإسلامي
(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَـٰمُ رِجۡسࣱ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ)
هذا ما كان يحدث في ظل حكومة يراسها النبي صلى الله عليه و سلم، و كانت هذه الحكومة لا تتبنى أياماً محددة كإجازات أسبوعية، بل كانوا يعملون و ينتجون طيلة أيام الاسبوع. و كانت الجمعه و السبت و الأحد مجرد أيام مقدسة. و عليه، إن أردنا حقاً أن نتبع سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم فيجب الغاء العطلات الاسبوعية كلها و العمل طيلة الاسبوع
العرب و المسلمون تبنوا فكرة الإجازات الاسبوعية من الغرب الصناعية لأننا إستَحسَنَّا نظامهم و إعتبرناها مماراسات جيدة. و عليه، ما هي الأضرار العقائدية المترتبة في حال قررت الحكومة و لأسباب إقتصادية و سياسية بحته أن تنسق مع الغالبية في العالم و تجعل السبت و الأحد إجازتنا الأسبوعية بدلا من الجمعة و السبت؟ و لا أجد في ذلك مخالفة للشريعة أو السنة النبوية. و ما الفائدة العقائدية المترتبة إن جعلنا إجازتنا يومي الخميس و الجمعة؟ الدولة لم تلغي يوم الجمعة من الاسبوع و لم تقلل من قدسيته و لم تقل بإلغاء صلاة الجمعة جماعة
و كذلك، إن كان صحيحا ما يتم تناقله من قرار السماح لغير المسلمين في بلادنا بالعيش و إنجاب الاطفال دون عقد زواج، فذلك من باب إحترام ثقافاتهم و عُرفهم و شرائعهم كأقليات تعيش بيننا. فلم يعد سراً أن شرائع و عادات الغرب و غيرهم الكثير من المِلَل تجيز النكاح و إنجاب الأطفال دون عقد الزواج، و الكنائس تعترف بهكذا أطفال و تقوم بتعميدهم. هذا القرار، إن كان صحيحا، شبيه بقرار الرسول صلى الله عليه و سلم و سماحه لغير المسلمين بالتعامل فيما بينهم بالخمر كما تقتضيه معتقداتهم و ثقافاتهم
و هنا، أرجع و أنبه باهمية تربية ذرياتنا على القيم الإسلامية و الشرقية و الإهتمام باللغة العربية لكي نُقِي أجيالنا شر الوقوع في الفتن و لكي لا يتشبهون بالغرب، و يبقون على عُرفكم و قيمكم و إن عاشوا في الغرب
و إن كان اليهود و النصارى يبدون التعصب لأيامهم المقدسة، فلا يبرر ذلك أن نقلدهم و نتعصب نحن المسلمون أيضا لأيامنا المقدسة. بل في مثل هذه الحالات، يجب مخالفتهم كما فعل الرسول صلى الله عليه و سلم و يجب إتباع التسامح الذي حكم به الرسول صلى الله عليه و سلم أمته من المسلمين و غير المسلمين. نحن المسلمون أمة الشهادة
(كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ) سورة آل عمران الآية ١٠
و يجب أن تكون ممارساتنا متساوية بالممارسات العالمية الحسنة، إن لم تكن أفضل منها. يجب أن نتحدى العالم بالخير، لا بالشر و إن إضطررنا أن نتعامل معهم بالشر فيكون بشكل محدود و مقنن بهدف درء المضرات
أحبتي، الاجازة الاسبوعية في إسرائيل يوم الجمعة و السبت و ليس السبت و الأحد. أقول هذا لابين أننا لا نقلد الاسرائيلين كما يظن البعض من الاحباب و كما يلمز المخالفين السياسين. و للأسف الشديد، يقوم هؤلاء المخالفين بالتشكيك بكل ما يُقِره ولاة الأمر ليثبتوا مُولاة الحكام لليهود و النصارى. يفعلون ذلك و هم يعلمون حق المعرفة بأن شيخ الإسلام إبن تيمية – رحمه الله و جزاه عنا خير الجزاء – قد أعطى الحكام صلاحيات كبيرة تفوق كل ما ذكرناه شريطة حسن النية، و إن أحببتم إقرؤا ما ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي المجلد العشرون “فصل في تعارض الحسنات و السيئات”. يفعل المخالفون هذا لأسباب سياسية و بهدف بث القلق بين الأبرياء و تشكيكهم بولاة الأمر، و بها تضعف الامة و تتفكك لتصبح لقمة سهلة لكل طامع
و ليحذر و يتق الله أولئك الذين يطعنون و يشككون في نوايا ولاة الأمر، فالتشكيك بما في قلوب الناس ليس من منهج أهل السنة و الجماعة بنص الحديث
(عَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه و أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، و يُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ و أَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، و حِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ ) مُتفقٌ عليه
و معنى “حسابهم على الله” أن الله يحاسبهم بصدق ما في قلوبهم و نواياهم، أما نحن فنحكم بظاهرهم، و هذا منهج أهل السنة و الجماعة و الله أعلم
كتب أحدهم:
“نعلنها صراحة بأننا سعداء بالطلاق البائن الذي حدث بين المملكة العربية السعودية و المذهب الوهابي و نقف خلف ولي العهد محمد بن سلمان الذي سينزع عن هذه الأمة ما علق بها من خرافات ساهمت في تجهيل و إخضاع الشعوب لعقود طويلة. رحلة الآلف ميل تبدأ بخطوة.”
أقول:
اخي الكريم،
الأمير محمد بن سلمان حفظه الله و رعاه لم يُطَلِّق الوهابية طلاق البائن، لان الفكر و العقيدة بمكانة الأب و الأُم للأمة و ليس الزوجة، و الأُم لا تُطَلق
أنا مثلك سُعدت جدا لتصريحات الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، و لكنني أختلف معك في نظرتك الضيقة للوهابية و أفهم الوهابية بشكل مختلف تماما عنكم
فالوهابية لها علماؤها و أنصارها و العلة غالبا في الانصار و الأتباع و ليس العلماء، و أنت أخي الكريم اقرب فكراً و طرحاً و عاطفة و تسرعا لانصار الوهابية الذين تنتقدهم. فدع الأمير محمد بن سلمان حفظه الله يقوم بالمهمة و خلفه العلماء و لا تُقَوله ما لم يَقله
فأنا شهدت عهدا كنا نعبد فيه القبور و الاشجار و العباد، ثم أتى علماء مدرسة محمد بن عبدالوهاب و أعادوا البناء على أسس البيت الإبراهيمي و المحمدي – عليهم و على آلهم افضل الصلاة و أتم التسليم – و رجعوا بنا إلى العقيدة السليمة و الى عبادة الله سبحانه و تعالى وحده و على منهج السلف و الكتاب و السنة الصحيحة الصريحة. و انا ممتن لهم و سأضل ممتنا لإنقاذهم لي و أهلي و أمتي من النار و تعليمي الدين و العبادات. و صفاء عقيدتهم و منهجهم و قوة أدلتهم هي ما جعلتهم ينتشرون كالنار في الهشيم عالميا و في الغرب بالذات و بين نساء الغرب و مثقفيهم، بالرغم من شطحات من يظنون أنفسهم أنصار الشيخ محمد بن عبدالوهاب
(رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ) سورة الممتحنة الآية ٥
فعلماء مدرسة محمد بن عبدالوهاب علمونا أن نتعلم الدين و نفهمه، لا أن نتوارثه كغيرنا. و علمونا أن نسأل “لماذا؟” و نطالب بالأدلة و أن نسمع و نتفكر. فهم من حفظوا التراث من الأكاذيب و الخرافات و قدموه لنا سهلا طيبا، فجزاهم الله خير الجزاء
و اليوم و بفضل جهود علماء مدرسة محمد بن عبدالوهاب، أصبحت الامة تنعم بمناعة ممتازة ضد الشرك و الجهل و الخرافات و الكذب و التدليس و أصبح بمقدور الأمير الشاب محمد بن سلمان حفظه الله أن يغير الخطة و هو مطمئن و مؤمن بقدرة الامة على مجاراة تحديات التغيير. فما عادت الامة صغيرة و مراهقة يخاف عليها الفتن، بل أصبحت الامة فتية و قوية و جاهزة لاقتحام عالم الافكار بكل اتزان و ثقة. فجزى الله أصحاب المدرسة الوهابية خير الجزاء
الامير محمد بن سلمان حفظه الله ما زال يتبع عقيدة السلف و لكن بحلتها الجديده و دون أن يخرج عن المسار القديم. الامير مثلنا، ممتن لمدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب و جاهز لمرحلة جديدة تناسب عصرنا
و اخيرا، الوهابية ليست مذهبا و اتباعه ليسوا معصومين. إلا أن حينما تقارنهم بغيرهم، تجد لهم فضلا كبيرا على الآخرين. هذه المدرسة علمية بحته و جافة و خالية من العواطف و التناقض، بالضبط كالمدرسة العلمية الأوروبية و بالأخص الالمانية. فعلماء مدرسة محمد بن عبدالوهاب أكادميين و لا يهتمون بمشاعر الناس عند البحث عن الحقيقة، كما هو الحال في المدرسه الغربية العلمانية. فانتبه رحمك الله و دعك مما ينشر في الإعلام و على وسائل التواصل الاجتماعي!
