فلسطين: حرب المبادئ
بقلم: خالد الخاجة
الكذب في زمن الحرب
"الباطل و الكذب سلاح معترف به و مفيد للغاية في الحرب، و كل دولة تستخدمه عمداً لخداع شعبها و جذب المحايدين و تضليل العدو. إن الجماهير الجاهلة و البريئة في كل بلد لا تدرك ذلك في الوقت الذي يتم تضليلها، و عندما ينتهي كل شيء هنا و هناك فقط يتم اكتشاف الأكاذيب و كشفها، بعد أن أصبحت من التاريخ الماضي و التأثير المطلوب قد تم تحقيقه من خلال القصص و البيانات المفبركة، و لم يعد أحد يتكلف عناء التحقيق في الحقائق و إثبات الحقيقة.
الكذب، كما نعلم جميعا، لا يحدث فقط في زمن الحرب. لقد قيل إن الإنسان ليس "حقيقيا" (أي لا يقول الحقيقة)، لكن عادته في الكذب ليست بأغرب من إستعداده المذهل للاعتقاد و التصديق. في الواقع، تزدهر الأكاذيب بسبب السذاجة البشرية. لكن في زمن الحرب، لا يتم التعرف على التنظيم الرسمي للكذب بشكل كاف. إن خداع الشعوب بأكملها ليس مسألة يمكن الاستخفاف بها.
و يمكن بالكذب تحقيق غرض مفيد في فترة السلام بتوجيه تحذير يمكن للناس أن يفحصوه بهدوء و نزاهة. يجب على السلطات في كل بلد أن تلجأ إلى هذه الممارسة من أجل تبرير موقفها: أولا بتصوير العدو على أنه مجرم معقد؛ و ثانيا، بتأجيج العاطفة الشعبية بما فيه الكفاية لتأمين المجندين لمواصلة النضال. فلا يمكن للسلطة أن تقول الحقيقة، و في بعض الحالات قد لا تعرف السلطة نفسها ما هي الحقيقة.
العامل النفسي في الحرب لا يقل أهمية عن العامل العسكري، فلابد من الحفاظ على معنويات المدنيين، فضلا عن الجنود، على المستوى المطلوب. فبينما تعتني مكاتب الحرب و الأميرالية و الوزارات الجوية بالجانب العسكري، يجب إنشاء أقسام للنظر في الجانب النفسي. و يجب ألا يُسمَح أبدا للناس بأن يصبحوا يائسين؛ بل يجب ألا يشعروا باليأس. لذلك يجب تضخيم الانتصارات و التهوين من الهزائم، إن ما أمكن إخفاءها. و يجب ضخ حافز السخط و الرعب و الكراهية بشكل دؤوب و مستمر في ذهن الجمهور عن طريق "الدعاية".
كما قال السيد بونار لو في مقابلة مع الصحافة الأمريكية المتحدة United Press of America، في إشارة إلى الوطنية: "من الجيد أن يتم تحريكها بشكل صحيح بواسطة الرعب الألماني" (كان هذا في الحرب العالمية الأولى، بتخويف الغرب من الألمان! الهون قادمون!). و هناك نوع من التأكيد العام على الفظائع من خلال عبارات غامضة تتجنب المسؤولية عن صحة قصة معينة، كما هو الحال عندما قال السيد أسكويث (مجلس العموم، 27 أبريل 1915): "لن ننسى هذا السجل الرهيب من القسوة و الجريمة المحسوبة".
إن استخدام سلاح الكذب و الباطل ضروري بشكل أكثر في بلد لا يكون فيه التجنيد العسكري الزامياً منه في البلدان التي يتم فيها تجنيد رجال الأمة تلقائيا في الجيش أو البحرية أو الخدمة الجوية. و يمكن إثارة الجمهور عاطفيا من خلال المُثُل الزائفة، فينتشر نوع من الهستيريا الجماعية و يرتفع حتى يتغلب في النهاية على الأشخاص المحايدين و الصحف ذات السمعة الطيبة (حتى الصحف تبدأ في توليد الأكاذيب و الباطل).
