ماذا عن إبليس؟
بقلم: خالد الخاجة
يسأل النرجسي غروراً، و المحطم غضباً و الجاهل ببراءة عن عالم الغيب:
لماذا تمرد إبليس على أمر الله القادر العليم؟ لماذا خلق الله إبليس (و الإنسان) و هو يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ هل أراد الله أن يتحول إبليس إلى شيطان و أراده أن يضلل البشر؟ هل إبليس مجرد بيدق في لعبة الله؟ ألا يمكن أن تتسبب الإرادة الحرة في تمرد المؤمنين في الجنة؟ أم أن الله سيسلبهم إرادتهم الحرة؟ ألم يكن بوسع الله أن ينقذنا من هذه التمثيلية الإيمائية من خلال الاكتفاء بخلق المؤمنين منذ البداية؟ هل الله عاجز عن ذلك؟
إسأل كالملائكة
أولا و قبل كل شيء ، دعني اريحك يا عزيزي المؤمن المتعلم، لأنك ربما تشعر بالألم و الخجل من طرح مثل هذه الأسئلة. لا داعي للخجل ما دمت تسأل بأدب و تواضع، لأننا جميعا نتعلم و لدينا مثل هذه الأسئلة حول عالم الغيب. في الواقع، كان الملائكة المتعلمون أول من طرحت مثل هذه الأسئلة كما ورد في القرآن الكريم، عندما طلبوا بأدب و تواضع من الله القادر العليم (ﷻ) التوضيح:
"و َإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌۭ فِى ٱلْأَرْضِ خَلِيفَةًۭ ۖ قَالُوٓا۟ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" سورة البقرة الآية 30 .
لذا يا عزيزي المؤمن المتعلم، من الطبيعي أن تطرح أسئلة حول ما لا تعرفه عن عالم الغيب، و الإجابات على الأرجح يقدمها الله (ﷻ) أو نبيه محمد (ﷺ)، كما سيتضح في هذا المقال. و إذا لم تتمكن من العثور على إجابة أو الوصول إليها، فتذكر أنه لا أحد (باستثناء الله جل جلاله) يعرف كل الإجابات في هذا الكون. لذا كن منطقياً و صبورا و متواضعا و اتبع القرآن الكريم الذي يتطلب من أولئك الذين يبحثون عن الصراط المستقيم أن يهدؤا و يؤمنوا بالغيب، كأول صفة ملحة لمن يتقون الله (ﷻ):
"الٓمٓ (1) ذَٰلِكَ ٱلْكِتَـٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًۭى لِّلْمُتَّقِينَ (2) ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ" الآية 3 من سورة البقرة .
الآلهة تشكك في الله (ﷻ)
قبل الإجابة على الأسئلة المذكورة أعلاه، نحتاج إلى معالجة السؤال التالي و الملح: كيف يمكن لغير المؤمن الذي لا يستطيع حتى خلق نملة صغيرة معروفة أن يسأل الأسئلة السابقة و يشكك في الله القادر العليم (ﷻ)، خالق الكون اللامتناهي، دائم التوسع، المجهول و الغامض ؟!
الاجابة المنطقية هي: هذا ممكن فقط عندما يقوم شخص غاضب (محطم) أو نرجسي (يظن نفسه إِلَـٰهَ) باستجواب و انتقاد إِلَـٰهَ آخر! و ذلك عندما يسأل غير المؤمن أسئلة ذات نفس نرجسي و أُلوهي، كما في حالة إبليس.
كما ذكرت في مقالي بعنوان "الدين و الإنسانية"، إن الدين يدعوك إلى النظر إلى ما وراء العالم الذي يتم مشاهدته للتعرف على عالم الغيب، و الكشف عن حقيقة الوجود و سر الخلق و حب الخالق و توسيع أبعاد الوجود البشري. لذلك، و على الرغم من أن مثل هذه الأسئلة حقاً صعبة، إلا أن إجاباتها سهلة و واضحة إلى حد ما، كما يقدمها الدين الإسلامي لأولئك الذين يبحثون بجدية و صدق عن الحقيقة، ولكن تلك الاجابات ليست للنرجسيين الذين يتصرفون و يتحدثون كالآله، كما فعل إبليس!
إذن، هذه محاولتي المتواضعة لتقديم إجابات إسلامية نموذجية على الأسئلة المذكورة أعلاه، أقدمها للجادين و المخلصين و الغاضبين (المحطمين) من غير المؤمنين، كما أقدمها للمؤمنين المتعلمين. هذه الإجابات ليست للنرجسيين من غير المؤمنين، و الذين يتصرفون و يتحدثون كالآله، كما فعل ابليس!
اولا: لماذا تمرد إبليس على أمر الله القادر العليم؟
دعونا نفحص هذا السؤال تحت مجهر القرآن الكريم:
"إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي خَـٰلِقٌۢ بَشَرًۭا مِّن طِينٍۢ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِينَ (72) فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّآ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَ كَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ (74) قَالَ يَـٰٓإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍۢ وَ خَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍۢ (76) قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌۭ (77)" سورة ص.
إن مشكلة ابليس تكمن في سلوكه المتضمن في عبارته: " أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ"، اذ يظهر هذا البيان بوضوح أن إبليس تمرد على أمر الله القادر العليم (ﷻ) بسبب سلوكه النرجسي الإلهي. و على الرغم من أن عبارة "أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ" تبدو عنصرية، إلا أنها لا تكفي لتأليب الله (ﷻ) ضد إبليس و لعنه، إذ يحق لإبليس أن يشعر بأنه متفوق على آدم (ﷺ)، كما يحق لنا جميعا أن نشعر بالتفوق على بعضنا البعض. المشكلة الحقيقية في عبارة: " أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ" أن إبليس كان يعتقد أن الأمر الذي أصدره الله له كان خاطئا و ما كان ينبغي أن يصدر له أصلا، فهو أفضل من آدم (ﷺ)! فسلوكه النرجسي و الإلهي جعله يعتقد أنه أكثر دراية من الله القادر العليم (ﷻ). كذلك، أي إنسان بمثل هذه الشخصية الالهية النرجسية يستحق اللعنة، و إبليس ليس الوحيد الذي يشعر بأنه مساو لله (ﷻ) و يحق له التشكيك في قرارات الله (ﷻ) و خلقه. انها مسألة إِلَـٰه (إبليس أو الإنسان) يرى نفسه أهلاً لمُسَاءلة الله (ﷻ) و انتقاده! و كذلك الحال عندما يشكك غير المؤمن في قرارات الله (ﷻ) و خلقه و يوجه انتقادات ذات نَفَس نرجسي و أُلُوهي، كما فعل إبليس، و هو يسأل ناقدا: لماذا خلق الله إبليس و الإنسان؟ و كأنه يقول: ما كان ينبغي لله أن يخلق إبليس و الإنسان! و كأنه يقول: قد أخطأ الله (ﷻ)!
الله (ﷻ) يتحقق
قبل الإجابة على السؤال الثاني، دعونا نتذكر أن الله (ﷻ) لم يلعن ابليس الا بعد أن تحقق من نيته السيئة و اسباب تمرده و اصراره على موقفه بسؤاله: "قَالَ يَـٰٓإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ (75)"؟ من خلال هذا (ﷻ) السؤال، أعطى الله بكل إنصاف و رحمة فرصة ذهبية لإبليس ليبتلع كبريائه النرجسي و الإلهي بطلب المغفرة، لكن ابليس لم يفعل. بل تحدى الله (ﷻ) بثقة و أصر على فعلته ذات النفس النرجسي و الإلهي، كما يفعل الكثير من البشر النرجسيين.
لذلك، من المهم أن نتذكر أن الله (ﷻ) عرض على إبليس مخرج للهروب و طريق للنجاة، لكنه اختار أن لا يسلكه. دعونا نتذكر أيضا أن التواجد في حضرة الله (ﷻ)، كما كان في حالة إبليس، لن يمنع الإنسان النرجسي و الإلهي من التشكيك في قرارات الله (ﷻ) و أفعاله.
