قد شَغَلَتْكَ السياسة ايها الضيف، و الله المستعان!
كشاهد على العصر و مسلم مُثقف و من خلال خبرتي المتواضعة بالتاريخ الحديث، استطيع ان اقول أن هذه سلسلة مفيدة رغم ما بها من نقائص و دخن، و أستطيع أن أستشرف نهاية هذه السلسلة بحلوها و مُرِّها و هفواتها و زلاتها الخطيرة في فهمٍ شاذٍّ لواقعنا، بسبب المُيُول السياسية. فتحليلات الضيف للتاريخ عقلانية و رائعة و ناجحة، لكنه - و بسبب مُيُوله السياسية - يفشل كلما حاول تحليل الحاضر أو استشراف المستقبل.
تحليل الحلقة 1:
التاريخ والنبوءات: أوافق الضيف أن توظيف التاريخ لاستشراف المستقبل ضروري، لكن النبي (ﷺ) قد استشرف لنا الطريق بنبوءاته، و من يذكر وصاياه ثم يتجاهلها او يحرفها لأغراض سياسية، فهو كمن يعاني "حَوَلًا فكريًا"! والحق أن النصوص النبوية تُصَالح الحكام ما أقاموا الصلاة (كما يطالب الرسول ﷺ) حتى لو لم يكونوا كمعاوية في حلمه و عطائه (كما يُطَالب الضيف و يُخَالف الرسول ﷺ). و هذا ينطبق على موقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي - حفظه الله - الرافض لمؤامرة تهجير الغزيين إلى سيناء رغم الضغوط و المُغريات الغربية و الإسرائيلية تماماً كما قاوم السلطان عبدالحميد الثاني - رحمه الله - المغريات الصهيونية و رفض بيع فلسطين. لذا، يُحمد الرئيس عبدالفتاح السيسي لهذا الموقف التاريخي، سواءٌ ذكره الضيف أم تجاهله!
الواجب و الواقعية: أوافق الضيف أن أداء الواجب أولى من استشراف المستقبل، لكن لا يعني هذا أن نجعل الغاية من الجهاد هي الاستشهاد لا الانتصار و تحقيق الأهداف! فإذا أظهرت النبوءات و التاريخ أن الجهاد سيكون انتحارًا، فيجب التوقف كما اوقف العباسيين و عمر بن عبدالعزيز الفتوحات لاسباب استراتيجية. لقد قال عمر بن الخطاب لمعاوية رضوان الله عليهما حين أراد غزو البحر: "لا أُغَرِّرُ بالمسلمين"، ولم يقل: "الواجب القتال من أجل الاستشهاد دون اعتبار للنتائج!" و لو كان عمر بيننا اليوم، لرفض "خطة طوفان الأقصى" و قال للسنوار: "لا تُغرر بالغزيين العُزّل!". و لعل النبي (ﷺ) كان سيكرر كلمته الخالدة: "ويلٌ لأمه، مُسعِّر حرب!".
قبل انتقالي للحلقة الثانية، أترك لكم سؤالًا: هل يُسمَحُ في برنامجكم ذكر مناقب السيسي؟
هذا رأيي كمشاهد و لا يهمني تنمركم علي و على فكري بقهقهاتكم. اُذَكِّر مُقدم البرنامج بمقولته المعروفة و اقول: اياك ان تتجاهل السؤال و تذهب لتنام!
https://youtu.be/EXrpLeyeSeU?
تحليل الحلقة 6:
في الدقيقة ٣٤، يقول ضيف البرنامج، مُتمسكًا بمنطق "الفوضى الخلاقة" و بمنطق مَن يتبع "سُنن اليهود والنصارى" و يَتبَعَهُم إلى جُحورهم:
"بيننا وبين النهوض والتفوق والهيمنة رحلةٌ عنيفةٌ شاقةٌ ومريرةٌ من الجهاد والكفاح والنضال. هذه الرحلة خاضتها كلُّ أمةٍ لكي تتفوق، بما فيهم الأمريكيون والإنجليز والفرنسيون. كل أمةٍ، في مسيرها للتحول من الذل إلى العزِّ والتمكين، خاضت هذه الرحلة، ونحن المسلمون لا بد أن نخوضها أيضًا كي ننتقل من الذل إلى العز. طبعًا لن يُسمح لنا، وسنواجه حروبًا هائلة. فما يحدث في شرق العالم الإسلامي وغربه، والمؤامرات التي حيكت ضد الربيع العربي، كان هدفها منع هذه الأمة من النهوض مرة أخرى."
أقول و بالله التوفيق:
المقاطع التالية تؤكد ضلوع الغرب المسيحي في التخطيط للثورات العربية و تمويلها و تدريب الشباب عليها (و ليس منعها كما يظن الضيف)!
في مايو ٢٠١١ خلال مؤتمر صحفي عادة ما يحضره الصحفيون، تميز المعارض المصري أحمد صلاح بدعوته من قبل مركز جورج دبليو بوش الرئاسي لحضور المؤتمر و سُمح له بطرح سؤال على كونداليزا رايس. سأل أحمد:
"بالتأكيد، إنه لشرف كبير أن أكون هنا بحضور السيد الرئيس (جورج بوش) و السيدة الوزيرة. أعتقد أننا ندين لكم بالكثير لأنكم ساعدتمونا في بدء حركتنا في عام ٢٠٠٤ و ٢٠٠٥ ولكن هناك شيء يجب أن أقوله. لقد كان الأمر صعبًا جدًا علينا عندما خذلتمونا في ذلك الوقت. معظمنا ذهب إلى السجن و أنا ذهبت إلى السجن و كدت أن أُقتَل داخله. كنت أعتقد حقًا أنني لن أخرج حيًا. كنت مستعدًا لموتي. كنا نأمل أن يكون هناك بعض التغيير و أن تتحسن الأمور. كنا ننتظر هذا، لكنه لم يحدث حتى نهاية فترة الرئيس بوش. طوال هذا الوقت كان لدي هذا السؤال: "لماذا؟!" و أريد حقًا أن أسمع إجابة الآن. إن امكن ان تخبروننا: لماذا خذلتمونا عندما بدأت الأمور تتحرك، بعد أن كانت لدينا آمال كبيرة و كنا على الطريق الذي كان يمكن أن يحرر مصر، و ربما العديد من الدول الأخرى في العالم العربي في سنوات ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦؟! شكرًا جزيلًا!"
أجابت كونداليزا رايس:
"شكرًا. حسنًا، دعني أقول إنه إذا كنا قد خذلناكم فليس ذلك بسبب عدم محاولتنا دعمكم. الولايات المتحدة ليست قادرة دائمًا على دفع الأحداث في الاتجاه الذي نريده أن تسير فيه. في مكان مثل العراق، حيث أطحنا بديكتاتور وحشي يشكل تهديدًا للسلام و الأمن الدولي، كانت لدينا وسائل مباشرة للإصرار على و مساعدة الشعب العراقي للوصول مباشرة إلى الديمقراطية. أما في الأماكن التي لا تزال فيها أنظمة في السلطة، كما في مصر، حيث تعاملنا مع نظام مبارك في قضايا مثل محاولة إنشاء دولة فلسطينية ديمقراطية أو محاولة إجبار حماس على الطاعة أو التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، لم تكن لدينا تلك الوسائل المباشرة. و لذلك، حاولنا أولًا و قبل كل شيء التحدث عن قيمنا (الديمقراطية) و الاستمرار في التحدث عن قيمنا طوال تلك الفترة. حاولنا أن نمنح الشعب المصري الأدوات التي يحتاجها للتحدث عن حريته. كنت أتحدث سابقًا مع صديقي العزيز (لورين كراسنر) الذي كان محاربًا في هذا المجال، و من بين الأشياء التي فعلناها، على سبيل المثال، كان تخصيص ٥٠% من جميع المساعدات الأمريكية لتعزيز الديمقراطية لمجموعات لم تكن مسجلة من قبل الحكومة المصرية.
كان ذلك مباشرة (صفعة) في وجه الحكومة المصرية. لا أريد أن أحرج رئيسي السابق، الرئيس بوش، ولكن هناك سبب لعدم عودة حسني مبارك إلى الولايات المتحدة بعد عام ٢٠٠٤. تخيل أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع إقناع الرئيس المصري بالمجيء إلى الولايات المتحدة. هناك سبب و لم يكن له علاقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كان له علاقة بكيفية تعاملنا مع الثورة المصرية. و لذلك، استخدمنا الأدوات التي كانت لدينا. لأعطيكم مثالًا على كيف أن هذا الأمر (سلاح) ذو حدين، أحد الأشياء التي فعلناها كان إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع مصر ردًا على القمع الذي تعرضت له القوى الديمقراطية في مصر. كانت واحدة من الأدوات القليلة التي كانت لدينا و كان من المحتمل أن يكون ذلك هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله. ولكن هل قمنا بإضعاف بعض القوى التي كانت يمكن أن تكون قوى للتغيير من خلال التغيير الاقتصادي بفعلنا هذا؟ لذلك، عندما تُستَخدَم هذه الأدوات، هناك جانب سلبي لاستخدام النفوذ الذي تمتلكه، و أحيانًا يمكن أن تقوي القوى الخاطئة. أعتقد أنني كنت أسأل نفسي كل يوم، و أعرف أن الرئيس بوش كان يفعل ذلك و كذلك إيليوت أبراهامز، الذي كان جزءًا من هذا: هل نفعل ما يكفي؟ هل هناك المزيد الذي يمكننا فعله؟ بصراحة، في عام ٢٠٠٦ كنا نحاول دعم لبنان، و كنا نحاول دعم المزيد من القوى الديمقراطية في فلسطين، و كنا نحاول دعم المزيد من القوى الديمقراطية في مصر، و كنا نحاول منح العراقيين فرصة. لذلك، إذا كنا في فعل كل ذلك لم ننجح تمامًا، أتمنى أننا على الأقل وضعنا الأساس لأشخاص مثلكم، الذين هم وطنيون شجعان و صبورون، لتبني عليه، بحيث نرى اليوم تحقيق بعض هذه الأهداف."
يُرجى الرجوع إلى رابط اليوتيوب التالي بعنوان "الدكتورة كونداليزا رايس: سؤال و جواب، الجزء ٢"
أحمد و من على شاكلته لا يتذكرون أن ستة أشهر قبل الإطاحة برئيسهم حسني مبارك (دُميَة الغرب المسيحي)، رفض الخائن اقتراحاً بتأسيس دولة فلسطينية ديمقراطية في سيناء.
يقول الرئيس مبارك رحمه الله:
"التفكير في السيناء سيكون كالتالي: اسرائيل تريد أن تدفع بقطاع غزة (باتجاه مصر) و يضعهم في السيناء. قال لي مرة نتنياهو منذ حوالي ستة اشهر قبل أن ارحل، مشيرا الى خارطة موجودة: "لو نترك الناس في غزة و نجد لهم مكان. فوجدته يشير الى سيناء. فسألته: اين المكان؟ تسكنهم عندنا؟! انس هذا الموضوع. ستخلق أزمة بيننا. انت ستبدأ حربا بيننا من جديد. فيما يخص الحدود، لا أنا و لا الذي اثخن (اصلب) مني يستطيع أن يقدم فيها!"
يُرجى الرجوع إلى رابط اليوتيوب التالي بعنوان "حسني مبارك: نتنياهو كلمني ان الفلسطينيين يخدوا جزء من سيناء، قلت له انسى الموضوع ده".
https://youtu.be/T9C7apRa_Ac?
و يخبرنا محمد عادل، ناشط آخر في حركة ٦ ابريل (احدى حركات التغيير) و بطل من ابطال ثورة ٢٥ يناير:
"معظم الشباب الذين كانوا يعملون منذ عام ٢٠٠٤ كانوا أحرارًا، أعني أن عام ٢٠٠٤ هو بداية المسار المباشر لكلمة التغيير بالمعنى الثوري." و يضيف "بالمناسبة، ٢٥ يناير هو موسم الحصاد، لذا فإن الأشخاص الذين قالوا دعونا ننزل أخذوا الدَّفع الذي أخذناه في عام ٢٠٠٤" و يضيف "نريد الحرية، أي نريد عالمًا بلا سيطرة (فوضى خلاقة و رغبة كوندوليزا رايس، عرّابة حركات التغيير التي حذر منها سلفنا الصالح). جاءت مجموعة الفيسبوك و قالت إن هذه الفكرة يجب أن يكون لها أقدام لتتحرك بها، لذا ابتكروا طريقة من نفس طبيعة الفكرة".