في وجود التحذيرات، قد يكون عامة الناس أكثر حذرا عندما تظهر سحابة الحرب التالية في الأفق و أقل استعدادا لقبول الشائعات و التفسيرات و التصريحات الصادرة لاستهلاكهم كحقيقة. لذا، ينبغي أن يدركوا أن على الحكومة التي قررت الشروع في مشروع الحرب الخطير والرهيب يجب أن تقدم منذ البداية قضية أحادية الجانب لتبرير عملها و لا يمكنها أن تعترف بأي قدر من الحق أو العقل من جانب الشعب الذي قررت أن تحاربه. و لابد من تشويه الحقائق، و إخفاء الظروف ذات الصلة، و تقديم صورة من شأنها أن تقنع الشعب الجاهل بألوانها الفجة، بأن حكومته بلا لوم، وأن قضيته عادلة، وأن شر العدو الذي لا جدال فيه قد ثبت بما لا يدع مجالا للشك. إن لحظة تأمل من شأنها أن تخبر أي شخص عاقل أن مثل هذا التحيز الواضح لا يمكن أن يمثل الحقيقة. لكن لحظة التأمل هذه غير مسموح بها، إذ يتم تداول الأكاذيب بسرعة كبيرة و الكتلة غير المفكرة تقبلها، و من خلال حماسها تؤثر على البقية. إن كمية القذارة التي تُمَرَّرُ تحت اسم الوطنية في زمن الحرب في جميع البلدان كافية لجعل الناس المحترمين يحمرون خجلا عندما يصابون بخيبة أمل في وقت لاحق ".
الكذب في زمن الحرب: أكاذيب الدعاية للحرب العالمية الأولى، بقلم آرثر بونسونبي Arthur Ponsonby عضو البرلمان، 1928بقلم جورج ألين و أونوين: http://www.vlib.us/wwi/resources/archives/texts/t050824i/ponsonby.html
تذكر هذا عندما تسمع أخبارا قبيحة تتكرر في وكالات أنباء عالمية و على لسان ساسة دول ديمقراطية، مثل أن 40 طفلا قطعت رؤوسهم. يحدث الضرر في اللحظة التي تصدر فيها مثل هذه الأخبار القذرة، حتى لو اتضح في ما بعد أنها كذبة غربية مثيرة للاشمئزاز في زمن الحرب!
تذكر أن شبكة سي إن إن CNN الاخبارية، و جميع الشبكات الاخبارية الأخرى في الغرب المسيحي، اختارت نشر المؤتمر الصحفي الذي عقدته ليفشيتز Lifshitz، و هي رهينة إسرائيلية مسنة أفرج عنها حركة حماس تحت العنوان التالي و الصادم "لقد مررت بالجحيم"، في حين أن الشبكة نفسها اختارت التقليل من شأن الجزء الإيجابي و الواعد من تصريحات ليفشيتز، مثل:
"استقبلها "أشخاص قالوا لنا إننا نؤمن بالقرآن" و وعدوا "بعدم إيذائها" هي و زملائها الرهائن. قالت إنهم كانوا ينامون على مراتب على أرضية الأنفاق، و يأكلون نفس الطعام الذي يأكله مقاتلو حماس، و يتلقون علاجا منتظما من الأطباء أثناء سجنها. و أضافت ليفشيتز Lifshitz: "لقد اعتنوا حقا بالجانب الصحي للأشياء حتى لا نمرض". و قالت إن كل رهينة من الرهائن الخمسة في مجموعتها استقبلت طبيبها الخاص و كان هناك مسعف حاضر يشرف على الدواء. "لقد كانوا كرماء جدا معنا، لطفاء جدا. لقد حافظوا على نظافتنا"، قالت ليفشيتز. "لقد اعتنوا بكل التفاصيل. هناك الكثير من النساء و هن يعرفن عن النظافة النسائية و قد اعتنين بكل شيء هناك".
