Logo_Header
bg
Nuclear personality before nuclear plant i don't charge for being fair
HAPPY SUPPLIER +
HAPPY OWNER =
SUCCESSFUL PROJECT
الإستبداد الجذاب
8 June 2022

الإستبداد الجذاب!

 

و في المقطع أدناه، يشهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على أزمة الأنظمة الديمقراطية في الغرب المسيحي، و ذلك في خطاب له نُشر في 22 أبريل من سنة 2022.  و فيما يلي أبرز ما جاء في خطابه:

"تعاني المؤسسات الديمقراطية من الضعف في جميع أنحاء العالم، و هناك انخفاض مطرد في عدد الأشخاص المشاركين في النقابات و المنظمات المدنية و دور العبادة. هذه هي المؤسسات الوسيطة التي كانت تعمل بمثابة الغراء المجتمعي.

و ما يجعل الديمقراطية أقل جاذبية هو صعود الصين، و الخلل السياسي المزمن في الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا، بالإضافة إلى انهيار الأنظمة المالية في سنة 2008. و ما يضعف الديمقراطية هو التغيير العميق في كيفية تواصلنا واستهلاكنا للمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. فالمحتوى التحريضي و الاستقطابي على الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، يُجذِب و يُشَّجع على المشاركة.

الصين و الفلبين نظامان استبداديان "يُقيدان" استخدام الإنترنت. كما يستخدم بوتين (الرئيس الروسي) وستيف بانون (المستشار السابق للرئيس دونالد ترامب) الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي لإضعاف المؤسسات الديمقراطية. إنهم يُغرقون الساحة العامة في البلاد بما يكفي من النجاسات، و يطرحون ما يكفي من الأسئلة، و ينشرون ما يكفي من الأوساخ، و يزرعون ما يكفي من نظريات المؤامرة، كي لا يعرف المواطنون ماذا يعتقدون. و بمجرد أن يفقد المواطنون الثقة في قادتهم و وسائل الإعلام الرئيسية و المؤسسات السياسية و بعضهم البعض و في إمكانية الحقيقة، يتم الفوز باللعبة!  أدى ذلك إلى نتائج انتخابات عام 2016!

نحن عرضة للأكاذيب ونظريات المؤامرة.  بوتين لم يفعل ذلك، لقد فعلنا ذلك بأنفسنا. و إذا لم نفعل شيئا، فأنا مقتنع بأن الاتجاهات التي نشهدها ستصبح أسوأ.  في غياب "المعايير"، فإن آثار هذه التكنولوجيا (الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي) على انتخاباتنا، و على أنظمتنا القانونية، و على ديمقراطيتنا، و على ثقافة الأدلة و الإثبات، و على نظامنا الاجتماعي بأكمله مخيفة و عميقة!

يعاني المُنتَج (الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي) من عيوب في التصميم، و نحن بحاجة إلى إصلاحه لجعله أفضل. إنه جزء من الابتكار. لم تَخلق تكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي مشاكلنا، ولكنها يمكن أن تساعد في إدارة التهديدات المرتبطة بهذه التقنيات.

حرية التعبير ضرورية و مطلوبة بموجب الدستور، و محاربة الكراهية و الخطاب التحريضي ليست هي الحل، و انما الرَّد على خطاب سيئ هو خطاب جيد.

نحن بحاجة إلى تحديد ما إذا كان محتوى وسائل التواصل الاجتماعي يضعف أو يعزز الديمقراطية الشاملة، و ما إذا كان يعزز سيادة القانون و الحكم الذاتي.

لابد من تحميل شركات التكنولوجيا شيء من المسؤولية و تعريضها للمُساءلة.  الجهود التي تبذلها شركات التكنولوجيا للسيطرة على "المحتوى" لا تذهب بعيدا بما فيه الكفاية! يجب أن تخضع شركات التكنولوجيا لمستوى معين من الرقابة العامة و "المعايير" و اللوائح التنظيمية. نتوقع من شركات التكنولوجيا إعادة تعزيز مؤسساتنا الديمقراطية. كما قال لينكولن:

"المعلومات التي نحصل عليها و القصص التي نرويها يمكن أن تشجع الملائكة و الأفضل من أمتنا".

ولكن تلك القصص و المعلومات يمكنها أيضا أن تشجع الأسوأ منا (الشياطين)! تعتمد الديمقراطية السليمة على تشجيع ملائكتنا و الأفضل منا. لذلك كمواطنين، علينا أن نأخذ على عاتقنا أن نصبح مستهلكين أفضل للأخبار.