السعودية و السعوديين و منهم الإمام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله رحمة واسعة – و مدرسته، كانوا و ما زالوا نبراسا للامة يهدونا الى السراط المستقيم. آن أوان تغيير الاستراتيجية دون أن نحيد عن عقيدتنا السليمة و ثوابتنا الاسلامية و المسار الذي سلكه من قبلنا. أقول للأمير محمد بن سلمان حفظه الله، إمض على بركة الله و على نهج سلفنا و نحن معك
عدم الترحم على غير المسلم مسألة علمية و فكريه بحته و الفكر لا يجب تجريمه، خاصة إذا كان الفكر عليه دليل من القرآن و السنة الصحيحة الصريحة
انا مسلم و المسيحي يعتبرني كافرا و هذا لا يغضبني. كذلك، بالنسبة لي المسيحي كافر و يجب أن لا يَغضَب المسيحي مني لتكفيره. يجب أن نرحب بالافكار و الحوار الصريح لنصل الى الحقيقة. مراعاة مشاعر الآخرين مهم جدا و لكن الوصول للحقيقة اهم بكثير و لا يمكننا أن نتطور كمجتمعات اذا لم نتصارح بأدب
أقول هذا و انا املك و لله الحمد الكثير من الأصدقاء الغير مسلمين و الذين أعتز بصداقتهم. فكونهم كفار لا يدل على أن لا احترمهم و اتعايش معهم و أبرُّهم بنص القرآن الكريم
(لَّا یَنۡهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ) الممتحنة الاية ٨
فأفضل البِرّ الصدق و حرية الفكر اهم من مراعاة مشاعر الناس و تحري الصدق مع الناس افضل من خداعهم. أنا أحترم صديقي المسيحي الصريح و الصدوق و إن كفَّرني. صديقي هو من يَصدُقُني القول و إن جرحني و عدوي هو من يكذب علي و إن أضحكني
في الرابط التالي، يغرد الدكتور و السياسي الإماراتي البارز السيد عبدالخالق عبدالله بتاريخ ١١ ابريل من عام ٢٠٢١ و ينشر نتيجة دراسة تفيد بأن دولة الإمارات العربية المتحدة من ضمن الدول التي تفتقر الى حرية التعبير و ينصح بوضع رؤية إماراتية وطنية للإرتقاء بترتيب الإمارات في مؤشر الحريات العالمي
https://twitter.com/Abdulkhaleq_UAE/status/1381298915518017536?s=19
بالرغم من تأييدي و هوسي للخطط التطويرية، إلا أنني لا أتفق مع الدكتور في خضوعه لنتائج تلك الدراسة الصادرة من مؤسسة أمريكية ممولة جزئياً من قبل الحكومة الأمريكية! فمن وجهة نظري المتواضعه، حرية التعبير غاية إنسانية راقية و آلية لمنع الفوضى و الفساد و تتبيب الأمن و الاستقرار، و يمكن تقسيمها كما يلي الى ٣ محاور رئيسية، مع أهمية مراعاة الترتيب:
١- المحور الأول (٥٠%): حق الاستماع و التعلم من الآخرين
٢- المحور الثاني (٢٥%): حق السؤال و الاستفسار و التعلم من الآخرين
٣- المحور الثالث (٢٥%): المشاركة في صناعة القرار بتقديم المشورة و الخبرات المكتسبة
و تبدأ حرية التعبير بالمحور الأول و هو الأهم، و بالتحديد مع حق الاستماع لآراء الآخرين و التعلم منهم. و الشعوب التي تنعم بخدمة الانترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، تنعم في الواقع بحكومات و أنظمة تحترم شعوبها و تتيح لها حق الاستماع للآخرين و تترك شعوبها لتَتبنى من الآراء ما تراها مناسبة، مصداقا لقوله تعالى
(ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُ) سورة الزمر الآية ١٨
و عليه، الحكومات و الأنظمة التي لا تمنع شعوبها من خدمة الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر أنظمة واثقه و تحترم حرية شعبها في الإستماع للآخرين، و تحقق تلك الحكومات بذلك ٥٠% من غاية حرية التعبير. و نحن في دولة الإمارات ننعم بهذه الحرية لحد كبير، بينما تقوم الأنظمة الغربية بتقييد حق شعوبها في الإستماع للآخرين من المخالفين و المعارضين بحجة محاربة العنف و العنصرية و التطرف و الشائعات، و يتم ذلك على سبيل المثال بحجب الأحزاب اليمينية المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة و تكميم أصواتهم، بل تم حجب و تكميم صوت رئيس الدولة كما حدث مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قبل منافسيه للحيلولة دون وصول خطاباته لأسماع الشعب الأمريكي
أما المحور الثاني من غاية حرية التعبير و بالتحديد حق التعلم بالسؤال و الاستفسار و التعلم من الآخرين، فيتحقق هذا المطلب بشكل كبير من خلال المحور الأول لحرية التعبير، أي من خلال حق الاستماع للآخرين (بما فيهم المخالفين و المعارضين). و الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي تتيح لمستخدميها فرصة سؤال الآخرين و الإستفسار و البحث و تلقي الآراء و الأجوبة من الصديق و العدو و القريب و الغريب. فمن ينعم بالمحور الأول من حق حرية التعبير أو حق الإستماع للآخرين بالتحديد، فهو يحضى بحق التعبير عن الراي بطرح الأسئلة على الآخرين و الاستفسار ضمن سعيه و بحثه عن الحقيقة. و كما ذكرنا مسبقا، الحكومات و الأنظمة التي لا تمنع شعوبها من خدمة الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر أنظمة واثقة و تحترم حرية التعبير و تحقق بذلك ٢٥% إضافية أو ما مجموعها ٧٥% من غاية حرية التعبير. و نحن في دولة الإمارات ننعم بهذه الحرية لحد كبير، في حين تقوم الأنظمة الغربية بتقييد حرية شعوبها و تمنعها من الاحتكاك بالأحزاب المخالفه و المعارضة بحجة محاربة العنف و العنصرية و التطرف و الشائعات، و ذلك بحجب النشطاء عن وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة و الحيلولة دون وصول خطاباتهم لأسماع الشعوب و منع الشعوب من توجيه أسئلتهم اليهم
أما ما يخص المحور الثالث و الأخير من غاية حرية التعبير و بالتحديد حق مشاركة الحكومة في صناعة القرار بإبداء الرأي و المشورة و مشاركة الخبرات المكتسبة، فالأنظمة تتيح تلك الفرص بطرق مختلفة و حديثة سواء من خلال القنوات الرسمية على الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي أو القنوات التلفزيونية و الإذاعية، أو عن طريق المجالس الشعبية حيث يتم إنتخاب شخصيات مؤهلة و مطلعة (خبراء) لتمثل الشعوب في البرلمانات أو مجالس الشورى. و تقوم تلك الشخصيات أو الخبراء بمشاركة الحكومة في صناعة القرار من خلال تقديم آرائها و خبراتها المكتسبة. فالحكومات و الأنظمة التي لا تحرم شعوبها من قنوات مشاركة المشورة و النصيحة تعتبر أنظمة واثقة و تحترم حرية التعبير و تحقق بذلك ٢٥% إضافية أو ما مجموعها ١٠٠% من غاية حرية التعبير. و نحن في دولة الإمارات ننعم بهذه الحرية لحد كبير من خلال المجلس الوطني و ما يقدمه من مشورات و نصائح عن طريق أعضائه المُنتخبين و أيضا من خلال قنوات و منصات أخرى مختلفة و كثيرة على الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي أو الإذاعات و القنوات التلفزيونية، حيث يقوم الخبراء بالمشاركة في صناعة القرار بطرح الأفكار و تقديم المشورة، كما تقوم الشعوب (العامة) من خلالها بطرح همومها و حاجياتها لعناية ولاة الأمر و من ينوبونهم
و هنا، يجب التاكيد على:
أ- وجوب تقييد حق التعبير بالرأي و المشورة على الخبراء و المختصين و المطلعين فقط، كل حسب تخصصه
ب- ٨٠% من عالم السياسة سرية و المكشوف منها لا تتعدى ٢٠% و هي مشوشه أو متضاربه و لا تصلح أو تكفي أن نصل بها الى الحقيقه أو نبني عليها آراء و مواقف سياسية
ت- توفر المعلومات الصحيحة و الخبرة شرطان أساسيان و لابد من توفرهما في كل من يود المشاركة في صناعة القرار مصداقا لقوله تعالى (وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤئكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا) الإسراء الآية ٣٦
ث- خوض الشعوب في السياسة و التحليل و تقييم الأوضاع، ناهيك عن طرح الحلول و الاستنتاجات، إستنادا الى ما تنشره الصحافة و الإعلام من معلومات متواضعه لا تشكل نسبتها في أفضل الحالات أكثر من ٢٠% من الحقيقة، يعد ضرب من ضروب التهور و السفسطة المُفسدة و المُضرة بالحرية و الأمن و الاستقرار و بعيدة كل البعد عن حق حرية التعبير
