الأول، أن الامام ابو حامد الغزالي لم يقل بأن الرياضيات من العلوم الشيطانية!
إذاً، ماذا قال الامام الغزالي في شأن الرياضيات؟
ترجمة ما سبق: "أما التخصصات الجديرة بالثناء، مثل الطب و الرياضيات، فهي مرتبطة بفوائد دنيوية، وتنقسم هذه الفئة إلى تلك التي تصبح فرض الكفاية، و تلك التي لها ميزة كبيرة ولكنها ليست فرضاً"
ترجمة ما سبق: "إنه علم جدير بالثناء، ولكن مع ذلك إذا كنت تخشى أن يتجاوز شخص ما الحدود فيه، فيجب منعه من دراسته"
ترجمة ما سبق: "الشيء الآخر الذي أبهرني هو أن الغزالي نظر في العلوم بطريقة حديثة جدا. كانت هذه بالتأكيد مفاجأة بالنسبة لي، لكنها كانت مفاجأة أكبر لأولئك الذين اعتقدوا دائما أن الغزالي كان أحد الأشخاص الذين دمروا العلوم في الإسلام. أعتقد أن لا شيء أبعد من ذلك عن الحقيقة. في الواقع، إنه شخص دعم العلوم، وأراد أن يجد علم الكونيات الذي يؤدي إلى الاعتراف أولا وقبل كل شيء بالله كخالق للعالم، ولكن أيضا أرد تمكين العلماء من متابعة تلك العلوم. لذلك، و باختصار، قد أقول إنه اعتبر في علم الكونيات الخاص به (الذي لم يشمل الانفجار العظيم) ولكن إذا ترجمنا علم الكونيات الخاص به إلى الانفجار العظيم باعتباره الله خالق الانفجار العظيم، فقد خلق الله الانفجار العظيم ومنذ تلك اللحظة، كانت جميع الأسباب والآثار التي تكشفت منذ ذلك الحين ضرورية و من خلق الله. في هذه الحالة، يختار الله عمدا، كما يمكن للمرء أن يقول، كيفية خلق الانفجار العظيم وكل ما حدث منذ ذلك الحين هو في هذه الحالة تأثير عرضي لهذا الحدث الوحيد الذي وضعه الله فعلياً في هذا العالم، و الذي اعتقد أنه طريقة مناسبة جدا لعالم الاهوت للتفكير في هذا الكون"
الاول، الدهريون، و هم من ينكرون الصانع أو الخالق و الآخرة.
الثاني، الطبيعيون و هم ينكرون اليوم الآخر.
الثالث، الإلهيين أمثال سقراط و ارسطو (المعروف بالمعلم الاول).
كما ذكرنا، اوجب الإمام الغزالي تكفير ثلاثة اصول في الفلسفة:
عند البحث عن الأسباب التي أدت الى تراجع الحركة العلمية في الحضارات الشرقية (و منها الحضارة العربية و الاسلامية) و انتعاشها في الغرب، لابد أن نوافق على تفسير آدم سميث (Adam Smith) و هو أب الاقتصاد الحديث. و يجيب آدم سميث على السؤال بالنظر في أحداث القرن الخامس عشر الميلادي، و بالذات في اكتشاف أمريكا و اكتشاف طريق بحري جديد و بديل للطريق البري القديم (طريق الحرير)، يوصل الى خيرات الهند و الصين بالالتفاف بحرا على القارة الافريقية. هذه الاكتشافات حولت مسار حركة التجارة التي كانت عبر البلدان العربية و الاسلامية براً الى مسار بديل عبر البلدان الأوروبية و المسيحية بحراً. و تسببت هذه التحولات في الخطوط التجارية في تدهور و ركود اقتصاديات الحضارة العربية و الاسلامية و افتقارها، إذ أدت تلك التحولات الى التقليل من التجارة و من ثم التقليل من واردات أموال الضرائب. عندها و لسوء الاوضاع الاقتصادية، أصبح من الصعب على الحضارة الاسلامية الشرقية أن تستمر في تمويل المؤسسات العلمية، و ليس بسبب الاسلام كدين أو كتاب "تهافت الفلاسفة" (لا الفلسفة) و الذي الفه الامام الغزالي في القرن الثاني عشر الميلادي. كيف يمكن أن نتهم الامام الغزالي بالتسبب في تراجع الحركة العلمية، و نحن نعلم بأن المؤسسات العلمية بقت منتعشة لقرون عدة من بعد الامام الغزالي من خلال العديد من المراكز العلمية و على يد العديد من العلماء، و منهم شمس الدين الخفري؟!
