Logo_Header
bg
Nuclear personality before nuclear plant i don't charge for being fair
HAPPY SUPPLIER +
HAPPY OWNER =
SUCCESSFUL PROJECT
التشبه باليهود و النصارى
4 May 2021

يتساءل الأحباب:

لماذا تنوى الحكومة إستبدال إجازة الجمعة و السبت الأسبوعية بالسبت و الأحد، علماً بأن في هذا التغيير التشبه باليهود و النصارى؟!

أقول:

إجازة الجمعة ليست سُنَّة نبوية، و إنما هي عُرف إجتماعي. فيوم الجمعة كان يوم عمل على عهد الرسول صلى الله عليه و سلم و لم يكن عطلة أسبوعية. فما قبل و بعد صلاة الجمعة كان عمل و تجارة، حاله حال باقي أيام الأسبوع كما يتبين من الآيات:

(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ۝  فَإِذَا قُضِیَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ) سورة الجمعة الآيتين ٩ و ١٠

إطمئنوا أيها الأحباب، فتحديد أيام الإجازات الاسبوعية مسالة تنظيمية و إقتصادية و سياسية بحته و لا علاقة له بالعقيدة. و إن كان و لابد، فإهتموا و إقلقوا على تماسك أُسَرِكُم و تربية أبنائكم و لا تخافوا على ديننا الذي تكفل الله بحفظه من خلال علمائنا الأجلاء. علموا أبنائكم اللغة العربية و هي لغة القرآن و السنة النبوية الشريفة، و التي أصبحت غريبة بين أطفالنا مع الأسف الشديد بسبب مبالغة الأهالي في الإهتمام باللغات الأجنبية. إزرعوا في أبنائكم العقيدة السلفية الصحيحة و تسامح إخواننا من جماعة الدعوة و التبليغ

هنا قد يرد الأحباب:

نتفق معك على أهمية اللغة العربية و الأسرة و التربية الصحيحة، و نتفق معك أن إجازة الجمعة ليست سنة نبوية و أنها عُرف إجتماعي. و لكن الرسول عليه الصلاة و السلام أمرنا بأن نخالف اليهود و النصارى، في حين إننا نستنسخ إجازاتهم، فإجازة اليهود يوم السبت و إجازة النصارى يوم الاحد و بهذا نحن عمليا نخالف هدي المصطفى صلى الله عليه و سلم. ما يجري هو أننا و على غفلة منا نخالف الآية

(وَ لَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰ⁠تِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینٌ) البقرة ١٦٨

ألا ترى أننا نتبع عادات غير المسلمين كما الحال في تركيا، البلد المسلم الذي عندما تزوره تشعر و كأنك في دولة أوروبية؟!

أقول:

أحيي فيكم غيرتكم على الدين و أحسنتم إذ إستشهدتم بهدي الرسول صلى الله عليه و سلم في مخالفة اليهود و النصارى و المجوس. فعلا، هذه نقطة مهمه و جوهرية و بحاجة الى تأمل

راجعت و على عجالة الروايات التي دعى الرسول صلى الله عليه و سلم فيها بمخالفة اليهود و النصارى و المجوس و وجدتها كلها تنهي عن أمور إما كفرية أو عادات و تقاليد بالية، لا تليق بأمة الإسلام. و لكنني لم أجده - صلى الله عليه و سلم - يطلب مخالفة أمور طيبة أو حسنة. الرسول صلى الله عليه و سلم كان فقط يخالف منهجياتهم الخاطئه

من المستحيل أن تجد في السنة الشريفة الأمر بمخالفة اليهود و النصارى و المجوس في كل شيء، فهذا غير منطقي. و يكفي أن الله مدح أهل المدينه في القرآن و وصفهم بانهم يتطهرون، و لما سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن سر مديح الله لهم قالوا أنهم يغسلون أدبارهم بالماء بعد الغائط أسوة بجيرانهم اليهود. و الرسول صلى الله عليه و سلم سُرَّ بفعلتهم هذه و لم يطلب منهم مخالفة اليهود، و لك أن تراجع تفسير الآيه ١٠٨ من سورة التوبه

(فِیهِ رِجَالࣱ یُحِبُّونَ أَن یَتَطَهَّرُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِینَ)