علينا التأكد من مصادر الأخبار، و التفكير قبل أن نشارك الأخبار.  علينا أن نُعَلم أطفالنا أن يصبحوا مفكرين نقديين يعرفون كيفية تقييم المصادر و فصل الواقع عن الحقائق. نحن بحاجة إلى تشجيع محو الأمية الإعلامية عبر الإنترنت! كانت بدايات وسائل التواصل الاجتماعي واعدة، ولكن الآن أصبح لحاضرها قتامة".

و تعليقي على ما ذكره السيد أوباما هو كما يلي:

بالنسبة للاستبداد: فالولايات المتحدة الأمريكية أيضا لديها القدرة على أن تكون شكلا جماعيا من أشكال الاستبداد في الديمقراطية، و التي غالبا ما تقوض العدالة. انظروا فقط إلى الفوضى الناجمة عن غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، و التي استبدلت حكومة عراقية مستقرة بأخرى تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من إيران!

أما بالنسبة للمساءلة: ماذا عن مساءلة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عن سياساتها؟ هل تقبلون أن نُسَائلكم على غزوكم  للعراق بشكل غير قانوني و بالاستناد على أدلة كاذبة، و تمكينكم للميليشيات المدعومة من إيران و التسبب في الفوضى التي أفشلت الدولة برمتها؟

أما بالنسبة للاستخدام الخبيث للإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي: ألا تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي لإضعاف منافسيها و الدول المستقرة حول العالم؟ ألم تنشر الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادتكم محتوى تحريضيا واستقطابيا على الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، لجذب العرب و إشراكهم؟ ألم تستخدم إدارتكم وسائل التواصل الاجتماعي لتغذية الربيع العربي من خلال إغراق الساحة العامة في البلدان العربية بما يكفي من النجاسة، و إثارة ما يكفي من الأسئلة، و نشر ما يكفي من الأوساخ، و زرع ما يكفي من نظريات المؤامرة، و التي لم تجلب شيئا سوى الدمار و الفوضى و الميليشيات إلى العالم العربي؟

أما بالنسبة لتقييد حرية التعبير: أليست "المعايير" التي تطالبون بها سوى فرض لوائح على وسائل التواصل الاجتماعي (شركات التكنولوجيا)، من أجل "تقييد" حرية التعبير، التي تبجح بها أمثالكم في الغرب علينا نحن في الشرق لعقود؟ أليست "المعايير" التي تدعوا اليها هي نفس القيود التي تفرضها الصين و غيرها من الدول التي تصفها أنت بالمستبدة؟! من يصلح لتحديد "المعايير" و "الإصلاحات" و "القيود" الضرورية؟ أنت أم ترامب؟!

دعنا نتحدث عن النفاق: كيف يصبح فجأة من المقبول أن تكون مُستبداً وأن تُقَيِّد حرية التعبير، وهو أمر انتقدت الصين لممارستها له قبل دقائق قليلة فقط في خطابك؟! لماذا عندما نحاول نحن في الشرق الأوسط إصلاح ما تسميها "عيوب التصميم"، فأنت تصف فعلتنا "بالرقابة" و تعتبرنا نحن "مستبدين"، ولكن عندما تقوموا أنتم بمثل هذه الإصلاحات، تصف فعلتكم "إبتكارا" و تعتبر أنفسكم "ديمقراطيين"؟! 

أما بالنسبة لحرية التعبير: هل حقاً الجهود التي تبذلها الشركات في السيطرة على "المحتوى" ليست كافية، أم أنك تحاول إسكات منصات المعارضة المستقلة، كالتي أنشأها الرئيس ترامب؟ كيف نعرف أنك لا تُسكِت الأصوات التي تتحداك و تفضحك؟ أليس التحدي مسموحا به في الديمقراطيات الحقيقية؟ 

أما بالنسبة للحقوق الدستورية: يبدو لي أن حرية التعبير كانت حقا دستورياً عندما كانت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية تسيطر على المحتوى. ولكن ليس بعد الآن، و ليس الآن، عندما تسمح وسائل التواصل الاجتماعي بحرية التعبير الحقيقية (كما تسمح بذلك المؤسسة الديمقراطية). و الآن، و بعد أن أصبحت حرية التعبير تهدد استقراركم، أصبح من المقبول فجأة أن تُقَيدوها، كما فَعَلَت الصين و الفلبين!