ج- قرارات الحاكم نافذه و ليست عرضة للمناقشة و التصويت أو تقييدها برأي الأغلبية، و هذا ما كان عليه السلف و خيار أمتنا بدءً بالخليفة أبوبكر الصديق عندما عزم على محاربة المرتدين و الروم في داخل و خارج جزيرة العرب رغم مخالفة الكثير من الصحابة له، و كان على رأس المخالفين له صاحبه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم اجمعين
و الله أعلم
احمد عبدالله و المشهور بأبو الاسلام، مصري معتقل بتهمة ازدراء الاديان و حرق الانجيل و معاداة الاقباط
لا عجب في مطالبة جهات اجنبية مسيحية و إدارة الرئيس الأمريكي الجديد القديم جو بايدن، باطلاق سراحه رغم معاداته للمسيحيه، فمن قبل طالبت تلك الجهات باطلاق سراح المتطرفين أمثال الخميني من سجون طهران و باركوا تهريب الآخرين أمثال البغدادي من سجون بغداد (رغم عدائهم للغرب المسيحية) ليستبدلوا الدول بالمليشيات
و في هذا اللقاء، يحلم ابو الاسلام المتناقض في تقسيم مصر بين المليشيات الدينيه كما هو الحال في بغداد و طرابلس و اليمن
يا مغيث
اسأل الله السلامة و العفو و العافية
الحمد لله الذي كشف عن المندوس و أقام العوج بالفيروس، كما كشف من قبل في الكهف لموسى، تاج الرؤوس
و إذا عرف السبب بطل العجب، فسنة ٢٠٢٠ كانت صريحة للغاية بلا خوف و نصب، كالمرآة الصادقة في قصة سنو وايت و البلورة الكاشفة في قصة سندباد، من و الى بغداد
فابيضت وجوه و إسودت وجوه، في صمت مشبوه لمنظمات العفو الدولية و الحقوقية إزاء إغفال المقتدر و توليهم عن الضعيف و المعدوم، فشاهة الوجوه
و الحمد لله على فشل خطط ٢٠٢٠ الغبية و إستبدالها بالذكية، فما سبقتها من خطط و سنين كانت قاصمة و إن بدت لطيفه، و ما كان يتنبؤ بها الخبراء في نهاية ٢٠١٩ لم تكن ابداً مطمئنة أو بريئه
و الحمد لله الذي كشف عن من تربعوا النجوم بالعلوم من حاكم و محكوم، و تكفلوا بهموم الظالم و المظلوم و الصديق و الخصوم، و نشروا الطمئنية في أرجاء الكون، عملاً بالموروث و طمعا بالرحيق المختوم
كل عام و انتم بخير
كونوا كما عهدتكم يا أجمل الناس
مهلاً أستاذي الفاضل
فالتعميم من الآفات
فورب الكعبة و المقدس
موقعها فوق الكلمات
لا تبخس قدر الكلمات
من عَرشِك فوق الكلمات
لو كُنتُ أجيد الرسمات
لملئت الدنيا لوحات
لو كُنتُ رسولاً و نبياً
لتلوت الأكرم آيات
فألطف بفقيرٍ مسكينٍ
لا يملك غير الكلمات
إختلف العلماء في شأن الذنوب و السيئات و الفرق بينهما، ولكنهم إتفقوا على أن ترك الذنوب و السيئات مطلب شرعي، و بالذات تلك السيئات و الذنوب التي تسيء للآخرين. فالزنا ذنب، إلا أن الزنا بزوجة الجار ذنب أعظم لما فيه من الإساءة للجار و أسرته.
ففي الصَّحيحَين عن ابن مسعودٍ رضِي الله عنْه قال، سألتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم “أيُّ الذنب أعظم؟” قال “أن تَجعل له ندًّا وهو خلقك”، قلتُ: ثمَّ أي؟ قال “أن تقتُل ولدك خشية أن يطعم معك”، قلت: ثمَّ أي؟ قال “أن تزْنِيَ بِحليلة جارك”.
أجل، من الصعب التحلل من الذنوب التي فيها إساءة للآخرين، إنسان كان أو حيوان أو جماد، و تعكيرها لصفاء الروح أعظم. لذا، وجب الحذر .
و عليه، يجب تجنب الغيبة و النميمة و إفشاء الأسرار كونها من أبغض السيئات و لما فيها من الإساءة للآخرين. و لكن وجب التنبيه بأن هذا ليس مبرر لعدم الكلام في المشاكل الإجتماعية و كل ما يشكل علينا في الحياة بسبب الإحتكاك بالآخرين. فلا بأس في التطرق للحالات و مناقشتها من باب أخذ العبرة أو الإستشارة بشرط الإبتعاد عن شخص الذين سببوا تلك الحالات. بل من الضروري أن نتطرق للحالات إن أردنا أن نكون أمة متعلمة.
و كان الرسول صلى الله عليه و سلم لا يتردد في مناقشة الحالات علناً على المنبر، دون ذكر الأشخاص. فها هو عليه الصلاة و السلام يحمد الله ويثنى عليه ثم يقول:
“أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ فُلَانًا وَالْوَلَاءُ لِي، إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ” رواه البخاري.
مناقشة الحالات الإجتماعية ضرورة ملحة. و إن كان الرسول صلى الله عليه و سلم يناقشها علناً، فلا بأس أن تناقش بخصوصية حالة ما مع من تثق به و تأتمن حكمته و ضميره. و لا بأس، بل الأفضل أن يكون الحوار صريحا كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه و سلم، فلا حياء في الدين.
علمتني تجاربي المؤسسية أن أكون ممتناً لمن يقصدني للإستشارة أو مناقشة حالة. و علمتني تجربتي كأمين للمظالم، أن أستمع لمن يفتح لي قلبه دون الحكم عليه. و علمتني الحياة أن أضع نفسي في موقف الآخر كي أفهمه و أن أبرر موقفه إيجابيا قدر المستطاع.
أشكر وجودكم
ترجمة: خالد الخاجة
موتولاكشمي ريدي (Muthulakshmi Reddy)، من مواليد سنة 1886 في تاميل نادوا، الهند.
كانت أمها من نساء ديفاداسي (Devadasi) و اللاتي كن ظاهريا مخصصات لخدمة الاوثان في المعابد و حمل فن الرقص للأجيال القادمة. إلا أن الواقع كان مختلف و محبط، فقد كانت الحكومة البريطانية تعبرهن بغايا. في الواقع، كانت العلة أكبر من كونها مجرد دعارة، لانهن ما إخترن هذا المصير.
كانت المؤسسة الدينيه تضيف الفتاة كالوقف قبل بلوغها بمراسيم دينيه، لتُلَقب بعدها بالمحظية. و كانت الديفاداسي لا تتزوج و تلقب بالنيتيا سومانغالي (Nityasumangali) اي التي لا تترمل.
لحسن الحظ، كان والد موتولاكشمي أكاديميا و ناظر مدرسة، فاعطاها قوة التعليم. كان صفها في المدرسة يحتوي على 40 طالبا و 3 طالبات، تفصلهم شاشه. رغم ذلك، إعتادت عائلات الطلاب الذكور الإعتراض لخشيتهم من جذب تلك الفتيات لابنائهم “البريئين”، و بلغ الإعتراض حد إستقالة أحد الاساتذة. الا أن والدها وقف بجانبها و سلحها بعصا تحمي بها نفسها. بعد بلوغها سن الرشد، أتمت دراستها في البيت.
لم تكتفي موتولاكشمي بالرغبة في تغيير مصيرها، بل عزمت على أن تغير مصير غيرها من الفتيات. فطلبت من المهاراجا ليمول التحاقها بكلية الطب، فاندهش المهراجا و أهداها مبلغ 150 روبية، و هذا المبلغ المجزي كان كفيلا لخلاصها و تحويل مسار حياتها
كانت أول فتاة تلتحق بكلية مِدراس للطب. كانت حريصة و أحرزت عدة جوائز. اندهش الأساتذة عندما قررت أن تتخصص في التوليد و تصبح جراحة. فآن ذاك، كانت الجراحة بقسوتها و دمائها تشتهر كمهنة الرجال. مع ذلك و بالمصابرة، نجحت موتولاكشمي أن تكون طبيبة الولادة الى أن توفت أختها بسبب السرطان.
آن ذاك، كان السرطان مرض مخيف يجعل المصابين به يستسلمون و ينتظرون الموت. فعزمت الطبيبه موتولاكشمي أن تسافر الى بريطانيا لتتدرب على التعامل مع مرضى السرطان في مستشفى مارسدين الملكي. رجعت الى مدراس لتواجه واقع اللامبالاة الاليم تجاه مرض السرطان. توجهت موتولاكشمي الى جمعية المرأة الهندية و التي وافقت على تمويل إنشاء معهد أديار للسرطان و هو أول مستشفى للسرطان في مدراس.
و عندما هربت 3 فتيات في نماكال من نظام ديفاداسي، سألن موتولاكشمي “ماذا سيكون مصيرنا؟ و أين سنقيم؟”. عندها، شعرت بوخامة المشكلة و بداية رحلة ستُتَوج بتحريرهن. فلم تقم بايوائهن فحسب، بل أسست بيت أفاي (Avvai Home)، و أصبحت مناضلة وطنية بعد أن تعرفت على المناضله ساروجيني نايدو (Sarojini Naidu). و عندما أدركت اهمية القوة السياسية، كانت أول إمرأة تنظم للمجلس التشريعي في الحكومة البريطانية في الهند. و كانت أول إمرأة في العالم تشغل منصب نائب رئيس المجلس التشريعي
تزوجت سوندرا ريدي بشرط أن يكونا متساويين. الطبيبه موتولاكشمي ريدي واجهت معركتين، الأولى إيجاد أرض و مال لبناء مستشفى للسرطان و الثانية تحرير فتيات الديفاداسي، حيث اضطرت ان تواجه امثال الطبيب راجاگوپالا چاری (Rajagopalachari). و إشتهرت موتولاكشمي بموقفها عندما عبر متحدث أثناء الاجتماع عن تضامنه مع من سمَّاهن بالاخوات الساقطات (Fallen Sisters)، فردت عليه بصوت مُرعِد “كيف تجرأ و تسميهم بالاخوات الساقطات؟ لا وجود لعفة النساء في غياب عفة الرجال. الرجال الذين إستغلوهن كانوا أكبر سناً و لابد من محاكمتهم”. كانت تعلم إنهن كنَّ مُكرهات، لا مُخيرات.