و اتهمت ليفشيتز أيضا الجيش الإسرائيلي و جهاز المخابرات الشاباك بعدم أخذ تهديدات حماس "على محمل الجد" و قالت إن السياج الحدودي المكلف مع غزة الذي أقامته إسرائيل لم يفعل شيئا لحماية مجتمعها من هجوم حماس. و شددت على أن "عدم الوعي من قبل الشاباك و الجيش الإسرائيلي يؤلمنا كثيرا". "لقد حذرونا قبل ثلاثة أسابيع، و أحرقوا الحقول، و أرسلوا بالونات حارقة و لم يتعامل الجيش الإسرائيلي مع الأمر بجدية".
تقرير سي ان ان:
https://www.cnn.com/2023/10/24/middleeast/israel-hostages-freed-lifshitz-cooper-intl-hnk/index.html
الإرهاب في زمن الحرب
من حيث المبدأ، أنا لا أعتمد على "العالم الحر" و الغرب المسيحي في تعريف الإرهاب و تحديد الإرهابيين، لأنهم اعتادوا ذات مرة على وصف نيلسون مانديلا بأنه إرهابي. ليس لديهم اتساق و مصداقية في هذا الصدد.
لذلك، أنا لا أعتبر حماس و لا إسرائيل، في مجملها، كيانين إرهابيين. لا يوجد كيان إرهابي و شرير تماما، فالخير و الشر موجودان في أي كيان. أنا لا أحكم على الكيانات ولكني أحكم على قراراتها و أفعالها. أنا أحكم على أفعال الناس و الجماعات و المنظمات و البلدان و الأعراق، لكنني لا أحكم عليهم ككيانات. في الواقع، ارتكبت كل من حماس و إسرائيل (مثل الآخرين) فظائع، لكنني أستثني النضال الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي، على النحو الذي تسمح به المادة 7 من قرار الأمم المتحدة رقم 3314 و التي تؤكد على ما يلي:
"ليس في هذا التعريف، ولا سيما المادة 3 منه، ما يمكن أن يمس بأي شكل من الأشكال بحق الشعوب المحرومة قسرا من ذلك الحق في تقرير المصير و الحرية و الاستقلال، على النحو المستمد من الميثاق، و المشار إليه في إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، و لا سيما الشعوب الواقعة تحت الأنظمة الاستعمارية و العنصرية أو غيرها من أشكال السيطرة الأجنبية: و لا يمس بحق هذه الشعوب في الكفاح من أجل تحقيق هذه الغاية و في التماس الدعم و تلقيه، وفقا لمبادئ الميثاق و وفقا للإعلان المذكور أعلاه".
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314: http://hrlibrary.umn.edu/instree/GAres3314.html
"تؤكد من جديد مشروعية كفاح الشعوب من أجل الاستقلال و السلامة الإقليمية و الوحدة الوطنية و التحرر من السيطرة الاستعمارية و الفصل العنصري و الاحتلال الأجنبي بجميع الوسائل المتاحة، بما فيها الكفاح المسلح"
شرعية الكفاح الفلسطيني المسلح: https://www.un.org/unispal/document/auto-insert-184801/
ولكن، بما أن الأمم المتحدة تدعو إسرائيل بوضوح إلى إنهاء هيمنتها الاستعمارية و الفصل العنصري و احتلالها للأراضي الفلسطينية، لماذا و ببساطة لا يجبر العالم الحر في الغرب المسيحي إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة ثم التفاوض على السلام مع العرب؟!
