Logo_Header
bg
Nuclear personality before nuclear plant i don't charge for being fair
HAPPY SUPPLIER +
HAPPY OWNER =
SUCCESSFUL PROJECT
الدين و الإنسانية
13 August 2023

[video width="144" height="256" mp4="http://hakandkak.com/blog/wp-content/uploads/2023/08/VID-20230811-WA0102.mp4"][/video]

 

الدين و الانسانية
ترجمة و تصرف: خالد الخاجة

في زماننا و مجتمعاتنا، يتصدر الكلام عن الدين و المذاهب بمقارنتهما بالليبرالية و مذاهبها الديمقراطية. فبينما هناك من يرى الحل في وجوب تشريع الاحكام الدينية و العمل بها، تجد أيضاً من يرى أن الدين سبباً لكل المصائب في التاريخ. كما أن هناك من يرى الحل في وجوب تشريع الاحكام الليبرالية و العمل بها، و من يرى أن الليبرالية و الديمقراطية مجرد شكل جماعي للاستبداد و سبباً لكل المصائب في التاريخ الحديث.

و أكثر ما يُنفِر البعض عن الدين و الليبرالية، هي التصرفات المتناقضة لبعض المنتسبين الى الدين و الليبرالية. فتجد الليبرالي يتصدر المنظمات الحقوقية و يتكلم عن العدالة و المساواة و الحفاظ على البيئة و احترام حرية التعبير و كرامة الانسان و حقوق البشر و الحيوان، بجانب ظلمه للعباد و أكله لحقوق الناس و الكذب عليهم و تكميم افواههم. هؤلاء يفتنون المسلمين و الليبراليين بسوء صنيعهم. و تجد المتدين يرتاد المعابد و يصلي و يصوم، بجانب ظلمه للعباد و أكله لحقوق الناس و الكذب عليهم. هؤلاء أيضا يفتنون الكفار و المسلمين بسوء صنيعهم، و نعوذ بالله أن نكون منهم كما ورد في الآية 5 من سورة الممتحنة "رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ"

و المشكلة تبدأ عندما تشاهد مقطع فيديو بعنوان "الانسانية أفضل الأديان"، يظهر فيه رجل ليبرالي ملحد و هو يرحم حيواناً عاجزاً، ثم يظهر رجل متدين و هو يؤذي حيوناً لطيفاً.

الكثيرون يعتقدون خطأً بأن الانسانية من ثمار الدين و الليبرالية، في حين أن الانسانية في حقيقتها من ثمار العقل و الفطرة. فالانسانية ليست ديناً أو فلسفة سياسية، و انما وظيفة، و الطيبة و الصدق و العدالة واجباتنا الانسانية. و لأننا كائنات عاقلة، تعد ميزة العقلانية مسؤولية اضافية نحملها و تثقل أكتافنا. و البعض يعتقد باطلاً بوجوب التصفيق للصادق و العادل و الأمين، في حين أن هذه صفات انسانية و غريزية و تختص بالانسان، كما أن الصفات الحيوانية غريزية و تختص بالحيوانات. لذا، صلاح الانسان من العقل و الفطرة و ليس من الدين أو الليبرالية. أي أن البشر كانوا سيتوصلون بأنفسهم الى هذه المعاني الفطرية و يراعونها.

و الدين فلسفة سياسية و اجتماعية، حالها حال الليبرالية، كما أن الدين مرتبة ما بعد الانسانية و ليس قبلها، فالانسانية قاعدة الدين لا سقفه. و لأنك خُلِقتَ انساناً، يَعتبِر الدين انسانيتك أول وظائفك البديهية. و بعد مراعاتك للقوانين الانسانية و تحولك الى انسان كامل، عندها فقط ستكون على استعداد لتولي مهام دينية جديدة و اكثر رقياً، بهدف الارتقاء بك الى مراتب أعلى من الانسانية، كما في الرواية ".... ‏فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا"‏‏، البخاري 3374.

فالدين (الاسلام) فلسفة سياسية و اجتماعية كالليبرالية، لم يأتي ليجعل منك انساناً، فبناء الانسانية من واجباتنا الفطرية. الدين أتى ليقربك الى الله، و من شروط التقرب الى الله أن تكون انسانا كاملا. فالدين يدعوك للاطلاع على ما وراء العالم المشهود، و التعرف على عالم الغيب و كشف حقيقة الوجود و سر الخلق و عشق الخالق و توسيع ابعاد وجود الانسان. ولكن، لن يتحقق اي من هذا الا بعد تحقق الانسانية.