يتحدث محمد عادل بوقاحة عن عمله لأمريكا و تجربته مع الدَّفع الأمريكي الذي أخذوه في عام ٢٠٠٤، نفس الدَّفع الذي أخذه العميل أحمد صلاح. إنهم يريدون عالمًا بلا سيطرة أو فوضى خلاقة، و هو ما تريده العرّابة كوندوليزا رايس أيضًا. لذلك، تفتح الإدارة الأمريكية أبواب البيت الأبيض و ملحقاته أمام هؤلاء السذج و تستقبلهم كالأحباب. يتحدثون عن لقاء عرّابة أخرى (ربما هيلاري كلينتون) في مؤتمر "الإسلام و أمريكا" و أنها طلبت منهم الدخول إلى الفيسبوك، كما لو كان موقعًا حكوميًا. يعرف الأمريكيون أنه يمكن إخراج أعداد هائلة إلى الشوارع باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي و يمكن لهذه الأساليب أن تأتي بثمار لا يمكن تصورها و نتائج غير متوقعة بدعم من الذباب الإلكتروني العربي و الأمريكي. لقد أمرهم الأمريكيون مباشرة بالدخول إلى الفيسبوك، ليكونوا من أوائل من يستخدمون هذه التقنيات لإنشاء خلايا نائمة تغطي ملايين المصريين، و قادرة على التواصل و التنسيق بسرعة كبيرة.
و يخبرنا أحمد عاشور، ناشط سياسي أخر و عضو في احدى "حركات التغيير" و بطل من ابطال ثورة ٢٥ يناير:
"عندما التقينا في مؤتمر 'الإسلام و أمريكا' مع بعض المسؤولين الأمريكيين مثل مستشار أوباما، تحدثنا عن دخول فيسبوك، كما لو كان موقعًا حكوميًا لهم."
لذلك، خرج الغالبية إلى الشوارع فقط لأنهم تلقوا دعوات من الذباب الالكتروني للخروج و تفاجأوا بالحشود و تفاجأوا أنهم نجحوا في الإطاحة بالرئيس حسني مبارك بسهولة غريبة و مشبوهة، تمامًا كما تفاجأ الإيرانيون في عام ١٩٧٩ بسقوط شاه إيران بسهولة غريبة و مشبوهة! هذه الغفلة ليست فقط سمة "حركات التغيير" في مصر، ولكن هناك أيضًا سُذَّج في الخليج فتحت بريطانيا أبوابها لهم كأحبابها. يتحدثون بوقاحة عن سقوطهم و لقاءاتهم مع "الأتقياء" في الإدارة البريطانية، و كلهم فخورون بتوظيفهم من قبل الغرب المسيحي للإطاحة بزعمائهم المزعجين بتهمة العمالة للغرب. ما هذا الانحراف و الحَوَل السياسي؟!
إذا قبلنا عذر "حركات التغيير" المصرية و توظيفهم من قبل الغرب المسيحي بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة و التي فرضتها عليهم الغرب، فبأي عذر يمكننا تبرير سذاجة الخليجيين و توظيفهم من قبل الغرب؟!
يخبرنا عمر عبدالعزيز، ناشط سياسي سعودي مقيم في كندا، عن لقائه مع مسؤولين بريطانيين:
"شهر طويل (من الاجتماعات) و لا أستطيع أن ألخص لك في دقيقة أو دقيقتين ما فعلناه في هذا الشهر سياسيًا. ولكن ما يمكنني قوله هو أن هناك أطرافًا لأول مرة تتفق و تقرر العمل بشكل جماعي للمصلحة العامة! إن شاء الله. التقينا بشخصيات نلتقيها لأول مرة، ولكن إذا كانت هذه الزيارة مجرد اتفاق و موافقة لإطلاق مجموعة من المشاريع التي، إن شاء الله، ستكون قفزة نوعية في المسار السياسي لي."
يا مغيث! ألا يتساءل هؤلاء السذج لماذا تُفتَحُ أبواب المسؤولين الغربيين لهم بشكل غريب و بكرم مريب؟!
و يخبرنا عزمي بشارة، أحد أبرز مخططي الربيع العربي:
"في مرحلة ما، عاشت جماعة الإخوان المسلمين مرحلة ما قبل الثورة، و هي مرحلة المساومة مع النظام. اعتراف النظام بهم كان إنجازًا كبيرًا، و لم يستطيعوا إدراك أن الثورة قد حدثت و أن التفكير بعقلية ما قبل الثورة كان عديم الجدوى. ما بدا و كأنه إنجاز ما قبل الثورة أصبح الآن انتهازية. جماعة الإخوان المسلمين لم تستثمر في الثورة لتحقيق الأهداف التي حلمت بها." و يضيف "لذلك، التقوا بعمر سليمان، و لاحظنا و قلنا لهم: ماذا تفعلون؟! قيل: لا نمانع أن يأتي عمر سليمان، هدفنا هو تغيير مبارك (يقولها بشارة و الصدمة تكاد تفجر جبهته)".
من الواضح هنا أن عزمي بشارة، نبي "حركة التغيير" في الشرق الاوسط و مدير الأجندات الغربية، كان على تواصل مع الإخوان المسلمين و حذرهم من فتح حوارات مع السلطة او الخروج عن النص الأمريكي. فالحوار مع النظام ليس ما تم الاتفاق عليه مع الأمريكيين. تخيلوا، هؤلاء يتهمون الرئيس مبارك و حكام العرب بالخيانة و العمالة للغرب، لكنهم يعتبرون أنفسهم نبلاء و حواري مسيح الثورة و أبناء صحابة التغيير!
اما المقطع التالي من برنامج الجمرة فيوضح دور جهات صربية مدعومة من قبل الغرب المسيحي في تدريب أعضاء من حركة ٦ إبريل المصرية على إدارة الثورة. أنصح بمشاهدة جميع حلقات برنامج الجمرة.
يُرجى الرجوع إلى رابط اليوتيوب التالي بعنوان "الجمرة ١٨: دور عملاء أوتبور في الربيع العربي".
اما البودكاست التالي فيتناول القضايا الداخلية الحساسة في الولايات المتحدة و التي تغذيها حرب اهلية باردة، حيث يُجري الاعلامي المشهور تاكر كارلسون Tucker Carlson مقابلة مع مايك بنز Mike Benz المعروف بانتقاداته للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) و كيف أنها تلعب دورًا يتجاوز المساعدات الإنسانية، حيث تؤثر على الحكومات الأجنبية و حتى إدارة الخطاب عبر الإنترنت. الحوار يستكشف كيف تم استخدام القوة الناعمة لمنظمة حكومية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي تمتلك ميزانية تبلغ ٤٤ مليار دولار مخصصة للمساعدات الإنسانية، لخلق الفوضى داخل الولايات المتحدة و خارجها من اجل تحقيق أهدافها الخاصة. على سبيل المثال، قامت الوكالة بتمويل أعمال الشغب في الربيع العربي بمبلغ ١.٢ مليار دولار و ذلك لتسهيل تغيير الأنظمة (شاهد من الساعة ٢:٠١:٠٨) كجزء من حملة تعرف "بالإيجار للشغب".
إن الثورة الفرنسية كانت نقطة تحول مهمة في التاريخ، إلا أن تكرارها بكل ما تحمله من عنف و فوضى ليس بالضرورة الحل الأمثل. يمكن تحقيق التغيير الاجتماعي و السياسي من خلال وسائل أكثر سلمية و استدامة، مع الاستفادة من الدروس التي قدمتها الثورة الفرنسية. لذلك، نجد هنا أن كلًا من "مايك بنز" و "تاكر كارلسون" يتفقان على أن حكومتهم الفاسدة تحتاج إلى "تدخل جراحي"، و مع ذلك، يؤكدان بحكمة أن هذه العملية يجب أن تتم بحذر شديد لتجنب عواقب كارثية، مثل زعزعة استقرار الولايات المتحدة أو التسبب في انهيار إمبراطوريتها. من الواضح أنهما يدعوان إلى ثورة سلمية تدريجية بدلاً من انتفاضة عدوانية مدمرة و مميتة على غرار الثورة الفرنسية (أو ما يُطلق عليه البعض "الفوضى الخلاقة"). و هذا يطرح السؤال: لماذا لا يكون ثوارنا و إصلاحيوننا في العالمين العربي و الإسلامي بنفس القدر من الحكمة و الصبر و يكفون عن تمني ٨٠ سنة من الفوضى الفرنسية؟!
يرجى الرجوع إلى رابط يوتيوب "مايك بنز يأخذنا إلى حفرة أرنب USAID (الأمر أسوأ مما تعتقد)". أوصي بمشاهدة البودكاست بالكامل.
https://youtu.be/bh5diUSSmkM?si=-1IKfdRyanfozOU6
تحليل الحلقة 7:
في الدقيقة ٣٩، أكَّد الضيف أن النهضة لا تتحقق إلا بوجود الاستقرار. فسأله مقدم البرنامج في الدقيقة ٤٦ بسخرية و تَعالٍ:
"استعد لسؤالٍ مخيفٍ سيُدخلك عشَّ الدبابير! ماذا تقول لمواطنٍ من دولةٍ يُصنَّف حاكمُها سياسيًا كظالم، لكنه على المستوى الحضاري يُوصف بالذكاء و الروعة و العطاء؟ و إذا انتقد أحدٌ هذا الحاكمَ أو دولتَه، يهرع أهلُ البلد للدفاع عنه قائلين: نحن نعيش مكرمين مُعَزَّزين! إذا كنتم ترون حاكمَنا شيطانًا، فهذه مشكلتكم. أما نحن، فراضون عنه كلَّ الرضا. فكفُّوا عن الكلام عنا! هذه الظاهرة منتشرةٌ بكثرة، و تُثير صراعاتٍ و نقاشاتٍ على منصات التواصل الاجتماعي، لدرجة أننا نكادُ لا نعرف كيف نخرج منها. فكيف نتعامل مع مثل هذا الإنسان؟"
فأجاب الضيف:
"قد يوجد حاكمٌ مستبدٌّ لكنه حريصٌ على نهضة بلده نهضةً حقيقية. هذا النموذج (الدكتاتور الحميد) وُجِدَ في التاريخ و الواقع، لكن مشكلته أن مشاريعه معرَّضة للانهيار و الفساد بعد رحيله. أما في عالمنا العربي اليوم، فالأمر مختلف. لا وجود لهذا النوع من الحكام في عصرنا. بل الحقيقة أن الحكام الحاليين أخذوا منا الدينَ والدنيا معًا. وما تراه من مظاهر الرقي في بعض الدول الغنية العربية ليس نهضةً ذاتية، بل استيرادًا لما عند الأجانب. لذلك، هذه المظاهر ليست سوى وجوهٍ أخرى للاحتلال!
الأمريكان يصرحون علنًا أن هذه البلاد مجرد «بقرة حلوب» يحلبونها حتى تنضب. أو كما يتفق وزيرٌ أمريكي مع نظيره في دولة عربية على تسليم إدارة المرافق والبنية التحتية للأمريكيين تحت مسمى «الاستعمار طويل الأمد». و هكذا، كل ما يُبنى بعد مرحلة الإنشاء يصبح مُلحقًا بالأساس الأمريكي. فتجد أعظم المساجد و المباني تُصمَّم و تُشيد و تُدار بأيدٍ غير عربية و لا مسلمة! هذا ليس تقدمًا و لا نهضة، بل هو استيرادٌ لشكلٍ من أشكال الاحتلال. لذا، أغلب الحوارات على وسائل التواصل هي جهلٌ و نفاقٌ لأنظمةٍ لا تملك دينًا ولا دنيا. أما نحن، فننشد نهضةً حضاريةً مستقلةً، يبنيها الحاكم العربي بمهندسيه و فنانيه، دون استمداد الموارد من الأعداء!"
أقول و بالله التوفيق:
يا له من سؤالٍ مشبَعٍ بالكِبْر، و إجابةٍ مشبَعَةٍ بالتَّعالي! و كأن لسان حالكم يقول: "أنا خيرٌ منه!"
أولًا: أوافق الضيفَ على أن الاستقرار شرطٌ أساسي لقيام النهضة و الدولة التي نتحدث عنها تحافظ على هذا الركن الأهم (الاستقرار)، و تعمل جاهدةً لتحقيق النهضة الذاتية رغم كل التحديات. فما المأخذ إذن؟ و لماذا هذا الانزعاج؟
ثانيًا: رؤية الضيف لتلك الدول تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، حين كانت المرافق تُدار من قبل الأجانب كمرحلة انتقالية و طبيعية. أما منذ ثمانينيات القرن العشرين، فقد أصبحت هذه الدول تدير منشآتها ومرافقها بنسبة 100%، وإنما تستعين بالأيدي العاملة الأجنبية لانخفاض تكلفتها، تمامًا كما تفعل أمريكا حين تُنَفِّذ تصنيعَها في الصين، رغم عداوتها لها! فأين المتناقض هنا؟ و لماذا هذا التحفُّز؟
لقد شغلتكم السياسية و افسدت مرارتها أذواقكم و اصابتكم بِحَوَل فكري. ليتكم تكتفون بالكلام عن التاريخ القديم.
https://youtu.be/GnTfCFairH8?
