كان ذلك في أواخر الثمانينيات، بين عامي 1989 و 1990. من الغريب أنني لا أتذكر السنة بالتحديد، لكن ما لن أنساه أبدًا هو أنني كنت أعيش في كولورادو سبرينغز بولاية كولورادو الأمريكية، حيث كنت أكمل دراستي في الهندسة. تلك كانت أيامًا جميلة، مليئة بالذكريات.
كانت عطلة نهاية أسبوع جميلة على وشك البدء، و عطلات نهاية الأسبوع في كولورادو كانت دائمًا مميزة. كنت أخطط لقضاء وقتٍ هادئ، أشاهد فيه الأفلام على قناة HBO، و ربما أخرج مع الأصدقاء. و فجأة، صادفت رضوان الجلاد، صديقي السوري، الذي اقترح علي الانضمام إليه في مهمة تطوعية ترعاها الكلية.
رفضت الفكرة في البداية، لكن رضوان أصرّ بإلحاح، واعدًا إياي بقضاء وقت ممتع، حتى وافقت على مضض، مودعًا خطتي للراحة و الاسترخاء.
بدأنا رحلتنا قبل شروق الشمس من يوم السبت. حاولت إخفاء انزعاجي، بينما بذل رضوان جهده لتحسين مزاجي ببعض الأغاني الريفية التي كان يعرف أنني لا أفهم كلماتها، لكنني أستمتع بألحانها. كنت دائمًا أعزي السبب إلى التبغ الذي يمضغونه هناك.
سلكنا الطريق السريع I-25 باتجاه دنفر، ثم اتجهنا غربًا عبر الطريق السريع I-70 نحو غولدن، موطن كلية كولورادو للمناجم، حيث يُعصَرَ الطلاب. ثم مررنا بآيداهو سبرينغز، المكان الذي احتضن جزءًا من قلبي. في مكان ما قريب من هناك، انعطف رضوان عن الطريق الرئيسي إلى طريق وعرة. سرعان ما وصلنا إلى مخيم مليء بالمتطوعين، ربما عشرات أو حتى مئات.
"لماذا نحن هنا؟ ما الذي سنتطوع من أجله؟" سألت رضوان.
"سنشارك في بناء طريق للكراسي المتحركة يؤدي إلى قمة التل"، أجاب رضوان بفخر.
"حقًا؟!" قلتُ في نفسي.
رحبوا بنا بحرارة و طلبوا منا تسجيل أسمائنا و بعض التفاصيل في سجل كبير. أخبرني رضوان أن هذه الأسماء، بما فيها أسماؤنا، قد تُنقش بشكل دائم عند مدخل الطريق.
"هل سيتمكنون من قراءة خطي السيء؟" تساءلت في داخلي.
تم توزيعنا على فرق مختلفة، فانفصلت عن رضوان و انضممت إلى فريق مكون من أربعة أشخاص، بما فيهم أنا. في ذلك الوقت، كنت في أوائل العشرينات من عمري، بينما كان زملائي في الفريق في أواخر الستينات أو ربما حتى السبعينات!
كنت هادئًا و محرجًا بعض الشيء. بالكاد كنت أفهم حديثهم، رغم أنهم لم يكونوا يمضغون التبغ. بالتأكيد لم يكونوا يتحدثون الإنجليزية الأكاديمية التي اعتدت عليها في الكلية. لكننا لم نكن بحاجة إلى الكثير من الكلام لإنجاز المهمة. كان واضحًا أن هناك صخرة ضخمة مدفونة في الوحل تعترض طريقنا، و كانت مهمتنا هي إزالتها. كانت لدينا أدوات بسيطة وأداة ثقيلة نسميها في الإمارات "مِنتُول" (وهي كلمة ليست عربية بالتأكيد).
على مدى ساعات، حاول زملائي في الفريق الحفر حول الصخرة، لكنهم لم يحققوا تقدمًا يُذكر. بدى لي أنهم يتحدثون أكثر مما يعملون، لكن كان واضحًا أنهم يستمتعون بقضاء يومهم في الطبيعة.
شعرت بالإحباط، فأمسكت بالمنتول و بدأت بضرب قمة الصخرة بقوة.
"ماذا تفعل يا بني؟" سألني أحد أعضاء الفريق بسخرية.
وبما أنني لم أكن أعرف حقًا ما أفعله، استمررت في ضرب الصخرة العنيدة، إلى أن عَلَّقَ أحدهم:
"أوه! الآن فهمت ما يفعله".
و بفضل قوتي الشبابية و تشجيع الفريق، نجحنا في تحرير الصخرة. الضربات المتكررة بالمنتول هزّتها و حررتها من الأرض، و ببعض الجهد، تمكنا أخيرًا من إزالتها من الطريق.
المهمة اكتملت، و كانت النهاية سعيدة. و بينما بدأت أستمتع باليوم، بدات الشمس بالغروب معلنة انتهاء العمل، و لم أكن أريد أن ينتهي اليوم.
لم أعُد أبدًا لأرى كيف أصبح الطريق. حتى اليوم، لا أعرف أين تقع تلك المتنزه، و لا أتذكر أسماء زملائي في الفريق، و لا أعرف حتى أين رضوان الآن أو كيف حاله. كنت أتمنى لو كانت وسائل التواصل الاجتماعي موجودة في ذلك الوقت.
لكن هناك شيء واحد أعرفه بالتأكيد: طالما أنا على قيد الحياة، سأظل مدينًا لرضوان بفرحة ذلك اليوم الذي لا يُنسى؛ يوم بناء الطريق. رضي الله عنك يا رضوان!
إلى أصدقائي: أينما كنتم حَلَّت السعادة، فابقوا جميلين كما عهدتكم.
أحبكم

!