الاستحواذ على فلسطين بجرعات صغيرة
يجيب الرئيس الأمريكي ترومان على السؤال أعلاه عندما قال:
"حتى بين اليهود، الصهاينة على وجه الخصوص، الذين كانوا ضد أي شيء يجب القيام به إذا لم يتمكنوا من استلام فلسطين بأكملها و تقديم كل شيء لهم على طبق من فضة حتى لا يضطروا إلى فعل أي شيء. لم يكن بالإمكان القيام بذلك، كان علينا تناوله بجرعات صغيرة"
الرئيس الأمريكي ترومان: https://youtu.be/N0DvO72fuG4?feature=shared
من الواضح من تصريح السيد ترومان أن الصهاينة المسيحين في الغرب المسيحي كان لديهم اتفاق ضمني مع الصهاينة اليهود للاستيلاء على فلسطين بأكملها بجرعات صغيرة، و ربما أكثر ، اعتمادا على مدى تطرف الصهاينة الذين تتعامل معهم و مدى تطرف تفسيراتهم للنصوص التوراتية غير الموثقة. من الواضح أن الصهاينة هم الذين كانوا ينوون دائما على إلقاء العرب في البحر وليس العكس كما تدعي الدعايات الصهيونية.
اليهودي الإسرائيلي النبيل، السيد ميكو بيليد، و المعروف باسم "ابن الجنرال"، يتطرق أيضا إلى هذه المسألة الحيوية. كان والده الجنرال ضمن من وقعوا على إعلان استقلال إسرائيل و شارك في جميع الحروب الإسرائيلية العربية. لذلك، تمكن ميكو من الوصول إلى محاضر اجتماعات الجنرالات الصهاينة الشباب (بمن فيهم والده) قبل حروبهم مع العرب. يخبرنا ميكو، أن المحاضر تبين بوضوح كيف رغب الجنرالات الإسرائيليون الشباب في محاربة العرب لأنهم أرادوا جرعات أخرى من الأراضي الفلسطينية. و هذا يعني أن الصهاينة كانت لديهم دائما نية خفية للاستيلاء على المزيد من الأراضي بالقوة، و لا شيء كان سيخيفهم أكثر من قبول العرب بالتقسيم. لطالما أرعب السلام الصهاينة، كونه يعيق خطتهم للاستيلاء على فلسطين بأكملها.
ميكو بيليد: https://youtu.be/TOaxAckFCuQ
هل يمكن للمعلومات الواردة أعلاه مجتمعة أن تفسر الانهيار الأمني و الاستخباراتي الغامض في 7 أكتوبر، و الوصول المتأخر الغامض للقوات الإسرائيلية التي استغرقت 6 ساعات لإنقاذ شعبها؟! هل من المجحف أن نفترض أن تل أبيب كانت على علم بالهجوم، و توقعته، و تجاهلت كل المعلومات الاستخباراتية لتسمح بالهجوم، و ضحت بشعبها للحصول على الموافقة الوطنية و الدولية التي من شأنها أن تمكنهم من تطهير الفلسطينيين عرقيا من أجل جرعة أخرى من الأرض؟ هل هناك طريقة منطقية أخرى لتفسير الفشل الأمني الغامض و الاستجابة الغامضة المتأخرة؟!
تذكر هذا في المرة القادمة التي يقول لك فيها صهيوني متطرف: "العرب هم من لم يقبلوا بالتقسيم و كان على إسرائيل احتلال المزيد من الأراضي لأسباب أمنية".
هذا هراء! نعم، رفض الفلسطينيون و العرب قبول تقسيم فلسطين من قبل المحتل (بريطانيا). نعم ، أوافق على أن قرار العرب بالقتال لم يكن ذكيا بسبب موازين القوى غير المتكافئة، لكنه كان قراراً متوقعا. من السهل الحكم الآن. في الواقع، لو كان لدى العرب القوة المطلوبة و فرصة للانتصار، لنصحتهم باحتلال بريطانيا، و تقسيمها، و إعطاء الجزء الأكبر لليهود الأوروبيين المضطهدين كوطن لهم.