أما بالنسبة للقيم الديمقراطية: إن شيطنة خصومك سلوك استبدادي. إن الإشارة إلى حزبك باسم "الملائكة" و إلى خصومك باسم "الأسوأ" (الشياطين) هي غطرسة استبدادية. السيد أوباما!  ما تفتقرون إليه حقاً هو القدوة الحسنة و سياسيون جديرون بالثقة. إنني أحمل أمثالك المسؤولية عن الأزمة التي تمر بها المؤسسات الديمقراطية، و التي شكلها آباؤكم المؤسسون.

أيها القارئ الكريم! إن خطاب السيد أوباما مشكوك في أمره و يثير الريبة بسبب الجو الهادئ بشكل غير عادي و الدعم الكامل الذي أعرب عنه الجمهور بأكمله تجاه كل ما قاله المتحدث! و هذا يتناقض مع الممارسة التي اعتدنا عليها في الغرب المسيحي و المجتمعات الديمقراطية. فعادة و خاصة في وجود شخصية مثيرة للجدل مثل السيد أوباما أو ترامب، من الطبيعي أن ترتفع بعض الأصوات من بين الجمهور، معبرة عن معارضتها لأفكار المتحدث، لكن هذا لم يحدث!  لذلك، من الواضح أن المشرفين على هذا الخطاب كانوا انتقائيين للغاية في "تقييد" الجمهور بمؤيدي أوباما وحدهم. هل يا ترى هذا نتيجة ممارسة "المعايير" و اللوائح التي دعا إليها السيد أوباما؟  أليس هذا عملا غير ديمقراطي، و يُعرف في الغرب المسيحي بالاستبداد و الطغيان و رفض المعارضة؟!

في الواقع، لقد خطا المشرفون على البرنامج خطوة أخرى إلى الأمام في "تقييد" مشاركة الجمهور، و ذلك من خلال "إيقاف" ميزة التعليق على قناتهم على يوتيوب، و هو أيضا عمل غير ديمقراطي، و يُعرف في الغرب المسيحي بالاستبداد و الطغيان و قمع المعارضة! مرة أخرى، هل هذا نتيجة لممارسة "المعايير" و اللوائح التي دعا إليها السيد أوباما؟

يا للفوضى! فالتجربة الديمقراطية في الغرب المسيحي تعاني من أزمة حقيقية في النزاهة. إنها غير قادرة على تحمل الشفافية الجامحة لوسائل التواصل الاجتماعي، تلك الحرية الجامحة التي ميزت الغرب المسيحي لعقود من الزمن عن الأنظمة الأخرى المسماة "بالاستبدادية"! إن أفكار و نظريات السيد أوباما هي شهادة على حقيقة أنهم يميلون بقوة إلى دفع خصومهم جانباً و خياطة أفواههم في شكل جديد من أشكال الاستبداد و في ظل قوانين و معايير حرية التعبير التقييدية!

من المؤكد أن السيد أوباما يمكنه تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية و تقييد حرية التعبير لتجنب تكرار نتائج انتخابات عام 2016. ولكن، هل يا ترى فكر في العواقب؟  هل تساءل ما هو التأثير الطويل الأجل لمثل هذه القيود على الرأي العام الأمريكي، الذي فقد بالفعل الثقة بشكل كبير في الأحزاب السياسية و السياسيين؟ ألن تخلق حلوله المقترحة أزمة تؤدي إلى انتشار كمية هائلة من الغبار و الوحل و القذارة (كما يشير إليه)، و شيطنة الناس له؟! ألا ينبغي لخلفيته العملية و السياسية و الرئاسية أن تأخذه إلى ما هو أبعد من هذا الحل قصير الأجل الذي لا يُعَدُ سوى "مكافحة للحرائق" و إلقاء الغبار على الحمم؟ 

أقترح على السيد أوباما أن يحذو حذو آبائهم المؤسسون و يطور حلولا طويلة الأجل و مستدامة، من خلال قراءة كتاب السيد ريبروك بعناية و كُتب المفكرين و علماء الاجتماع الآخرين. ربما يجب أن يقرأ كتابي مرتين!

و لو كنت مكانه، لاعتذرت لنفسي!

يرجى الرجوع إلى رابط اليوتيوب أدناه بعنوان "الرئيس السابق باراك أوباما يتحدث في جامعة ستانفورد عن تحديات الديمقراطية".

 https://youtu.be/l-QuQc_E2rI

2 Arabs
3 Others
4 Muslims
6 بالعربية
bg
Logo_Header
The latest articles
الإستبداد الجذاب
8 June 2022

الإستبداد الجذاب!