و يضيف الدكتور جورج صليبا بأن ما يؤكد على براءة الاسلام و الامام الغزالي من تهمة التأثير سلباً على الحركة العلمية، هو أن تغيير حركة التجارة و ما يصاحبه من الركود الاقتصادي قد ضربت حضارات شرقية أخرى كالهندية و الصينية، و كانت علومها في القرن الخامس عشر عريقة و منافسة للعلوم العربية و الأوروبية، و لم يكن للامام الغزالي تاثير عليهم. و هذا يؤكد على أن الذين يتهمون الاسلام كدين او الامام الغزالي بالاضرار بالحركة العلمية إنما يعانون من التعصب الأعمى، و يُقَيِّمون علاقة الاسلام بالعلم بمقياس أوروبي ضيق من خلال مقارنتها بالعلاقة المتدهورة بين الكنيسة و العلم. هذا هراء! و الحقيقة أن هناك علاقة قوية بين الاوضاع الاقتصادية و العلم، و أن إذا توقفت التجارة فستتوقف استدرار الأموال، و عندها يتوقف الدعم الفكري و الصناعي و غيرها من الامور التي تتسبب في الانحدار.
و بالرغم من كل ما سبق، قد يقول قائل:
إفتح صفحة غوغل و أكتب: حكم دراسة الفلسفة. ثم ادخل على الصفحات التي تحرم الفلسفة، و ستجد ان رأي الغزالي و تأثيره على المسلمين لا يزال ساري المفعول الى الان. فكيف بعد هذا يمكن ان يُقال ان الغزالي لم يكن سببا في تخلف المسلمين وتراجعهم في العلوم الطبيعية؟
اقول: لو عملنا بمنهجيتك و فتحنا صفحة غوغل و كتبنا "الإرهاب الاسلامي"، فسنجد القرآن و الرسول صلى الله عليه و سلم، من اشهر مصادر الإرهاب في العالم. فهل ستعتمد انت هكذا نتائج؟!
ام انك ستطالب الباحثين في الإرهاب بالحياد، و بأن يقرؤا القرآن و سيرة المصطفى صلى الله عليه و سلم، و من ثم يحكموا اذا كانا من مصادر الارهاب ام لا؟!
كنت أظن أن الحكم على الإمام الغزالي رحمه الله يكون فقط بالاستناد الى ما كَتَبَهُ الغزالي في كُتُبه، و ليس ما يدعيه الغوغاء على الإنترنت!
فمن ينتهج هذا النهج، سيجد في كتب الامام الغزالي نصوصاً صريحة في احترامه للعلوم الطبيعية، بل و اعتبارها "فرض كفاية". و تلك النصوص الصريحة تغنينا عن الكثير من الآراء الشخصية التي يُغرِقُ بها الرعاع شبكة الإنترنت!
الامام الغزالي رحمه بريء عن ما ينسبه اليه الأعداء، الأصدقاء و غوغل من تهمة محاربة العلوم الطبيعية، تماما كما أن القرآن و الرسول صلى الله عليه و سلم بريئآن من ما ينسبه اليهما الأعداء، الأصدقاء و غوغل من تهمة الارهاب!