تحليل الحلقة 8:
يعتبر الضيف ان عُروَة الحكم - اُولى عُرَى الإسلام - انتقضت في عهد الخليفة العثماني سليمان القانوني بعد ان استحدث منهجية مركزية الحكم و قنن الشريعة للقُضَاة، و أصبح القضاة تابعين لقوانين السلطة. ثم يمضي الضيف في الدقيقة ٢٦:٥٦ في انتقاده لفكرة الدولة المركزية قائلا:
"الدولة المركزية الحديثة تعتبر عقدة عالمية يتعذب بها الشعوب في العالم شرقا و غربا، و الدولة العثمانية بلا شك تعتبر جنة بالمقارنة مع الدولة المركزية الحديثة، لكن الدولة العثمانية - مقارنة لما قبلها من العالم الإسلامي - تُعَدُ بداية إدخال الأمة في حكم الدولة".
أقول وبالله التوفيق:
لا يسعني إلا أن أختلف مع الضيف في هذه المسألة الجوهرية!
فالأصل الراسخ في نظام الحكم عند سلفنا الصالح من الخلفاء الراشدين كان قائماً على المركزية الحكيمة، أما اللامركزية التي يتبناها الضيف فهي في الحقيقة ثمرة من ثمار انتقاض عروة الحكم المركزي - التي تُعد أولى العُرَى وأوثقها في النظام السياسي الإسلامي - مما أضعف كيان الدولة الإسلامية.
إن مركزية الحكم والفقه تمثل الأصل الأصيل في النظام الإسلامي، بينما تعد اللامركزية بدعة مستحدثة. وما قام به السلطان سليمان القانوني رحمه الله، وما يفعله بعض حكام زماننا، إنما هو في حقيقته إعادة للأمور إلى نصابها الذي كان عليه الحكم في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كانت القيادة الحكيمة موحدة والرؤية واضحة.
ويشهد لما نقول من تركيز نظام الحكم في عهد عمر رضي الله عنه ما ورد في كتاب "حياة الصحابة" تحت الباب المعنون بـ"حَصرُ مَن يَقَعُ منه الانتشار في الأمة"، حيث تظهر جلياً أسس الحكم المركزي الرشيد.
"أخرج سيف، و ابن عساكر عن الشَّعْبي قال: لم يمت عمر رضي الله عنه حتى مَلَّته قريش، و قد كان حَصَرهم بالمدينة و أسبغ عليهم و قال: إنَّ أَخوَف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد. فإن كان الرجل يستأذنه في الغزو و هو ممن حُصِر في المدينة من المهاجرين - و لم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان لك في غزوك مع النبي (ﷺ) ما يبلغك، و خير لك من الغزو اليوم أن لا ترى الدنيا، و (لا) تراك. فلما وُلِيَ عثمان رضي الله عنه، خلَّى عنهم فاضطربوا في البلاد و انقطع إليهم الناس. قال محمد، و طلحة: فكان ذلك أول وَهْن دخل في الإِسلام، و أول فتنة كانت في العامّة ليس إلا ذلك. كذا في الكنز.
و أخرجه الطبري من طريق سيف بنحوه. و عند الحاكم عن قيس بن أبي حازم قال: جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يستأذنه في الغزو، فقال عمر: اجلس في بيتك فقد غَزَوتَ مع رسول الله (ﷺ) قال: فَرَدَّد ذلك عليه، فقال له عمر في الثالثة أو التي تليه: اقعد في بيتك، فوالله إني لأجد بطرف المدينة منك و من أصحابك أن تخرجوا فتُفسدوا على أصحاب محمد (ﷺ)" قال الذهبي: صحيح.
يتضح جليًا أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أدرك بحنكته السياسية مخاطر انتشار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في الأمصار، وما قد يترتب على ذلك من زعزعة لاستقرار الخلافة (دون قصد منهم)، وذلك من خلال:
1. إبداء آرائهم الشخصية بصوت عالٍ.
2. مشاركة وجهات نظرهم مع المسلمين الجدد.
3. التفاعل مع عامة الناس (بمن فيهم الرعاع و الغوغاء) الذين تجمعوا حولهم.
وذلك ظنًا منهم رضوان الله عليهم - ببراءة النية - أن أتباعهم يمتلكون الوعي الكافي لتقبل هذا النقد البناء دون أن يتشكل لديهم رأي سلبي عن الخليفة ونظام الخلافة، مما قد يدفعهم للمطالبة بتنحي الحاكم!
فلو تفرق الصحابة في البلدان وابتعدوا عن مركز الخلافة، قد تصلهم معلومات مشوهة عن الخليفة، و قد يتكون لديهم فهم مغلوط للأمور، و قد يتبنون سياسات معارضة لتوجهات خليفتهم مما يعرض كيان الدولة للاضطراب
لذلك ارتأى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه اعتماد المنهج المركزي الرشيد الذي يهدف إلى:
✓ إدارة المخاطر السياسية.
✓ تقليل احتمالات الفتنة.
✓ حفظ وحدة الأمة.
حتى جاء من بعده من أخذ بسياسة اللامركزية، وكان ذلك - كما وصفه الأئمة أول وهن دخل في جسم الأمة الإسلامية، وأول فتنة هزت كيان العامة، ولم يكن سببها إلا ذلك. وعليه فإن المركزية التي اتبعها السلطان سليمان القانوني رحمه الله والمنهج الذي يسير عليه بعض الحكام اليوم ما هو إلا عودة إلى النهج العمري الأصيل. وهذا المنطق المغلوط للضيف يفسر تأييده لحركات ما يسمى "الربيع العربي" و "طوفان الأقصى".
https://youtu.be/MQmFQ5c1KME?si=6WEvcXHIdLw9eGpH
تحليل الحلقة 11:
في الدقيقة ٥٠:٤٣، ساقَ الضيفُ مَثَلاً لِيُيَسِّرَ على المُشَاهِدِينَ فَهْمَ عَقْلِيَّةِ الَّذِينَ جَحَدُوا وَرَفَضُوا قُبُولَ الرِّسَالَةِ المُحَمَّدِيَّةِ الوَاضِحَةِ، و استشهد بمثال توضيحي لتبسيط فهم عقلية المكذبين الذين أنكروا رسالة الإسلام الواضحة فقال:
"أترى هؤلاء الظالمين والطغاة والسفاحين، ومن كان في أجهزة جيشهم وشرطتهم ومخابراتهم، ومن عمل معهم وزيرًا أو مديرًا؟ أليس كل هؤلاء يعلمون أنهم يظلمون الناس ويضطهدونهم؟ ومع ذلك، بما يملكون من سيارات فارهة ومزايا ووفرة مالية، ينسون آخرتهم ويظلمون الناس في الدنيا! وهذا دليل على أن ليس كل من عرف الحق اتبعه!"
فأكد مقدم البرنامج على كلام الضيف، وأضاف مخاطبًا الأمة:
"أسأل الله تعالى الهداية للجميع. يا صديقي العزيز، الحق واضحٌ جليٌّ أمام عينيك، فأنقذ نفسك قبل فوات الأوان!"
أقول وبالله التوفيق:
يا مغيث!
مرة أخرى يخرج علينا الضيف ومقدم البرنامج بمنطق "أنا خير منه" - بكل ثقة وكأنما أوحي إليهما - فيخاطبان مخالفيهما وكأنهما يخاطبان من لا عقل لهم! وكأن المخالفين لا يفعلون ما يفعلون عن قناعة، وكأنهم فاسدون لا تحركهم إلا شهوة المال!
بأي سلطان تتخذون لأنفسكم دور الشاكي والقاضي معاً؟! وبأي حق تحكمون على مخالفيكم وفق أهوائكم؟ أليس هذا بعينه الاستبداد الذي تدّعون محاربته في الأنظمة التي تعارضونها؟
تأملوا - رعاكم الله - لو أن العكس حصل، فهل ترضون ان يخاطبكم مخالفوكم بما تخاطبونهم به؟
لا ننكر وجود من يسعى لملذات الدنيا، ولكن أين العدل في إنكار وجود من يعمل لدى الحكام بقناعة راسخة أنه على الحق، يبتغي بذلك رضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
أقول لكم بصدق: اتركوا منطق الاستعلاء، و كفوا عن مخاطبة الآخر و كانكم صحابة رسول الله (ﷺ) و كأن مخالفيكم كفار مكة! وتذكروا أن التواضع من شيم العقلاء. فلعلك ترى عدوك غداً عند الله أعلى منك منزلة! فبادروا إلى رشدكم، وأنقذوا أنفسكم قبل فوات الأوان!
https://youtu.be/5NAlRisTpWk?
تحليل الحلقة 23:
برع الضيف في تحليل التاريخ خلال الحلقة ٢٣، حيث برر - بجرأةٍ تحليلية - قرار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما توريث الخلافة لابنه يزيد، معللاً ذلك بعدم إمكانية تطبيق الشورى في ظل الظروف التي عاشتها الأمة الإسلامية آنذاك، و خشيةً من فتنةٍ جديدة بعد تجربة الفتنة الكبرى. ولكن عند الدقيقة ١:٣١:٢٦ من الحلقة، وجه مقدم البرنامج سؤالًا محوريًا:
"قد يُقارن أحد المتابعين بين موقفكم من توريث معاوية وبين حكام اليوم، فيقول: إذا كان التوريث جائزًا لمعاوية، فلماذا ترفضون أن يحكم أبناء الملوك اليوم إلى ما شاء الله؟ ما الفرق؟"
فإذا بالضيف ينفعل و يجيب بتهرُّبٍ واضح:
"هل هؤلاء الحكام يقتدون بمعاوية؟! لو حَكَمَنا ملكٌ يفتح البيت الأبيض كما فتح الأمويون الأمصار، و عمل بالحلم و حقق العطاء كما فعل معاوية، فليُورِّث ملكه!"
أقول و بالله التوفيق:
بهذه الإجابة السطحية، قهقه مقدم البرنامج في اشارة الى توفيق الضيف بالاجابة، في حين سقط الضيف من عيناي كمنطقيٍّ موضوعي، إذ غلب هواه السياسي على الحقائق التاريخية هو ادرى بها:
- معاوية قاد إمبراطورية عظمى (الأقوى في عصرها) و كان يغزو الروم، بينما حكام اليوم يحكمون دولًا ضعيفةً ورثوها عن إخفاقات العثمانيين (الخلافة) و اخفاقات الربيع العربي الأول على يد الشريف الحسين.
- واجب الحكام في عصر الضعف هو الحفاظ على المكتسبات و درء المخاطر عن شعوبهم، لا الاندفاع وراء أحلامٍ غير واقعية.
التاريخ يُبرئ المنطق من الانحياز:
لو طبقنا معايير الضيف ذاتها، لكان حكام اليوم (في ضعفهم) أحقَّ بالعمل برخصة التوريث من معاوية (في قوته)! فمخاطر الفتن في عصرنا ليست أقلَّ من ذي قبل، بل قد تكون أعظم. و كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول" (٣/٦٧٣–٦٨١):
"النبي (ﷺ) لم يكن يقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد، ببينة أو إقرار....
فحاصله أن الحد لم يُقم على واحد بعينه، لعدم ظهوره بالحجة الشرعية التي يعلمه بها الخاص والعام، أو لعدم إمكان إقامته، إلا مع تنفير أقوام عن الدخول في الإسلام، و ارتداد آخرين عنه، و إظهار قوم من الحرب و الفتنة ما يُربي فساده على فساد ترك قتل منافق، و هذان المعنيان حكمهما باق إلى يومنا هذا".
تحليل الحلقة 31:
سأل مقدم البرنامج: "وا معتصماه!" هكذا كان المسلمون يستصرخون بالخليفة سابقًا. فبمن يستصرخ المسلمون اليوم في غياب الخلافة؟ بمن ينادي أهل غزة عندما يقولون: "أين أنتم يا حكام العرب؟"
فأجاب الضيف في الدقيقة ١٤:٢٠ قائلًا:
"أنا أتفق معك أن الخلافة غائبة وأن أحوالنا أضعف بكثير من أحوالها. لكن سياسة الحكام المعاصرين سياسة قوم تخلو من النخوة. أفهم أنهم عاجزون عن مواجهة إسرائيل، لكن لا أفهم كيف يفتحون طرقًا برية (بالإضافة للطرق البحرية عبر قناة السويس) ليمدوا إسرائيل بالغذاء والدواء بعد أن أغلق الحوثيون مضيق باب المندب؟ كيف يسمحون للسفن الإسرائيلية بالرسو في موانئهم و التزود؟ المسألة تتجاوز العجز و الضعف إلى التواطؤ و الخيانة."