و زأرت في وجه راجاگوپالا چاری و إس ساتيامورتي (S Satyamurthi) “إذا أردتم من يحافظ على الفن و التراث، لماذا لا تتركون الديفاداسي و ترسلون النساء من بيوتكم؟”. المعارضة الشرسة كانت لتذبل غيرها، لولا شخصيتها التي صِيغَت في النار. جهودها أثمرت في المعركتين.
إزدهر مستشفى السرطان ببطئ و ثبات. طالبت بالدعم المالي من الجميع، بما فيهم الملك جورج الخامس (George V). اليوم، يعتبر المستشفى مؤسسة عالمية، يمنح الكثيرين فرصة الحياة. يقف نصبها التذكاري هناك كالملاك تحرس مرضى السرطان. في الخامس من ديسمبر من سنة 1947, تبنت الرئاسه في مدراس مشروع قانون طال انتظاره يمنع وقف الفتيات في المعابد كديفاديس.
و استمرت الحكومة الهندية بتكريمها بجائزة پادما بوشان (Padma Phushan). أما حكومة تاميل نادوا، فقد أكرمتها بتسمية برنامج مزايا الحمل بها. و سمي شارع في چینای (مدراس سابقا) باسمها.
انها قصة انتصار المثابرة على المصير. النبذ الاجتماعي و قيود الاستعمار فشلا أن يغزوا إرادتها. إنها بطلة تستحق ان نُعَرفها بفتياتنا. ربما من الأفضل أن نستبدل قصة سندريلا بقصتها.
مَن منا سمع بقصتها؟
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2700431416835437&id=1929664013912185
ذكرت الكاتبة اليهودية الهندية ليشاي پیل و التي تقطن في كندا حاليا ضمن مقال لها في جريدة تايمز الإسرائيلية:
“سنة 1948 و بعد تكوين دولة إسرائيل بعهد قريب، حدث نزوح جماعي للجالية اليهودية الهندية و المعروفة ببَني إسرائيل (Bene Isreal)، ليصلوا “أرض الميعاد” و يواجهوا العنصرية و الرفض من قبل اليهود الاوروبيين. و كغيرهم من اليهود الغير أشكنازيين، خُصصت لهم سكنات أدنى منزلةً و أجوراً متباينه و تعرضوا للعنصرية في التوظيف. و في سنة 1962، أعلن مجلس الرهبان بوجوب إجراء إختبار سلالة الأمومة لطائفة بني إسرائيل الهندية إذا ما رغبوا بالإرتباط بغيرها من الجاليات اليهودية”
كما ذكرت الكاتبة في نفس المقالة:
“كان عمي الأكبر مُدرجا في قائمة الجيش الإنجليزي، بينما كان يعمل سراً لحركة المقاومة اليهودية، و إختفى قبيل إنتهاء الحرب العالمية الثانية”.
ملاحظه: طائفة بني إسرائيل كانت الأكبر بين الطوائف اليهودية الثلاث في الهند و عددهم حوالي 8000 شخص. إنضمامهم آن ذاك سراً لحركات مقاومة يهودية قد يفسر أرتياب الدول التي كانت تستظيفهم
بل سبب تقدم المانيا و الغرب هو الاستقرار و تقسيم ثروات العالم بينهم بالتراضي و إحداث القلاقل في الشرق الأوسط لكي لا نبني حضارة. و الاستقرار ما يسلبونه منا الان بإحداث القلاقل و الثورات و الفوضى. بالثروة البترولية و بالاستقرار، نستطيع أن نبني حضارة لا تقل عن حضارتهم الجميلة. مثلا، لو تركوا الشاه في ١٩٧٩، لكانت ايران اليوم القوة الاقتصادية الخامسة في العالم. المانيا و غيرها من أتوا بالخميني
هذه المانيا
مقالة رائعه تقارن فيها الكاتبة الصحفية آماندا روغِري و بشكل غير مباشر بين رقي الأوروبيين و همجية الأمريكيين في التعامل مع آثار الحضاراة البابلية في العراق في مقالها عن بوابة عشتار العظيمة. و كتبت عن الرقي في تعامل البريطانيين و الألمان و إنتصارهم للحضارة البابلية:
“بدأ علماء الآثار الألمان أعمال التنقيب في المدينة عام 1899، ظل جانب كبير – على نحو يثير الدهشة – من هذه الروائع التي تعود إلى آلاف السنين، محجوباً عن الأنظار؛ بما في ذلك البوابة
وبعد اكتشاف البوابة، أعيد جمع أجزائها لتصبح كتلة واحدة من جديد. وقام علماء الآثار الألمان بأقصى ما استطاعوا من أعمال حفر بحثا عن تلك الأجزاء. لكن هذه العمليات توقفت بمجرد اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914.
وبعد أربع سنوات، انتهت الحرب، وانهارت الإمبراطورية العثمانية – حليفة ألمانيا خلال الحرب – وهي الإمبراطورية التي كانت، آنذاك، الجهة المسيطرة على الأراضي التي عُثر فيها على البوابة.
لكن ظل بوسع الألمان التفاوض مع القوات البريطانية المحتلة للمنطقة، لشحن بعض ما عثروا عليه من آثار إلى برلين، بما في ذلك بوابة عشتار“
بينما كتبت عن همجية الأمريكيين و إحتقارهم للحضارة البابلية:
“في عامي 2003 و 2004، حوّلت القوات الأمريكية و البولندية منطقة الحفريات الأثرية في البلدة القديمة ببابل، بما في ذلك بوابة عشتار و طريق الموكب و معبد ننماخ، إلى قاعدة عسكرية، تضم كذلك مهبطا للمروحيات
و بحسب دراسة أجراها المتحف البريطاني، كانت الأضرار التي لحقت بتلك المنطقة جسيمة؛ إذ أن نحو 300 ألف كيلومتر مربع (4 آلاف فدان) من هذا الموقع بات مغطى بالحصى المستخدم في تعبيد الطرق، و هو الحصى الذي لوّث كذلك المناطق التي لم تُجر فيها عمليات تنقيب من قبل
فقد حفرت الخنادق في التلال الأثرية، كما وطأت إحدى الآليات الثقيلة أرضية طريق الموكب، مما أدى لتكسيرها. فضلا عن ذلك، دُمرت أشكال تسعة من التنانين التي كانت منقوشة على بوابة عشتار، تلك البوابة التي ظلت أسسها تحتوي على قوالب من الحجر المصبوب المزين بصور الحيوانات
و هكذا، فبعد قرابة 2600 عام من الحروب و أعمال النهب، و كذلك الإهمال، بدا أن هذا الموقع الأثري لاقى أحد أعدائه المؤكدين“
يبدوا لي أن الأمريكيين راق لهم أن ينتقموا لضحايا غزوات الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني ليأتي الدواعش من بعدهم و يكملوا المسيرة، في حين الإنجليز و الألمان راق لهم أن يعظموا من شأن الملك البابلي الغازي
https://www.bbc.com/arabic/artandculture/2015/03/150306_vert_cul_ancient_babylons_greatest_wonder
الكاتب: هادلي ميرس
ترجمة: خالد الخاجة
في يوليو من عام 1535، بدأ الملك هنري الثامن و ديوانه الذي يضم أكثر من 700 شخص في جولة رسمية. وخلال الاشهر الاربعة القادمة سيزور الوفد المرافق الضخم حوالى 30 قصرا ملكيا مختلفا ومساكن ارستقراطية ومؤسسات دينية. لم تكن هذه الجولة مجرد مناسبات و علاقات عامة مهمه للملك تهدف إلى تعزيز الولاء بين رعاياه، بل كان للأسر المالكة سبب آخر تماما لحركتها المستمرة
لم يكونوا يمارسون ثروتهم الهائلة فحسب، بل كانوا بحاجة في الواقع إلى الهروب من الفوضى المقززة التي أنتجتها أعضاء الديوان الملكي الكبير. كان يتعين إخلاء القصور، كقصر هنري هامبتون، باستمرار حتى يتم تنظيفها من أكوام النفايات البشرية المتراكمة. كما احتاجت المواشي والأراضي الزراعية إلى وقت للتعافي، بعد تزويد الكثير من الناس بالطعام. وبمجرد انتهاء الجولة، فإن هنري و حاشيته التي يزيد عددها عن 1000 شخص سوف يستمرون في الحركة لبقية العام، ويسافرون بشكل متكرر بين مساكن الملك الستين في محاولة عبثية للعيش في محيط صحي
في غضون أيام من استقرار الديوان الملكي في قصر أو آخر، فإن الرائحة النتنة ستفوح من الطعام المهمل بشكل سيئ، والنفايات الحيوانية، والحشرات من أو التي تنجذب إلى الأجسام الغير المغسولة، والنفايات البشرية التي تراكمت في غرف تحت الأرض حتى يمكن إزالتها. سوف تصبح الممرات مكتظة بالأوساخ و جدرانها سوداء بسبب دخان الحرائق المستمرة بغرض الانارة. كانت كثافة أعضاء الديوان تجعل التنظيف مهمة مستحيلة وغير مجدية. على الرغم من أن معايير النظافة كانت دون المستوى في جميع أنحاء العصور الوسطى وعصر النهضة، الا أن الدواوين الملكية كانت عادة أكثر قذارة من غيرها من المنازل
ان روايات بعض السلالات الأكثر شهرة في التاريخ، مثل كاترين العظمى، وقعت على خلفية من الروائح النتنه، و الأحياء المكتظة، و أواني تفيض بالغائط و أثاث مليئة بالقمل. و بينما تظهر لوحات من الديوان الفخم للويس الرابع عشر في فرساي أفراد العائلة المالكة و هم يرتدون ملابس مطرزة و رائعه، يفتقد المشاهدين اليوم واحدة من الآثار الرئيسية لأناقتهم و هي رائحة مئات الملابس التي لم يتم غسلها أبدا، كل ذلك في غرفة واحدة تفتقد الى التهوية. و وفقا لكاتب من القرن 17، كان تشارلز الثاني من انكلترا يسمح لكلبه المبتلى بالبراغيث أن يستلقي في سريره، و كانت الغرفة “مهينة جدا و الديوان بأسره سيئا و رائحته كريهة”