ثانيا: لماذا خلق الله إبليس (و الإنسان) إذا كان يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ هل أراد الله أن يتحول إبليس إلى شيطان و أراده أن يضلل البشر؟ هل إبليس مجرد بيدق في لعبة الله؟
الإرادة الحرة
بادئ ذي بدء ، بدلا من إلقاء اللوم على الله (ﷻ) على خلقه لك، تذكر أن والديك هما اللذان أحضراك عن طيب خاطر إلى هذا العالم، و أنك أنت من أحضر أطفالك عن طيب خاطر إلى هذا العالم. فباستخدام إرادتك الحرة، كان بإمكانك تجنب ذلك كما يفعل العديد من الأزواج. لذا، انتقادك لله (ﷻ) في شيء تمارسه هو نفاق و نرجسية.
علاوة على ذلك، ليس الخلق ما يجعل من إبليس أو الانسان شيطاناً، ولكنها "الارادة الحرة" المرغوبة. فجميع مخلوقات الله (ﷻ) الأخرى، كالملائكة، لا يمكن أن تتحول إلى شيطان لأنها و باختيارها لا تتمتع بالارادة الحرة. نتيجة لذلك، الملائكة مخلوقات لا يتم اختبارها و لا ينتهي بها المطاف في الجنة و لا في الجحيم. لن تسمع السماء أو الأرض أو الملائكة تشكو من خلقها. الحقيقة هي أن الله (ﷻ) خلق إبليس و الإنسان و الملائكة و الكون بأسره ليعبدوه، و لم يكن الخلق لعبة، كما ورد في القرآن الكريم.
"وَ مَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَ ٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍۢ وَ مَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57)" سورة الذاريات.
"وَ مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَ ٱلْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ (16)" سورة الأنبياء.
إذن، السؤال التالي و المذكور أعلاه خاطئ: لماذا خلق الله إبليس (و الإنسان) إذا كان يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ بدلا من ذلك، فإن السؤال الصحيح و الذي يستحق الإجابة هو: لماذا أعطى الله إبليس (و الإنسان) الارادة الحرة، إذا كان يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ القرآن يجيب على هذا السؤال:
"إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَ ٱلْأَرْضِ وَ ٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهَا وَ حَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا" الآية 72 من سورة الأحزاب.
ورد في تفسير ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعني بالأمانة: الطاعة، و عرضها عليهم (السماوات و الارض و الجبال) قبل أن يعرضها على آدم (ﷺ)، فلم يطقنها. فقال لآدم (ﷺ): إني قد عرضت الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال: يا رب، و ما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت، و إن أسأت عوقبت. فأخذها آدم فتحملها، فذلك قوله: "وَ حَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا".
يتضح من الرواية السابقة أن الأمانة هي " إن أحسنت جزيت، و إن أسأت عوقبت"، و هي معادلة "الارادة الحرة". لذلك، أنت (الإنسان) من طلب الارادة الحرة و التي يمكنها أن تحولك إلى شيطان. لم يتم فرضها أبدا على الإنسان أو إبليس، بل تم تحذيرك منها باعلامك بأن المخلوقات الأخرى لم يطقنها و رفضتها. لكنالانسان قبل أن يكافأ على فعل الخير و يعاقب على فعل الشر من أجل الحصول على الارادة الحرة، و ببساطة سمح الله (ﷻ) للإنسان بفعل الخير أو الشر. إنه قرارهم و ارادتهم الحرة. في الواقع، يتضح من الآية أعلاه أن الله (ﷻ) لم يرد أن يقبل آدم (ﷺ) الأمانة، و يتضح ذلك في قوله تعالي: "وَ حَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا".
قد يسأل أحدهم الآن سؤالاً يستحق الاجابة: إذن لماذا عرض الله (ﷻ) الأمانة على آدم (ﷺ)؟ هذا سؤال يستحق المزيد من البحث، ولكن في رأيي المتواضع و على الأرجح، إن الامانة و الارادة الحرة لم تعرض على ابليس ولكنه طلبها من قبل فمنحها الله (ﷻ) له. لذلك و من باب الانصاف و المساواة بين خلقه، عرض الله (ﷻ) الأمانة و الارادة الحرة على جميع مخلوقاته، إنصافاً و عدلاً و دون اكراه، و لم يقبل بها من بعد ابليس سوى الانسان.
لكن السؤال الملح و الذي يحتاج إلى إجابة هو: ما سر رغبة إبليس و الانسان الشديدة في الارادة الحرة، رغم ما بها من شر؟
نعيم الربوبية
الارادة الحرة نعيم الربوبية، و هي سمة إِلَـٰهَية ثمينة و جذابة، و سلطة لا يتمتع بها سوى الله (ﷻ) من قبل أن يكون هناك زمان أو مكان. الارادة الحرة هي النعيم الذي يشفي غليل النرجسي غير المؤمن من خلال الشعور بنشوة التحدث و التصرف بحرية كالإِلَـٰه، كما في حالة إبليس (أول نرجسي غير مؤمن على الإطلاق)، و الذي استمتع بنشوة التشكيك في قرارات الله (ﷻ)، كما يستمتع الانسان النرجسي غير المؤمن بنشوة الحكم على الله (ﷻ) و طرح الأسئلة المذكورة أعلاه بغرور.
اذاً لا! ليس الله (ﷻ) من أراد أن يتحول إبليس إلى شيطان و ليس الله (ﷻ) من أراده أن يضل البشر. و كما ورد في القرآن الكريم، الجن ليسوا جميعا غير مؤمنين و شياطين، و إبليس واحد منهم و تحول إلى شيطان باختياره و ارادته الحرة. ببساطة، سمح الله (ﷻ) لإبليس أن يتحول إلى الشيطان.
"قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌۭ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوٓا۟ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًۭا (1) يَهْدِيٓ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦ ۖ وَ لَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدًۭا (2) وَ أَنَّهُۥ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَةًۭ وَ لَا وَلَدًۭا (3) و َأَنَّهُۥ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطًۭا (4)" سورة الجن.
و كما ورد في القرآن الكريم، لإبليس القدرة على تضليل الذين لديهم القابلية للضلال. ببساطة، الله (ﷻ) يسمح لإبليس بالتضليل و يسمح للإنسان أن يتبعه. في الواقع، و كما ورد في القرآن الكريم، إبليس ليس المصدر الوحيد للتضليل، اذ يمكن للإنسان أيضا أن يلعب دور الشيطان و يتسبب في التضليل. و مع ذلك، ان للانسان الاختيار التام و الارادة الحرة في اتباع إبليس و شياطين الإنس و الجن، و بالتالي إما أن يكون عبداً من عباد الله (ﷻ) أو من المنحرفين.
"قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَـٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ (42) وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43)" سورة الحجر.
"وَ كَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّۭا شَيَـٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَ ٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍۢ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًۭا ۚ وَ لَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَ مَا يَفْتَرُونَ (112)" سورة الأنعام.
الخير في الارادة الحرة
إن الارادة الحرة لا تؤدي بالضرورة إلى الشر. بل على العكس من ذلك و كما ورد في الحديث، يمكن أن تؤدي الارادة الحرة إلى الخير و شعور المؤمنين بنشوة حلوة في طاعة الله. يمكنك بسهولة تجربة مثل هذه النشوة الحلوة في العائدين الجدد إلى الإسلام، و الحديث التالي يقدم أمثلة على حلاوة (بهجة) الإيمان بالله:
"ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَ أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَ أَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" صحيح البخاري 16.
مرة أخرى، من المهم أن نتذكر أن التواجد في حضرة الله (ﷻ)، كما في حالة إبليس، لن يمنع الإنسان النرجسي و الإِلَـٰهي من التمرد و التشكيك في قرارات الله (ﷻ)، تماما كما لا يستطيع النمر تغيير بقعه، و الآية القرآنية التالية تؤكد على أن لا شيء، و لا حتى المعجزات يمكنها أن تغير سلوكياتهم النرجسية و الإِلَـٰهية:
"وَ مَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلْـَٔايَـٰت إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلْأَوَّلُونَ ۚ وَ ءَاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةًۭ فَظَلَمُوا۟ بِهَا ۚ وَ مَا نُرْسِلُ بِٱلْـَٔايَـٰتِ إِلَّا تَخْوِيفًۭا" سورة الاسراء الآية 59.