اقول و بالله التوفيق:
مرة أخرى، يخلع الضيف عباءة الموضوعية و يجيب بإجابة سطحية (بلا دليل) من شأنها تشتيت فكر الأمة وتسكين آلامها بجرعة من النقد الهدام للحكام. كون الضيف خبيرًا في التاريخ لا يعني قبول تحليلاته للأحداث المعاصرة دون دليل!
افتراضًا أن دولًا عربية طبعت مع إسرائيل و فتحت طرقًا لإمدادها (كما يدعي الضيف)، فهل هذا يخالف الشرع؟
ليس في التاريخ أو سيرة المصطفى (ﷺ) ما يحرّم ذلك. فقد سلّم النبي (ﷺ) أبا بصير رضي الله عنه إلى كفار مكة تنفيذًا لشرط في صلح الحديبية، رغم كراهيته لذلك. فكذلك لا لوم على من يسهلون وصول المساعدات إلى إسرائيل كجزء من اتفاقياتهم، خاصة إذا سمح ذلك بمساعدة أهل غزة أيضًا. ولا ننسى أن الامتناع عن مثل هذه الخطوات قد يعرّض الشعوب العربية لعواقب وخيمة، ومن واجب الحكام وقاية شعوبهم من الهلاك، لا إغراقهم في مغامرات غير محسوبة. لقد قال عمر بن الخطاب لمعاوية رضي الله عنهما حين أراد غزو البحر: "لا أُغَرِّرُ بالمسلمين"، ولم يقل: "الواجب القتال دون اعتبار للنتائج!" ولو كان عمر بيننا اليوم، لرفض "خطة طوفان الأقصى" و قال للقادة: "لا تُغرروا بالمدنيين العُزّل!". ولعل النبي (ﷺ) كان سيكرر قوله: "ويلٌ لأمّه، مُسعِّر حرب!".
قبل الانتقال إلى الحلقة ٣٢، أترك لكم سؤالًا: هل يُسمح في برنامجكم بمناقشة إيجابيات الدول المطبعة مع إسرائيل، كبناء المستشفيات الميدانية و توفير المخابز و أجهزة تحلية المياه و الكساء و الخيام و غيرها في غزة؟
https://youtu.be/H08qrB-LA4g?
تحليل الحلقة 32:
في الدقيقة ١:١٤:١٠، استحسن الضيف ما قاله مقدم البرنامج:
"في عصر الدولة الأموية، كانت دمشق وحدها حاضرة الخلافة الإسلامية، ثم بعد ذلك - عندما تفرقت وحدة المسلمين وظهرت دول إسلامية مستقلة عن الخلافة - برزت مراكز حضارية أخرى مثل سمرقند و بخارى و القاهرة و بغداد و غيرها."
اقول و بالله التوفيق:
اتفق معهما على هذه اللفتة الجميلة و اضيف أنه عندما قَسَّم الغرب المسيحي العالم الإسلامي إلى ٤٥ دولة إسلامية شمولية، فقد أَنشأوا فعلياً أكبر عدد ممكن من العواصم المستقرة، و كل منها قادرة على أن تكون أرضاً مَوعُودَة لحضارة جديدة و تَقَدُّم علمي، تماماً مثل بيت الحكمة ببغداد في القرن الثامن الميلادي. فانتبه رحمك الله!
و في الدقيقة ١:١٩:٥٠، طرح مقدم البرنامج سؤالًا:
"هل كانت الفتوحات الإسلامية تهدف إلى التوسع الجغرافي أم إلى نشر الإسلام؟"
فأجاب الضيف:
"إن اهتمامنا الأساسي هو دخول الناس في الإسلام، إذ نرى أننا بذلك ننقذهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها في الدنيا و الآخرة، و من جور الأديان إلى عدل الإسلام. ثم إن الحكم يكون بأيديهم هم، فليس في الشريعة الإسلامية ما يجعل للعربي تفوّقًا عنصريًا في الحكم".
اقول و بالله التوفيق:
اليوم، نعلم أن حكام العرب "الأقل تقوى" لتلك الدول الإسلامية الضعيفة و المنقسمة، نجحوا في نشر الإسلام بسلام في جميع أنحاء العالم (و ليس فقط في الغرب المسيحي) و قاموا ببناء أكثر من ١٣٠٠٠ مسجد في أوروبا وحدها. هذا إنجاز غير مسبوق في التاريخ الاسلامي، و بقيادة المملكة العربية السعودية الوهابية السلفية السنية و دول شبه الجزيرة العربية السنية الأخرى و الغنية بالنفط. لكن الإسلاميون المُحَطَّمون و المَهزومون نفسياً و الغير صبورين، لا يمكنهم رؤية مثل هذا الإنجاز و الفتح العظيم، و الذي يُرضي الله و النبي (ﷺ)، و الله أعلم.
لذلك، تتعرض المملكة العربية السعودية وحدها اليوم لانتقادات شرسة من الغرب المسيحي، لاستثمارها أكثر من ١٣٠ مليار دولار في نشر الوهابية السلفية السنية (الإسلام بنكهة سعودية) خارج المملكة العربية السعودية. و لم تتمكن أي خلافة أو خليفة في تاريخ الإسلام من تحقيق مثل هذه النتيجة الرائعة بسلام و دون الحاجة لإراقة قطرة دم و دون الحاجة الى شعارات مناهضة للغرب المسيحي مثل "الموت لأمريكا و الموت لإسرائيل" أو الشعارات المؤيدة لإقامة الخلافة الراشدة. فانتبه رحمك الله!
https://youtu.be/BZnVLx296tQ?si=N9h8wNGgaFC9einv
تحليل الحلقة ٣٣:
في الدقيقة ٣٨:٣٧، قدّم الضيف مثالًا توضيحيًا لشرح العقلية اللاّمبالية التي اتّسمت بها الحكومات المصرية تجاه التراث المملوكي قبل و بعد الربيع العربي، فقال:
"لقد شهدتُ بعينيَّ كيف كانت المقابر الأثرية المملوكية مملوءة بالقمامة، دون أدنى رعاية أو صيانة. وكم كنتُ أتألم عندما أتجول في القاهرة القديمة فأرى المنابر العاجية الثمينة قد سُرقت.
لقد عرفت أحد حراس الآثار المملوكية الذي أخبرني كيف كانوا يسرقون القطع الأثرية لبيعها للمتاحف العالمية. كانوا (المسؤولين) يرخصونه لبضعة ساعات ليأتوا بسياراتهم وينهبوا الآثار من المساجد ومنابرها.
والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالى الان يتم هدم مقابر المماليك - وهي تحف معمارية فريدة - من أجل شق الطرق! حتى أن بريطانيَّاً غَرَّد على منصة إكس (تويتر سابقا) متسائلا: هل يُعقل أن تفعل دولة ما بتراثها هذا؟! فلا تلمونا إذا وضعنا هذه الآثار في المتحف البريطاني حيث نقدّر قيمتها!"
ثم تابع الضيف:
"ما زلتُ أرى الرافعات والجرافات تعمل في تدمير القباب والزخارف المعمارية الفريدة. إنه مشهد مؤلم لا يصدّق!"
فعلّق مقدم البرنامج:
"أعتذر لإخواني المصريين عن هذا التعبير، لكن النظام يتعامل مع هذه الجواهر التاريخية كما يتعامل الحيوان الأعجم مع الجواهر، فيدوسها بأقدامه لأنها ليست مما يؤكل!"
وأكمل الضيف:
"رغم كل هذا الدمار، ما زال عبق المماليك يشعّ في أزقة القاهرة القديمة. لكن الذين يحكموننا الآن ليسوا منّا ولسنا منهم!
لهم تصوراتهم ومصالحهم المختلفة. إنهم يهدمون كل ما لا يجلب لهم منفعة مادية فورية، و لا يدركون أنهم يدمرون كنزًا تاريخيًا لا يُقدّر بثمن. لماذا لا تكون القاهرة متحفًا مفتوحًا كروما في إيطاليا؟ لكن ما يحدث الآن هو أمرٌ مأساوي حقًا."
أقولُ وبالله التوفيق:
يا مغيثُ!
عجبتُ لاستخدام الضيفِ العبارةَ الخطيرةَ "ليسوا منّا ولسنا منهم"، وأستنكرُ هذا التعبيرَ الجارحَ الذي يُذكي نارَ الفرقةِ من اجل الآثارالمملوكية!
تأمّلوا معي - رعاكم الله - لو أن أهلَ المدينةِ المنورةِ قالوا مثلَ هذه العبارةِ لمجردِ اعتراضِهم على التوسعاتِ و التغييرات العمرانيةِ التي أجراها الخليفةُ الراشدُ عثمانُ بنُ عفانَ رضي الله عنه في المسجدِ النبويّ الشريف. هل يتصوّر عاقلٌ أن يقولوا: "عثمانُ ليس منّا ولسنا منه"؟!
إنّ عمرَ بنَ الخطابِ وعثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنهما - لو كانا بيننا اليومَ - لَما سكتا على مثلِ هذه العباراتِ التحريضيةِ التي يُطلِقُها الضيفُ ومقدّمُ البرنامجِ على الملأ، والتي قد تُثيرُ الفتنةَ بين عامّةِ الناس.
فاللهمّ اهدنا لصالحِ الأقوالِ والأعمالِ، واجعلنا من المُصلحين لا من المُفسدين.
https://youtu.be/YmtJDrSvhu0?
تحليل الحلقة 35:
تكرَّرَ في هذه الحلقةِ تشبيهُ حالِ الأمةِ اليومَ بحالِها أثناءَ التفرقةِ في عهدِ الحروبِ الصليبيةِ. وفي ختامِ الحلقةِ - تحديدًا عندَ الدقيقةِ ٢:٥٣:٣٢ - يُوجِّهُ مُقدِّمُ البرنامجِ سؤالًا مُستفهِمًا: "ما هي خلاصة الأثر للحروب الصليبة، ما شكله و مظهره؟"
فأجابَ الضيفُ - مُبتدِئًا بالأثَرِ الأوَّلِ - قائلًا:
"كانت من اوسع معابر انتقال الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، و تعلمت أوروبا انواع من الصناعة و الزراعة و الطب و الفلك و العلوم و الهندسة، و حتى البناء المعماري و الاساليب الحربية، كل هذه حضارة اكتسبتها منا أوروبا."
أقول وبالله التوفيق:
يا مغيث!
أيُعقل بعد هذه الإجابة أن يُرجّح إنسانٌ عاقلٌ تشابُهَ حال الأمة آنذاك بحالها اليوم، ثم يُسقِط - ظُلماً - مسؤولية ضعف الأمة على حكّام العصر؟!
ألا يُدرِكُ الضيفُ ومقدّمُ البرنامجِ الفارقَ الجليَّ بين حالِ الأمةِ الإسلاميةِ آنذاك - بجبروتِها الحضاريِّ والعلميِّ والاقتصاديِّ والعسكريِّ - وحالِها اليومَ، التي لم ترثْ من الخلافةِ العثمانيةِ سوى الجهلِ الناشئ من التصوُّفِ؟!
أيعقلُ أن يُعامِلا الأمةَ الإسلاميةَ اليومَ وكأنها تُضاهي الغربَ حضاريًّا وعلميًّا وعسكريًّا؟!"
أَيُنْصِفُ العقلُ والمنطقُ أن نُلقي على حكّامِ الأمةِ اليومَ - في ضَعْفِها المُزْرِي - مِثْلَ ما نُلْقيهِ من مسؤوليةِ ضَعْفٍ على حكّامِها زمنَ الحروبِ الصليبيةِ، حينَ كانتِ الأمةُ في ذُرْوَةِ مَجْدِها وقُوَّتِها؟!
وبصراحةٍ لا مُواربةَ فيها:
إنَّ مغالطاتِ الضيفِ - وهو يُعَدُّ مِن علماءِ التاريخِ الإسلاميِّ - في تشخيصِ حالِ الأمةِ اليومَ، تجعلُني أتحفَّظُ على مصداقيةِ تأويلِه لحالِ الدولِ المستقلةِ في عهدِ الخلافةِ الإسلاميةِ، بل وتُثيرُ شكوكًا في جملةِ تحليلاتِه التاريخيةِ!
إنَّ إعادةَ قراءةِ التَّاريخِ وتشخيصَ وَاقِعِ الأُمَّةِ بِرُوحٍ عِلميَّةٍ مُحايدةٍ، لَحاجةٌ ماسَّةٌ لا مَحيدَ عنها.
https://youtu.be/Ex_96gcpg8A?si=bIw2oHHFtzLNz__N
قد شَغَلَتْكَ السياسة ايها الضيف، و الله المستعان!