إذاً، مخالفة اليهود و النصارى و المجوس منهجية راقية تهدف الى ترك عاداتهم الفاسدة و كذلك العادات الفاسدة لمن سواهم. و الاسلام لا يرتكز على منهجية واحدة، بل على منهجيات عدة و كلها جميله و تكمل بعضها البعض و لابد من مراعاة كل المنهجيات عند بحث أية مسألة جديدة. و كما أن هناك منهجية المخالفة، هناك أيضا منهجية قرآنية تدعوا الى التشبه بغيرنا من الأقوام. كيف؟

هناك منهجية إسلامية راقية تبدوا في الظاهر إنها تناقض منهجية مخالفة اليهود و النصارى في حين إنها تكملها. فالآية التالية تطلب منا البحث عن الممارسات الحسنة و تبنيها

(ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤئكَ ٱلَّذِینَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُو۟لَـٰۤئكَ هُمۡ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ) سورة الزمر الآية ١٨

هذه الآية تدعونا أن نبحث عن أفضل الممارسات بهدف تبنيها و بغض النظر عن مصدرها، و إن فعلنا ذلك نكون عباد الله الذين إستحقوا البشارة كما ذكرت في نهاية الآية التي تسبقها

(فَبَشِّرۡ عِبَادِ) سورة الزمر الآية ١٧

ثم، هل ترضون أن يخالفنا اليهود و النصارى و المجوس في كل شيء و ينغصون علينا و على المسلمين في الغرب و يغلقون أكثر من ١٣،٠٠٠ مسجد في أوروبا فقط؟

إقرؤا عن وثيقة المدينة و هي أول دستور كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مباشرة و بعد إستلامه زمام الحكم في المدينه. أنظروا كيف عامل الرسول صلى الله عليه و سلم غير المسلمين في دولته و كيف انه وصف كل من وافقوا على الوثيقة "بالامة" من المسلمين و اليهود و النصارى و المشركين و إعتبرهم جميعا جزء من الامة

هنا قد يتساءل الأحباب:

حسنا. لماذا اليهود لا يبدلون إجازتهم من يوم السبت منذ آلاف السنين و لماذا الغرب النصرانية لا يتبعوننا و أصبحنا نتبعهم خطوة بخطوة في كل أمور الحياة؟ و كذلك ما نسمعه من أخبار تفيد بقبولنا تعايش النصارى بيننا و إنجابهم الأطفال بدون عقد الزواج!! الى أين نحن ذاهبون وراءهم؟! كانت إجازتنا جميلة عندما كانت يومي الخميس و الجمعة. ألا ترى أننا و للأسف أخذنا نتبع الغرب و خطوات الشيطان شيئا فشيئا في غفلة من أمرنا؟!

أقول:

أسئلتكم جميلة و صعبة، و لكن الإجابة بسيطة. فبعد قدر من التأمل خَلصت الى أن إستنكاركم أنتم و غيركم من غالبية المسلمين نابع من حرصكم على الدين و قدسية يوم الجمعه، و ذلك لإهتمامكم بشعيرة صلاة الجمعة. إلا أن المِلَل الاخرى من اليهود و النصارى تكاد لا تطأ بيوت العبادة و يحتاجون الاجازة لكي يمارسوا هواياتهم الشخصية و منها الشُرب حتى السُكر و لعب القمار. صحيح أن إجازاتهم تصادف أيام دينية مهمة في اليهودية و النصرانية، الا أن الهدف منها هو اللهو الغير المباح و ليس التدين. و هذا النظام بدأ في الغرب في مطلع القرن العشرين و تبنتها الدول الصناعية للتخفيف عن العمال و تحسين إنتاجيتهم، و لكي يرجعوا للعمل نشطين و بانتاجية جيدة بعد يومين من الراحة و اللعب و العربدة

كما سبق أن ذكرت، نظام الإجازات ليست إسلامية و الرسول صلى الله عليه و سلم لم يعلن الجمعة يوم عطلة، و إنما الثورة الصناعية هي التي أتت بفكرة الإجازات الاسبوعية و فعلت ذلك لاسباب ربحية. المسألة ليست عقدية و إنما اقتصادية و سياسية بحته