كما يؤكد القرآن الكريم على أن تجربة حياة الآخرة لن تغير غير المؤمنين و لن تشفي سلوكياتهم النرجسيية و الإِلَـٰهية المنحرفة، و سيتبعون دائما ارادتهم الحرة و المنحرفة بغرور.
"وَ لَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ يَـٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَ لَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّنَا وَ نَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا۟ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَ لَوْ رُدُّوا۟ لَعَادُوا۟ لِمَا نُهُوا۟ عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ (28)" سورة الانعام.
ثالثا: ألا يمكن أن تتسبب الإرادة الحرة في تمرد المؤمنين في الجنة؟ أم أن الله سيسلبهم إرادتهم الحرة؟
الاستقرار
عدم الاستقرار يسبب التمرد، و الارادة الحرة إذا تم توظيفها بشكل جيد تعد أداة يمكن أن تحقق الاستقرار. فالارادة الحرة و التمرد ليستا مطلوبتان بعد تحقيق الاستقرار. يخبرنا القرآن الكريم أن آدم و حواء (ﷺ) خلقا مستقرين في الجنة، و بالتالي لم يجوعا أو يتعريا أبدا، و لم يعانوا أبدا من العطش أو حرارة الشمس، و لم يمرضوا أو يكبروا ... إلخ. لكنهما طُرِدا من الجنة بسبب سعيهما لتحقيق الاستقرار الأبدي في الجنة (أن يصبحا ملائكة أو خالدين) عندما خدعهم إبليس (كائن غير مستقر) و الذي أقسم لهما زورا و غروراً، و هو جرم لم يتوقع آدم و حواء (ﷺ) أن يرتكبه مخلوق، لما فيه من الكذب الصريح على الله ﷻ).
"وَ يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَ زَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَ لَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَٰتِهِمَا وَ قَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ (20) وَ قَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ (21) فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٍۢ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَ طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۖ وَ نَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَ أَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ (22)" سورة الاعراف.
"فَقُلْنَا يَـٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّۭ لَّكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَ لَا تَعْرَىٰ (118) وَ أَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا۟ فِيهَا وَ لَا تَضْحَىٰ (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَـٰنُ قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَ مُلْكٍۢ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَ طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۚ وَ عَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ (121)"سورة طه.
نتيجة لذلك، سيظل الإنسان غير مستقر (في شقاء) على الأرض حتى يعود إلى الجنة. لذلك، لن يحتاج الله (ﷻ) إلى أن يسلب المؤمنين ارادتهم الحرة بعد منحهم الاستقرار، و هو الهدف النهائي و الأسمى للارادة الحرة، و لا يمكن للبشر أن يحققوا الاستقرار في غير الجنة. فلما التمرد في مكان مستقر و في غياب إبليس و شياطين الانس و الجن؟!
الارادة الحرة في الجنة
ولكن و كما ورد في الحديث التالي، سيستمر الانسان في ممارسة ارادته الحرة في الجنة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ "أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. قَالَ: فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَ اسْتِوَاؤُهُ وَ اسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ". فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَ اللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَ أَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ (ﷺ). صحيح البخاري 2348.
الاستقرار في الطبيعة
السعي المستمر للطبيعة من أجل الاستقرار هو شيء يعترف به العلم الحديث أيضا. نعلم أن الحديد مصنوع داخل النجوم (و ليس على الأرض)، و تحديدا النجوم الحمراء العملاقة. و تتشكل العناصر معا داخل النجم أثناء الاندماج fusion ، و هي عملية ذوبان مادة أو جسم بحرارة شديدة للانضمام إلى غيرها. عندما يحدث المستعر الأعظم supernova ، يزداد سطوع النجم فجأة بشكل كبير بسبب انفجار كارثي يقذف معظم كتلته و يتم تفجير شظايا الحديد في الفضاء. هكذا جاء الحديد إلى الأرض منذ ملايين السنين. سبحان الله، قبل 1400 عام ذكر القرآن الكريم بأعجوبة أن الحديد قد نزل إلى الأرض.
"وَ أَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌۭ شَدِيدٌۭ وَ مَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَ رُسُلَهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌۭ" سورة الحديد الآية 25.
https://socratic.org/questions/how-did-iron-come-to-earth-millions-of-years-ago
https://science.nasa.gov/where-your-elements-came
خامات الحديد هي صخور يمكن استخراج الحديد المعدني منها اقتصاديا. يمكن تحويل هذه الصخور (أكسيد الحديد أو الصدأ) إلى حديد نقي عن طريق تسخينه في الفرن حتى يذوب. لذلك، عندما يصدأ الحديد فإنه يعود إلى أكسيد الحديد، لأن أكسيد الحديد هو الشكل الأكثر استقرارا للحديد من الحديد النقي (أو الفولاذ) نفسه. لذلك ، يحتاج الحديد النقي إلى علاج مستمر لمنعه من العودة إلى شكله المستقر.
استقرار الإنسان
و بالمثل و على الأرض، الانسان أيضا في حالة غير مستقرة. لهذا السبب يشعر بالجوع و العطش، و بدون أكل و شرب و نظافة ... إلخ، سوف يتحلل الإنسان، محاولا العودة إلى حالته المستقرة (الموت للعودة إلى الجنة). ذلك لأن الانسان من الجنة، و هذا هو المكان الذي يصل فيه إلى الاستقرار، و هذا هو المكان الذي لا يشعر فيه بالجوع و العطش و الأمراض و لا يحتاج إلى الأكل و الشراب و العلاج ... إلخ، كما ورد في القرآن الكريم. لذلك، لن يحتاج الله (ﷻ) أن يسلب المؤمنين ارادتهم الحرة بعد منحهم الاستقرار (الجنة)، و هو الهدف النهائي و الاسمى للارادة الحرة، و لا يمكن للبشر إلا أن يحققوا الاستقرار في الجنة. فلما التمرد في مكان مستقر و في غياب إبليس و شياطين الانس و الجن؟!
رابعاً: ألم يكن الله ليجنبنا هذه التمثيلية الإيمائية من خلال خلق المؤمنين فقط منذ البداية؟ هل الله عاجز عن ذلك؟
أولا و قبل كل شيء، أشعر بأنني مضطر للرد بسؤال: ما الذي فعلناه لنستحق وضع حد لهذه التمثيلية الإيمائية؟ لماذا لا يستطيع غير المؤمن أن يصبح مؤمناً ببساطة؟ هل غير المؤمن غير قادر على أن يصبح مؤمن مطيعاً؟ لو أن الله (ﷻ) اكتفى بخلق المؤمنين منذ البداية فقط، فما الذي يمنع النرجسيين من غير المؤمنين في حالتهم العدمية الغير مستقرة من الشكوى و التظلم الى الله (ﷻ) و المطالبة بالاستقرار و دخول الجنة؟
نهاية المسرحية الايمائية
في هذه الحياة، لا أحد يستحق أن يرى الله (ﷻ) أو يتحدث إليه، بما فيهم المؤمنين، الى أن ننمو و ننضج و نطهر (نتزكى) من خلال الطاعة (التكامل). فلرؤية الله و التحدث إليه (ﷻ)، يجب على الجن و الإنسان أن يكافحوا باستخدام ارادتهم الحرة في إرضاء الله (ﷻ) من خلال الطاعة. فكما ورد في القرآن الكريم، ستنتهي التمثيلية الإيمائية في الحياة الآخرة، عندما ينتهي المؤمنون من تكامل أرواحهم و تطويرها و تنميتها و تطهيرها و تزكيتها من خلال الطاعة، و بالتالي كسب حق العودة إلى الجنة و شرف التحدث إلى الله و رؤيته (ﷻ). يجب الحصول على شرف التحول الى كائنات الاهية أتقياء من خلال عملية التكامل بالألم و النضال و الارادة الحرة، لا أن يتم منح الشرف من خلال عملية برمجة الانسان كما يتم برمجة الذكاء الاصطناعي الفاقد للروح و الحياة.