 

و في المقطع أدناه، يشهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على أزمة الأنظمة الديمقراطية في الغرب المسيحي، و ذلك في خطاب له نُشر في 22 أبريل من سنة 2022.  و فيما يلي أبرز ما جاء في خطابه:

"تعاني المؤسسات الديمقراطية من الضعف في جميع أنحاء العالم، و هناك انخفاض مطرد في عدد الأشخاص المشاركين في النقابات و المنظمات المدنية و دور العبادة. هذه هي المؤسسات الوسيطة التي كانت تعمل بمثابة الغراء المجتمعي.

و ما يجعل الديمقراطية أقل جاذبية هو صعود الصين، و الخلل السياسي المزمن في الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا، بالإضافة إلى انهيار الأنظمة المالية في سنة 2008. و ما يضعف الديمقراطية هو التغيير العميق في كيفية تواصلنا واستهلاكنا للمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. فالمحتوى التحريضي و الاستقطابي على الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، يُجذِب و يُشَّجع على المشاركة.

الصين و الفلبين نظامان استبداديان "يُقيدان" استخدام الإنترنت. كما يستخدم بوتين (الرئيس الروسي) وستيف بانون (المستشار السابق للرئيس دونالد ترامب) الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي لإضعاف المؤسسات الديمقراطية. إنهم يُغرقون الساحة العامة في البلاد بما يكفي من النجاسات، و يطرحون ما يكفي من الأسئلة، و ينشرون ما يكفي من الأوساخ، و يزرعون ما يكفي من نظريات المؤامرة، كي لا يعرف المواطنون ماذا يعتقدون. و بمجرد أن يفقد المواطنون الثقة في قادتهم و وسائل الإعلام الرئيسية و المؤسسات السياسية و بعضهم البعض و في إمكانية الحقيقة، يتم الفوز باللعبة!  أدى ذلك إلى نتائج انتخابات عام 2016!

نحن عرضة للأكاذيب ونظريات المؤامرة.  بوتين لم يفعل ذلك، لقد فعلنا ذلك بأنفسنا. و إذا لم نفعل شيئا، فأنا مقتنع بأن الاتجاهات التي نشهدها ستصبح أسوأ.  في غياب "المعايير"، فإن آثار هذه التكنولوجيا (الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي) على انتخاباتنا، و على أنظمتنا القانونية، و على ديمقراطيتنا، و على ثقافة الأدلة و الإثبات، و على نظامنا الاجتماعي بأكمله مخيفة و عميقة!

يعاني المُنتَج (الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي) من عيوب في التصميم، و نحن بحاجة إلى إصلاحه لجعله أفضل. إنه جزء من الابتكار. لم تَخلق تكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي مشاكلنا، ولكنها يمكن أن تساعد في إدارة التهديدات المرتبطة بهذه التقنيات.

حرية التعبير ضرورية و مطلوبة بموجب الدستور، و محاربة الكراهية و الخطاب التحريضي ليست هي الحل، و انما الرَّد على خطاب سيئ هو خطاب جيد.

نحن بحاجة إلى تحديد ما إذا كان محتوى وسائل التواصل الاجتماعي يضعف أو يعزز الديمقراطية الشاملة، و ما إذا كان يعزز سيادة القانون و الحكم الذاتي.

لابد من تحميل شركات التكنولوجيا شيء من المسؤولية و تعريضها للمُساءلة.  الجهود التي تبذلها شركات التكنولوجيا للسيطرة على "المحتوى" لا تذهب بعيدا بما فيه الكفاية! يجب أن تخضع شركات التكنولوجيا لمستوى معين من الرقابة العامة و "المعايير" و اللوائح التنظيمية. نتوقع من شركات التكنولوجيا إعادة تعزيز مؤسساتنا الديمقراطية. كما قال لينكولن:

"المعلومات التي نحصل عليها و القصص التي نرويها يمكن أن تشجع الملائكة و الأفضل من أمتنا".

ولكن تلك القصص و المعلومات يمكنها أيضا أن تشجع الأسوأ منا (الشياطين)! تعتمد الديمقراطية السليمة على تشجيع ملائكتنا و الأفضل منا. لذلك كمواطنين، علينا أن نأخذ على عاتقنا أن نصبح مستهلكين أفضل للأخبار.