كشاهد على العصر و مسلم مُثقف و من خلال خبرتي المتواضعة بالتاريخ الحديث، استطيع ان اقول أن هذه سلسلة مفيدة رغم ما بها من نقائص و دخن، و أستطيع أن أستشرف نهاية هذه السلسلة بحلوها و مُرِّها و هفواتها و زلاتها الخطيرة في فهمٍ شاذٍّ لواقعنا، بسبب المُيُول السياسية. فتحليلات الضيف للتاريخ عقلانية و رائعة و ناجحة، لكنه - و بسبب مُيُوله السياسية - يفشل كلما حاول تحليل الحاضر أو استشراف المستقبل.
تحليل الحلقة 1:
التاريخ والنبوءات: أوافق الضيف أن توظيف التاريخ لاستشراف المستقبل ضروري، لكن النبي (ﷺ) قد استشرف لنا الطريق بنبوءاته، و من يذكر وصاياه ثم يتجاهلها او يحرفها لأغراض سياسية، فهو كمن يعاني "حَوَلًا فكريًا"! والحق أن النصوص النبوية تُصَالح الحكام ما أقاموا الصلاة (كما يطالب الرسول ﷺ) حتى لو لم يكونوا كمعاوية في حلمه و عطائه (كما يُطَالب الضيف و يُخَالف الرسول ﷺ). و هذا ينطبق على موقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي - حفظه الله - الرافض لمؤامرة تهجير الغزيين إلى سيناء رغم الضغوط و المُغريات الغربية و الإسرائيلية تماماً كما قاوم السلطان عبدالحميد الثاني - رحمه الله - المغريات الصهيونية و رفض بيع فلسطين. لذا، يُحمد الرئيس عبدالفتاح السيسي لهذا الموقف التاريخي، سواءٌ ذكره الضيف أم تجاهله!
الواجب و الواقعية: أوافق الضيف أن أداء الواجب أولى من استشراف المستقبل، لكن لا يعني هذا أن نجعل الغاية من الجهاد هي الاستشهاد لا الانتصار و تحقيق الأهداف! فإذا أظهرت النبوءات و التاريخ أن الجهاد سيكون انتحارًا، فيجب التوقف كما اوقف العباسيين و عمر بن عبدالعزيز الفتوحات لاسباب استراتيجية. لقد قال عمر بن الخطاب لمعاوية رضوان الله عليهما حين أراد غزو البحر: "لا أُغَرِّرُ بالمسلمين"، ولم يقل: "الواجب القتال من أجل الاستشهاد دون اعتبار للنتائج!" و لو كان عمر بيننا اليوم، لرفض "خطة طوفان الأقصى" و قال للسنوار: "لا تُغرر بالغزيين العُزّل!". و لعل النبي (ﷺ) كان سيكرر كلمته الخالدة: "ويلٌ لأمه، مُسعِّر حرب!".
قبل انتقالي للحلقة الثانية، أترك لكم سؤالًا: هل يُسمَحُ في برنامجكم ذكر مناقب السيسي؟
هذا رأيي كمشاهد و لا يهمني تنمركم علي و على فكري بقهقهاتكم. اُذَكِّر مُقدم البرنامج بمقولته المعروفة و اقول: اياك ان تتجاهل السؤال و تذهب لتنام!
https://youtu.be/EXrpLeyeSeU?
تحليل الحلقة 6:
في الدقيقة ٣٤، يقول ضيف البرنامج، مُتمسكًا بمنطق "الفوضى الخلاقة" و بمنطق مَن يتبع "سُنن اليهود والنصارى" و يَتبَعَهُم إلى جُحورهم:
"بيننا وبين النهوض والتفوق والهيمنة رحلةٌ عنيفةٌ شاقةٌ ومريرةٌ من الجهاد والكفاح والنضال. هذه الرحلة خاضتها كلُّ أمةٍ لكي تتفوق، بما فيهم الأمريكيون والإنجليز والفرنسيون. كل أمةٍ، في مسيرها للتحول من الذل إلى العزِّ والتمكين، خاضت هذه الرحلة، ونحن المسلمون لا بد أن نخوضها أيضًا كي ننتقل من الذل إلى العز. طبعًا لن يُسمح لنا، وسنواجه حروبًا هائلة. فما يحدث في شرق العالم الإسلامي وغربه، والمؤامرات التي حيكت ضد الربيع العربي، كان هدفها منع هذه الأمة من النهوض مرة أخرى."
أقول و بالله التوفيق:
المقاطع التالية تؤكد ضلوع الغرب المسيحي في التخطيط للثورات العربية و تمويلها و تدريب الشباب عليها (و ليس منعها كما يظن الضيف)!
في مايو ٢٠١١ خلال مؤتمر صحفي عادة ما يحضره الصحفيون، تميز المعارض المصري أحمد صلاح بدعوته من قبل مركز جورج دبليو بوش الرئاسي لحضور المؤتمر و سُمح له بطرح سؤال على كونداليزا رايس. سأل أحمد:
"بالتأكيد، إنه لشرف كبير أن أكون هنا بحضور السيد الرئيس (جورج بوش) و السيدة الوزيرة. أعتقد أننا ندين لكم بالكثير لأنكم ساعدتمونا في بدء حركتنا في عام ٢٠٠٤ و ٢٠٠٥ ولكن هناك شيء يجب أن أقوله. لقد كان الأمر صعبًا جدًا علينا عندما خذلتمونا في ذلك الوقت. معظمنا ذهب إلى السجن و أنا ذهبت إلى السجن و كدت أن أُقتَل داخله. كنت أعتقد حقًا أنني لن أخرج حيًا. كنت مستعدًا لموتي. كنا نأمل أن يكون هناك بعض التغيير و أن تتحسن الأمور. كنا ننتظر هذا، لكنه لم يحدث حتى نهاية فترة الرئيس بوش. طوال هذا الوقت كان لدي هذا السؤال: "لماذا؟!" و أريد حقًا أن أسمع إجابة الآن. إن امكن ان تخبروننا: لماذا خذلتمونا عندما بدأت الأمور تتحرك، بعد أن كانت لدينا آمال كبيرة و كنا على الطريق الذي كان يمكن أن يحرر مصر، و ربما العديد من الدول الأخرى في العالم العربي في سنوات ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦؟! شكرًا جزيلًا!"
أجابت كونداليزا رايس:
"شكرًا. حسنًا، دعني أقول إنه إذا كنا قد خذلناكم فليس ذلك بسبب عدم محاولتنا دعمكم. الولايات المتحدة ليست قادرة دائمًا على دفع الأحداث في الاتجاه الذي نريده أن تسير فيه. في مكان مثل العراق، حيث أطحنا بديكتاتور وحشي يشكل تهديدًا للسلام و الأمن الدولي، كانت لدينا وسائل مباشرة للإصرار على و مساعدة الشعب العراقي للوصول مباشرة إلى الديمقراطية. أما في الأماكن التي لا تزال فيها أنظمة في السلطة، كما في مصر، حيث تعاملنا مع نظام مبارك في قضايا مثل محاولة إنشاء دولة فلسطينية ديمقراطية أو محاولة إجبار حماس على الطاعة أو التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، لم تكن لدينا تلك الوسائل المباشرة. و لذلك، حاولنا أولًا و قبل كل شيء التحدث عن قيمنا (الديمقراطية) و الاستمرار في التحدث عن قيمنا طوال تلك الفترة. حاولنا أن نمنح الشعب المصري الأدوات التي يحتاجها للتحدث عن حريته. كنت أتحدث سابقًا مع صديقي العزيز (لورين كراسنر) الذي كان محاربًا في هذا المجال، و من بين الأشياء التي فعلناها، على سبيل المثال، كان تخصيص ٥٠% من جميع المساعدات الأمريكية لتعزيز الديمقراطية لمجموعات لم تكن مسجلة من قبل الحكومة المصرية.
كان ذلك مباشرة (صفعة) في وجه الحكومة المصرية. لا أريد أن أحرج رئيسي السابق، الرئيس بوش، ولكن هناك سبب لعدم عودة حسني مبارك إلى الولايات المتحدة بعد عام ٢٠٠٤. تخيل أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع إقناع الرئيس المصري بالمجيء إلى الولايات المتحدة. هناك سبب و لم يكن له علاقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كان له علاقة بكيفية تعاملنا مع الثورة المصرية. و لذلك، استخدمنا الأدوات التي كانت لدينا. لأعطيكم مثالًا على كيف أن هذا الأمر (سلاح) ذو حدين، أحد الأشياء التي فعلناها كان إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع مصر ردًا على القمع الذي تعرضت له القوى الديمقراطية في مصر. كانت واحدة من الأدوات القليلة التي كانت لدينا و كان من المحتمل أن يكون ذلك هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله. ولكن هل قمنا بإضعاف بعض القوى التي كانت يمكن أن تكون قوى للتغيير من خلال التغيير الاقتصادي بفعلنا هذا؟ لذلك، عندما تُستَخدَم هذه الأدوات، هناك جانب سلبي لاستخدام النفوذ الذي تمتلكه، و أحيانًا يمكن أن تقوي القوى الخاطئة. أعتقد أنني كنت أسأل نفسي كل يوم، و أعرف أن الرئيس بوش كان يفعل ذلك و كذلك إيليوت أبراهامز، الذي كان جزءًا من هذا: هل نفعل ما يكفي؟ هل هناك المزيد الذي يمكننا فعله؟ بصراحة، في عام ٢٠٠٦ كنا نحاول دعم لبنان، و كنا نحاول دعم المزيد من القوى الديمقراطية في فلسطين، و كنا نحاول دعم المزيد من القوى الديمقراطية في مصر، و كنا نحاول منح العراقيين فرصة. لذلك، إذا كنا في فعل كل ذلك لم ننجح تمامًا، أتمنى أننا على الأقل وضعنا الأساس لأشخاص مثلكم، الذين هم وطنيون شجعان و صبورون، لتبني عليه، بحيث نرى اليوم تحقيق بعض هذه الأهداف."
يُرجى الرجوع إلى رابط اليوتيوب التالي بعنوان "الدكتورة كونداليزا رايس: سؤال و جواب، الجزء ٢"
أحمد و من على شاكلته لا يتذكرون أن ستة أشهر قبل الإطاحة برئيسهم حسني مبارك (دُميَة الغرب المسيحي)، رفض الخائن اقتراحاً بتأسيس دولة فلسطينية ديمقراطية في سيناء.
يقول الرئيس مبارك رحمه الله:
"التفكير في السيناء سيكون كالتالي: اسرائيل تريد أن تدفع بقطاع غزة (باتجاه مصر) و يضعهم في السيناء. قال لي مرة نتنياهو منذ حوالي ستة اشهر قبل أن ارحل، مشيرا الى خارطة موجودة: "لو نترك الناس في غزة و نجد لهم مكان. فوجدته يشير الى سيناء. فسألته: اين المكان؟ تسكنهم عندنا؟! انس هذا الموضوع. ستخلق أزمة بيننا. انت ستبدأ حربا بيننا من جديد. فيما يخص الحدود، لا أنا و لا الذي اثخن (اصلب) مني يستطيع أن يقدم فيها!"
يُرجى الرجوع إلى رابط اليوتيوب التالي بعنوان "حسني مبارك: نتنياهو كلمني ان الفلسطينيين يخدوا جزء من سيناء، قلت له انسى الموضوع ده".
https://youtu.be/T9C7apRa_Ac?
و يخبرنا محمد عادل، ناشط آخر في حركة ٦ ابريل (احدى حركات التغيير) و بطل من ابطال ثورة ٢٥ يناير:
"معظم الشباب الذين كانوا يعملون منذ عام ٢٠٠٤ كانوا أحرارًا، أعني أن عام ٢٠٠٤ هو بداية المسار المباشر لكلمة التغيير بالمعنى الثوري." و يضيف "بالمناسبة، ٢٥ يناير هو موسم الحصاد، لذا فإن الأشخاص الذين قالوا دعونا ننزل أخذوا الدَّفع الذي أخذناه في عام ٢٠٠٤" و يضيف "نريد الحرية، أي نريد عالمًا بلا سيطرة (فوضى خلاقة و رغبة كوندوليزا رايس، عرّابة حركات التغيير التي حذر منها سلفنا الصالح). جاءت مجموعة الفيسبوك و قالت إن هذه الفكرة يجب أن يكون لها أقدام لتتحرك بها، لذا ابتكروا طريقة من نفس طبيعة الفكرة".