"وُجُوهٌۭ يَوْمَئِذٍۢ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌۭ (23)" سورة القيامة.
"رَبَّنَا وَ ٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًۭا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَ ٱلْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ (129)" سورة البقرة.
جل جلال الله الرحمن الرحيم
هل تذكر الآية التالية من القرآن الكريم، حيث وصف الله (ﷻ) الإنسان: "ظَلُومًۭا جَهُولًۭا"؟
لهذا السبب لم يتخلى الله (ﷻ) عن الانسان اثناء هذه التمثيلية الإيمائية من التكامل بالألم و النضال و الارادة الحرة، بل أخذ على عاتقه (ﷻ) بدعم الانسان بدءًا من آدم و حواء (ﷺ). و نتيجة لذلك، قام الله (ﷻ) بما يلي:
• حذر آدم و حواء (ﷺ) من إبليس و غفر خطيئتهم الأولى في الجنة.
• يدعم الإنسان من خلال إرسال الأنبياء (ﷺ) إليهم و تقديم ارشادات مكتوبة و واضحة (الكتب السماوية).
• يغفر الخطايا الصغيرة مقابل أعمالهم الصالحة، و يرحمهم بارشادهم الى الصراط المستقيم.
• يغفر الخطايا الكبرى (الكبائر)، بما فيها الكفر، مقابل التوبة الصادقة.
• يُخرج المؤمنين المذنبين من الجحيم، بمجرد تطهيرهم من خطاياهم.
• لن يخلد في النار الا شياطين الانس و الجن.
الطاعة كما استلخصها الدكتور جيفري لانغ بشكل جميل من القرآن الكريم في كلمته بعنوان "الغرض من الحياة" (انظر الرابط أدناه) هي محبة الله (ﷻ) من خلال التخلق بصفاته الجميلة، مثل: الرحمه، المغفرة، التسامح، العدل، نصرة الضعفاء، الدفاع عن المظلومين، طلب العلم و الحكمة، الكرم، الصدق و محبة أخيه الإنسان. إذا كان الأمر كذلك، أتساءل: لماذا لا يمكن لغير المؤمن أن يصبح ببساطة مؤمن مطيع ؟!
https://youtu.be/ifllgTA2pmY?si=nKO6aCHg246XIjzk
التكامل و الانسان
و يؤكد الدكتور إسلامي، و هو مفكر إيراني، في كلمته بعنوان "الإسلام يؤمن بالتكامل و ليس التناسخ"، على عملية تكامل الإنسان و تطوره و نموه و تزكيته، بقوله:
في أحد الأيام كنا جميعا حيوانات منوية في مسيرة استمرت ثلاثة أيام، بوعي و هدف واضحين. أكلنا و شربنا للعيش و الوصول إلى البويضة. ثم رأت الحيونات المنوية حيوانا منوياً و هو يدخل تلك الدائرة الكبيرة و يختفي. قالت الحيوانات المنوية: الدائرة أكلت الحيوان المنوي فمات. ولكن بعد ثلاثة أيام، ماتت جميع الحيوانات المنوية، و أكمل ذاك الحيوان المنوي حياته و تحول إلى جنين.
يكمل الجنين الرحلة في رحم الأم و ينمو و يأكل و يشرب و يتحرك و يبني علاقات مع قلب الأم و رئتيها و كبدها و كل ما حوله. الجنين ذكي، فهو يعرف كم يجب أن يكون طول شعر الرأس و الحواجب. بعد 9 أشهر، تدفع بعض القوى الجنين للخارج، لكن أعضاء الأم تظهر معارضة و تتمسك بجنينها. في النهاية، يتم دفع الجنين للخارج، داعيا الأعضاء الموجودة داخل جسم الأم إلى الحزن على وفاته، بينما يحتفل أولئك الذين هم خارج جسم الأم بميلاد الطفل.
الموت و الولادة أداتان في عملية التكامل، كوجهين لعملة واحدة، و الفرق يعتمد على المكان الذي نقف فيه. أولئك الذين على هذا الجانب يشهدون الموت و أولئك الذين على الجانب الآخر يشهدون الولادة. وهكذا، تستمر عملية التكامل.
في هذه العملية، تتكامل الأبعاد المكانية و الزمانية فينا. البعد المكاني تكامل فينا منذ أن كنا حيوانات منوية، تتحرك في مساحة لا تتجاوز عدة ملليمترات، بينما كان الجنين في الرحم يحرك يده، و كانت هذه الحركة أكبر نسبيا من حركة الحيوانات المنوية. ثم يأتي الرجل الذي يسافر بين قارات الكوكب، و تتجول روحه أخيرا في السماوات التي لا نهاية لها. و بالمثل، فإن البعد الزمني قد تم تكامله فينا منذ أن كنا حيوانات منوية تعيش لمدة 3 أيام فقط، ثم جنين عاش لمدة 9 أشهر، ثم إنسان عاش 90 عاما و أخيرا روح تعيش إلى الأبد. وهكذا، تستمر عملية التكامل.
عندما كنا حيوانات منوية، كنا بحاجة إلى ذيل للبقاء على قيد الحياة و النجاح، و كان الجنين بحاجة إلى الحبل السري للبقاء على قيد الحياة و النجاح، و يحتاج الإنسان إلى اليدين و الرجلين للبقاء على قيد الحياة و النجاح. في هذه العملية التكاملية، لا يحتاج الجنين إلى ذيل مثل الحيوانات المنوية، و لا يحتاج الرجل إلى الحبل السري مثل الجنين، و لا تحتاج الروح إلى الجسد بعد الموت. و الحقيقة هي أن الذيل و الحبل السري و جسم الإنسان ليست سوى أدوات مؤقتة لعملية التكامل.
يجب ألا نغفل عن أداتين مهمتين للعملية التكاملية، و هما الذكاء المادي (الجسدي) و الذكاء الأخلاقي. يعتني الذكاء الجسدي باحتياجات الجسم، مثل مساعدة الإنسان على الجري من خلال توفير كمية كافية من الأكسجين و أمر العضلات بالانقباض و توسيع و تسريع عملية التنفس عن طريق تسريع ضربات القلب. بینما يعتني الذكاء الأخلاقي بالروح و يعدها للحياة بعد الموت، و يتطور فينا من خلال ممارسة الحب و النزاهة و الصدق و غيرها من الصفات الجميلة، فالذكاء الجسدي يوفر الرخاء و ليس الطمأنينة، و السرير و ليس النوم.
إذن، ما هو الشيء الذي يتم تكامله باستمرار باسمي؟ ما الذي يستمر في التحرك للحفاظ على هويتي؟
الذكاء الأخلاقي هو ما يشكل شخصيتي و هويتي و من أنا، من خلال الروابط التي تربطنا بالآخرين، مثل الصدق أو الحب أو الكراهية و الأكاذيب. الذكاء الأخلاقي يشكل الروح، و سيحدد صلاح الروح أو فسادها و استعدادك للحياة بعد الموت.
و الصلاة هي سنام الروابط الأخلاقية التي تشكل علاقتنا مع الخالق، الله (ﷻ). لذلك، نحن مطالبون بالصلاة عدة مرات في اليوم حتى لا ننسى أن وجودنا في هذا العالم هو إعداد للولادة الحقيقية. و نحن بحاجة إلى الروابط الأخلاقية للحياة بعد الموت. و كلما كانت هذه الروابط أقوى (مثل الحب و النزاهة و الصدق)، كلما كنا أكثر نجاحا بعد الولادة الحقيقية.
الخلاصة
• للاسلام أجوبة نموذجية للأسئلة الغيبة.
• حب الله (ﷻ) يرفع من شـأن الانسان فوق كل المخلوقات.
• طاعة الله (ﷻ) تكمل الإنسان من خلال الاتصال بالناس بأجمل صفاته و الاتصال بالله (ﷻ) باجمل عباداته.
• التشكيك في الله (ﷻ) بطرح الأسئلة النرجسية يحط من شأن الانسان.
• قد تقنع هذه المقالة المحطم الغاضب، لكنها لن تقنع أبدا النرجسي المغرور.
• انه اختيارك و ارادتك الحرة.