فمنذ ان تصديت لمعرفة حقيقة موقف الامام الغزالي من العلوم الطبيعية، واجهت علماء ثقات من مختلف الثقافات و الاثنيات، ينقلون نصوصاً صريحة من كتب الامام الغزالي مباشرة، يرفع بها الامام من شأن العلوم الطبيعية، بل يعتبرها "فرض كفاي.
أبعد هذا، تتوقع أن أصدق إفتراءات على الإنترنت مصدرها المستشرقين، و تتهم الأمام الغزالي بمحاربة العلوم الطبيعية؟!
ثق تماماً بأن ما يشجع فرسان غوغل الشجعان على التسرع في اتهام الامام الغزالي، هو علمهم بانهم في امان من المساءلة القانونية. أقسم بالله العظيم، لو اصبح كل من يكتب عن الامام الغزالي على الإنترنت عرضة للمساءلة القانونية و غرامة قدرها مليون دولار أو سجن لفترة ٢٠ سنة، لمسح كل الطاعنين في الامام الغزالي ما كتبوه على الإنترنت، إلا من رحم ربي!
و قد يقول القائل:
ان الغزالي لم يكن شخص عادي يعبر عن رأيه في كتاب او مقال، و انما شخص ذو سلطة دينية و علمية واسعة النطاق، لذا فإنه من المغالطة ان يقول قائل ان الغزالي لم يجبر احد على تبني اراءه!
اقول: بعد الاطلاع على أفكار الامام الغزالي المنصوصة في كتبه، تبنى علماء كثر (في عصرنا) من مختلف الثقافات و الاثنيات افكار الامام الغزالي، و على خطاهم تبنيت شخصيا أفكار الامام الغزالي. فهل اجبرنا الامام الغزالي رحمه الله على تبني آرائه؟ حدث العاقل بما يعقل!
فقياساً بالحاضر، انا على يقين بأن الغالبية العظمى من العلماء و المثقفين المحايدين في زمانه اقتنعوا مثلنا بآراء الامام الغزالي المتينة و المحكمة، من دون ضغوط، بل المغالطة أن ندعي عكس ذلك.
و ربما اضطر فلاسفة اللاهوت (الكهنة) على السكوت بعد أن اثبت الامام الغزالي تفاهتهم. ولكن هذا لا يعتبر إسكات لفلاسفة العلوم الطبيعية. فشتان بين علماء العلوم الطبيعية الأجلاء ممن عكفوا على الحساب و القياس، و كهنة تكلموا في اللاهوت على خطى فلاسفة اليونان و ضرباً بالغيب.
و قد يقول القائل:
تدعون ان الغزالي حرم الفلسفة فقط. هذا الكلام نابع عن عدم درايتكم بطريقة التعليم في ذلك الزمن. فالفلسفة كانت المدخل لكل العلوم. فلم يكن ممكناً أن تدرس الرياضيات و الفيزياء و الفلك و غيرها من العلوم الطبيعية قبل ان تدرس الفلسفة و المنطق، وتعرف اراء من سبقك من كبار الفلاسفة كابن سينا و الفارابي و ارسطو!
اقول: قد شطرت الذرة يا شاطر!
ليس سراً ان الفلسفة في زمن الامام الغزالي كانت تشمل العلوم الطبيعية كالرياضيات و الفيزياء و الطب و الفلك، ولكنها كانت تشمل أيضا علم اللاهوت. و قد تعلمت هذا من كل الباحثين المحايدين، و الذين برَّؤا الامام الغزالي من تهمة معاداة العلوم الطبيعية.
إن ظنك بان غيرك لا يعلم حدود علم الفلسفة قديماً دليل على انك بنيت قناعاتك الشخصية من غير ان تسمع لانصار الامام الغزالي، و هذا بعيد كل البعد عن الحياد العلمي.
اكرر، كل من يدرس فكر الامام الغزالي بحياد، سيرى بكل وضوح بأن الامام فرَّق بين البحث في العلوم الطبيعية الجميلة و البحث في علم اللاهوت.
و يقد يقول القائل:
الغزالي كفَّرَ الفلاسفة في مسائل خالفهم فيها!