يتحدث محمد عادل بوقاحة عن عمله لأمريكا و تجربته مع الدَّفع الأمريكي الذي أخذوه في عام ٢٠٠٤، نفس الدَّفع الذي أخذه العميل أحمد صلاح. إنهم يريدون عالمًا بلا سيطرة أو فوضى خلاقة، و هو ما تريده العرّابة كوندوليزا رايس أيضًا. لذلك، تفتح الإدارة الأمريكية أبواب البيت الأبيض و ملحقاته أمام هؤلاء السذج و تستقبلهم كالأحباب. يتحدثون عن لقاء عرّابة أخرى (ربما هيلاري كلينتون) في مؤتمر "الإسلام و أمريكا" و أنها طلبت منهم الدخول إلى الفيسبوك، كما لو كان موقعًا حكوميًا. يعرف الأمريكيون أنه يمكن إخراج أعداد هائلة إلى الشوارع باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي و يمكن لهذه الأساليب أن تأتي بثمار لا يمكن تصورها و نتائج غير متوقعة بدعم من الذباب الإلكتروني العربي و الأمريكي. لقد أمرهم الأمريكيون مباشرة بالدخول إلى الفيسبوك، ليكونوا من أوائل من يستخدمون هذه التقنيات لإنشاء خلايا نائمة تغطي ملايين المصريين، و قادرة على التواصل و التنسيق بسرعة كبيرة.
و يخبرنا أحمد عاشور، ناشط سياسي أخر و عضو في احدى "حركات التغيير" و بطل من ابطال ثورة ٢٥ يناير:
"عندما التقينا في مؤتمر 'الإسلام و أمريكا' مع بعض المسؤولين الأمريكيين مثل مستشار أوباما، تحدثنا عن دخول فيسبوك، كما لو كان موقعًا حكوميًا لهم."
لذلك، خرج الغالبية إلى الشوارع فقط لأنهم تلقوا دعوات من الذباب الالكتروني للخروج و تفاجأوا بالحشود و تفاجأوا أنهم نجحوا في الإطاحة بالرئيس حسني مبارك بسهولة غريبة و مشبوهة، تمامًا كما تفاجأ الإيرانيون في عام ١٩٧٩ بسقوط شاه إيران بسهولة غريبة و مشبوهة! هذه الغفلة ليست فقط سمة "حركات التغيير" في مصر، ولكن هناك أيضًا سُذَّج في الخليج فتحت بريطانيا أبوابها لهم كأحبابها. يتحدثون بوقاحة عن سقوطهم و لقاءاتهم مع "الأتقياء" في الإدارة البريطانية، و كلهم فخورون بتوظيفهم من قبل الغرب المسيحي للإطاحة بزعمائهم المزعجين بتهمة العمالة للغرب. ما هذا الانحراف و الحَوَل السياسي؟!
إذا قبلنا عذر "حركات التغيير" المصرية و توظيفهم من قبل الغرب المسيحي بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة و التي فرضتها عليهم الغرب، فبأي عذر يمكننا تبرير سذاجة الخليجيين و توظيفهم من قبل الغرب؟!
يخبرنا عمر عبدالعزيز، ناشط سياسي سعودي مقيم في كندا، عن لقائه مع مسؤولين بريطانيين:
"شهر طويل (من الاجتماعات) و لا أستطيع أن ألخص لك في دقيقة أو دقيقتين ما فعلناه في هذا الشهر سياسيًا. ولكن ما يمكنني قوله هو أن هناك أطرافًا لأول مرة تتفق و تقرر العمل بشكل جماعي للمصلحة العامة! إن شاء الله. التقينا بشخصيات نلتقيها لأول مرة، ولكن إذا كانت هذه الزيارة مجرد اتفاق و موافقة لإطلاق مجموعة من المشاريع التي، إن شاء الله، ستكون قفزة نوعية في المسار السياسي لي."
يا مغيث! ألا يتساءل هؤلاء السذج لماذا تُفتَحُ أبواب المسؤولين الغربيين لهم بشكل غريب و بكرم مريب؟!
و يخبرنا عزمي بشارة، أحد أبرز مخططي الربيع العربي:
"في مرحلة ما، عاشت جماعة الإخوان المسلمين مرحلة ما قبل الثورة، و هي مرحلة المساومة مع النظام. اعتراف النظام بهم كان إنجازًا كبيرًا، و لم يستطيعوا إدراك أن الثورة قد حدثت و أن التفكير بعقلية ما قبل الثورة كان عديم الجدوى. ما بدا و كأنه إنجاز ما قبل الثورة أصبح الآن انتهازية. جماعة الإخوان المسلمين لم تستثمر في الثورة لتحقيق الأهداف التي حلمت بها." و يضيف "لذلك، التقوا بعمر سليمان، و لاحظنا و قلنا لهم: ماذا تفعلون؟! قيل: لا نمانع أن يأتي عمر سليمان، هدفنا هو تغيير مبارك (يقولها بشارة و الصدمة تكاد تفجر جبهته)".
من الواضح هنا أن عزمي بشارة، نبي "حركة التغيير" في الشرق الاوسط و مدير الأجندات الغربية، كان على تواصل مع الإخوان المسلمين و حذرهم من فتح حوارات مع السلطة او الخروج عن النص الأمريكي. فالحوار مع النظام ليس ما تم الاتفاق عليه مع الأمريكيين. تخيلوا، هؤلاء يتهمون الرئيس مبارك و حكام العرب بالخيانة و العمالة للغرب، لكنهم يعتبرون أنفسهم نبلاء و حواري مسيح الثورة و أبناء صحابة التغيير!
اما المقطع التالي من برنامج الجمرة فيوضح دور جهات صربية مدعومة من قبل الغرب المسيحي في تدريب أعضاء من حركة ٦ إبريل المصرية على إدارة الثورة. أنصح بمشاهدة جميع حلقات برنامج الجمرة.
يُرجى الرجوع إلى رابط اليوتيوب التالي بعنوان "الجمرة ١٨: دور عملاء أوتبور في الربيع العربي".
اما البودكاست التالي فيتناول القضايا الداخلية الحساسة في الولايات المتحدة و التي تغذيها حرب اهلية باردة، حيث يُجري الاعلامي المشهور تاكر كارلسون Tucker Carlson مقابلة مع مايك بنز Mike Benz المعروف بانتقاداته للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) و كيف أنها تلعب دورًا يتجاوز المساعدات الإنسانية، حيث تؤثر على الحكومات الأجنبية و حتى إدارة الخطاب عبر الإنترنت. الحوار يستكشف كيف تم استخدام القوة الناعمة لمنظمة حكومية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي تمتلك ميزانية تبلغ ٤٤ مليار دولار مخصصة للمساعدات الإنسانية، لخلق الفوضى داخل الولايات المتحدة و خارجها من اجل تحقيق أهدافها الخاصة. على سبيل المثال، قامت الوكالة بتمويل أعمال الشغب في الربيع العربي بمبلغ ١.٢ مليار دولار و ذلك لتسهيل تغيير الأنظمة (شاهد من الساعة ٢:٠١:٠٨) كجزء من حملة تعرف "بالإيجار للشغب".
إن الثورة الفرنسية كانت نقطة تحول مهمة في التاريخ، إلا أن تكرارها بكل ما تحمله من عنف و فوضى ليس بالضرورة الحل الأمثل. يمكن تحقيق التغيير الاجتماعي و السياسي من خلال وسائل أكثر سلمية و استدامة، مع الاستفادة من الدروس التي قدمتها الثورة الفرنسية. لذلك، نجد هنا أن كلًا من "مايك بنز" و "تاكر كارلسون" يتفقان على أن حكومتهم الفاسدة تحتاج إلى "تدخل جراحي"، و مع ذلك، يؤكدان بحكمة أن هذه العملية يجب أن تتم بحذر شديد لتجنب عواقب كارثية، مثل زعزعة استقرار الولايات المتحدة أو التسبب في انهيار إمبراطوريتها. من الواضح أنهما يدعوان إلى ثورة سلمية تدريجية بدلاً من انتفاضة عدوانية مدمرة و مميتة على غرار الثورة الفرنسية (أو ما يُطلق عليه البعض "الفوضى الخلاقة"). و هذا يطرح السؤال: لماذا لا يكون ثوارنا و إصلاحيوننا في العالمين العربي و الإسلامي بنفس القدر من الحكمة و الصبر و يكفون عن تمني ٨٠ سنة من الفوضى الفرنسية؟!
يرجى الرجوع إلى رابط يوتيوب "مايك بنز يأخذنا إلى حفرة أرنب USAID (الأمر أسوأ مما تعتقد)". أوصي بمشاهدة البودكاست بالكامل.
https://youtu.be/bh5diUSSmkM?si=-1IKfdRyanfozOU6
تحليل الحلقة 7:
في الدقيقة ٣٩، أكَّد الضيف أن النهضة لا تتحقق إلا بوجود الاستقرار. فسأله مقدم البرنامج في الدقيقة ٤٦ بسخرية و تَعالٍ:
"استعد لسؤالٍ مخيفٍ سيُدخلك عشَّ الدبابير! ماذا تقول لمواطنٍ من دولةٍ يُصنَّف حاكمُها سياسيًا كظالم، لكنه على المستوى الحضاري يُوصف بالذكاء و الروعة و العطاء؟ و إذا انتقد أحدٌ هذا الحاكمَ أو دولتَه، يهرع أهلُ البلد للدفاع عنه قائلين: نحن نعيش مكرمين مُعَزَّزين! إذا كنتم ترون حاكمَنا شيطانًا، فهذه مشكلتكم. أما نحن، فراضون عنه كلَّ الرضا. فكفُّوا عن الكلام عنا! هذه الظاهرة منتشرةٌ بكثرة، و تُثير صراعاتٍ و نقاشاتٍ على منصات التواصل الاجتماعي، لدرجة أننا نكادُ لا نعرف كيف نخرج منها. فكيف نتعامل مع مثل هذا الإنسان؟"
فأجاب الضيف:
"قد يوجد حاكمٌ مستبدٌّ لكنه حريصٌ على نهضة بلده نهضةً حقيقية. هذا النموذج (الدكتاتور الحميد) وُجِدَ في التاريخ و الواقع، لكن مشكلته أن مشاريعه معرَّضة للانهيار و الفساد بعد رحيله. أما في عالمنا العربي اليوم، فالأمر مختلف. لا وجود لهذا النوع من الحكام في عصرنا. بل الحقيقة أن الحكام الحاليين أخذوا منا الدينَ والدنيا معًا. وما تراه من مظاهر الرقي في بعض الدول الغنية العربية ليس نهضةً ذاتية، بل استيرادًا لما عند الأجانب. لذلك، هذه المظاهر ليست سوى وجوهٍ أخرى للاحتلال!
الأمريكان يصرحون علنًا أن هذه البلاد مجرد «بقرة حلوب» يحلبونها حتى تنضب. أو كما يتفق وزيرٌ أمريكي مع نظيره في دولة عربية على تسليم إدارة المرافق والبنية التحتية للأمريكيين تحت مسمى «الاستعمار طويل الأمد». و هكذا، كل ما يُبنى بعد مرحلة الإنشاء يصبح مُلحقًا بالأساس الأمريكي. فتجد أعظم المساجد و المباني تُصمَّم و تُشيد و تُدار بأيدٍ غير عربية و لا مسلمة! هذا ليس تقدمًا و لا نهضة، بل هو استيرادٌ لشكلٍ من أشكال الاحتلال. لذا، أغلب الحوارات على وسائل التواصل هي جهلٌ و نفاقٌ لأنظمةٍ لا تملك دينًا ولا دنيا. أما نحن، فننشد نهضةً حضاريةً مستقلةً، يبنيها الحاكم العربي بمهندسيه و فنانيه، دون استمداد الموارد من الأعداء!"
أقول و بالله التوفيق:
يا له من سؤالٍ مشبَعٍ بالكِبْر، و إجابةٍ مشبَعَةٍ بالتَّعالي! و كأن لسان حالكم يقول: "أنا خيرٌ منه!"
أولًا: أوافق الضيفَ على أن الاستقرار شرطٌ أساسي لقيام النهضة و الدولة التي نتحدث عنها تحافظ على هذا الركن الأهم (الاستقرار)، و تعمل جاهدةً لتحقيق النهضة الذاتية رغم كل التحديات. فما المأخذ إذن؟ و لماذا هذا الانزعاج؟
ثانيًا: رؤية الضيف لتلك الدول تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، حين كانت المرافق تُدار من قبل الأجانب كمرحلة انتقالية و طبيعية. أما منذ ثمانينيات القرن العشرين، فقد أصبحت هذه الدول تدير منشآتها ومرافقها بنسبة 100%، وإنما تستعين بالأيدي العاملة الأجنبية لانخفاض تكلفتها، تمامًا كما تفعل أمريكا حين تُنَفِّذ تصنيعَها في الصين، رغم عداوتها لها! فأين المتناقض هنا؟ و لماذا هذا التحفُّز؟
لقد شغلتكم السياسية و افسدت مرارتها أذواقكم و اصابتكم بِحَوَل فكري. ليتكم تكتفون بالكلام عن التاريخ القديم.
https://youtu.be/GnTfCFairH8?