ماذا عن إبليس؟
بقلم: خالد الخاجة
يسأل النرجسي غروراً، و المحطم غضباً و الجاهل ببراءة عن عالم الغيب:
لماذا تمرد إبليس على أمر الله القادر العليم؟ لماذا خلق الله إبليس (و الإنسان) و هو يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ هل أراد الله أن يتحول إبليس إلى شيطان و أراده أن يضلل البشر؟ هل إبليس مجرد بيدق في لعبة الله؟ ألا يمكن أن تتسبب الإرادة الحرة في تمرد المؤمنين في الجنة؟ أم أن الله سيسلبهم إرادتهم الحرة؟ ألم يكن بوسع الله أن ينقذنا من هذه التمثيلية الإيمائية من خلال الاكتفاء بخلق المؤمنين منذ البداية؟ هل الله عاجز عن ذلك؟
إسأل كالملائكة
أولا و قبل كل شيء ، دعني اريحك يا عزيزي المؤمن المتعلم، لأنك ربما تشعر بالألم و الخجل من طرح مثل هذه الأسئلة. لا داعي للخجل ما دمت تسأل بأدب و تواضع، لأننا جميعا نتعلم و لدينا مثل هذه الأسئلة حول عالم الغيب. في الواقع، كان الملائكة المتعلمون أول من طرحت مثل هذه الأسئلة كما ورد في القرآن الكريم، عندما طلبوا بأدب و تواضع من الله القادر العليم (ﷻ) التوضيح:
"و َإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌۭ فِى ٱلْأَرْضِ خَلِيفَةًۭ ۖ قَالُوٓا۟ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" سورة البقرة الآية 30 .
لذا يا عزيزي المؤمن المتعلم، من الطبيعي أن تطرح أسئلة حول ما لا تعرفه عن عالم الغيب، و الإجابات على الأرجح يقدمها الله (ﷻ) أو نبيه محمد (ﷺ)، كما سيتضح في هذا المقال. و إذا لم تتمكن من العثور على إجابة أو الوصول إليها، فتذكر أنه لا أحد (باستثناء الله جل جلاله) يعرف كل الإجابات في هذا الكون. لذا كن منطقياً و صبورا و متواضعا و اتبع القرآن الكريم الذي يتطلب من أولئك الذين يبحثون عن الصراط المستقيم أن يهدؤا و يؤمنوا بالغيب، كأول صفة ملحة لمن يتقون الله (ﷻ):
"الٓمٓ (1) ذَٰلِكَ ٱلْكِتَـٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًۭى لِّلْمُتَّقِينَ (2) ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ" الآية 3 من سورة البقرة .
الآلهة تشكك في الله (ﷻ)
قبل الإجابة على الأسئلة المذكورة أعلاه، نحتاج إلى معالجة السؤال التالي و الملح: كيف يمكن لغير المؤمن الذي لا يستطيع حتى خلق نملة صغيرة معروفة أن يسأل الأسئلة السابقة و يشكك في الله القادر العليم (ﷻ)، خالق الكون اللامتناهي، دائم التوسع، المجهول و الغامض ؟!
الاجابة المنطقية هي: هذا ممكن فقط عندما يقوم شخص غاضب (محطم) أو نرجسي (يظن نفسه إِلَـٰهَ) باستجواب و انتقاد إِلَـٰهَ آخر! و ذلك عندما يسأل غير المؤمن أسئلة ذات نفس نرجسي و أُلوهي، كما في حالة إبليس.
كما ذكرت في مقالي بعنوان "الدين و الإنسانية"، إن الدين يدعوك إلى النظر إلى ما وراء العالم الذي يتم مشاهدته للتعرف على عالم الغيب، و الكشف عن حقيقة الوجود و سر الخلق و حب الخالق و توسيع أبعاد الوجود البشري. لذلك، و على الرغم من أن مثل هذه الأسئلة حقاً صعبة، إلا أن إجاباتها سهلة و واضحة إلى حد ما، كما يقدمها الدين الإسلامي لأولئك الذين يبحثون بجدية و صدق عن الحقيقة، ولكن تلك الاجابات ليست للنرجسيين الذين يتصرفون و يتحدثون كالآله، كما فعل إبليس!
إذن، هذه محاولتي المتواضعة لتقديم إجابات إسلامية نموذجية على الأسئلة المذكورة أعلاه، أقدمها للجادين و المخلصين و الغاضبين (المحطمين) من غير المؤمنين، كما أقدمها للمؤمنين المتعلمين. هذه الإجابات ليست للنرجسيين من غير المؤمنين، و الذين يتصرفون و يتحدثون كالآله، كما فعل ابليس!
اولا: لماذا تمرد إبليس على أمر الله القادر العليم؟
دعونا نفحص هذا السؤال تحت مجهر القرآن الكريم:
"إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي خَـٰلِقٌۢ بَشَرًۭا مِّن طِينٍۢ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِينَ (72) فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّآ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَ كَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ (74) قَالَ يَـٰٓإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍۢ وَ خَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍۢ (76) قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌۭ (77)" سورة ص.
إن مشكلة ابليس تكمن في سلوكه المتضمن في عبارته: " أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ"، اذ يظهر هذا البيان بوضوح أن إبليس تمرد على أمر الله القادر العليم (ﷻ) بسبب سلوكه النرجسي الإلهي. و على الرغم من أن عبارة "أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ" تبدو عنصرية، إلا أنها لا تكفي لتأليب الله (ﷻ) ضد إبليس و لعنه، إذ يحق لإبليس أن يشعر بأنه متفوق على آدم (ﷺ)، كما يحق لنا جميعا أن نشعر بالتفوق على بعضنا البعض. المشكلة الحقيقية في عبارة: " أَنَا۠ خَيْرٌۭ مِّنْهُ" أن إبليس كان يعتقد أن الأمر الذي أصدره الله له كان خاطئا و ما كان ينبغي أن يصدر له أصلا، فهو أفضل من آدم (ﷺ)! فسلوكه النرجسي و الإلهي جعله يعتقد أنه أكثر دراية من الله القادر العليم (ﷻ). كذلك، أي إنسان بمثل هذه الشخصية الالهية النرجسية يستحق اللعنة، و إبليس ليس الوحيد الذي يشعر بأنه مساو لله (ﷻ) و يحق له التشكيك في قرارات الله (ﷻ) و خلقه. انها مسألة إِلَـٰه (إبليس أو الإنسان) يرى نفسه أهلاً لمُسَاءلة الله (ﷻ) و انتقاده! و كذلك الحال عندما يشكك غير المؤمن في قرارات الله (ﷻ) و خلقه و يوجه انتقادات ذات نَفَس نرجسي و أُلُوهي، كما فعل إبليس، و هو يسأل ناقدا: لماذا خلق الله إبليس و الإنسان؟ و كأنه يقول: ما كان ينبغي لله أن يخلق إبليس و الإنسان! و كأنه يقول: قد أخطأ الله (ﷻ)!
الله (ﷻ) يتحقق
قبل الإجابة على السؤال الثاني، دعونا نتذكر أن الله (ﷻ) لم يلعن ابليس الا بعد أن تحقق من نيته السيئة و اسباب تمرده و اصراره على موقفه بسؤاله: "قَالَ يَـٰٓإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ (75)"؟ من خلال هذا (ﷻ) السؤال، أعطى الله بكل إنصاف و رحمة فرصة ذهبية لإبليس ليبتلع كبريائه النرجسي و الإلهي بطلب المغفرة، لكن ابليس لم يفعل. بل تحدى الله (ﷻ) بثقة و أصر على فعلته ذات النفس النرجسي و الإلهي، كما يفعل الكثير من البشر النرجسيين.
لذلك، من المهم أن نتذكر أن الله (ﷻ) عرض على إبليس مخرج للهروب و طريق للنجاة، لكنه اختار أن لا يسلكه. دعونا نتذكر أيضا أن التواجد في حضرة الله (ﷻ)، كما كان في حالة إبليس، لن يمنع الإنسان النرجسي و الإلهي من التشكيك في قرارات الله (ﷻ) و أفعاله.