فعبر التاريخ، كان و ما زال الأقوى إقتصاديا هم من يحكمون السوق و يفرضون شروطهم و قوانينهم. و إذا علمنا أن الناتج القومي السنوي الأمريكي يعادل ٢٠ تريليون دولار، و تأتي الصين في المرتبة الثانية بناتج قومي تفوق ١٤ تريليون دولار، في حين الناتج القومي السنوي للمملكه العربية السعودية يفوق ٧٠٠ مليار دولار بقليل (أي أقل من التريليون الواحد)، عندها يسهل الإستنتاج بأن الدول الغير إسلامية هي من تتقدم العالم إقتصاديا و لا عجب من إتباعنا لهم من أجل الربحية. إنها مسألة إقتصادية بحته. و عليه، إن أردنا أن نتحكم في العالم، فعلينا أن نعزز الإستقرار بالكف عن الثورات المشبوهة و بث القلاقل. علينا أن ندعم البرامج التنموية لحكوماتنا و التي أثبتت نجاحها لكل مراقب منصف

كما ذكرنا، أَسَّس الرسول صلى الله عليه و سلم دولته على وثيقة المدينة التي كانت تتبنى حرية المعتقد لأقلياتها و إحترام ثقافاتها من اليهود و النصارى و المشركين كجزء من أمة يحكمها نبي الامة صلى الله عليه و سلم. فبينما كانت الدولة تحرم على المسلم التعامل مع المسكرات و التجارة بها، كان اليهود و النصارى في الدولة الإسلامية يحق لهم أن  يتعاملوا بالخمر، لأن للخمرة قدسية في شرائعهم و وثيقة المدينه كانت تضمن لهم حرية المعتقد و الثقافة. فالآية ٩٠ من سورة المائدة موجهة للمؤمنين و ليس اليهود و النصارى و المجوس لأنهم غير مؤمنين من المنظور الإسلامي

(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَـٰمُ رِجۡسࣱ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ) 

هذا ما كان يحدث في ظل حكومة يراسها النبي صلى الله عليه و سلم، و كانت هذه الحكومة لا تتبنى أياماً محددة كإجازات أسبوعية، بل كانوا يعملون و ينتجون طيلة أيام الاسبوع. و كانت الجمعه و السبت و الأحد مجرد أيام مقدسة. و عليه، إن أردنا حقاً أن نتبع سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم فيجب الغاء العطلات الاسبوعية كلها و العمل طيلة الاسبوع

العرب و المسلمون تبنوا فكرة الإجازات الاسبوعية من الغرب الصناعية لأننا  إستَحسَنَّا نظامهم و إعتبرناها مماراسات جيدة. و عليه، ما هي الأضرار العقائدية المترتبة في حال قررت الحكومة و لأسباب إقتصادية و سياسية بحته أن تنسق مع الغالبية في العالم و تجعل السبت و الأحد إجازتنا الأسبوعية بدلا من الجمعة و السبت؟ و لا أجد في ذلك مخالفة للشريعة أو السنة النبوية. و ما الفائدة العقائدية المترتبة إن جعلنا إجازتنا يومي الخميس و الجمعة؟ الدولة لم تلغي يوم الجمعة من الاسبوع و لم تقلل من قدسيته و لم تقل بإلغاء صلاة الجمعة جماعة

و كذلك، إن كان صحيحا ما يتم تناقله من قرار السماح لغير المسلمين في بلادنا بالعيش و إنجاب الاطفال دون عقد زواج، فذلك من باب إحترام ثقافاتهم و عُرفهم و شرائعهم كأقليات تعيش بيننا. فلم يعد سراً أن شرائع و عادات الغرب و غيرهم الكثير من المِلَل تجيز النكاح و إنجاب الأطفال دون عقد الزواج، و الكنائس تعترف بهكذا أطفال و تقوم بتعميدهم. هذا القرار، إن كان صحيحا، شبيه بقرار الرسول صلى الله عليه و سلم و سماحه لغير المسلمين بالتعامل فيما بينهم بالخمر كما تقتضيه معتقداتهم و ثقافاتهم

و هنا، أرجع و أنبه باهمية تربية ذرياتنا على القيم الإسلامية و الشرقية و الإهتمام باللغة العربية لكي نُقِي أجيالنا شر الوقوع في الفتن و لكي لا يتشبهون بالغرب، و يبقون على عُرفكم و قيمكم و إن عاشوا في الغرب

و إن كان اليهود و النصارى يبدون التعصب لأيامهم المقدسة، فلا يبرر ذلك أن نقلدهم و نتعصب نحن المسلمون أيضا لأيامنا المقدسة. بل في مثل هذه الحالات، يجب مخالفتهم كما فعل الرسول صلى الله عليه و سلم و يجب إتباع التسامح الذي حكم به الرسول صلى الله عليه و سلم أمته من المسلمين و غير المسلمين. نحن المسلمون أمة الشهادة

(كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ) سورة آل عمران الآية ١٠

و يجب أن تكون ممارساتنا متساوية بالممارسات العالمية الحسنة، إن لم تكن أفضل منها. يجب أن نتحدى العالم بالخير، لا بالشر و إن إضطررنا أن نتعامل معهم بالشر فيكون بشكل محدود و مقنن بهدف درء المضرات

أحبتي، الاجازة الاسبوعية في إسرائيل يوم الجمعة و السبت و ليس السبت و الأحد. أقول هذا لابين أننا لا نقلد الاسرائيلين كما يظن البعض من الاحباب و كما يلمز المخالفين السياسين. و للأسف الشديد، يقوم هؤلاء المخالفين بالتشكيك بكل ما يُقِره ولاة الأمر ليثبتوا مُولاة الحكام لليهود و النصارى. يفعلون ذلك و هم يعلمون حق المعرفة بأن شيخ الإسلام إبن تيمية - رحمه الله و جزاه عنا خير الجزاء - قد أعطى الحكام صلاحيات كبيرة تفوق كل ما ذكرناه شريطة حسن النية، و إن أحببتم إقرؤا ما ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي المجلد العشرون "فصل في تعارض الحسنات و السيئات". يفعل المخالفون هذا لأسباب سياسية و بهدف بث القلق بين الأبرياء و تشكيكهم بولاة الأمر، و بها تضعف الامة و تتفكك لتصبح لقمة سهلة لكل طامع

و ليحذر و يتق الله أولئك الذين يطعنون و يشككون في نوايا ولاة الأمر، فالتشكيك بما في قلوب الناس ليس من منهج أهل السنة و الجماعة بنص الحديث

(عَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه و أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، و يُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ و أَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، و حِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ ) مُتفقٌ عليه

و معنى "حسابهم على الله" أن الله يحاسبهم بصدق ما في قلوبهم و نواياهم، أما نحن فنحكم بظاهرهم، و هذا منهج أهل السنة و الجماعة و الله أعلم

2 Arabs
3 Others
4 Muslims
6 بالعربية
bg
Logo_Header
The latest articles
التشبه باليهود و النصارى
4 May 2021

يتساءل الأحباب:

لماذا تنوى الحكومة إستبدال إجازة الجمعة و السبت الأسبوعية بالسبت و الأحد، علماً بأن في هذا التغيير التشبه باليهود و النصارى؟!

أقول:

إجازة الجمعة ليست سُنَّة نبوية، و إنما هي عُرف إجتماعي. فيوم الجمعة كان يوم عمل على عهد الرسول صلى الله عليه و سلم و لم يكن عطلة أسبوعية. فما قبل و بعد صلاة الجمعة كان عمل و تجارة، حاله حال باقي أيام الأسبوع كما يتبين من الآيات:

(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ۝  فَإِذَا قُضِیَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ) سورة الجمعة الآيتين ٩ و ١٠

إطمئنوا أيها الأحباب، فتحديد أيام الإجازات الاسبوعية مسالة تنظيمية و إقتصادية و سياسية بحته و لا علاقة له بالعقيدة. و إن كان و لابد، فإهتموا و إقلقوا على تماسك أُسَرِكُم و تربية أبنائكم و لا تخافوا على ديننا الذي تكفل الله بحفظه من خلال علمائنا الأجلاء. علموا أبنائكم اللغة العربية و هي لغة القرآن و السنة النبوية الشريفة، و التي أصبحت غريبة بين أطفالنا مع الأسف الشديد بسبب مبالغة الأهالي في الإهتمام باللغات الأجنبية. إزرعوا في أبنائكم العقيدة السلفية الصحيحة و تسامح إخواننا من جماعة الدعوة و التبليغ

هنا قد يرد الأحباب:

نتفق معك على أهمية اللغة العربية و الأسرة و التربية الصحيحة، و نتفق معك أن إجازة الجمعة ليست سنة نبوية و أنها عُرف إجتماعي. و لكن الرسول عليه الصلاة و السلام أمرنا بأن نخالف اليهود و النصارى، في حين إننا نستنسخ إجازاتهم، فإجازة اليهود يوم السبت و إجازة النصارى يوم الاحد و بهذا نحن عمليا نخالف هدي المصطفى صلى الله عليه و سلم. ما يجري هو أننا و على غفلة منا نخالف الآية

(وَ لَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰ⁠تِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینٌ) البقرة ١٦٨

ألا ترى أننا نتبع عادات غير المسلمين كما الحال في تركيا، البلد المسلم الذي عندما تزوره تشعر و كأنك في دولة أوروبية؟!