ولكن دون شك، كان الهم الصحي الأكثر إلحاحاً هو ندرة خيارات التخلص من النفايات البشرية في عصر ما قبل السباكة المعتمدة. تقول إليانور هيرمان، مؤلفة كتاب “الفن الملكي للسموم”، عن القصور الملكية “بعض رجال الحاشية ما كانوا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن غرف التغوط ولكن كانوا يخلعون بنطالهم و يفعلوا أعمالهم، كل أعمالهم، على الدرج و في الردهة أو الموقد”
قدم تقرير صادر عام 1675 هذا التقييم لقصر اللوفر في باريس “على السلالم الكبرى” و “خلف الأبواب و في كل مكان تقريباً يرى المرء هناك كتل من البراز، و يشم المرء ألاف الروائح النتنة بسبب قيام الجميع بتلبية نداء الطبيعة هناك كل يوم”
و وفقا للمؤرخ أليسون وير، مؤلف كتاب هنري الثامن, الملك و ديوانه، فإن هنري الثامن “خاض معركة مستمرة ضد الأوساخ و الغبار و الروائح التي كان لا مفر منها عندما كان الكثير من الناس يعيشون في مؤسسة واحدة”، وهو أمر غير عادي إلى حد ما في ذلك الوقت. نام الملك على سرير محاط بالفراء لإبعاد المخلوقات الصغيرة و الحشرات، و تم تحذير الزوار من “مسح أو فرك أيديهم على أي شيء من مفروشات الملك حيث قد يتعرضون للأذى”
رغم العديد من القواعد التي وضعها الملك، الا أن معركته ضد الأوساخ كانت خاسرة. لمنع الخدم و البلاط من التبول على جدران الحديقة، كان هنري يرسم علامات X حمراء كبيرة في البقع المحضورة. ولكن بدلاً من ردع الرجال عن تلك العادة، كانت تلك العلامات تتخذ أهدافا أثناء قضاء حاجتهم. ويبدو أن الدعوات التي تدعو الناس إلى عدم إلقاء الأطباق القذرة في الممرات، أو على سرير الملك، قد سقطت على آذان صماء
ومن المثير للدهشة أن هنري أُجبر حتى على إصدار مرسوم بأن الطهاة في المطبخ الملكي يمنعون من العمل “عراة، أو في ملابس حقيرة كما يفعلون الآن، و أن لا يستلقوا في الليالي و الأيام في المطبخ أو على الأرض بجانب النار”. و لمكافحة هذه المشكلة، صدرت تعليمات إلى المشرفين على المطبخ بشراء “ملابس محترمه و صحية” للموظفين
و بينما كان للملك نظام مرحاض متطور نسبيا، كانت التدابير الصحية الاخرى و المتعلقة بالنفايات مثيرة للاشمئزاز، كتشجيع الخدم على التبول في أحواض لاستخدام بولهم للتنظيف. وبما أن النظافة الفعلية كانت في كثير من الأحيان غير قابلة للتحقيق، لجأ الديوان الملكي إلى إخفاء الروائح النتنه بتغطية أرضيات القصر بالنباتات ذات الرائحة الزكية و بتغطية أنوفهم بأكياس ذات الرائحة الطيبة
و بمجرد انتقال هنري و حاشيته إلى المقر الملكي التالي، تبدأ حملة الغسيل و تهوية القصر. فعند اقامة الحاشية في القصر، كانت النفايات البشرية تملئ غرف تحت أرضية القصر. و بعد مغادرة الحاشية، كان العمال المكلفين بتنظيف المجاري في قصور لندن، يباشرون أعمالهم
وقال سايمون ثورلي، أمين القصور الملكية التاريخية، لصحيفة الإندبندنت “بعد اقامة الحاشية هنا لمدة أربعة أسابيع، كانت غرف الطوب تملأ الى رأسها”. ” و كان على عمال المجاري تنظيفها بعد مغادرتهم”
بطبيعة الحال، لم تكن القذارة في المؤسسات الملكية المزدحمة مشكلة في الديوان الإنجليزي فقط. بل عندما وصلت من عرفت بكاثرين العظمى إلى روسيا من ديوان عائلتها الألمانية النظيفة نسبياً، صدمت بما وجدته. “ليس من النادر أن نرى قادمين من فناء هائل و مليئ بالوحل والقذارة و الخشب العفن”، و كتبت “سيدة أنيقة و مغطاة بالمجوهرات، تركب عربة رائعة تسحبها ستة خيول هزيله، و معها خادمات لم يقمن بتمشيط شعرهن”
كما أن اعتقاد أوروبا الغربية بعدم صحية الاستحمام لم يخدم المسألة. فبالرغم من شغف هنري الثامن بالأناقة و استحمامه و تغير ملابسه الداخلية يوميا، الا أنه كان نادرة ملكيه. “لويس الرابع عشر استحم مرتين فقط طيلة حياته، و كذلك الملكة إيزابيلا من قشتالة”، ويقول هيرمان “كانت ماري أنطوانيت تستحم مرة في الشهر”. و قيل أن جيمس الأول و هو ملك بريطاني في القرن السابع عشر لم يستحم أبدا، و تسبب في انتشار القمل في الغرف التي كان يترددها
و أدى قرار ملك الشمس نفسه، لويس الرابع عشر، بعدم الانتقال من قصر الى اخر الى تعفن الأوضاع المعيشية. في عام 1682 و في محاولة لفرض سلطته وإخضاع النبلاء له، نقل لويس الرابع عشر ديوانه بشكل دائم إلى القصر الذهبي الضخم بفرساي. و في بعض الأحيان كان أكثر من 10,000 من أفراد العائلة المالكة والأرستقراطيين والمسؤولين الحكوميين والخدم والضباط العسكريين يعيشون في فرساي والمساكن المحيطة بها
على الرغم من شهرتها بالروعة و البهاء، الا أن الحياة في فرساي لكل من العائلة المالكة والخدم، لم تكن أنظف من الأحياء الفقيرة في العديد من المدن الأوروبية في ذلك الوقت. كانت النساء يرفعن تنانيرهن للتبول حيث وقفن، بينما يبول بعض الرجال قبالة الدرابزين في وسط الكنيسة الملكية. و وفقا للمؤرخ توني سبافورث، مؤلف كتاب “فرساي سيرة قصر” أصيبت ماري أنطوانيت ذات مرة بنفايات بشرية ألقيت من النافذة أثناء سيرها في الفناء الداخلي للقصر
وغالباً ما تسربت المراحيض المزدحمة إلى غرف النوم الواقعة تحتها، و أحينا أدت الانسدادات والتآكل في أنابيب الحديد والرصاص في القصر بتسمم كل شيء في مطبخ ماري أنطوانيت. “حتى غرف الأطفال الملكيين كانت غير آمنة”، يكتب سبافورث. كان من الممكن أن يساعد انتقال الحاشية و اخلاء القصر في بعض الأحيان في الحد من البلى على فرساي، و التقليل من الأعطال الهيكلية الغير سارة
ولا شك أن هذه الطريقة الغير صحية في العيش أدت إلى عدد لا يحصى من الوفيات في مختلف أنحاء الأسر المالكة في أوروبا. و لم تتحسن معايير النظافة والتطورات التكنولوجية و الحياة للكثير من الناس حتى القرن 19، بما في ذلك أعضاء الدواوين الملكية. اليوم، لا يزال العديد من أفراد العائلة المالكة الأوروبية ينتقلون من الإقامة إلى الإقامة، ولكن من أجل المتعة، وليس لمحاولة تجاوز القذارة
https://www.history.com/news/royal-palace-life-hygiene-henry-viii
1- Bilderberg Group
2- Council on Foreign Relations
3- Trilateral Group
4- David Icke
مجموعة بيلدربيرغ:
هي جَمعٌ من الشخصيات المؤثرة في أوروبا و أمريكا الشماليه، تجتمع سنويا منذ 1921 بشكل سري لبحث كل ما من شأنه ضمان سيطرتهم على العالم ضمن منافسة تمنع الإقتتال في ما بينهم. و هم يعملون بالمثل الأمريكي الشعبي “ما يحدث في لاسفيغاس يبقى في لاسفيغاس” أي أن للحضور الاستفادة من المعلومات المطروحة مع حظر الإفشاء بها أو بمصادرها. لذا، يقوم الحضور بطرح ما لديهم من أفكار بكل أريحيه
مجلس العلاقات الخارجية:
منظمة غير ربحية، تم تأسيسها في أمريكا سنة 1921 و تشمل خبراء في السياسة و العلاقات الخارجية، و تعمل بأهداف و نمط مجموعة بيلدربيرغ. يُقال أن رؤساء أمريكا يخرجون من هذه المجموعه و منهم بيل كلنتون حيث إشتغل سنتين في هذه المنظمة قبل إنتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية
مجموعة تِراي لاترَال:
منظمة غير حكومية تأسست على يد الملياردير دافيد روكفيلير سنة 1973 لتعزيز التعاون المشترك بين اليابان و دول غرب أوروبا و أمريكا الشماليه، و تعمل بأهداف و نمط مجموعة بيلدربيرغ
أما ديفيد آيك:
فهو رياضي بريطاني بدأ يروج لنظرية سيطرة الزواحف الفضائيه في شكل آدمي على الكرة الأرضية من خلال مجموعة بيلدربيرغ. و الرجل التقى بمفسر روحاني و بشره بأنه سينقذ العالم. و لديفيد عدد لا يستهان به من التابعين رغم حجبه عن وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ان أتباعه في أمريكا فقط يقدرون ب 4% من الناخبين، و هي نسبة لا يستهان بها
و لعل الحقيقة، أن هذه المنظمات ليست سوى حاضنات لأثرياء يسعون لتوسعة أملاكهم
يقول المثل: من جعل من نفسه عظماً، أكلته الكلاب
جزى الله خيرا من أرشدتني و نبهتني الى د. أحمد عمارة.