علينا التأكد من مصادر الأخبار، و التفكير قبل أن نشارك الأخبار.  علينا أن نُعَلم أطفالنا أن يصبحوا مفكرين نقديين يعرفون كيفية تقييم المصادر و فصل الواقع عن الحقائق. نحن بحاجة إلى تشجيع محو الأمية الإعلامية عبر الإنترنت! كانت بدايات وسائل التواصل الاجتماعي واعدة، ولكن الآن أصبح لحاضرها قتامة".

و تعليقي على ما ذكره السيد أوباما هو كما يلي:

بالنسبة للاستبداد: فالولايات المتحدة الأمريكية أيضا لديها القدرة على أن تكون شكلا جماعيا من أشكال الاستبداد في الديمقراطية، و التي غالبا ما تقوض العدالة. انظروا فقط إلى الفوضى الناجمة عن غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، و التي استبدلت حكومة عراقية مستقرة بأخرى تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من إيران!

أما بالنسبة للمساءلة: ماذا عن مساءلة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عن سياساتها؟ هل تقبلون أن نُسَائلكم على غزوكم  للعراق بشكل غير قانوني و بالاستناد على أدلة كاذبة، و تمكينكم للميليشيات المدعومة من إيران و التسبب في الفوضى التي أفشلت الدولة برمتها؟

أما بالنسبة للاستخدام الخبيث للإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي: ألا تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي لإضعاف منافسيها و الدول المستقرة حول العالم؟ ألم تنشر الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادتكم محتوى تحريضيا واستقطابيا على الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، لجذب العرب و إشراكهم؟ ألم تستخدم إدارتكم وسائل التواصل الاجتماعي لتغذية الربيع العربي من خلال إغراق الساحة العامة في البلدان العربية بما يكفي من النجاسة، و إثارة ما يكفي من الأسئلة، و نشر ما يكفي من الأوساخ، و زرع ما يكفي من نظريات المؤامرة، و التي لم تجلب شيئا سوى الدمار و الفوضى و الميليشيات إلى العالم العربي؟

أما بالنسبة لتقييد حرية التعبير: أليست "المعايير" التي تطالبون بها سوى فرض لوائح على وسائل التواصل الاجتماعي (شركات التكنولوجيا)، من أجل "تقييد" حرية التعبير، التي تبجح بها أمثالكم في الغرب علينا نحن في الشرق لعقود؟ أليست "المعايير" التي تدعوا اليها هي نفس القيود التي تفرضها الصين و غيرها من الدول التي تصفها أنت بالمستبدة؟! من يصلح لتحديد "المعايير" و "الإصلاحات" و "القيود" الضرورية؟ أنت أم ترامب؟!

دعنا نتحدث عن النفاق: كيف يصبح فجأة من المقبول أن تكون مُستبداً وأن تُقَيِّد حرية التعبير، وهو أمر انتقدت الصين لممارستها له قبل دقائق قليلة فقط في خطابك؟! لماذا عندما نحاول نحن في الشرق الأوسط إصلاح ما تسميها "عيوب التصميم"، فأنت تصف فعلتنا "بالرقابة" و تعتبرنا نحن "مستبدين"، ولكن عندما تقوموا أنتم بمثل هذه الإصلاحات، تصف فعلتكم "إبتكارا" و تعتبر أنفسكم "ديمقراطيين"؟! 

أما بالنسبة لحرية التعبير: هل حقاً الجهود التي تبذلها الشركات في السيطرة على "المحتوى" ليست كافية، أم أنك تحاول إسكات منصات المعارضة المستقلة، كالتي أنشأها الرئيس ترامب؟ كيف نعرف أنك لا تُسكِت الأصوات التي تتحداك و تفضحك؟ أليس التحدي مسموحا به في الديمقراطيات الحقيقية؟ 

أما بالنسبة للحقوق الدستورية: يبدو لي أن حرية التعبير كانت حقا دستورياً عندما كانت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية تسيطر على المحتوى. ولكن ليس بعد الآن، و ليس الآن، عندما تسمح وسائل التواصل الاجتماعي بحرية التعبير الحقيقية (كما تسمح بذلك المؤسسة الديمقراطية). و الآن، و بعد أن أصبحت حرية التعبير تهدد استقراركم، أصبح من المقبول فجأة أن تُقَيدوها، كما فَعَلَت الصين و الفلبين!