اقول: الامام الغزالي لم ينكر الفسلفه بشكل عام و لم يحرمها، و انما اثبت فشل الفلاسفة و تناقض آرائهم فيما يتعلق باللاهوت، و ما عدا ذلك لم ينكر اي شي منها. تهافت الفلاسفة هو كتاب الإمام الغزالي، و اعتبر البعض هذا الكتاب ضربة لما وصفه البعض باستكبار الفلاسفة و ادعائهم التوصل إلى الحقيقة في المسائل الغيبية بعقولهم. فقد أعلن الامام الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة" فشل الفلسفة في إيجاد جواب لطبيعة الخالق، و صرح أنه يجب أن تبقى اهتمامات الفلسفة في المسائل القابلة للقياس و الملاحظة، مثل الطب و الرياضيات و الفلك. و اعتبر الامام الغزالي محاولة الفلاسفة في إدراك شيء غير قابل للإدراك بحواس الإنسان منافيا لمفهوم الفلسفة أساسا!
و قد يصر القائل و يستنتج:
ابو حامد الغزالي كان كارثة ضربت العلوم الانسانية في العالم الاسلامي بمقتل عظيم!
اقول: بل الكارثة اخي الفاضل أن تصر على إتباع قطيع المستشرقين و تخوض في ذمة العلماء مع الخائضين، و تضرب بما نصه الامام الغزالي في كتبه عرض الحائط!
و بعد كل هذا، إن كنت ما زلت مصراً على إتهام الامام الغزالي بمعاداة العلوم الطبيعية، فلا بد أن أسألك: لماذا تكره الامام الغزالي؟!
المقطع الثالث: "تهافت الفلاسفة أ. د. فتحي الزغبي"
المقطع الرابع: "تهافت الفلاسفة أ. د. فتحي الزغبي"
المقطع الخامس: "لماذا خسر المسلمون الحضارة العربية | بودكاست فنجان" جورج صليبا
الأول، أن الامام ابو حامد الغزالي لم يقل بأن الرياضيات من العلوم الشيطانية!
إذاً، ماذا قال الامام الغزالي في شأن الرياضيات؟
ترجمة ما سبق: "أما التخصصات الجديرة بالثناء، مثل الطب و الرياضيات، فهي مرتبطة بفوائد دنيوية، وتنقسم هذه الفئة إلى تلك التي تصبح فرض الكفاية، و تلك التي لها ميزة كبيرة ولكنها ليست فرضاً"
ترجمة ما سبق: "إنه علم جدير بالثناء، ولكن مع ذلك إذا كنت تخشى أن يتجاوز شخص ما الحدود فيه، فيجب منعه من دراسته"
ترجمة ما سبق: "الشيء الآخر الذي أبهرني هو أن الغزالي نظر في العلوم بطريقة حديثة جدا. كانت هذه بالتأكيد مفاجأة بالنسبة لي، لكنها كانت مفاجأة أكبر لأولئك الذين اعتقدوا دائما أن الغزالي كان أحد الأشخاص الذين دمروا العلوم في الإسلام. أعتقد أن لا شيء أبعد من ذلك عن الحقيقة. في الواقع، إنه شخص دعم العلوم، وأراد أن يجد علم الكونيات الذي يؤدي إلى الاعتراف أولا وقبل كل شيء بالله كخالق للعالم، ولكن أيضا أرد تمكين العلماء من متابعة تلك العلوم. لذلك، و باختصار، قد أقول إنه اعتبر في علم الكونيات الخاص به (الذي لم يشمل الانفجار العظيم) ولكن إذا ترجمنا علم الكونيات الخاص به إلى الانفجار العظيم باعتباره الله خالق الانفجار العظيم، فقد خلق الله الانفجار العظيم ومنذ تلك اللحظة، كانت جميع الأسباب والآثار التي تكشفت منذ ذلك الحين ضرورية و من خلق الله. في هذه الحالة، يختار الله عمدا، كما يمكن للمرء أن يقول، كيفية خلق الانفجار العظيم وكل ما حدث منذ ذلك الحين هو في هذه الحالة تأثير عرضي لهذا الحدث الوحيد الذي وضعه الله فعلياً في هذا العالم، و الذي اعتقد أنه طريقة مناسبة جدا لعالم الاهوت للتفكير في هذا الكون"
الاول، الدهريون، و هم من ينكرون الصانع أو الخالق و الآخرة.