فالانسانية أُولى درجات سُلَّم الدين، و لا يستطيع احد أن يرتقي درجات السلم دون ان يرتقي الدرجة الاولى من السلم. و مَثَلُ من أحيى في نفسه الانسانية، كمثل من بذر بذرة طيبة، و الدين هو الماء القادر على تحويل هذه البذرة الى شجرة مباركة. و مثل من يأدي المناسك الدينية من دون تحقق الانسانية، كمثل من يسقي أرض بلا بذر خمس مرات في اليوم و لمدة خمسين سنة. و مثل من يأدي المناسك الليبرالية من دون تحقق الانسانية، كمثل من يسقي أرض بلا بذر مرات في اليوم و لمدة خمسين سنة.

و مثل من يملك الدين و لا يملك الانسانية، كمثل من يركب قطار الملاهي، و هو يدور على نفسه في حلقة مغلقة، ظناً و وهماً منه بأنه سيصل الى المقصد، كما في الآية 104 من سورة الكهف "ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا".

و مثل من يملك الانسانية و لا يملك الدين، كمثل رجل عادل يركب قطاراً حقيقيا و قادر على الوصول الى مقصده الدنيوي، كما لمَّحَ الى ذلك الامام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 28:146 "ان الله يقيم الدولة العادلة و ان كانت كافرة، و لا يقيم الدولة الظالمة و ان كانت مسلمة". و مثل من يملك الانسانية و الدين، كمثل رجل عادل يملك أجنحة للطيران.

فالدين من دون الانسانية دعابة طفولية، و المتون الدينية صريحة في أن لا ايمان لمن لا يرحم و لا ايمان لمن لا يستحي و لا ايمان لمن لا يصبر. فمن المهم أن لا نخلط بين التدين و الايمان، فالكثيرون يملكون الدين و لكنهم لا يملكون ايماناً. و وردت اهمية الايمان في سنن ابن ماجه، الرواية 61:

"عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ (ﷺ) وَ نَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا" و الحزور هو الغلام الذي قارب البلوغ.

و التدين أو الليبرالية يجعلان الطيب أطيب و السيء أسوأ. فمن كان يملك الرحمة سيزيده الدين رحمة، في سبيل الله و حباً في الله. أما من كان لا يملك الرحمة، فسيزيده الدين و الليبرالية و الفسلفات السياسية و الاجتماعية الأخرى، نقصا في رحمته، و يبرر له اعماله الخالية من الرحمة. و هذا يصدق في شأن دواعش الشرق، و هم الذين صوروا تقطيعهم لرؤوس البشر بالسكاكين، كما صدق من قبل في شأن دواعش الغرب و الذين صوروا إحراقهم للبشر (رجالا و نساء و اطفال و كهولا و مرضى) بالقنبلة النووية.

و قد يسأل سائل: أيعقل أن يجعل الدين الطيب أطيب و السيء أسوأ؟!
الاجابة: نعم! و القرآن الكريم، معجزة محمد (ﷺ)، يؤكد على ذلك في سورة الاسراء الآية 82 "وَ نُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ لَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا"

فالقرآن شفاء للمؤمن، و هو الانسان الصالح و الذي تستطيع أن تكون في حضرته على حقيقتك، و دون أن تخشى التهمة، كما في الآية 4 من سورة التوبة "إِلَّا ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْـًٔا وَلَمْ يُظَـٰهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوٓا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ"

ولكن القرآن أيضا سبب خسارة الظالم، و ليس هدايته. و مثال ذلك، عندما تضع بيضة و بطاطا معاً في ماء يغلي، ستتصلب المحتويات اللينة في البيضة و تلين المحتويات الصلبة في البطاطا. الانسان الصالح كالبطاطا، عندما يواجه الدين يلين و يلطف قلبه، في حين أن الانسان السيء كالبيضة، عندما يواجه الدين يقسوا و يتصلب قلبه.