أما بالنسبة للقيم الديمقراطية: إن شيطنة خصومك سلوك استبدادي. إن الإشارة إلى حزبك باسم "الملائكة" و إلى خصومك باسم "الأسوأ" (الشياطين) هي غطرسة استبدادية. السيد أوباما!  ما تفتقرون إليه حقاً هو القدوة الحسنة و سياسيون جديرون بالثقة. إنني أحمل أمثالك المسؤولية عن الأزمة التي تمر بها المؤسسات الديمقراطية، و التي شكلها آباؤكم المؤسسون.

أيها القارئ الكريم! إن خطاب السيد أوباما مشكوك في أمره و يثير الريبة بسبب الجو الهادئ بشكل غير عادي و الدعم الكامل الذي أعرب عنه الجمهور بأكمله تجاه كل ما قاله المتحدث! و هذا يتناقض مع الممارسة التي اعتدنا عليها في الغرب المسيحي و المجتمعات الديمقراطية. فعادة و خاصة في وجود شخصية مثيرة للجدل مثل السيد أوباما أو ترامب، من الطبيعي أن ترتفع بعض الأصوات من بين الجمهور، معبرة عن معارضتها لأفكار المتحدث، لكن هذا لم يحدث!  لذلك، من الواضح أن المشرفين على هذا الخطاب كانوا انتقائيين للغاية في "تقييد" الجمهور بمؤيدي أوباما وحدهم. هل يا ترى هذا نتيجة ممارسة "المعايير" و اللوائح التي دعا إليها السيد أوباما؟  أليس هذا عملا غير ديمقراطي، و يُعرف في الغرب المسيحي بالاستبداد و الطغيان و رفض المعارضة؟!

في الواقع، لقد خطا المشرفون على البرنامج خطوة أخرى إلى الأمام في "تقييد" مشاركة الجمهور، و ذلك من خلال "إيقاف" ميزة التعليق على قناتهم على يوتيوب، و هو أيضا عمل غير ديمقراطي، و يُعرف في الغرب المسيحي بالاستبداد و الطغيان و قمع المعارضة! مرة أخرى، هل هذا نتيجة لممارسة "المعايير" و اللوائح التي دعا إليها السيد أوباما؟

يا للفوضى! فالتجربة الديمقراطية في الغرب المسيحي تعاني من أزمة حقيقية في النزاهة. إنها غير قادرة على تحمل الشفافية الجامحة لوسائل التواصل الاجتماعي، تلك الحرية الجامحة التي ميزت الغرب المسيحي لعقود من الزمن عن الأنظمة الأخرى المسماة "بالاستبدادية"! إن أفكار و نظريات السيد أوباما هي شهادة على حقيقة أنهم يميلون بقوة إلى دفع خصومهم جانباً و خياطة أفواههم في شكل جديد من أشكال الاستبداد و في ظل قوانين و معايير حرية التعبير التقييدية!

من المؤكد أن السيد أوباما يمكنه تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية و تقييد حرية التعبير لتجنب تكرار نتائج انتخابات عام 2016. ولكن، هل يا ترى فكر في العواقب؟  هل تساءل ما هو التأثير الطويل الأجل لمثل هذه القيود على الرأي العام الأمريكي، الذي فقد بالفعل الثقة بشكل كبير في الأحزاب السياسية و السياسيين؟ ألن تخلق حلوله المقترحة أزمة تؤدي إلى انتشار كمية هائلة من الغبار و الوحل و القذارة (كما يشير إليه)، و شيطنة الناس له؟! ألا ينبغي لخلفيته العملية و السياسية و الرئاسية أن تأخذه إلى ما هو أبعد من هذا الحل قصير الأجل الذي لا يُعَدُ سوى "مكافحة للحرائق" و إلقاء الغبار على الحمم؟ 

أقترح على السيد أوباما أن يحذو حذو آبائهم المؤسسون و يطور حلولا طويلة الأجل و مستدامة، من خلال قراءة كتاب السيد ريبروك بعناية و كُتب المفكرين و علماء الاجتماع الآخرين. ربما يجب أن يقرأ كتابي مرتين!

و لو كنت مكانه، لاعتذرت لنفسي!

يرجى الرجوع إلى رابط اليوتيوب أدناه بعنوان "الرئيس السابق باراك أوباما يتحدث في جامعة ستانفورد عن تحديات الديمقراطية".

 https://youtu.be/l-QuQc_E2rI

URL copied to clipboard!