الثاني، الطبيعيون و هم ينكرون اليوم الآخر.
الثالث، الإلهيين أمثال سقراط و ارسطو (المعروف بالمعلم الاول).
كما ذكرنا، اوجب الإمام الغزالي تكفير ثلاثة اصول في الفلسفة:
عند البحث عن الأسباب التي أدت الى تراجع الحركة العلمية في الحضارات الشرقية (و منها الحضارة العربية و الاسلامية) و انتعاشها في الغرب، لابد أن نوافق على تفسير آدم سميث (Adam Smith) و هو أب الاقتصاد الحديث. و يجيب آدم سميث على السؤال بالنظر في أحداث القرن الخامس عشر الميلادي، و بالذات في اكتشاف أمريكا و اكتشاف طريق بحري جديد و بديل للطريق البري القديم (طريق الحرير)، يوصل الى خيرات الهند و الصين بالالتفاف بحرا على القارة الافريقية. هذه الاكتشافات حولت مسار حركة التجارة التي كانت عبر البلدان العربية و الاسلامية براً الى مسار بديل عبر البلدان الأوروبية و المسيحية بحراً. و تسببت هذه التحولات في الخطوط التجارية في تدهور و ركود اقتصاديات الحضارة العربية و الاسلامية و افتقارها، إذ أدت تلك التحولات الى التقليل من التجارة و من ثم التقليل من واردات أموال الضرائب. عندها و لسوء الاوضاع الاقتصادية، أصبح من الصعب على الحضارة الاسلامية الشرقية أن تستمر في تمويل المؤسسات العلمية، و ليس بسبب الاسلام كدين أو كتاب "تهافت الفلاسفة" (لا الفلسفة) و الذي الفه الامام الغزالي في القرن الثاني عشر الميلادي. كيف يمكن أن نتهم الامام الغزالي بالتسبب في تراجع الحركة العلمية، و نحن نعلم بأن المؤسسات العلمية بقت منتعشة لقرون عدة من بعد الامام الغزالي من خلال العديد من المراكز العلمية و على يد العديد من العلماء، و منهم شمس الدين الخفري؟!
و يضيف الدكتور جورج صليبا بأن ما يؤكد على براءة الاسلام و الامام الغزالي من تهمة التأثير سلباً على الحركة العلمية، هو أن تغيير حركة التجارة و ما يصاحبه من الركود الاقتصادي قد ضربت حضارات شرقية أخرى كالهندية و الصينية، و كانت علومها في القرن الخامس عشر عريقة و منافسة للعلوم العربية و الأوروبية، و لم يكن للامام الغزالي تاثير عليهم. و هذا يؤكد على أن الذين يتهمون الاسلام كدين او الامام الغزالي بالاضرار بالحركة العلمية إنما يعانون من التعصب الأعمى، و يُقَيِّمون علاقة الاسلام بالعلم بمقياس أوروبي ضيق من خلال مقارنتها بالعلاقة المتدهورة بين الكنيسة و العلم. هذا هراء! و الحقيقة أن هناك علاقة قوية بين الاوضاع الاقتصادية و العلم، و أن إذا توقفت التجارة فستتوقف استدرار الأموال، و عندها يتوقف الدعم الفكري و الصناعي و غيرها من الامور التي تتسبب في الانحدار.