استمعت له لأول مرة و سررت جدا بافكاره و استفدت منه كثيرا و نشرت الرابط بين أسرتي و أهلي و أصدقائي. و لكن، لا اتفق مع الدكتور في موقفه من الاستخارة للأسباب التالية:
أولا، الاستخارة موجودة في أول سورة في القرآن الكريم و بالتحديد في الآية: “اهدنا الصراط المستقيم”. هنا، يطلب الانسان من الله الطريق و هو ما يفعله كل مستخير
ثانيا، الله و هو الخالق أعلم بطبيعة المخلوق و يعلم ان منهم القوي و المثقف و المستقل كدكتور عمارة و الذي يستطيع أن يستعين بنعمة العقل و يتخذ قراراته بنفسه، كما يعلم الله أن من الخلق من يحتار و يحتاج أن يستخير و يستشير. بالاستخارة، يحرر الله الانسان و يرشده اليه بدلا أن يتوجه الى العرافيين و الكهنة. فلجوء الانسان لغيره طبيعة بشريه و لابد أن تُقَنَّن لكي لا يتم استعباده
ثالثا، مجرد استماعي الى د. أحمد عمارة شكل من أشكال الاستخارة، و لا ضير في ذلك
الاسلام أتى ليحرر البشر و يقوي ثقتهم بأنفسهم و يقلل من اعتمادهم على غيرهم. فعبادة الأصنام سقطة انسانيه و قمة السلبية و دلالة على ضعف الشخصية البشريه. و يعالج الاسلام هذا الضعف بشتى الطرق، بما فيها الاستخارة. فالخالق يهدف بها تحريرك من العبودية للعباد و الحيوان و الجماد و يدعوك ان تلجأ الى الخالق و ليس المخلوق كما في قوله تعالى: أدعوني استجب لكم
و قد تعجب من الكتب المقدسة الهندوسية، لأنها لا تجيز تصوير الاله بشكل الجمادات أو الأحياء و لا تجيز التماثيل و الأصنام و لا تجيز التوسل بغير الله و تعتبرها انحطاط فكري. و يعلم علمائهم بخطأ و بطلان ما هو شائع بين عامة الهندوس من انتشار الأصنام و التوسل بها و لكنهم يسكتون عنها بحجة أن عبادة الله وحده مرحلة متقدمة جدا يصلها الراسخون في العلم و أن لا بأس ان يلجأ العامة و ضعاف العقول بالتوسل للأصنام. موقفهم هذا ينافي ما ذكر في كتبهم المقدسة. هكذا طبيعة البشر، أحيانا تاخذك الى مستويات من الضعف و الهوان بسبب الجهل او لمصلحة دنيوية، فالقائمين على المعابد الهندوسية يستفيدون كثيرا من الناحية المادية. و لا تستغرب أيها المسلم من فعلهم هذا, فأجدادك كانوا يصنعون مثلهم و الكعبة الشريفة كانت مليئة و محاطة بالأصنام و الأوثان و كل ما من شأنه استعباد عقول الخلق. و لعل الاستخارة تقي المجتمعات المسلمة من عبادة العباد
و لعل الاستخارة طاقة ايجابية و وسيلة لضعاف النفوس لتقيهم شر و سلبية التوسل للجماد و النبات و الحيوان و النجوم و كل ما هو مخلوق لأجل الانسان. لذا، قد أتفق مع الدكتور في أن لا نجعل الاستخارة في كل أمورنا و أن لا ندمن عليها و نجمد عقولنا، و شخصيا أكاد لا أستخير في أموري و لله الحمد و ان احتجت فسأستخير
ان مؤسسي علم الطاقة من الأجانب و غير المسلمين و لا يؤمنون بالأدعية أو القضاء و القدر. و جزى الله د. أحمد عمارة و غيره ممن يحاولون التوفيق بين هذا العلم الجميل و الموروث الديني الثمين. و في هذا الباب و من باب الايجابية، أرجوا أن يتعامل الدكتور و غيره بشيء من التواضع مع كل ما هو موروث و خاصة الموروث الديني و أن لا ننسى بأن فهم المخلوق مهم جدا في مسألة فهم الموروث الديني. فالخالق أعلم بما يناسب المخلوق و كل ما يقييهم شر من يريدون إذلال شخصيته و ارادته بالغاء عقله. علم الطاقة علم جديد و جذاب كما هو الحال مع كل شيء جديد، و يضل الموروث الديني ثمين رغم قدمه و بحاجة الى الصبر و الايجابية عند التعامل معه
شكرا و دمتم سالمين
هكذا كان سؤال التقي النقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه لخاتم الأنبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. و لعل نفس السؤال يجول في خاطرة الأحرار من الشعوب العربية و الإسلامية اليوم بعد قرار تطبيع دولة الإمارات العربية المتحدة مع إسرائيل. فَكَّرت في السؤال كثيراً و بعيداً عن العاطفة و كل ما يدُسُه الاعلام المُسَيَّس في عقولنا، و خرجت بالنتيجة التالية
الشعب الفلسطيني مظلوم منذ أكثر من 103 سنه و يستحق الإنصاف. و لكن المظلومية بحاحة الى التمثيل، فمن يمثل الفلسطينيين المظلومين اليوم؟ محمود عباس في رام الله أم هنيه في غزة، و هما على طرفي نقيض؟
أين الوحدة الوطنية الفلسطينية؟ من يرغب في الإستقلال يجب أن يستقل بإرادته أولا. فهل المقاومة الفلسطينية اليوم تملك إرادة موحدة و مستقلة؟ أم أن المقاومة مُسَيَّسَه لأجندات دول و أحزاب كايران و تركيا و إخوان المسلمین و القاعدة و غيرها؟
المقاومة الفلسطينية فقدت مصداقيتها بعد أن إتخذت الأنظمة العربية هدفا لها بدل من إسرائيل، بالضبط كما تفعل إيران و تركيا و الجماعات الإسلامية. فالمقاومة تعاني من الحَوَل و النفاق السياسي و يتجلى هذا عند كل إختبار و محنه. فها هو مفتي القدس و فلسطين يفتي بحرمان الإماراتيين من الصلاة في المسجد الأقصى
أنسيت يا مفتي قدس أن الدين الخلق؟ أتخافون على فلسطين و لا تخافون على ذهاب أخلاقكم؟ أعجزت أن تكون كعروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه قبل إسلامه عندما رد على سب أبوبكر الصديق له أثناء مفاوضات صلح الحديبية و قال: “أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها بعد لأجبتك!” وكان عروة بن مسعود قد إستعان في حمل ديةٍ و أعانه أبو بكر بعشر فرائض، فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة بن مسعود. بالله عليك يا مفتي قدس، كم يد للإمارات و السعودية عندكم؟
أنسيت يا مفتي قدس قول الله جل جلاله (أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَابَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ) البقرة 44، و أن الإتفاقية الإماراتيه مع اسرائيل إن لم تكن أفضل من إتفاقيتكم مع إسرائيل سنة 1993 فلن تكون أسوأ منها؟ أقول، إنا لله و إنا إليه راجعون و عظم الله اجركم في أخلاقكم.