أقول:

أحيي فيكم غيرتكم على الدين و أحسنتم إذ إستشهدتم بهدي الرسول صلى الله عليه و سلم في مخالفة اليهود و النصارى و المجوس. فعلا، هذه نقطة مهمه و جوهرية و بحاجة الى تأمل

راجعت و على عجالة الروايات التي دعى الرسول صلى الله عليه و سلم فيها بمخالفة اليهود و النصارى و المجوس و وجدتها كلها تنهي عن أمور إما كفرية أو عادات و تقاليد بالية، لا تليق بأمة الإسلام. و لكنني لم أجده - صلى الله عليه و سلم - يطلب مخالفة أمور طيبة أو حسنة. الرسول صلى الله عليه و سلم كان فقط يخالف منهجياتهم الخاطئه

من المستحيل أن تجد في السنة الشريفة الأمر بمخالفة اليهود و النصارى و المجوس في كل شيء، فهذا غير منطقي. و يكفي أن الله مدح أهل المدينه في القرآن و وصفهم بانهم يتطهرون، و لما سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن سر مديح الله لهم قالوا أنهم يغسلون أدبارهم بالماء بعد الغائط أسوة بجيرانهم اليهود. و الرسول صلى الله عليه و سلم سُرَّ بفعلتهم هذه و لم يطلب منهم مخالفة اليهود، و لك أن تراجع تفسير الآيه ١٠٨ من سورة التوبه

(فِیهِ رِجَالࣱ یُحِبُّونَ أَن یَتَطَهَّرُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِینَ)

إذاً، مخالفة اليهود و النصارى و المجوس منهجية راقية تهدف الى ترك عاداتهم الفاسدة و كذلك العادات الفاسدة لمن سواهم. و الاسلام لا يرتكز على منهجية واحدة، بل على منهجيات عدة و كلها جميله و تكمل بعضها البعض و لابد من مراعاة كل المنهجيات عند بحث أية مسألة جديدة. و كما أن هناك منهجية المخالفة، هناك أيضا منهجية قرآنية تدعوا الى التشبه بغيرنا من الأقوام. كيف؟

هناك منهجية إسلامية راقية تبدوا في الظاهر إنها تناقض منهجية مخالفة اليهود و النصارى في حين إنها تكملها. فالآية التالية تطلب منا البحث عن الممارسات الحسنة و تبنيها

(ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤئكَ ٱلَّذِینَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُو۟لَـٰۤئكَ هُمۡ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ) سورة الزمر الآية ١٨

هذه الآية تدعونا أن نبحث عن أفضل الممارسات بهدف تبنيها و بغض النظر عن مصدرها، و إن فعلنا ذلك نكون عباد الله الذين إستحقوا البشارة كما ذكرت في نهاية الآية التي تسبقها

(فَبَشِّرۡ عِبَادِ) سورة الزمر الآية ١٧

ثم، هل ترضون أن يخالفنا اليهود و النصارى و المجوس في كل شيء و ينغصون علينا و على المسلمين في الغرب و يغلقون أكثر من ١٣،٠٠٠ مسجد في أوروبا فقط؟

إقرؤا عن وثيقة المدينة و هي أول دستور كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مباشرة و بعد إستلامه زمام الحكم في المدينه. أنظروا كيف عامل الرسول صلى الله عليه و سلم غير المسلمين في دولته و كيف انه وصف كل من وافقوا على الوثيقة "بالامة" من المسلمين و اليهود و النصارى و المشركين و إعتبرهم جميعا جزء من الامة

هنا قد يتساءل الأحباب:

حسنا. لماذا اليهود لا يبدلون إجازتهم من يوم السبت منذ آلاف السنين و لماذا الغرب النصرانية لا يتبعوننا و أصبحنا نتبعهم خطوة بخطوة في كل أمور الحياة؟ و كذلك ما نسمعه من أخبار تفيد بقبولنا تعايش النصارى بيننا و إنجابهم الأطفال بدون عقد الزواج!! الى أين نحن ذاهبون وراءهم؟! كانت إجازتنا جميلة عندما كانت يومي الخميس و الجمعة. ألا ترى أننا و للأسف أخذنا نتبع الغرب و خطوات الشيطان شيئا فشيئا في غفلة من أمرنا؟!