ثانيا: لماذا خلق الله إبليس (و الإنسان) إذا كان يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ هل أراد الله أن يتحول إبليس إلى شيطان و أراده أن يضلل البشر؟ هل إبليس مجرد بيدق في لعبة الله؟
الإرادة الحرة
بادئ ذي بدء ، بدلا من إلقاء اللوم على الله (ﷻ) على خلقه لك، تذكر أن والديك هما اللذان أحضراك عن طيب خاطر إلى هذا العالم، و أنك أنت من أحضر أطفالك عن طيب خاطر إلى هذا العالم. فباستخدام إرادتك الحرة، كان بإمكانك تجنب ذلك كما يفعل العديد من الأزواج. لذا، انتقادك لله (ﷻ) في شيء تمارسه هو نفاق و نرجسية.
علاوة على ذلك، ليس الخلق ما يجعل من إبليس أو الانسان شيطاناً، ولكنها "الارادة الحرة" المرغوبة. فجميع مخلوقات الله (ﷻ) الأخرى، كالملائكة، لا يمكن أن تتحول إلى شيطان لأنها و باختيارها لا تتمتع بالارادة الحرة. نتيجة لذلك، الملائكة مخلوقات لا يتم اختبارها و لا ينتهي بها المطاف في الجنة و لا في الجحيم. لن تسمع السماء أو الأرض أو الملائكة تشكو من خلقها. الحقيقة هي أن الله (ﷻ) خلق إبليس و الإنسان و الملائكة و الكون بأسره ليعبدوه، و لم يكن الخلق لعبة، كما ورد في القرآن الكريم.
"وَ مَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَ ٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍۢ وَ مَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57)" سورة الذاريات.
"وَ مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَ ٱلْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ (16)" سورة الأنبياء.
إذن، السؤال التالي و المذكور أعلاه خاطئ: لماذا خلق الله إبليس (و الإنسان) إذا كان يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ بدلا من ذلك، فإن السؤال الصحيح و الذي يستحق الإجابة هو: لماذا أعطى الله إبليس (و الإنسان) الارادة الحرة، إذا كان يعلم أنه سيتحول إلى شيطان؟ القرآن يجيب على هذا السؤال:
"إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَ ٱلْأَرْضِ وَ ٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهَا وَ حَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا" الآية 72 من سورة الأحزاب.
ورد في تفسير ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعني بالأمانة: الطاعة، و عرضها عليهم (السماوات و الارض و الجبال) قبل أن يعرضها على آدم (ﷺ)، فلم يطقنها. فقال لآدم (ﷺ): إني قد عرضت الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال: يا رب، و ما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت، و إن أسأت عوقبت. فأخذها آدم فتحملها، فذلك قوله: "وَ حَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا".
يتضح من الرواية السابقة أن الأمانة هي " إن أحسنت جزيت، و إن أسأت عوقبت"، و هي معادلة "الارادة الحرة". لذلك، أنت (الإنسان) من طلب الارادة الحرة و التي يمكنها أن تحولك إلى شيطان. لم يتم فرضها أبدا على الإنسان أو إبليس، بل تم تحذيرك منها باعلامك بأن المخلوقات الأخرى لم يطقنها و رفضتها. لكنالانسان قبل أن يكافأ على فعل الخير و يعاقب على فعل الشر من أجل الحصول على الارادة الحرة، و ببساطة سمح الله (ﷻ) للإنسان بفعل الخير أو الشر. إنه قرارهم و ارادتهم الحرة. في الواقع، يتضح من الآية أعلاه أن الله (ﷻ) لم يرد أن يقبل آدم (ﷺ) الأمانة، و يتضح ذلك في قوله تعالي: "وَ حَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا".
قد يسأل أحدهم الآن سؤالاً يستحق الاجابة: إذن لماذا عرض الله (ﷻ) الأمانة على آدم (ﷺ)؟ هذا سؤال يستحق المزيد من البحث، ولكن في رأيي المتواضع و على الأرجح، إن الامانة و الارادة الحرة لم تعرض على ابليس ولكنه طلبها من قبل فمنحها الله (ﷻ) له. لذلك و من باب الانصاف و المساواة بين خلقه، عرض الله (ﷻ) الأمانة و الارادة الحرة على جميع مخلوقاته، إنصافاً و عدلاً و دون اكراه، و لم يقبل بها من بعد ابليس سوى الانسان.
لكن السؤال الملح و الذي يحتاج إلى إجابة هو: ما سر رغبة إبليس و الانسان الشديدة في الارادة الحرة، رغم ما بها من شر؟
نعيم الربوبية
الارادة الحرة نعيم الربوبية، و هي سمة إِلَـٰهَية ثمينة و جذابة، و سلطة لا يتمتع بها سوى الله (ﷻ) من قبل أن يكون هناك زمان أو مكان. الارادة الحرة هي النعيم الذي يشفي غليل النرجسي غير المؤمن من خلال الشعور بنشوة التحدث و التصرف بحرية كالإِلَـٰه، كما في حالة إبليس (أول نرجسي غير مؤمن على الإطلاق)، و الذي استمتع بنشوة التشكيك في قرارات الله (ﷻ)، كما يستمتع الانسان النرجسي غير المؤمن بنشوة الحكم على الله (ﷻ) و طرح الأسئلة المذكورة أعلاه بغرور.
اذاً لا! ليس الله (ﷻ) من أراد أن يتحول إبليس إلى شيطان و ليس الله (ﷻ) من أراده أن يضل البشر. و كما ورد في القرآن الكريم، الجن ليسوا جميعا غير مؤمنين و شياطين، و إبليس واحد منهم و تحول إلى شيطان باختياره و ارادته الحرة. ببساطة، سمح الله (ﷻ) لإبليس أن يتحول إلى الشيطان.
"قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌۭ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوٓا۟ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًۭا (1) يَهْدِيٓ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦ ۖ وَ لَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدًۭا (2) وَ أَنَّهُۥ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَةًۭ وَ لَا وَلَدًۭا (3) و َأَنَّهُۥ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطًۭا (4)" سورة الجن.
و كما ورد في القرآن الكريم، لإبليس القدرة على تضليل الذين لديهم القابلية للضلال. ببساطة، الله (ﷻ) يسمح لإبليس بالتضليل و يسمح للإنسان أن يتبعه. في الواقع، و كما ورد في القرآن الكريم، إبليس ليس المصدر الوحيد للتضليل، اذ يمكن للإنسان أيضا أن يلعب دور الشيطان و يتسبب في التضليل. و مع ذلك، ان للانسان الاختيار التام و الارادة الحرة في اتباع إبليس و شياطين الإنس و الجن، و بالتالي إما أن يكون عبداً من عباد الله (ﷻ) أو من المنحرفين.
"قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَـٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ (42) وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43)" سورة الحجر.
"وَ كَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّۭا شَيَـٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَ ٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍۢ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًۭا ۚ وَ لَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَ مَا يَفْتَرُونَ (112)" سورة الأنعام.
الخير في الارادة الحرة
إن الارادة الحرة لا تؤدي بالضرورة إلى الشر. بل على العكس من ذلك و كما ورد في الحديث، يمكن أن تؤدي الارادة الحرة إلى الخير و شعور المؤمنين بنشوة حلوة في طاعة الله. يمكنك بسهولة تجربة مثل هذه النشوة الحلوة في العائدين الجدد إلى الإسلام، و الحديث التالي يقدم أمثلة على حلاوة (بهجة) الإيمان بالله:
"ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَ أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَ أَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" صحيح البخاري 16.
مرة أخرى، من المهم أن نتذكر أن التواجد في حضرة الله (ﷻ)، كما في حالة إبليس، لن يمنع الإنسان النرجسي و الإِلَـٰهي من التمرد و التشكيك في قرارات الله (ﷻ)، تماما كما لا يستطيع النمر تغيير بقعه، و الآية القرآنية التالية تؤكد على أن لا شيء، و لا حتى المعجزات يمكنها أن تغير سلوكياتهم النرجسية و الإِلَـٰهية:
"وَ مَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلْـَٔايَـٰت إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلْأَوَّلُونَ ۚ وَ ءَاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةًۭ فَظَلَمُوا۟ بِهَا ۚ وَ مَا نُرْسِلُ بِٱلْـَٔايَـٰتِ إِلَّا تَخْوِيفًۭا" سورة الاسراء الآية 59.