أي نعم، إن توقيت هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر يثير الكثير من الأسئلة حول هدفه و غاياته. أنا أعتبر الهجوم كارثة استراتيجية للنضال الفلسطيني المشروع، لكنه يمكن أن يخدم أجندة الإخوان المسلمين العالمية، و الذين لا يريدون أن ينجح فيها السعوديون في التوصل إلى سلام عادل لجميع العرب. لقد استخدمت حماس النضال الفلسطيني في الماضي لتعزيز حزبها (الإخوان المسلمين) عندما هرع زعيمها إسماعيل هنية إلى المغرب لدعم حكومة الإخوان المسلمين خلال الانتخابات، على الرغم من تطبيع المغرب مع إسرائيل، في حين كانت حماس تشيطن بشراسة التطبيع الإماراتي مع إسرائيل. هذا التناقض يدل على ازدواجية المعايير في التعامل مع الدول التي تطبع العلاقات مع إسرائيل. فلا بأس من التطبيع شريطة أن يطبع الإخوان المسلمون مع إسرائيل دون غيرهم.
كما قدم الهجوم خدمات تاريخية للإسرائيليين من خلال توحيد بيتهم الوهن و المنقسم، و إتاحة الفرص للصهاينة المتطرفين و المتعطشين للحروب في سبيل اشباع شهيتهم المتزايدة لجرعات إضافية من الأرضي الفلسطينية!
عدم الاتساق و النزاهة في زمن الحروب
في حرب المبادئ ، يجب أن تكون متسقا. فالقوانين/القيم الدولية للعالم الحر/الليبرالي و قرارات الأمم المتحدة ليست قرطا يمكنك ارتداؤه وخلعه، كما و متى يناسبك. و الحقيقة أن هذه القوانين/القيم لا تدعم الاحتلال الإسرائيلي، و تتعامل مع إسرائيل كقوة احتلال و استعمارية و نظام فصل عنصري.
أما إذا اخترت الاستناد إلى المصادر التوراتية غير الموثقة لتبرير السياسات الاستعمارية و الفصل العنصري و الاحتلال الإسرائيلي و لإبادة فلسطين و الفلسطينيين تاريخيا، فأنت توافق بشكل أساسي على قوانين/قيم توراتية رجعية تدعوا الى الإبادة الجماعية كما في سفر صموئيل، الفصل 15، 3 و الذي نصه:
"فَالآنَ اذْهَبْ وَ اضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَ لاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَ امْرَأَةً، طِفْلًا وَ رَضِيعًا، بَقَرًا وَ غَنَمًا، جَمَلًا وَ حِمَارًا"
يبدوا أن سياسات إسرائيل مبنية على اسس توراتية رجعية في تبرير إبادتها الجماعية و حرقها العشوائي للنساء و الأطفال و الشجر و الحجر الفلسطيني بنيران القذائف منذ عام 1947، و أن العصبة المتطرفة التي تقف خلف هذه السياسات و الممارسات تعد من دواعش العالم اليهودي، و هم عالة على اليهودية!
و يبدوا أن سياسات الغرب المسيحي أيضا كانت و ما زالت مبنية على اسس توراتية رجعية في تبرير إبادتها الجماعية و حرقها العشوائي للنساء و الأطفال و الشجر و الحجر الياباني بقنبلتين نوويتين، و أن العصبة المتطرفة التي كانت و ما زالت تقف خلف هذه السياسات و الممارسات تعد من دواعش الغرب المسيحي، و هم عالة على المسيحية!
هؤلاء المتطرفون هم من يزعمون: لم يكن للفلسطينيين بلد قط!