أقول:

أسئلتكم جميلة و صعبة، و لكن الإجابة بسيطة. فبعد قدر من التأمل خَلصت الى أن إستنكاركم أنتم و غيركم من غالبية المسلمين نابع من حرصكم على الدين و قدسية يوم الجمعه، و ذلك لإهتمامكم بشعيرة صلاة الجمعة. إلا أن المِلَل الاخرى من اليهود و النصارى تكاد لا تطأ بيوت العبادة و يحتاجون الاجازة لكي يمارسوا هواياتهم الشخصية و منها الشُرب حتى السُكر و لعب القمار. صحيح أن إجازاتهم تصادف أيام دينية مهمة في اليهودية و النصرانية، الا أن الهدف منها هو اللهو الغير المباح و ليس التدين. و هذا النظام بدأ في الغرب في مطلع القرن العشرين و تبنتها الدول الصناعية للتخفيف عن العمال و تحسين إنتاجيتهم، و لكي يرجعوا للعمل نشطين و بانتاجية جيدة بعد يومين من الراحة و اللعب و العربدة

كما سبق أن ذكرت، نظام الإجازات ليست إسلامية و الرسول صلى الله عليه و سلم لم يعلن الجمعة يوم عطلة، و إنما الثورة الصناعية هي التي أتت بفكرة الإجازات الاسبوعية و فعلت ذلك لاسباب ربحية. المسألة ليست عقدية و إنما اقتصادية و سياسية بحته

فعبر التاريخ، كان و ما زال الأقوى إقتصاديا هم من يحكمون السوق و يفرضون شروطهم و قوانينهم. و إذا علمنا أن الناتج القومي السنوي الأمريكي يعادل ٢٠ تريليون دولار، و تأتي الصين في المرتبة الثانية بناتج قومي تفوق ١٤ تريليون دولار، في حين الناتج القومي السنوي للمملكه العربية السعودية يفوق ٧٠٠ مليار دولار بقليل (أي أقل من التريليون الواحد)، عندها يسهل الإستنتاج بأن الدول الغير إسلامية هي من تتقدم العالم إقتصاديا و لا عجب من إتباعنا لهم من أجل الربحية. إنها مسألة إقتصادية بحته. و عليه، إن أردنا أن نتحكم في العالم، فعلينا أن نعزز الإستقرار بالكف عن الثورات المشبوهة و بث القلاقل. علينا أن ندعم البرامج التنموية لحكوماتنا و التي أثبتت نجاحها لكل مراقب منصف

كما ذكرنا، أَسَّس الرسول صلى الله عليه و سلم دولته على وثيقة المدينة التي كانت تتبنى حرية المعتقد لأقلياتها و إحترام ثقافاتها من اليهود و النصارى و المشركين كجزء من أمة يحكمها نبي الامة صلى الله عليه و سلم. فبينما كانت الدولة تحرم على المسلم التعامل مع المسكرات و التجارة بها، كان اليهود و النصارى في الدولة الإسلامية يحق لهم أن  يتعاملوا بالخمر، لأن للخمرة قدسية في شرائعهم و وثيقة المدينه كانت تضمن لهم حرية المعتقد و الثقافة. فالآية ٩٠ من سورة المائدة موجهة للمؤمنين و ليس اليهود و النصارى و المجوس لأنهم غير مؤمنين من المنظور الإسلامي

(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَـٰمُ رِجۡسࣱ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ) 

هذا ما كان يحدث في ظل حكومة يراسها النبي صلى الله عليه و سلم، و كانت هذه الحكومة لا تتبنى أياماً محددة كإجازات أسبوعية، بل كانوا يعملون و ينتجون طيلة أيام الاسبوع. و كانت الجمعه و السبت و الأحد مجرد أيام مقدسة. و عليه، إن أردنا حقاً أن نتبع سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم فيجب الغاء العطلات الاسبوعية كلها و العمل طيلة الاسبوع