و العبادات، كالصلاة و الحج و الزكاة، لم تأت لتصنع الانسان، و إنما أتت لتعرج بالانسان. فالصلاة لا تُصلِح الانسان السيء و انما تزيد الانسان الصالح صلاحاً. و الدنيا مليئة بالطيبين و الطيبات و إن لم يصلوا و لم يصوموا، و مليئة بالسيئين و السيئات و إن صلوا و صاموا. إن ادائي لسبعة عشرة ركعة في اليوم، تعظيما لله، لن تعالج رغبتي في احتقار الآخرين و حسدهم و غيرها من العقد النفسية. فهذه الامراض و الصفات القبيحة بحاجة الى العلاج بالمطالعة و الحوار و جهاد النفس. فالصلاة لا تُصلِح انسان يعاني من عدم الثقة بالنفس و الصيام لا يُبدِل الحسد عزة.

قيل أن رجل التقى بعالم و سأله عن شكله في البرزخ. فأجابه العالم: ستشبه الحمار. فاختلى الرجل بنفسه اربعون ليلة، يتهجد لياليها و يصوم نهارها، ثم رجع الى العالم و سأله تارة أخرى عن شكله في البرزخ، و أجابه العالم: أصبحت تشبه حمارا منيراً.

أتى الدين و الليبرالية ليزيدوك نورا، ولكن ما الفائدة من النور في غياب الانسانية؟ أمثال هذا الحمار المنير، كمن اغتالوا عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و علي بن ابي طالب و الحسين بن علي، رضوان الله عليهم. و أمثال هذا الحمار المنير ، كمن اغتالوا غاندي و مارتن لوثر كينغ و مالكوم اكس و الرئيس الامريكي كنيدي. فلا يوجد شيء أخطر من التدين او الليبرالية في غياب الانسانية. لأن هذا الشخص سيبيح لنفسه افعال غير انسانية مع الاحساس بالروحانية الدينية أو سمو الليبرالية، كالمسلم الذي يضطهد امرأة حرة ليذكرها بالحجاب او كالليبرالي الذي يضطهد امرأة حرة ليخلع عنها الحجاب. و لسان حالهما كمن قال في الآية 12 من سورة الأعراف "أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ".

و عليه، اذكر نفسي و اياكم بأن الانسان بحاجة الى الانسانية. فالدين و المذاهب أو الليبرالية و مذاهبها الديمقراطية لن ينفعونا في غياب الانسانية. فحاسب إنسانيتك، أيها الانسان، قبل أن تحاسب الدين (الاسلام)!

2 Arabs
3 Others
4 Muslims
6 بالعربية
bg
Logo_Header
The latest articles
الدين و الإنسانية
13 August 2023

[video width="144" height="256" mp4="http://hakandkak.com/blog/wp-content/uploads/2023/08/VID-20230811-WA0102.mp4"][/video]

 

الدين و الانسانية
ترجمة و تصرف: خالد الخاجة

في زماننا و مجتمعاتنا، يتصدر الكلام عن الدين و المذاهب بمقارنتهما بالليبرالية و مذاهبها الديمقراطية. فبينما هناك من يرى الحل في وجوب تشريع الاحكام الدينية و العمل بها، تجد أيضاً من يرى أن الدين سبباً لكل المصائب في التاريخ. كما أن هناك من يرى الحل في وجوب تشريع الاحكام الليبرالية و العمل بها، و من يرى أن الليبرالية و الديمقراطية مجرد شكل جماعي للاستبداد و سبباً لكل المصائب في التاريخ الحديث.

و أكثر ما يُنفِر البعض عن الدين و الليبرالية، هي التصرفات المتناقضة لبعض المنتسبين الى الدين و الليبرالية. فتجد الليبرالي يتصدر المنظمات الحقوقية و يتكلم عن العدالة و المساواة و الحفاظ على البيئة و احترام حرية التعبير و كرامة الانسان و حقوق البشر و الحيوان، بجانب ظلمه للعباد و أكله لحقوق الناس و الكذب عليهم و تكميم افواههم. هؤلاء يفتنون المسلمين و الليبراليين بسوء صنيعهم. و تجد المتدين يرتاد المعابد و يصلي و يصوم، بجانب ظلمه للعباد و أكله لحقوق الناس و الكذب عليهم. هؤلاء أيضا يفتنون الكفار و المسلمين بسوء صنيعهم، و نعوذ بالله أن نكون منهم كما ورد في الآية 5 من سورة الممتحنة "رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ"

و المشكلة تبدأ عندما تشاهد مقطع فيديو بعنوان "الانسانية أفضل الأديان"، يظهر فيه رجل ليبرالي ملحد و هو يرحم حيواناً عاجزاً، ثم يظهر رجل متدين و هو يؤذي حيوناً لطيفاً.