تحليل الحلقة 8:
يعتبر الضيف ان عُروَة الحكم - اُولى عُرَى الإسلام - انتقضت في عهد الخليفة العثماني سليمان القانوني بعد ان استحدث منهجية مركزية الحكم و قنن الشريعة للقُضَاة، و أصبح القضاة تابعين لقوانين السلطة. ثم يمضي الضيف في الدقيقة ٢٦:٥٦ في انتقاده لفكرة الدولة المركزية قائلا:
"الدولة المركزية الحديثة تعتبر عقدة عالمية يتعذب بها الشعوب في العالم شرقا و غربا، و الدولة العثمانية بلا شك تعتبر جنة بالمقارنة مع الدولة المركزية الحديثة، لكن الدولة العثمانية - مقارنة لما قبلها من العالم الإسلامي - تُعَدُ بداية إدخال الأمة في حكم الدولة".
أقول وبالله التوفيق:
لا يسعني إلا أن أختلف مع الضيف في هذه المسألة الجوهرية!
فالأصل الراسخ في نظام الحكم عند سلفنا الصالح من الخلفاء الراشدين كان قائماً على المركزية الحكيمة، أما اللامركزية التي يتبناها الضيف فهي في الحقيقة ثمرة من ثمار انتقاض عروة الحكم المركزي - التي تُعد أولى العُرَى وأوثقها في النظام السياسي الإسلامي - مما أضعف كيان الدولة الإسلامية.
إن مركزية الحكم والفقه تمثل الأصل الأصيل في النظام الإسلامي، بينما تعد اللامركزية بدعة مستحدثة. وما قام به السلطان سليمان القانوني رحمه الله، وما يفعله بعض حكام زماننا، إنما هو في حقيقته إعادة للأمور إلى نصابها الذي كان عليه الحكم في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كانت القيادة الحكيمة موحدة والرؤية واضحة.
ويشهد لما نقول من تركيز نظام الحكم في عهد عمر رضي الله عنه ما ورد في كتاب "حياة الصحابة" تحت الباب المعنون بـ"حَصرُ مَن يَقَعُ منه الانتشار في الأمة"، حيث تظهر جلياً أسس الحكم المركزي الرشيد.
"أخرج سيف، و ابن عساكر عن الشَّعْبي قال: لم يمت عمر رضي الله عنه حتى مَلَّته قريش، و قد كان حَصَرهم بالمدينة و أسبغ عليهم و قال: إنَّ أَخوَف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد. فإن كان الرجل يستأذنه في الغزو و هو ممن حُصِر في المدينة من المهاجرين - و لم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان لك في غزوك مع النبي (ﷺ) ما يبلغك، و خير لك من الغزو اليوم أن لا ترى الدنيا، و (لا) تراك. فلما وُلِيَ عثمان رضي الله عنه، خلَّى عنهم فاضطربوا في البلاد و انقطع إليهم الناس. قال محمد، و طلحة: فكان ذلك أول وَهْن دخل في الإِسلام، و أول فتنة كانت في العامّة ليس إلا ذلك. كذا في الكنز.
و أخرجه الطبري من طريق سيف بنحوه. و عند الحاكم عن قيس بن أبي حازم قال: جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يستأذنه في الغزو، فقال عمر: اجلس في بيتك فقد غَزَوتَ مع رسول الله (ﷺ) قال: فَرَدَّد ذلك عليه، فقال له عمر في الثالثة أو التي تليه: اقعد في بيتك، فوالله إني لأجد بطرف المدينة منك و من أصحابك أن تخرجوا فتُفسدوا على أصحاب محمد (ﷺ)" قال الذهبي: صحيح.
يتضح جليًا أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أدرك بحنكته السياسية مخاطر انتشار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في الأمصار، وما قد يترتب على ذلك من زعزعة لاستقرار الخلافة (دون قصد منهم)، وذلك من خلال:
1. إبداء آرائهم الشخصية بصوت عالٍ.
2. مشاركة وجهات نظرهم مع المسلمين الجدد.
3. التفاعل مع عامة الناس (بمن فيهم الرعاع و الغوغاء) الذين تجمعوا حولهم.
وذلك ظنًا منهم رضوان الله عليهم - ببراءة النية - أن أتباعهم يمتلكون الوعي الكافي لتقبل هذا النقد البناء دون أن يتشكل لديهم رأي سلبي عن الخليفة ونظام الخلافة، مما قد يدفعهم للمطالبة بتنحي الحاكم!
فلو تفرق الصحابة في البلدان وابتعدوا عن مركز الخلافة، قد تصلهم معلومات مشوهة عن الخليفة، و قد يتكون لديهم فهم مغلوط للأمور، و قد يتبنون سياسات معارضة لتوجهات خليفتهم مما يعرض كيان الدولة للاضطراب
لذلك ارتأى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه اعتماد المنهج المركزي الرشيد الذي يهدف إلى:
✓ إدارة المخاطر السياسية.
✓ تقليل احتمالات الفتنة.
✓ حفظ وحدة الأمة.
حتى جاء من بعده من أخذ بسياسة اللامركزية، وكان ذلك - كما وصفه الأئمة أول وهن دخل في جسم الأمة الإسلامية، وأول فتنة هزت كيان العامة، ولم يكن سببها إلا ذلك. وعليه فإن المركزية التي اتبعها السلطان سليمان القانوني رحمه الله والمنهج الذي يسير عليه بعض الحكام اليوم ما هو إلا عودة إلى النهج العمري الأصيل. وهذا المنطق المغلوط للضيف يفسر تأييده لحركات ما يسمى "الربيع العربي" و "طوفان الأقصى".
https://youtu.be/MQmFQ5c1KME?si=6WEvcXHIdLw9eGpH
تحليل الحلقة 11:
في الدقيقة ٥٠:٤٣، ساقَ الضيفُ مَثَلاً لِيُيَسِّرَ على المُشَاهِدِينَ فَهْمَ عَقْلِيَّةِ الَّذِينَ جَحَدُوا وَرَفَضُوا قُبُولَ الرِّسَالَةِ المُحَمَّدِيَّةِ الوَاضِحَةِ، و استشهد بمثال توضيحي لتبسيط فهم عقلية المكذبين الذين أنكروا رسالة الإسلام الواضحة فقال:
"أترى هؤلاء الظالمين والطغاة والسفاحين، ومن كان في أجهزة جيشهم وشرطتهم ومخابراتهم، ومن عمل معهم وزيرًا أو مديرًا؟ أليس كل هؤلاء يعلمون أنهم يظلمون الناس ويضطهدونهم؟ ومع ذلك، بما يملكون من سيارات فارهة ومزايا ووفرة مالية، ينسون آخرتهم ويظلمون الناس في الدنيا! وهذا دليل على أن ليس كل من عرف الحق اتبعه!"
فأكد مقدم البرنامج على كلام الضيف، وأضاف مخاطبًا الأمة:
"أسأل الله تعالى الهداية للجميع. يا صديقي العزيز، الحق واضحٌ جليٌّ أمام عينيك، فأنقذ نفسك قبل فوات الأوان!"
أقول وبالله التوفيق:
يا مغيث!
مرة أخرى يخرج علينا الضيف ومقدم البرنامج بمنطق "أنا خير منه" - بكل ثقة وكأنما أوحي إليهما - فيخاطبان مخالفيهما وكأنهما يخاطبان من لا عقل لهم! وكأن المخالفين لا يفعلون ما يفعلون عن قناعة، وكأنهم فاسدون لا تحركهم إلا شهوة المال!
بأي سلطان تتخذون لأنفسكم دور الشاكي والقاضي معاً؟! وبأي حق تحكمون على مخالفيكم وفق أهوائكم؟ أليس هذا بعينه الاستبداد الذي تدّعون محاربته في الأنظمة التي تعارضونها؟
تأملوا - رعاكم الله - لو أن العكس حصل، فهل ترضون ان يخاطبكم مخالفوكم بما تخاطبونهم به؟
لا ننكر وجود من يسعى لملذات الدنيا، ولكن أين العدل في إنكار وجود من يعمل لدى الحكام بقناعة راسخة أنه على الحق، يبتغي بذلك رضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
أقول لكم بصدق: اتركوا منطق الاستعلاء، و كفوا عن مخاطبة الآخر و كانكم صحابة رسول الله (ﷺ) و كأن مخالفيكم كفار مكة! وتذكروا أن التواضع من شيم العقلاء. فلعلك ترى عدوك غداً عند الله أعلى منك منزلة! فبادروا إلى رشدكم، وأنقذوا أنفسكم قبل فوات الأوان!
https://youtu.be/5NAlRisTpWk?
تحليل الحلقة 23:
برع الضيف في تحليل التاريخ خلال الحلقة ٢٣، حيث برر - بجرأةٍ تحليلية - قرار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما توريث الخلافة لابنه يزيد، معللاً ذلك بعدم إمكانية تطبيق الشورى في ظل الظروف التي عاشتها الأمة الإسلامية آنذاك، و خشيةً من فتنةٍ جديدة بعد تجربة الفتنة الكبرى. ولكن عند الدقيقة ١:٣١:٢٦ من الحلقة، وجه مقدم البرنامج سؤالًا محوريًا:
"قد يُقارن أحد المتابعين بين موقفكم من توريث معاوية وبين حكام اليوم، فيقول: إذا كان التوريث جائزًا لمعاوية، فلماذا ترفضون أن يحكم أبناء الملوك اليوم إلى ما شاء الله؟ ما الفرق؟"
فإذا بالضيف ينفعل و يجيب بتهرُّبٍ واضح:
"هل هؤلاء الحكام يقتدون بمعاوية؟! لو حَكَمَنا ملكٌ يفتح البيت الأبيض كما فتح الأمويون الأمصار، و عمل بالحلم و حقق العطاء كما فعل معاوية، فليُورِّث ملكه!"
أقول و بالله التوفيق:
بهذه الإجابة السطحية، قهقه مقدم البرنامج في اشارة الى توفيق الضيف بالاجابة، في حين سقط الضيف من عيناي كمنطقيٍّ موضوعي، إذ غلب هواه السياسي على الحقائق التاريخية هو ادرى بها:
- معاوية قاد إمبراطورية عظمى (الأقوى في عصرها) و كان يغزو الروم، بينما حكام اليوم يحكمون دولًا ضعيفةً ورثوها عن إخفاقات العثمانيين (الخلافة) و اخفاقات الربيع العربي الأول على يد الشريف الحسين.
- واجب الحكام في عصر الضعف هو الحفاظ على المكتسبات و درء المخاطر عن شعوبهم، لا الاندفاع وراء أحلامٍ غير واقعية.
التاريخ يُبرئ المنطق من الانحياز:
لو طبقنا معايير الضيف ذاتها، لكان حكام اليوم (في ضعفهم) أحقَّ بالعمل برخصة التوريث من معاوية (في قوته)! فمخاطر الفتن في عصرنا ليست أقلَّ من ذي قبل، بل قد تكون أعظم. و كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول" (٣/٦٧٣–٦٨١):
"النبي (ﷺ) لم يكن يقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد، ببينة أو إقرار....
فحاصله أن الحد لم يُقم على واحد بعينه، لعدم ظهوره بالحجة الشرعية التي يعلمه بها الخاص والعام، أو لعدم إمكان إقامته، إلا مع تنفير أقوام عن الدخول في الإسلام، و ارتداد آخرين عنه، و إظهار قوم من الحرب و الفتنة ما يُربي فساده على فساد ترك قتل منافق، و هذان المعنيان حكمهما باق إلى يومنا هذا".
تحليل الحلقة 31:
سأل مقدم البرنامج: "وا معتصماه!" هكذا كان المسلمون يستصرخون بالخليفة سابقًا. فبمن يستصرخ المسلمون اليوم في غياب الخلافة؟ بمن ينادي أهل غزة عندما يقولون: "أين أنتم يا حكام العرب؟"
فأجاب الضيف في الدقيقة ١٤:٢٠ قائلًا:
"أنا أتفق معك أن الخلافة غائبة وأن أحوالنا أضعف بكثير من أحوالها. لكن سياسة الحكام المعاصرين سياسة قوم تخلو من النخوة. أفهم أنهم عاجزون عن مواجهة إسرائيل، لكن لا أفهم كيف يفتحون طرقًا برية (بالإضافة للطرق البحرية عبر قناة السويس) ليمدوا إسرائيل بالغذاء والدواء بعد أن أغلق الحوثيون مضيق باب المندب؟ كيف يسمحون للسفن الإسرائيلية بالرسو في موانئهم و التزود؟ المسألة تتجاوز العجز و الضعف إلى التواطؤ و الخيانة."