و بالرغم من كل ما سبق، قد يقول قائل:
إفتح صفحة غوغل و أكتب: حكم دراسة الفلسفة. ثم ادخل على الصفحات التي تحرم الفلسفة، و ستجد ان رأي الغزالي و تأثيره على المسلمين لا يزال ساري المفعول الى الان. فكيف بعد هذا يمكن ان يُقال ان الغزالي لم يكن سببا في تخلف المسلمين وتراجعهم في العلوم الطبيعية؟
اقول: لو عملنا بمنهجيتك و فتحنا صفحة غوغل و كتبنا "الإرهاب الاسلامي"، فسنجد القرآن و الرسول صلى الله عليه و سلم، من اشهر مصادر الإرهاب في العالم. فهل ستعتمد انت هكذا نتائج؟!
ام انك ستطالب الباحثين في الإرهاب بالحياد، و بأن يقرؤا القرآن و سيرة المصطفى صلى الله عليه و سلم، و من ثم يحكموا اذا كانا من مصادر الارهاب ام لا؟!
كنت أظن أن الحكم على الإمام الغزالي رحمه الله يكون فقط بالاستناد الى ما كَتَبَهُ الغزالي في كُتُبه، و ليس ما يدعيه الغوغاء على الإنترنت!
فمن ينتهج هذا النهج، سيجد في كتب الامام الغزالي نصوصاً صريحة في احترامه للعلوم الطبيعية، بل و اعتبارها "فرض كفاية". و تلك النصوص الصريحة تغنينا عن الكثير من الآراء الشخصية التي يُغرِقُ بها الرعاع شبكة الإنترنت!
الامام الغزالي رحمه بريء عن ما ينسبه اليه الأعداء، الأصدقاء و غوغل من تهمة محاربة العلوم الطبيعية، تماما كما أن القرآن و الرسول صلى الله عليه و سلم بريئآن من ما ينسبه اليهما الأعداء، الأصدقاء و غوغل من تهمة الارهاب!
فمنذ ان تصديت لمعرفة حقيقة موقف الامام الغزالي من العلوم الطبيعية، واجهت علماء ثقات من مختلف الثقافات و الاثنيات، ينقلون نصوصاً صريحة من كتب الامام الغزالي مباشرة، يرفع بها الامام من شأن العلوم الطبيعية، بل يعتبرها "فرض كفاي.
أبعد هذا، تتوقع أن أصدق إفتراءات على الإنترنت مصدرها المستشرقين، و تتهم الأمام الغزالي بمحاربة العلوم الطبيعية؟!
ثق تماماً بأن ما يشجع فرسان غوغل الشجعان على التسرع في اتهام الامام الغزالي، هو علمهم بانهم في امان من المساءلة القانونية. أقسم بالله العظيم، لو اصبح كل من يكتب عن الامام الغزالي على الإنترنت عرضة للمساءلة القانونية و غرامة قدرها مليون دولار أو سجن لفترة ٢٠ سنة، لمسح كل الطاعنين في الامام الغزالي ما كتبوه على الإنترنت، إلا من رحم ربي!
و قد يقول القائل:
ان الغزالي لم يكن شخص عادي يعبر عن رأيه في كتاب او مقال، و انما شخص ذو سلطة دينية و علمية واسعة النطاق، لذا فإنه من المغالطة ان يقول قائل ان الغزالي لم يجبر احد على تبني اراءه!
اقول: بعد الاطلاع على أفكار الامام الغزالي المنصوصة في كتبه، تبنى علماء كثر (في عصرنا) من مختلف الثقافات و الاثنيات افكار الامام الغزالي، و على خطاهم تبنيت شخصيا أفكار الامام الغزالي. فهل اجبرنا الامام الغزالي رحمه الله على تبني آرائه؟ حدث العاقل بما يعقل!
فقياساً بالحاضر، انا على يقين بأن الغالبية العظمى من العلماء و المثقفين المحايدين في زمانه اقتنعوا مثلنا بآراء الامام الغزالي المتينة و المحكمة، من دون ضغوط، بل المغالطة أن ندعي عكس ذلك.