الكثيرون يعتقدون خطأً بأن الانسانية من ثمار الدين و الليبرالية، في حين أن الانسانية في حقيقتها من ثمار العقل و الفطرة. فالانسانية ليست ديناً أو فلسفة سياسية، و انما وظيفة، و الطيبة و الصدق و العدالة واجباتنا الانسانية. و لأننا كائنات عاقلة، تعد ميزة العقلانية مسؤولية اضافية نحملها و تثقل أكتافنا. و البعض يعتقد باطلاً بوجوب التصفيق للصادق و العادل و الأمين، في حين أن هذه صفات انسانية و غريزية و تختص بالانسان، كما أن الصفات الحيوانية غريزية و تختص بالحيوانات. لذا، صلاح الانسان من العقل و الفطرة و ليس من الدين أو الليبرالية. أي أن البشر كانوا سيتوصلون بأنفسهم الى هذه المعاني الفطرية و يراعونها.

و الدين فلسفة سياسية و اجتماعية، حالها حال الليبرالية، كما أن الدين مرتبة ما بعد الانسانية و ليس قبلها، فالانسانية قاعدة الدين لا سقفه. و لأنك خُلِقتَ انساناً، يَعتبِر الدين انسانيتك أول وظائفك البديهية. و بعد مراعاتك للقوانين الانسانية و تحولك الى انسان كامل، عندها فقط ستكون على استعداد لتولي مهام دينية جديدة و اكثر رقياً، بهدف الارتقاء بك الى مراتب أعلى من الانسانية، كما في الرواية ".... ‏فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا"‏‏، البخاري 3374.

فالدين (الاسلام) فلسفة سياسية و اجتماعية كالليبرالية، لم يأتي ليجعل منك انساناً، فبناء الانسانية من واجباتنا الفطرية. الدين أتى ليقربك الى الله، و من شروط التقرب الى الله أن تكون انسانا كاملا. فالدين يدعوك للاطلاع على ما وراء العالم المشهود، و التعرف على عالم الغيب و كشف حقيقة الوجود و سر الخلق و عشق الخالق و توسيع ابعاد وجود الانسان. ولكن، لن يتحقق اي من هذا الا بعد تحقق الانسانية.

فالانسانية أُولى درجات سُلَّم الدين، و لا يستطيع احد أن يرتقي درجات السلم دون ان يرتقي الدرجة الاولى من السلم. و مَثَلُ من أحيى في نفسه الانسانية، كمثل من بذر بذرة طيبة، و الدين هو الماء القادر على تحويل هذه البذرة الى شجرة مباركة. و مثل من يأدي المناسك الدينية من دون تحقق الانسانية، كمثل من يسقي أرض بلا بذر خمس مرات في اليوم و لمدة خمسين سنة. و مثل من يأدي المناسك الليبرالية من دون تحقق الانسانية، كمثل من يسقي أرض بلا بذر مرات في اليوم و لمدة خمسين سنة.

و مثل من يملك الدين و لا يملك الانسانية، كمثل من يركب قطار الملاهي، و هو يدور على نفسه في حلقة مغلقة، ظناً و وهماً منه بأنه سيصل الى المقصد، كما في الآية 104 من سورة الكهف "ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا".

و مثل من يملك الانسانية و لا يملك الدين، كمثل رجل عادل يركب قطاراً حقيقيا و قادر على الوصول الى مقصده الدنيوي، كما لمَّحَ الى ذلك الامام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 28:146 "ان الله يقيم الدولة العادلة و ان كانت كافرة، و لا يقيم الدولة الظالمة و ان كانت مسلمة". و مثل من يملك الانسانية و الدين، كمثل رجل عادل يملك أجنحة للطيران.

فالدين من دون الانسانية دعابة طفولية، و المتون الدينية صريحة في أن لا ايمان لمن لا يرحم و لا ايمان لمن لا يستحي و لا ايمان لمن لا يصبر. فمن المهم أن لا نخلط بين التدين و الايمان، فالكثيرون يملكون الدين و لكنهم لا يملكون ايماناً. و وردت اهمية الايمان في سنن ابن ماجه، الرواية 61:

"عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ (ﷺ) وَ نَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا" و الحزور هو الغلام الذي قارب البلوغ.