العرب و المسلمون تبنوا فكرة الإجازات الاسبوعية من الغرب الصناعية لأننا  إستَحسَنَّا نظامهم و إعتبرناها مماراسات جيدة. و عليه، ما هي الأضرار العقائدية المترتبة في حال قررت الحكومة و لأسباب إقتصادية و سياسية بحته أن تنسق مع الغالبية في العالم و تجعل السبت و الأحد إجازتنا الأسبوعية بدلا من الجمعة و السبت؟ و لا أجد في ذلك مخالفة للشريعة أو السنة النبوية. و ما الفائدة العقائدية المترتبة إن جعلنا إجازتنا يومي الخميس و الجمعة؟ الدولة لم تلغي يوم الجمعة من الاسبوع و لم تقلل من قدسيته و لم تقل بإلغاء صلاة الجمعة جماعة

و كذلك، إن كان صحيحا ما يتم تناقله من قرار السماح لغير المسلمين في بلادنا بالعيش و إنجاب الاطفال دون عقد زواج، فذلك من باب إحترام ثقافاتهم و عُرفهم و شرائعهم كأقليات تعيش بيننا. فلم يعد سراً أن شرائع و عادات الغرب و غيرهم الكثير من المِلَل تجيز النكاح و إنجاب الأطفال دون عقد الزواج، و الكنائس تعترف بهكذا أطفال و تقوم بتعميدهم. هذا القرار، إن كان صحيحا، شبيه بقرار الرسول صلى الله عليه و سلم و سماحه لغير المسلمين بالتعامل فيما بينهم بالخمر كما تقتضيه معتقداتهم و ثقافاتهم

و هنا، أرجع و أنبه باهمية تربية ذرياتنا على القيم الإسلامية و الشرقية و الإهتمام باللغة العربية لكي نُقِي أجيالنا شر الوقوع في الفتن و لكي لا يتشبهون بالغرب، و يبقون على عُرفكم و قيمكم و إن عاشوا في الغرب

و إن كان اليهود و النصارى يبدون التعصب لأيامهم المقدسة، فلا يبرر ذلك أن نقلدهم و نتعصب نحن المسلمون أيضا لأيامنا المقدسة. بل في مثل هذه الحالات، يجب مخالفتهم كما فعل الرسول صلى الله عليه و سلم و يجب إتباع التسامح الذي حكم به الرسول صلى الله عليه و سلم أمته من المسلمين و غير المسلمين. نحن المسلمون أمة الشهادة

(كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ) سورة آل عمران الآية ١٠

و يجب أن تكون ممارساتنا متساوية بالممارسات العالمية الحسنة، إن لم تكن أفضل منها. يجب أن نتحدى العالم بالخير، لا بالشر و إن إضطررنا أن نتعامل معهم بالشر فيكون بشكل محدود و مقنن بهدف درء المضرات

أحبتي، الاجازة الاسبوعية في إسرائيل يوم الجمعة و السبت و ليس السبت و الأحد. أقول هذا لابين أننا لا نقلد الاسرائيلين كما يظن البعض من الاحباب و كما يلمز المخالفين السياسين. و للأسف الشديد، يقوم هؤلاء المخالفين بالتشكيك بكل ما يُقِره ولاة الأمر ليثبتوا مُولاة الحكام لليهود و النصارى. يفعلون ذلك و هم يعلمون حق المعرفة بأن شيخ الإسلام إبن تيمية - رحمه الله و جزاه عنا خير الجزاء - قد أعطى الحكام صلاحيات كبيرة تفوق كل ما ذكرناه شريطة حسن النية، و إن أحببتم إقرؤا ما ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي المجلد العشرون "فصل في تعارض الحسنات و السيئات". يفعل المخالفون هذا لأسباب سياسية و بهدف بث القلق بين الأبرياء و تشكيكهم بولاة الأمر، و بها تضعف الامة و تتفكك لتصبح لقمة سهلة لكل طامع

و ليحذر و يتق الله أولئك الذين يطعنون و يشككون في نوايا ولاة الأمر، فالتشكيك بما في قلوب الناس ليس من منهج أهل السنة و الجماعة بنص الحديث

(عَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه و أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، و يُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ و أَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، و حِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ ) مُتفقٌ عليه

و معنى "حسابهم على الله" أن الله يحاسبهم بصدق ما في قلوبهم و نواياهم، أما نحن فنحكم بظاهرهم، و هذا منهج أهل السنة و الجماعة و الله أعلم

URL copied to clipboard!