كما يؤكد القرآن الكريم على أن تجربة حياة الآخرة لن تغير غير المؤمنين و لن تشفي سلوكياتهم النرجسيية و الإِلَـٰهية المنحرفة، و سيتبعون دائما ارادتهم الحرة و المنحرفة بغرور.
"وَ لَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ يَـٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَ لَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّنَا وَ نَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا۟ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَ لَوْ رُدُّوا۟ لَعَادُوا۟ لِمَا نُهُوا۟ عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ (28)" سورة الانعام.
ثالثا: ألا يمكن أن تتسبب الإرادة الحرة في تمرد المؤمنين في الجنة؟ أم أن الله سيسلبهم إرادتهم الحرة؟
الاستقرار
عدم الاستقرار يسبب التمرد، و الارادة الحرة إذا تم توظيفها بشكل جيد تعد أداة يمكن أن تحقق الاستقرار. فالارادة الحرة و التمرد ليستا مطلوبتان بعد تحقيق الاستقرار. يخبرنا القرآن الكريم أن آدم و حواء (ﷺ) خلقا مستقرين في الجنة، و بالتالي لم يجوعا أو يتعريا أبدا، و لم يعانوا أبدا من العطش أو حرارة الشمس، و لم يمرضوا أو يكبروا ... إلخ. لكنهما طُرِدا من الجنة بسبب سعيهما لتحقيق الاستقرار الأبدي في الجنة (أن يصبحا ملائكة أو خالدين) عندما خدعهم إبليس (كائن غير مستقر) و الذي أقسم لهما زورا و غروراً، و هو جرم لم يتوقع آدم و حواء (ﷺ) أن يرتكبه مخلوق، لما فيه من الكذب الصريح على الله ﷻ).
"وَ يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَ زَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَ لَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَٰتِهِمَا وَ قَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ (20) وَ قَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ (21) فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٍۢ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَ طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۖ وَ نَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَ أَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ (22)" سورة الاعراف.
"فَقُلْنَا يَـٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّۭ لَّكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَ لَا تَعْرَىٰ (118) وَ أَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا۟ فِيهَا وَ لَا تَضْحَىٰ (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَـٰنُ قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَ مُلْكٍۢ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَ طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۚ وَ عَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ (121)"سورة طه.
نتيجة لذلك، سيظل الإنسان غير مستقر (في شقاء) على الأرض حتى يعود إلى الجنة. لذلك، لن يحتاج الله (ﷻ) إلى أن يسلب المؤمنين ارادتهم الحرة بعد منحهم الاستقرار، و هو الهدف النهائي و الأسمى للارادة الحرة، و لا يمكن للبشر أن يحققوا الاستقرار في غير الجنة. فلما التمرد في مكان مستقر و في غياب إبليس و شياطين الانس و الجن؟!
الارادة الحرة في الجنة
ولكن و كما ورد في الحديث التالي، سيستمر الانسان في ممارسة ارادته الحرة في الجنة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ "أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. قَالَ: فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَ اسْتِوَاؤُهُ وَ اسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ". فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَ اللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَ أَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ (ﷺ). صحيح البخاري 2348.
الاستقرار في الطبيعة
السعي المستمر للطبيعة من أجل الاستقرار هو شيء يعترف به العلم الحديث أيضا. نعلم أن الحديد مصنوع داخل النجوم (و ليس على الأرض)، و تحديدا النجوم الحمراء العملاقة. و تتشكل العناصر معا داخل النجم أثناء الاندماج fusion ، و هي عملية ذوبان مادة أو جسم بحرارة شديدة للانضمام إلى غيرها. عندما يحدث المستعر الأعظم supernova ، يزداد سطوع النجم فجأة بشكل كبير بسبب انفجار كارثي يقذف معظم كتلته و يتم تفجير شظايا الحديد في الفضاء. هكذا جاء الحديد إلى الأرض منذ ملايين السنين. سبحان الله، قبل 1400 عام ذكر القرآن الكريم بأعجوبة أن الحديد قد نزل إلى الأرض.
"وَ أَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌۭ شَدِيدٌۭ وَ مَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَ رُسُلَهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌۭ" سورة الحديد الآية 25.
https://socratic.org/questions/how-did-iron-come-to-earth-millions-of-years-ago
https://science.nasa.gov/where-your-elements-came
خامات الحديد هي صخور يمكن استخراج الحديد المعدني منها اقتصاديا. يمكن تحويل هذه الصخور (أكسيد الحديد أو الصدأ) إلى حديد نقي عن طريق تسخينه في الفرن حتى يذوب. لذلك، عندما يصدأ الحديد فإنه يعود إلى أكسيد الحديد، لأن أكسيد الحديد هو الشكل الأكثر استقرارا للحديد من الحديد النقي (أو الفولاذ) نفسه. لذلك ، يحتاج الحديد النقي إلى علاج مستمر لمنعه من العودة إلى شكله المستقر.
استقرار الإنسان
و بالمثل و على الأرض، الانسان أيضا في حالة غير مستقرة. لهذا السبب يشعر بالجوع و العطش، و بدون أكل و شرب و نظافة ... إلخ، سوف يتحلل الإنسان، محاولا العودة إلى حالته المستقرة (الموت للعودة إلى الجنة). ذلك لأن الانسان من الجنة، و هذا هو المكان الذي يصل فيه إلى الاستقرار، و هذا هو المكان الذي لا يشعر فيه بالجوع و العطش و الأمراض و لا يحتاج إلى الأكل و الشراب و العلاج ... إلخ، كما ورد في القرآن الكريم. لذلك، لن يحتاج الله (ﷻ) أن يسلب المؤمنين ارادتهم الحرة بعد منحهم الاستقرار (الجنة)، و هو الهدف النهائي و الاسمى للارادة الحرة، و لا يمكن للبشر إلا أن يحققوا الاستقرار في الجنة. فلما التمرد في مكان مستقر و في غياب إبليس و شياطين الانس و الجن؟!
رابعاً: ألم يكن الله ليجنبنا هذه التمثيلية الإيمائية من خلال خلق المؤمنين فقط منذ البداية؟ هل الله عاجز عن ذلك؟
أولا و قبل كل شيء، أشعر بأنني مضطر للرد بسؤال: ما الذي فعلناه لنستحق وضع حد لهذه التمثيلية الإيمائية؟ لماذا لا يستطيع غير المؤمن أن يصبح مؤمناً ببساطة؟ هل غير المؤمن غير قادر على أن يصبح مؤمن مطيعاً؟ لو أن الله (ﷻ) اكتفى بخلق المؤمنين منذ البداية فقط، فما الذي يمنع النرجسيين من غير المؤمنين في حالتهم العدمية الغير مستقرة من الشكوى و التظلم الى الله (ﷻ) و المطالبة بالاستقرار و دخول الجنة؟
نهاية المسرحية الايمائية
في هذه الحياة، لا أحد يستحق أن يرى الله (ﷻ) أو يتحدث إليه، بما فيهم المؤمنين، الى أن ننمو و ننضج و نطهر (نتزكى) من خلال الطاعة (التكامل). فلرؤية الله و التحدث إليه (ﷻ)، يجب على الجن و الإنسان أن يكافحوا باستخدام ارادتهم الحرة في إرضاء الله (ﷻ) من خلال الطاعة. فكما ورد في القرآن الكريم، ستنتهي التمثيلية الإيمائية في الحياة الآخرة، عندما ينتهي المؤمنون من تكامل أرواحهم و تطويرها و تنميتها و تطهيرها و تزكيتها من خلال الطاعة، و بالتالي كسب حق العودة إلى الجنة و شرف التحدث إلى الله و رؤيته (ﷻ). يجب الحصول على شرف التحول الى كائنات الاهية أتقياء من خلال عملية التكامل بالألم و النضال و الارادة الحرة، لا أن يتم منح الشرف من خلال عملية برمجة الانسان كما يتم برمجة الذكاء الاصطناعي الفاقد للروح و الحياة.