و التدين أو الليبرالية يجعلان الطيب أطيب و السيء أسوأ. فمن كان يملك الرحمة سيزيده الدين رحمة، في سبيل الله و حباً في الله. أما من كان لا يملك الرحمة، فسيزيده الدين و الليبرالية و الفسلفات السياسية و الاجتماعية الأخرى، نقصا في رحمته، و يبرر له اعماله الخالية من الرحمة. و هذا يصدق في شأن دواعش الشرق، و هم الذين صوروا تقطيعهم لرؤوس البشر بالسكاكين، كما صدق من قبل في شأن دواعش الغرب و الذين صوروا إحراقهم للبشر (رجالا و نساء و اطفال و كهولا و مرضى) بالقنبلة النووية.

و قد يسأل سائل: أيعقل أن يجعل الدين الطيب أطيب و السيء أسوأ؟!
الاجابة: نعم! و القرآن الكريم، معجزة محمد (ﷺ)، يؤكد على ذلك في سورة الاسراء الآية 82 "وَ نُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ لَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا"

فالقرآن شفاء للمؤمن، و هو الانسان الصالح و الذي تستطيع أن تكون في حضرته على حقيقتك، و دون أن تخشى التهمة، كما في الآية 4 من سورة التوبة "إِلَّا ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْـًٔا وَلَمْ يُظَـٰهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوٓا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ"

ولكن القرآن أيضا سبب خسارة الظالم، و ليس هدايته. و مثال ذلك، عندما تضع بيضة و بطاطا معاً في ماء يغلي، ستتصلب المحتويات اللينة في البيضة و تلين المحتويات الصلبة في البطاطا. الانسان الصالح كالبطاطا، عندما يواجه الدين يلين و يلطف قلبه، في حين أن الانسان السيء كالبيضة، عندما يواجه الدين يقسوا و يتصلب قلبه.

و العبادات، كالصلاة و الحج و الزكاة، لم تأت لتصنع الانسان، و إنما أتت لتعرج بالانسان. فالصلاة لا تُصلِح الانسان السيء و انما تزيد الانسان الصالح صلاحاً. و الدنيا مليئة بالطيبين و الطيبات و إن لم يصلوا و لم يصوموا، و مليئة بالسيئين و السيئات و إن صلوا و صاموا. إن ادائي لسبعة عشرة ركعة في اليوم، تعظيما لله، لن تعالج رغبتي في احتقار الآخرين و حسدهم و غيرها من العقد النفسية. فهذه الامراض و الصفات القبيحة بحاجة الى العلاج بالمطالعة و الحوار و جهاد النفس. فالصلاة لا تُصلِح انسان يعاني من عدم الثقة بالنفس و الصيام لا يُبدِل الحسد عزة.

قيل أن رجل التقى بعالم و سأله عن شكله في البرزخ. فأجابه العالم: ستشبه الحمار. فاختلى الرجل بنفسه اربعون ليلة، يتهجد لياليها و يصوم نهارها، ثم رجع الى العالم و سأله تارة أخرى عن شكله في البرزخ، و أجابه العالم: أصبحت تشبه حمارا منيراً.

أتى الدين و الليبرالية ليزيدوك نورا، ولكن ما الفائدة من النور في غياب الانسانية؟ أمثال هذا الحمار المنير، كمن اغتالوا عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و علي بن ابي طالب و الحسين بن علي، رضوان الله عليهم. و أمثال هذا الحمار المنير ، كمن اغتالوا غاندي و مارتن لوثر كينغ و مالكوم اكس و الرئيس الامريكي كنيدي. فلا يوجد شيء أخطر من التدين او الليبرالية في غياب الانسانية. لأن هذا الشخص سيبيح لنفسه افعال غير انسانية مع الاحساس بالروحانية الدينية أو سمو الليبرالية، كالمسلم الذي يضطهد امرأة حرة ليذكرها بالحجاب او كالليبرالي الذي يضطهد امرأة حرة ليخلع عنها الحجاب. و لسان حالهما كمن قال في الآية 12 من سورة الأعراف "أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ".

و عليه، اذكر نفسي و اياكم بأن الانسان بحاجة الى الانسانية. فالدين و المذاهب أو الليبرالية و مذاهبها الديمقراطية لن ينفعونا في غياب الانسانية. فحاسب إنسانيتك، أيها الانسان، قبل أن تحاسب الدين (الاسلام)!

URL copied to clipboard!