لا تنه عن خلق وتأتِ بمثله عار عليك إذا فعلت عظيم
في مبادرة إنتحارية و دخيلة على الفكر الاسلامي، قيادة حماس في غزة تدفع الشباب الفلسطيني العُزَّل لمواجهة رصاص القناصة الإسرائيلية على الحدود و سفك دمائها رخيصة من أجل إستعطاف المجتمع الدولي. فمنذ 1947 و إسرائيل لم و لا تمتثل لقرارات الأمم المتحدة بحجة الحفاظ على أمنها لوجودها في بيئة معادية. إسرائيل بكل ذكاء تستثمر في عدائنا و قطيعتنا لها و تتخذها ذريعة لتبرر نشوزها عن القرارات الدوليه. إسرائيل، و هي الأقوى و الأذكى، تَتمَسكَن للعالم بالخوف منا لتبرر حقها في النشوز عن القرارات الدولية. نعم، إن مواقفنا و سياساتنا العاطفية و المعادية طيلة 72 سنة قلصت الأراضي الفلسطينية لصالح إسرائيل و زادتها جرأة على الشرعية الدولية بعد أن أمنت العقوبة. و بلغ التطرف بحُمَاة إسرائيل في تأييدها لنشوز إسرائيل حد إعادة تعريف مصطلح معاداة السامية لتصبح معاداة الصهيونية و ليس بالضرورة معاداة اليهودية. لذا، و مهما عَلَت الصرخات، لا أستنكر على من يتخذ التطبيع مع إسرائيل قوة ناعمة يَكُف بها شر غُلاتهم و يدفع بعقلائهم و حماة إسرائيل الى إحترام القرارات الدولية و الأممية و التي من شأنها أن تنفس عن الشعب الفلسطيني المظلوم دون الحاجة الى الإنتحار على الحدود برصاص القناصة الإسرائيلية
و في التاريخ القديم و الحديث شواهد كثيرة على إستنكار الاغلبية و النُخَب المفكرة لموقف ما و إرتفاع أصواتهم المعارضة، ليتبين في ما بعد خطأ الاغلبية و تلك النخب المفكرة. فعلى سبيل المثال:
اولا، القرآن يروي في الآية 30 من سورة البقرة كيف أن الملائكة إستنكرت عزم الله جل جلاله على خلق الإنسان و جَعلِه خليفة في الأرض، ليتبين لها في ما بعد خَطَئُها. و يضرب الله لنا في هذه القصة الرائعه مثال في التعامل مع المخلصين من المستنكرين بالحكمة و الموعظة الحسنة، أي بالقوة الناعمة
ثانيا، التاريخ يحكي كيف أن الصحابة إستنكروا الإنسحاب العبقري لخالد بن الوليد بجيش المسلمين رضي الله عنهم من غزوة مؤته و كيف حثوا التراب على الجيش و هم يقولون “يا فرار فررتم في سبيل الله”، لينادي الرسول صلى الله عليه و سلم “ليسوا بالفرار و لكنهم الكرار إن شاء الله”، و ليتبين فيما بعد صواب ما عزم عليه خالد رضي الله عنه، لا الأغلبية
ثالثا، التاريخ يحكي كيف أن الصحابة إستنكروا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على التطبيع مع كفار مكة الظَّلَمَة بالحديبيه كما يتبين من سؤال عمر رضي الله عنه مستنكرا “لِمَ نَرضى الدَّنية في ديننا؟!”، ليتبين لاحقا صواب ما عزم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لا الأغلبية
رابعا، التاريخ يحكي كيف أن الصحابة، بما فيهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم إستنكروا عزم أبوبكر الصديق رضي الله عنه على قتال المرتدين، ليتبين في ما بعد صواب ما عزم عليه أبوبكر، لا الأغلبية
خامسا، التاريخ يحكي كيف أن كبار الصحابة إستنكروا عزم عمر رضي الله عنه على الإنفراد بقرار عدم توزيع أرض السواد غنيمة على المسلمين بخلاف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل، ليتبين في ما بعد صواب ما عزم عليه عمر، لا الأغلبية
سادسا، التاريخ الحديث يحكي كيف أن المقاومة في جنوب أفريقيا إستنكرت عزم القيادي الحكيم مانديلا على التطبيع الشجاع مع النظام العزل العنصري البغيظ و العفو عن ما سلف كما فعل صلاح الدين الأيوبي الحكيم الشجاع رحمه الله مع الصليبيين عندما قرر أن يتركهم ينسحبوا من بيت المقدس دون الانتقام للمجزرة الصليبية في حق المسلمین العُزَّل، ليتبين في ما بعد صواب ما عزم عليه مانديلا، لا الأغلبية
سابعا، التاريخ الحديث يحكي كيف أن نخبة التجار في إمارة دبي إستنكرت عزم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله على إنشاء جسر آل مكتوم و ميناء راشد، ليتبين في ما بعد صواب ما عزم عليه بَانِي دبي و مؤسسها، لا الأغلبية
و الأمثلة السابقة تأكد ما تعلمناه من المدارس الفكرية و أن الأفكار الإبداعية و النابعة عن التفكير خارج الصندوق غالبا تُواجَه بالعاطفة و التشكيك و التنديد و لا تجد آذاناً صاغية و أن القدر حكم على من يفكر خارج الصندوق بالعناء و الشقاء
السؤال الذهبي هو: هل قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب قرار إبداعي ناشئ عن التفكير خارج الصندوق رغم كل الأصوات المندده؟
الاجابة: نعم بلا شك، و التاريخ دليلعلى ذلك. شخصيا، لا أرى ما يمنع المحاولة، و لا بأس من تغيير الخطة بعد 72 سنة و لكل مجتهد نصيب. فصبر جميل و لا عجب من أمر المستنكرين على مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة
و على العرب و المسلمين أن يتعاملوا مع المبادرة الإماراتية بشيئ من التواضع و يتركوا التاريخ يثبت إن كانت المبادرة صائبة أم لا. بلا شك، لكم أن تتحفظوا على المبادرة و تخالفوها دون تخوين أو تشهير أو تجريح. فالعاقل هو من يعلم بأن رأيه يحتمل الصواب و الخطأ و الجاهل هو من يعتقد أنه مصيب 100% و غيره مخطئ 100%. (أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِین) مبدأ الشيطان المغرور و ليس الإنسان المتعلم العاقل و المتواضع
كل التوفيق لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة. أدعوا الله أن يشرح صدوركم و يسدد خُطاكم لما فيه خير البشرية و العدالة. فلكِ الله
و أقول للعرب و المسلمين: صبراً، فغدا أجمل باذن الله
اهتم المحتسبون في الحضارة الإسلامية بكل ما ينفع المسلمين، وأُلِّفت المصنفات العديدة في ذلك، و اهتمّت ببعض التفاصيل التي قد لا يتنبه إليها أحدٌ. فهذا ضياء الدين بن الإخوة في سنة 729 هجرية يذكر مجموعة من الإرشادات العامة التي يجب للمحتسب أن يُطَبِّقها، ولا نجد أحدًا قد سبقه إلى هذا المعنى. ففي حديثه في الحسبة على الفرَّانين والخبازين يقول: ينبغي أن يأمرهم المحتسب برفع سقائف أفرانهم، ويجعل في سقوفها منافس واسعةً للدُّخان، و يأمرهم بكنس بيت النَّار في كلِّ تعميرةٍ وغسل المعاجن، و تنظيفها، و يتَّخذ لها أبراشًا، كلُّ برشٍ عليه عودان مصلَّبان لكلِّ معجنةٍ، و لا يعجن العجَّان بقدميه، و لا بركبتيه، و لا بمرفقيه، لأنَّ في ذلك مهانةً للطَّعام، و ربَّما قُطِّر في العجين شيءٌ من عرق إبطيه، أو بدنه، و لا يعجن إلاَّ و عليه مِلْعَبةٌ ضيِّقة الكمَّين، ويكون مُلثَّمًا أيضًا. لأنَّه ربَّما عطس، أو تكلَّم فقطر شيءٌ من بصاقه، أو مخاطه في العجين، و يشدُّ على جبينه عصابةً بيضاء لئلاَّ يعرق فيقطر منه شيءٌ، و يحلق شعر ذراعيه لئلاَّ يسقط منه شيءٌ في العجين، و إذا عجن في النَّهار فليكن عنده إنسانٌ على يده مذبَّةٌ يطرد عنه الذُّباب
للأسف الشديد هذه الإرشادات مفتقَدَة في كثير من الخدمات والمنافع العامة في معظم البلدان الإسلامية في واقعنا المعيش، بل أصبحنا نستورد فنون النظافة و “الإتيكيت” من الأوربيين و الغربيين، و نسينا أو جهلنا أن الحضارة الإسلامية قد نبَّهت على ضرورة وجود المعايير الأمنية للمحافظة على صحة المسلم
و رأى الخليفة المأمون محتسبًا غليظًا، قال له: يا هذا، إنَّ الله أرسل من هو خيرٌ منك لمن هو شرٌّ منِّي؛ فقال لموسى وهارون: فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى. طه 44