"وُجُوهٌۭ يَوْمَئِذٍۢ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌۭ (23)" سورة القيامة.
"رَبَّنَا وَ ٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًۭا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَ ٱلْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ (129)" سورة البقرة.
جل جلال الله الرحمن الرحيم
هل تذكر الآية التالية من القرآن الكريم، حيث وصف الله (ﷻ) الإنسان: "ظَلُومًۭا جَهُولًۭا"؟
لهذا السبب لم يتخلى الله (ﷻ) عن الانسان اثناء هذه التمثيلية الإيمائية من التكامل بالألم و النضال و الارادة الحرة، بل أخذ على عاتقه (ﷻ) بدعم الانسان بدءًا من آدم و حواء (ﷺ). و نتيجة لذلك، قام الله (ﷻ) بما يلي:
• حذر آدم و حواء (ﷺ) من إبليس و غفر خطيئتهم الأولى في الجنة.
• يدعم الإنسان من خلال إرسال الأنبياء (ﷺ) إليهم و تقديم ارشادات مكتوبة و واضحة (الكتب السماوية).
• يغفر الخطايا الصغيرة مقابل أعمالهم الصالحة، و يرحمهم بارشادهم الى الصراط المستقيم.
• يغفر الخطايا الكبرى (الكبائر)، بما فيها الكفر، مقابل التوبة الصادقة.
• يُخرج المؤمنين المذنبين من الجحيم، بمجرد تطهيرهم من خطاياهم.
• لن يخلد في النار الا شياطين الانس و الجن.
الطاعة كما استلخصها الدكتور جيفري لانغ بشكل جميل من القرآن الكريم في كلمته بعنوان "الغرض من الحياة" (انظر الرابط أدناه) هي محبة الله (ﷻ) من خلال التخلق بصفاته الجميلة، مثل: الرحمه، المغفرة، التسامح، العدل، نصرة الضعفاء، الدفاع عن المظلومين، طلب العلم و الحكمة، الكرم، الصدق و محبة أخيه الإنسان. إذا كان الأمر كذلك، أتساءل: لماذا لا يمكن لغير المؤمن أن يصبح ببساطة مؤمن مطيع ؟!
https://youtu.be/ifllgTA2pmY?si=nKO6aCHg246XIjzk
التكامل و الانسان
و يؤكد الدكتور إسلامي، و هو مفكر إيراني، في كلمته بعنوان "الإسلام يؤمن بالتكامل و ليس التناسخ"، على عملية تكامل الإنسان و تطوره و نموه و تزكيته، بقوله:
في أحد الأيام كنا جميعا حيوانات منوية في مسيرة استمرت ثلاثة أيام، بوعي و هدف واضحين. أكلنا و شربنا للعيش و الوصول إلى البويضة. ثم رأت الحيونات المنوية حيوانا منوياً و هو يدخل تلك الدائرة الكبيرة و يختفي. قالت الحيوانات المنوية: الدائرة أكلت الحيوان المنوي فمات. ولكن بعد ثلاثة أيام، ماتت جميع الحيوانات المنوية، و أكمل ذاك الحيوان المنوي حياته و تحول إلى جنين.
يكمل الجنين الرحلة في رحم الأم و ينمو و يأكل و يشرب و يتحرك و يبني علاقات مع قلب الأم و رئتيها و كبدها و كل ما حوله. الجنين ذكي، فهو يعرف كم يجب أن يكون طول شعر الرأس و الحواجب. بعد 9 أشهر، تدفع بعض القوى الجنين للخارج، لكن أعضاء الأم تظهر معارضة و تتمسك بجنينها. في النهاية، يتم دفع الجنين للخارج، داعيا الأعضاء الموجودة داخل جسم الأم إلى الحزن على وفاته، بينما يحتفل أولئك الذين هم خارج جسم الأم بميلاد الطفل.
الموت و الولادة أداتان في عملية التكامل، كوجهين لعملة واحدة، و الفرق يعتمد على المكان الذي نقف فيه. أولئك الذين على هذا الجانب يشهدون الموت و أولئك الذين على الجانب الآخر يشهدون الولادة. وهكذا، تستمر عملية التكامل.
في هذه العملية، تتكامل الأبعاد المكانية و الزمانية فينا. البعد المكاني تكامل فينا منذ أن كنا حيوانات منوية، تتحرك في مساحة لا تتجاوز عدة ملليمترات، بينما كان الجنين في الرحم يحرك يده، و كانت هذه الحركة أكبر نسبيا من حركة الحيوانات المنوية. ثم يأتي الرجل الذي يسافر بين قارات الكوكب، و تتجول روحه أخيرا في السماوات التي لا نهاية لها. و بالمثل، فإن البعد الزمني قد تم تكامله فينا منذ أن كنا حيوانات منوية تعيش لمدة 3 أيام فقط، ثم جنين عاش لمدة 9 أشهر، ثم إنسان عاش 90 عاما و أخيرا روح تعيش إلى الأبد. وهكذا، تستمر عملية التكامل.
عندما كنا حيوانات منوية، كنا بحاجة إلى ذيل للبقاء على قيد الحياة و النجاح، و كان الجنين بحاجة إلى الحبل السري للبقاء على قيد الحياة و النجاح، و يحتاج الإنسان إلى اليدين و الرجلين للبقاء على قيد الحياة و النجاح. في هذه العملية التكاملية، لا يحتاج الجنين إلى ذيل مثل الحيوانات المنوية، و لا يحتاج الرجل إلى الحبل السري مثل الجنين، و لا تحتاج الروح إلى الجسد بعد الموت. و الحقيقة هي أن الذيل و الحبل السري و جسم الإنسان ليست سوى أدوات مؤقتة لعملية التكامل.
يجب ألا نغفل عن أداتين مهمتين للعملية التكاملية، و هما الذكاء المادي (الجسدي) و الذكاء الأخلاقي. يعتني الذكاء الجسدي باحتياجات الجسم، مثل مساعدة الإنسان على الجري من خلال توفير كمية كافية من الأكسجين و أمر العضلات بالانقباض و توسيع و تسريع عملية التنفس عن طريق تسريع ضربات القلب. بینما يعتني الذكاء الأخلاقي بالروح و يعدها للحياة بعد الموت، و يتطور فينا من خلال ممارسة الحب و النزاهة و الصدق و غيرها من الصفات الجميلة، فالذكاء الجسدي يوفر الرخاء و ليس الطمأنينة، و السرير و ليس النوم.
إذن، ما هو الشيء الذي يتم تكامله باستمرار باسمي؟ ما الذي يستمر في التحرك للحفاظ على هويتي؟
الذكاء الأخلاقي هو ما يشكل شخصيتي و هويتي و من أنا، من خلال الروابط التي تربطنا بالآخرين، مثل الصدق أو الحب أو الكراهية و الأكاذيب. الذكاء الأخلاقي يشكل الروح، و سيحدد صلاح الروح أو فسادها و استعدادك للحياة بعد الموت.
و الصلاة هي سنام الروابط الأخلاقية التي تشكل علاقتنا مع الخالق، الله (ﷻ). لذلك، نحن مطالبون بالصلاة عدة مرات في اليوم حتى لا ننسى أن وجودنا في هذا العالم هو إعداد للولادة الحقيقية. و نحن بحاجة إلى الروابط الأخلاقية للحياة بعد الموت. و كلما كانت هذه الروابط أقوى (مثل الحب و النزاهة و الصدق)، كلما كنا أكثر نجاحا بعد الولادة الحقيقية.
الخلاصة
• للاسلام أجوبة نموذجية للأسئلة الغيبة.
• حب الله (ﷻ) يرفع من شـأن الانسان فوق كل المخلوقات.
• طاعة الله (ﷻ) تكمل الإنسان من خلال الاتصال بالناس بأجمل صفاته و الاتصال بالله (ﷻ) باجمل عباداته.
• التشكيك في الله (ﷻ) بطرح الأسئلة النرجسية يحط من شأن الانسان.
• قد تقنع هذه المقالة المحطم الغاضب، لكنها لن تقنع أبدا النرجسي المغرور.
• انه اختيارك و ارادتك الحرة.