حسنا، قل ذلك لغولدا مائير (رئيسة وزراء إسرائيل السابقة) و التي أقرت بأنها كانت تحمل جواز سفر فلسطينيا لعقود من الزمن. قل ذلك للعديد من المؤرخين الإسرائيليين النبلاء و الذين يؤكدون العلاقة التاريخية للعرب بفلسطين، أو حاول مواءمة ذلك مع العديد من الأسفار التوراتية كسفر تكوين 17: 8 ، و الذي يشير إلى الأرض المقدسة على أنها أرض كنعان. يمكنك أيضا مشاهدة 5 ساعات رائعات من الحوار الذي يستضيفه صهيوني فخور و متطرف بعنوان: "هل الصهيونية استعمار استيطاني؟"
الحوار : https://youtu.be/V8fbG0B1pi8?feature=shared
وعد بلفور
لم تكن بريطانيا مدفوعة بالمبادئ أو العدالة عندما قررت منح جزء من فلسطين للصهاينة! فقد فعلت بريطانيا و أوروبا ذلك لأنهما ترغبان في قارة اوروبية خالية من اليهود و اليهودية. و هذا ما أكده مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل Theodor Herzl شخصيا، في كتابه "الدولة اليهودية".
كان وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور Arthur Balfour الذي أصدر إعلانه المريب معاديا للسامية، لكنه أيد إنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، من خلال التخلي بسخاء عما لا يملكه. بلفور لم يقدم معروفا لليهود، بل أراد خروج اليهود من أوروبا. كان الإعلان مجرد جبنة على فخ الفئران. إدوين صموئيل مونتاجو Edwin Samuel Montagu، اليهودي الوحيد في مجلس الوزراء البريطاني يؤكد ذلك ، و لذلك لم يؤيد هذا الإعلان المريب لأنه اعتبره معاديا للسامية. لا عجب لماذا لم يصدر بلفور الإعلان للسيد مونتاجو.
كان اليهود يمرون بوقت بائس في الغرب المسيحي و كانوا يُعَامَلُون بشراسة، في حين كان الفلسطينيين بلادهم مفتوحة دائما لليهود، قبل و بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، و حتى أصبحوا على دراية بالخطط الصهيونية المعادية للعرب. حتى ذلك الحين، كان اليهود يهاجرون بحرية إلى فلسطين قبل إعلان بلفور المريب، و الذي حول الصراع المسيحي اليهودي التاريخي إلى صراع عربي يهودي غريب. كان العرب بشكل عام يمدون أيديهم دائما لليهود المضطهدين من باب العون و المساعدة، لكن الصهاينة المتطرفين انتهى بهم الأمر إلى عض تلك اليد السخية، و هذا ما أكده العديد من المؤرخين الإسرائيليين النبلاء.
إن يوميات المستوطنين الصهاينة الأوائل (المستوطنين الروس الفقراء جدا) تصف تماما العقلية الصهيونية. و هؤلاء من ضمن الموجة الثانية من المستوطنين الصهاينة القوميين الذين جاءوا الى فلسطين بعد هزيمة ثورتهم البلشفية ضد القيصر الروسي في عام 1905 و أنشأوا أو شكلوا نواة الحركة الصهيونية في فلسطين. يقول المؤرخ الإسرائيلي النبيل السيد إيلان بابيه Ilan Pappé في هذا الصدد:
"لم يكن لديهم سوى القليل من المال عندما وصلوا إلى ميناء يافا. لم يعرفوا شيئا عن الزراعة، حيث لم يسمح لليهود في روسيا و أوروبا الشرقية بالعمل في زراعة الأرض، و لم يعرفوا كيف يكسبون لقمة العيش لأنفسهم و لم يكن لديهم مكان يقيمون فيه في البلد الجديد المسمى فلسطين. لذلك، كانوا محظوظين جدا لأن الفلسطينيين المحليين استضافوهم ، و قدموا لهم مكانا للنوم، و قليلا من الطعام، و عندما مكثوا لفترة كافية علموهم كيفية زراعة الأرض و كيفية رعاية القطعان و كيف يصبحون نوعا ما أطفالا في البلد الجديد.