أُعجبت بهذه المحاضرة فقمت بترجمتها الى العربية. سأترك لكم وصلة المحاضرة الاصلية و وصلة لتنزيل المحاضرة بالعربية
The original material is in the following link
I translated the material to Arabic and its in the following link
في الرابع عشر من مايو سنة 2007، سمعت أجمل ما قيل في مواساة أهل الميت، و قيلت لزوجتي في الدقائق الأولى بعد وفاة أخيها عبدالله رحمه الله
إذ بُلِّغنا أن حالة أبو طلال حرجة، فاصطحبت زوجتي الى المستشفى على عجالة. و أثناء قيادتي للسيارة أتتني مكالمه بَرقِيَّه لم تستمر إلا ثوانٍ قيل لي فيها أن عبدالله قد إنتقل الى رحمة الله بعد طول عناء مع الفشل الكلوي
إستَفسَرَت زوجتي عن المكالمة، فأجبتها انها من فؤاد يُبلغني أن حالة عبدالله حرجة. كانت التجربة جديدة علي، لذا كتمت الخبر عنها بينما أُقَلِّب جميع الخيارات في الدقائق الأخيرة قبل وصولي للمستشفى، فليس كُل ما يُعرَف يُقَال. كانت هادئة و شاردة بفكرها، ترتكز نظراتها الى الأمام و الى نقطة فيها رَجاءُها، كما التائهة في المحيط. كانت في حالة لا تُحسَد عليها
لم أَرضَ لها الصدمة أمام الناس، و بمجرد أن إنتهيت من صَفِّ السيارة، مسكت بيدها و هي تحاول أن تنزل مسرعة و قُلتُ لها: عبدالله إِرتاح. لن أنسى نظرتها العاجزة عندما حدَّقت بي و تساءلت: كيف؟. فأعدت كلامي لأنني لم أجد أخف منها: عبدالله إرتاح. بَكَت و هي تحدق في عيني، و كان ما بها من حزن أضعاف ما عليها لرحيل أخاها الأكبر
بل رحل كتلة من الحنان تعجز كلماتي عن وصفها في أسطر، و لن أبالغ إن شَهدت و إعترفت أنه كان يُعَلمني و يُأَدبني و يُحبني بنظرات عينيه و أنا أَبْ! كانت عَيناه مِرآتي الصادقة، تعكس باعجاز حقيقتي بِشفافية و دون الحاجة إلى الكلمات الجارحة. لذا، كانت نصائح عينيه تَخْتَرق ذاتي و تسكن قلبي قبل عقلي. رحل مُرَبي الكبار، و ما أحوجني اليه و قد بلغت ٥٣
مَشينا في الممرات و على جدرانها صفوف صامةٌ لوجوه أعرفها، الى أن إنتهينا الى الغرفة في العناية المركزه حيث كان يستلقى، رحمه الله، على سرير المستشفى. وَقَفَتْ عند قدميه و هي تنظر اليه بدهشه، فَدَنَت منها المُعلمة غيداء و تكلمت بحكمة و ثقة و إعجاز أهل العراق و هي مبتسمه لتُلقِي علينا درساً جديداً في موقف يَعجز أغلبنا فيه عن النطق بكلمة و هي تردد على زوجتي: أُنظري اليه حبيبتي، إنه نائم. رأيت بأم عيني أثر كلماتها الشافيه على زوجتي
صَدَقَت و الله، أراه ينام بسلام في روضة من رياض الجنة
أبو طلال، الى أن نلتقي، إِبقَ جميلاً كما عَهِدتُك
هذه كلمات مسلم عاش من سنة 1985 في مدينة دينفر المسالمه بولاية كولورادوا الامريكيه، وسط شعب مسالم و في فترة زمنية مثاليه، حيث الكل متحدون و منشغلون في قتال الشيوعية من أفغانستان و التشيع الصفوي من العراق، و ما أحوجنا اليوم لعدو مشترك
و أنعم الله على مدينتنا بمسجدين، أحدهما مسجد جامع بإمام قائم حيث تقام صلاة الجمعه. و لم أدرك قدر تلك النعمه الى أن شاء القدر سنة 1987 أن أنتقل نقلة لطيفه الى مدينة كولورادوا إسبرينغز الساحرة و حيث حديقة الآلهه و الخالية من المساجد. و كان قد سبقنا اليها رَهط من الطيبين إتخذوا شقة أحدهم مُصَلَّى و أركان الحرم الجامعي و أرضها مسجداً و طَهورا. و بدأ الطيبون بالرحيل تدريجياً في غفلة منا و لم أدرك مجددا قدر النعمة الى أن دعاني آخر الطيبين الى العَشاء و العِشاء. و ما أحوجنا اليوم لاستبدال السياسيين بالطيبين
قال لي أخي السعودي المتزوج و السخي بعد أن أطعمني من ما لذَّ و طاب:
صالح : خالد، أنا راحل و أطلب منك أن تتعهد إخوانك المسلمين في المدينه
خالد: ماذا تقصد؟
صالح: باذن الله، سارجع الى السعودية بعد التخرج في نهاية هذا الفصل الدراسي و أتمنى أن تَؤُم بعدي إخوانك المسلمين كل جمعه
خالد: مستحيل. أنا لا أصلح و لا أعرف و لا أستطيع
صالح: أعرف أنك لا تصلح للامامه و لكنك أفضلهم. ان لم تَؤُمُّهم ستتحمل ذنب تعطيل صلاة الجمعه
يا الله!
وافقت أن أحمل الأمانة على مضض، إذ كنت من الأقلية التي تصلي و لكن في غير وقتها، و كنت في رمضان أصوم عن الطعام و الشراب لا المنكرات، و كنت لا أعي فن الخطابة و لا العلوم الشرعية. بل كانت لي سلوكيات الطالب المغترب و التي لا تتناسب بتاتا مع مقام الامامة، و هي القيادة بمصداقية. كالطفل، رماني صالح الهذال في البحر لأتعلم السباحة. الكل سعد بالخبر عدى مُحَدِّثكم، و لم أدرك حينها مجددا فضل تلك النعمة و التجربة القيادية. ما أحوجنا اليوم لصناعة القيادة بالغرق
عكفت الليالي استخلص العلوم من الاشرطة العلمية و أخطها في الاوراق لتكتمل الخطبة، و من ثم ألقيها على أصحابي كل جمعه. كانت المهمة شاقة و تتطلب الكثير من الاستماع الى المادة العلمية و من ثم اختيار ما أريد و كتابتها بعد صياغتها و اعادة الاستماع و هكذا، فالانترنيت ظهر بعد عقد من الزمن و لم نكن ننعم يومئذ بنعمة القص و اللصق. و كان نابغة الكهرباء أجهل الحضور، يصحح الكثير من قراءتي بصوت عال أثناء الخطبة و هو يوزع الابتسامات و النظرات الساخرة، في حين تجلت حكمة البقية و هم ينصتون الي بتواضع و كأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب بهم و ذلك تقديراً منهم لموقفي الصعب، و هذا ما قد يفسر تأثري اثناء الخطبة. ما أحوج الذكاء الى الحكمة
“يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” البقرة 269
مرت الأيام و بدأت أتأقلم مع الوضع. كنت أخطب غالبا عن الأخلاق و السمات الاسلامية الحسنة و خاصة تلك التي يحتاج المغترب اليها، فكنت اضطر أن أبحث و أتعلم قبل أن أذكر غيري و كنت بذلك أول المستفيدين. و أَصقَلَت تجربة الإمامة صفاتي القيادية و نَمَّت فيني المصداقية، إذ جعلتني التزم أكثر بالأخلاقيات التي كنت أذكر بها غيري. بدأت أهتم اكثر باداء الصلوات في أوقاتها و الإمتناع عن المنكرات أثناء الصيام. و الأجمل أنني حضيت بمكانة متميزة بين أصحابي و احترامهم، فالإمامة شرف. ما أحوجنا للمصداقية
نَمَت الجالية المسلمة في مدينتنا، فاحتجنا و اشتقنا الى مسجد يُؤوِي كل الجنسيات و الطوائف و تقام فيه الصلوات الخمس. تَبَنَّى أخونا السوري رضوان الجلاد الفكرة و سعى فيها بالاستفادة من تجربة إخواننا في مدينة دنفر بعد التنسيق مع المسؤولين في سلطة مدينتا. القوانين كانت واضحه و تشترط أولا تأسيس جمعية اسلامية في كولورادوا إسبرينغز لتقوم هي لاحقا باستئجار أو شراء أو بناء مسجد. بحمد الله، أسسنا الجمعيه و إستأجرنا المسجد، و كنت أحد مؤسسيه و أول إمام يخطب فيه الجمعه في مصلين من شتى البلدان و الطوائف. ما أحوجنا أن نزرع البذرة و لا نستعجل الثمرة
تَرَاجَعت خطوة للخلف و سلمت راية الإمامة الى أخونا الاردني عزام، بعد أن شاء القدر أن تتحقق أمنية والدتي رحمها الله. فبعد لقائي بالرسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام، رغبت في دراسة الشريعه بتشجيع من أمي و رفض تام من قبل معظم الذكور في العائلة و على رأسهم شقيقها العزيز. و بالرغم من انتصار الذكور، ضلت الوالدة تناديني بالشيخ. نعم، سلمت الأمانة الى الأخ عزام بعد ان تبين لي تمكنه من الشريعه و رغبته في القيادة، فحمل عني مسؤولية ضخمه. ما أحوجنا لِسِلمِيَّة الإستلام و التسليم
جزى الله الإخوه صالح و رضوان و عزام خير الجزاء
و رحم الله والدَيَّ و والديكم