اقول و بالله التوفيق:
مرة أخرى، يخلع الضيف عباءة الموضوعية و يجيب بإجابة سطحية (بلا دليل) من شأنها تشتيت فكر الأمة وتسكين آلامها بجرعة من النقد الهدام للحكام. كون الضيف خبيرًا في التاريخ لا يعني قبول تحليلاته للأحداث المعاصرة دون دليل!
افتراضًا أن دولًا عربية طبعت مع إسرائيل و فتحت طرقًا لإمدادها (كما يدعي الضيف)، فهل هذا يخالف الشرع؟
ليس في التاريخ أو سيرة المصطفى (ﷺ) ما يحرّم ذلك. فقد سلّم النبي (ﷺ) أبا بصير رضي الله عنه إلى كفار مكة تنفيذًا لشرط في صلح الحديبية، رغم كراهيته لذلك. فكذلك لا لوم على من يسهلون وصول المساعدات إلى إسرائيل كجزء من اتفاقياتهم، خاصة إذا سمح ذلك بمساعدة أهل غزة أيضًا. ولا ننسى أن الامتناع عن مثل هذه الخطوات قد يعرّض الشعوب العربية لعواقب وخيمة، ومن واجب الحكام وقاية شعوبهم من الهلاك، لا إغراقهم في مغامرات غير محسوبة. لقد قال عمر بن الخطاب لمعاوية رضي الله عنهما حين أراد غزو البحر: "لا أُغَرِّرُ بالمسلمين"، ولم يقل: "الواجب القتال دون اعتبار للنتائج!" ولو كان عمر بيننا اليوم، لرفض "خطة طوفان الأقصى" و قال للقادة: "لا تُغرروا بالمدنيين العُزّل!". ولعل النبي (ﷺ) كان سيكرر قوله: "ويلٌ لأمّه، مُسعِّر حرب!".
قبل الانتقال إلى الحلقة ٣٢، أترك لكم سؤالًا: هل يُسمح في برنامجكم بمناقشة إيجابيات الدول المطبعة مع إسرائيل، كبناء المستشفيات الميدانية و توفير المخابز و أجهزة تحلية المياه و الكساء و الخيام و غيرها في غزة؟
https://youtu.be/H08qrB-LA4g?
تحليل الحلقة 32:
في الدقيقة ١:١٤:١٠، استحسن الضيف ما قاله مقدم البرنامج:
"في عصر الدولة الأموية، كانت دمشق وحدها حاضرة الخلافة الإسلامية، ثم بعد ذلك - عندما تفرقت وحدة المسلمين وظهرت دول إسلامية مستقلة عن الخلافة - برزت مراكز حضارية أخرى مثل سمرقند و بخارى و القاهرة و بغداد و غيرها."
اقول و بالله التوفيق:
اتفق معهما على هذه اللفتة الجميلة و اضيف أنه عندما قَسَّم الغرب المسيحي العالم الإسلامي إلى ٤٥ دولة إسلامية شمولية، فقد أَنشأوا فعلياً أكبر عدد ممكن من العواصم المستقرة، و كل منها قادرة على أن تكون أرضاً مَوعُودَة لحضارة جديدة و تَقَدُّم علمي، تماماً مثل بيت الحكمة ببغداد في القرن الثامن الميلادي. فانتبه رحمك الله!
و في الدقيقة ١:١٩:٥٠، طرح مقدم البرنامج سؤالًا:
"هل كانت الفتوحات الإسلامية تهدف إلى التوسع الجغرافي أم إلى نشر الإسلام؟"
فأجاب الضيف:
"إن اهتمامنا الأساسي هو دخول الناس في الإسلام، إذ نرى أننا بذلك ننقذهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها في الدنيا و الآخرة، و من جور الأديان إلى عدل الإسلام. ثم إن الحكم يكون بأيديهم هم، فليس في الشريعة الإسلامية ما يجعل للعربي تفوّقًا عنصريًا في الحكم".
اقول و بالله التوفيق:
اليوم، نعلم أن حكام العرب "الأقل تقوى" لتلك الدول الإسلامية الضعيفة و المنقسمة، نجحوا في نشر الإسلام بسلام في جميع أنحاء العالم (و ليس فقط في الغرب المسيحي) و قاموا ببناء أكثر من ١٣٠٠٠ مسجد في أوروبا وحدها. هذا إنجاز غير مسبوق في التاريخ الاسلامي، و بقيادة المملكة العربية السعودية الوهابية السلفية السنية و دول شبه الجزيرة العربية السنية الأخرى و الغنية بالنفط. لكن الإسلاميون المُحَطَّمون و المَهزومون نفسياً و الغير صبورين، لا يمكنهم رؤية مثل هذا الإنجاز و الفتح العظيم، و الذي يُرضي الله و النبي (ﷺ)، و الله أعلم.
لذلك، تتعرض المملكة العربية السعودية وحدها اليوم لانتقادات شرسة من الغرب المسيحي، لاستثمارها أكثر من ١٣٠ مليار دولار في نشر الوهابية السلفية السنية (الإسلام بنكهة سعودية) خارج المملكة العربية السعودية. و لم تتمكن أي خلافة أو خليفة في تاريخ الإسلام من تحقيق مثل هذه النتيجة الرائعة بسلام و دون الحاجة لإراقة قطرة دم و دون الحاجة الى شعارات مناهضة للغرب المسيحي مثل "الموت لأمريكا و الموت لإسرائيل" أو الشعارات المؤيدة لإقامة الخلافة الراشدة. فانتبه رحمك الله!
https://youtu.be/BZnVLx296tQ?si=N9h8wNGgaFC9einv
تحليل الحلقة ٣٣:
في الدقيقة ٣٨:٣٧، قدّم الضيف مثالًا توضيحيًا لشرح العقلية اللاّمبالية التي اتّسمت بها الحكومات المصرية تجاه التراث المملوكي قبل و بعد الربيع العربي، فقال:
"لقد شهدتُ بعينيَّ كيف كانت المقابر الأثرية المملوكية مملوءة بالقمامة، دون أدنى رعاية أو صيانة. وكم كنتُ أتألم عندما أتجول في القاهرة القديمة فأرى المنابر العاجية الثمينة قد سُرقت.
لقد عرفت أحد حراس الآثار المملوكية الذي أخبرني كيف كانوا يسرقون القطع الأثرية لبيعها للمتاحف العالمية. كانوا (المسؤولين) يرخصونه لبضعة ساعات ليأتوا بسياراتهم وينهبوا الآثار من المساجد ومنابرها.
والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالى الان يتم هدم مقابر المماليك - وهي تحف معمارية فريدة - من أجل شق الطرق! حتى أن بريطانيَّاً غَرَّد على منصة إكس (تويتر سابقا) متسائلا: هل يُعقل أن تفعل دولة ما بتراثها هذا؟! فلا تلمونا إذا وضعنا هذه الآثار في المتحف البريطاني حيث نقدّر قيمتها!"
ثم تابع الضيف:
"ما زلتُ أرى الرافعات والجرافات تعمل في تدمير القباب والزخارف المعمارية الفريدة. إنه مشهد مؤلم لا يصدّق!"
فعلّق مقدم البرنامج:
"أعتذر لإخواني المصريين عن هذا التعبير، لكن النظام يتعامل مع هذه الجواهر التاريخية كما يتعامل الحيوان الأعجم مع الجواهر، فيدوسها بأقدامه لأنها ليست مما يؤكل!"
وأكمل الضيف:
"رغم كل هذا الدمار، ما زال عبق المماليك يشعّ في أزقة القاهرة القديمة. لكن الذين يحكموننا الآن ليسوا منّا ولسنا منهم!
لهم تصوراتهم ومصالحهم المختلفة. إنهم يهدمون كل ما لا يجلب لهم منفعة مادية فورية، و لا يدركون أنهم يدمرون كنزًا تاريخيًا لا يُقدّر بثمن. لماذا لا تكون القاهرة متحفًا مفتوحًا كروما في إيطاليا؟ لكن ما يحدث الآن هو أمرٌ مأساوي حقًا."
أقولُ وبالله التوفيق:
يا مغيثُ!
عجبتُ لاستخدام الضيفِ العبارةَ الخطيرةَ "ليسوا منّا ولسنا منهم"، وأستنكرُ هذا التعبيرَ الجارحَ الذي يُذكي نارَ الفرقةِ من اجل الآثارالمملوكية!
تأمّلوا معي - رعاكم الله - لو أن أهلَ المدينةِ المنورةِ قالوا مثلَ هذه العبارةِ لمجردِ اعتراضِهم على التوسعاتِ و التغييرات العمرانيةِ التي أجراها الخليفةُ الراشدُ عثمانُ بنُ عفانَ رضي الله عنه في المسجدِ النبويّ الشريف. هل يتصوّر عاقلٌ أن يقولوا: "عثمانُ ليس منّا ولسنا منه"؟!
إنّ عمرَ بنَ الخطابِ وعثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنهما - لو كانا بيننا اليومَ - لَما سكتا على مثلِ هذه العباراتِ التحريضيةِ التي يُطلِقُها الضيفُ ومقدّمُ البرنامجِ على الملأ، والتي قد تُثيرُ الفتنةَ بين عامّةِ الناس.
فاللهمّ اهدنا لصالحِ الأقوالِ والأعمالِ، واجعلنا من المُصلحين لا من المُفسدين.
https://youtu.be/YmtJDrSvhu0?
تحليل الحلقة 35:
تكرَّرَ في هذه الحلقةِ تشبيهُ حالِ الأمةِ اليومَ بحالِها أثناءَ التفرقةِ في عهدِ الحروبِ الصليبيةِ. وفي ختامِ الحلقةِ - تحديدًا عندَ الدقيقةِ ٢:٥٣:٣٢ - يُوجِّهُ مُقدِّمُ البرنامجِ سؤالًا مُستفهِمًا: "ما هي خلاصة الأثر للحروب الصليبة، ما شكله و مظهره؟"
فأجابَ الضيفُ - مُبتدِئًا بالأثَرِ الأوَّلِ - قائلًا:
"كانت من اوسع معابر انتقال الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، و تعلمت أوروبا انواع من الصناعة و الزراعة و الطب و الفلك و العلوم و الهندسة، و حتى البناء المعماري و الاساليب الحربية، كل هذه حضارة اكتسبتها منا أوروبا."
أقول وبالله التوفيق:
يا مغيث!
أيُعقل بعد هذه الإجابة أن يُرجّح إنسانٌ عاقلٌ تشابُهَ حال الأمة آنذاك بحالها اليوم، ثم يُسقِط - ظُلماً - مسؤولية ضعف الأمة على حكّام العصر؟!
ألا يُدرِكُ الضيفُ ومقدّمُ البرنامجِ الفارقَ الجليَّ بين حالِ الأمةِ الإسلاميةِ آنذاك - بجبروتِها الحضاريِّ والعلميِّ والاقتصاديِّ والعسكريِّ - وحالِها اليومَ، التي لم ترثْ من الخلافةِ العثمانيةِ سوى الجهلِ الناشئ من التصوُّفِ؟!
أيعقلُ أن يُعامِلا الأمةَ الإسلاميةَ اليومَ وكأنها تُضاهي الغربَ حضاريًّا وعلميًّا وعسكريًّا؟!"
أَيُنْصِفُ العقلُ والمنطقُ أن نُلقي على حكّامِ الأمةِ اليومَ - في ضَعْفِها المُزْرِي - مِثْلَ ما نُلْقيهِ من مسؤوليةِ ضَعْفٍ على حكّامِها زمنَ الحروبِ الصليبيةِ، حينَ كانتِ الأمةُ في ذُرْوَةِ مَجْدِها وقُوَّتِها؟!
وبصراحةٍ لا مُواربةَ فيها:
إنَّ مغالطاتِ الضيفِ - وهو يُعَدُّ مِن علماءِ التاريخِ الإسلاميِّ - في تشخيصِ حالِ الأمةِ اليومَ، تجعلُني أتحفَّظُ على مصداقيةِ تأويلِه لحالِ الدولِ المستقلةِ في عهدِ الخلافةِ الإسلاميةِ، بل وتُثيرُ شكوكًا في جملةِ تحليلاتِه التاريخيةِ!
إنَّ إعادةَ قراءةِ التَّاريخِ وتشخيصَ وَاقِعِ الأُمَّةِ بِرُوحٍ عِلميَّةٍ مُحايدةٍ، لَحاجةٌ ماسَّةٌ لا مَحيدَ عنها.
https://youtu.be/Ex_96gcpg8A?si=bIw2oHHFtzLNz__N