و ربما اضطر فلاسفة اللاهوت (الكهنة) على السكوت بعد أن اثبت الامام الغزالي تفاهتهم. ولكن هذا لا يعتبر إسكات لفلاسفة العلوم الطبيعية. فشتان بين علماء العلوم الطبيعية الأجلاء ممن عكفوا على الحساب و القياس، و كهنة تكلموا في اللاهوت على خطى فلاسفة اليونان و ضرباً بالغيب.
و قد يقول القائل:
تدعون ان الغزالي حرم الفلسفة فقط. هذا الكلام نابع عن عدم درايتكم بطريقة التعليم في ذلك الزمن. فالفلسفة كانت المدخل لكل العلوم. فلم يكن ممكناً أن تدرس الرياضيات و الفيزياء و الفلك و غيرها من العلوم الطبيعية قبل ان تدرس الفلسفة و المنطق، وتعرف اراء من سبقك من كبار الفلاسفة كابن سينا و الفارابي و ارسطو!
اقول: قد شطرت الذرة يا شاطر!
ليس سراً ان الفلسفة في زمن الامام الغزالي كانت تشمل العلوم الطبيعية كالرياضيات و الفيزياء و الطب و الفلك، ولكنها كانت تشمل أيضا علم اللاهوت. و قد تعلمت هذا من كل الباحثين المحايدين، و الذين برَّؤا الامام الغزالي من تهمة معاداة العلوم الطبيعية.
إن ظنك بان غيرك لا يعلم حدود علم الفلسفة قديماً دليل على انك بنيت قناعاتك الشخصية من غير ان تسمع لانصار الامام الغزالي، و هذا بعيد كل البعد عن الحياد العلمي.
اكرر، كل من يدرس فكر الامام الغزالي بحياد، سيرى بكل وضوح بأن الامام فرَّق بين البحث في العلوم الطبيعية الجميلة و البحث في علم اللاهوت.
و يقد يقول القائل:
الغزالي كفَّرَ الفلاسفة في مسائل خالفهم فيها!
اقول: الامام الغزالي لم ينكر الفسلفه بشكل عام و لم يحرمها، و انما اثبت فشل الفلاسفة و تناقض آرائهم فيما يتعلق باللاهوت، و ما عدا ذلك لم ينكر اي شي منها. تهافت الفلاسفة هو كتاب الإمام الغزالي، و اعتبر البعض هذا الكتاب ضربة لما وصفه البعض باستكبار الفلاسفة و ادعائهم التوصل إلى الحقيقة في المسائل الغيبية بعقولهم. فقد أعلن الامام الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة" فشل الفلسفة في إيجاد جواب لطبيعة الخالق، و صرح أنه يجب أن تبقى اهتمامات الفلسفة في المسائل القابلة للقياس و الملاحظة، مثل الطب و الرياضيات و الفلك. و اعتبر الامام الغزالي محاولة الفلاسفة في إدراك شيء غير قابل للإدراك بحواس الإنسان منافيا لمفهوم الفلسفة أساسا!
و قد يصر القائل و يستنتج:
ابو حامد الغزالي كان كارثة ضربت العلوم الانسانية في العالم الاسلامي بمقتل عظيم!
اقول: بل الكارثة اخي الفاضل أن تصر على إتباع قطيع المستشرقين و تخوض في ذمة العلماء مع الخائضين، و تضرب بما نصه الامام الغزالي في كتبه عرض الحائط!
و بعد كل هذا، إن كنت ما زلت مصراً على إتهام الامام الغزالي بمعاداة العلوم الطبيعية، فلا بد أن أسألك: لماذا تكره الامام الغزالي؟!
المقطع الثالث: "تهافت الفلاسفة أ. د. فتحي الزغبي"
المقطع الرابع: "تهافت الفلاسفة أ. د. فتحي الزغبي"
المقطع الخامس: "لماذا خسر المسلمون الحضارة العربية | بودكاست فنجان" جورج صليبا