لكن في الليل كتب هؤلاء المستوطنون تحت ضوء الشموع يومياتهم. كتبوا عن كل شيء: لدغات البعوض، لم يتمكنوا من النوم، النساء اللواتي لم يعجبهن (لم تحب النساء الرجال و الرجال لم يعجبهم النساء). لا يوجد شيء نجا من اليوميات. و في تلك اليوميات، كتبوا عن خيبة أملهم الكبرى في فلسطين. كانت خيبة الأمل الرئيسية أن المكان كان مليئا بالأجانب، و خاصة أولئك الذين استضافوهم! كانوا يقولون في مذكراتهم: أنا أقيم الليلة في منزل أحد هؤلاء الأجانب. لم تتغير هذه العقلية حتى الآن و كانت هناك خيبة أمل. الأولى أنهم اعتقدوا أن فلسطين كانت مساحة فارغة، وأنها أرض بلا شعب و تنتظر شعباً بلا أرض. لقد صدقوا ذلك حقا. إذا قرأت دعاية الحركة الصهيونية بعد أن أسسها هرتزل عام 1897، فإن فلسطين تبدو كأرض فارغة تماما. لذلك، فوجئوا حقا برؤية شخص آخر هناك.
الثانية، كان عليهم التوفيق بين هذا الواقع الجديد و فكرتهم في إنشاء وطن جديد، لذلك قرروا أن الأشخاص الذين لا يفترض أن يكونوا هناك، هم أجانب معادون أخذوا شيئا لا يخصهم.
إذا كنت تعتقد أن هذا أمر مبسط و عفا عليه الزمن، فكر مرتين!
إن أهم أداة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، سواء كان ذلك في المدارس الثانوية أو الكليات أو في الجامعات هو "أطلس الصراع العربي الإسرائيلي"، الذي كتبه أحد كبار الأساتذة البريطانيين يدعى مارتن جيلبرت Martin Gilbert، و أعتقد أنه موجود بالفعل في طبعته ال 12. هذه هي الأداة الرئيسية التي كان الطلاب في أمريكا، و حتى وقت قريب في إنجلترا، ينظرون بها جغرافيا إلى الصراع. إنها تخبرك الكثير عن الدعاية الصهيونية اليوم مقارنة بالدعاية الصهيونية في الأيام الأولى. الخارطة الأولى هي فلسطين في العصور التوراتية، والخارطة الثانية هي فلسطين خلال العصر الروماني، و الخارطة الثالثة هي فلسطين خلال العصر الصليبي، و الخارطة الرابعة هي أول مستوطنة صهيونية في عام 1882، مما يعني أنه بين عام 70 ميلادية (زمن المسيح) حتى أواخر القرن 19 لم يحدث شيء في فلسطين. لأنه كان فارغا و لا يوجد أشخاص هناك! هذه العقلية لا تزال موجودة في إسرائيل و هذه هي الصهيونية بالنسبة لي. لأن الصهاينة لا يقولون إنه لا يوجد عرب حولهم، بالطبع يعرفون أن هناك عربا حولهم، لكن الجهود كلها تصب في مستويين: الأول، هو جعل الفلسطينيين يتبخرون و يختفون حتى يتمكنوا من العودة إلى أرض بدون شعب، أو إذا لم تتمكن من فعل ذلك، فتخيل أنهم ليسوا هناك، من خلال بناء جدار ."
السيد إيلان بابيه: https://youtu.be/9EXb1SI1lNw?feature=shared
الدروع البشرية في زمن الحرب
و للأسف، ليست حماس وحدها هي التي تستخدم الفلسطينيين كدروع بشرية في كفاحهم المسلح المشروع من أجل التحرير. فبموافقة الغرب المسيحي، تستخدم إسرائيل أيضا المستوطنين كأداة احتلال (دروع بشرية) في حدود الأراضي المحتلة. إسرائيل تعلم أن الغرب المسيحي يمتاز في قدرته على إغلاق أعينهم بينما تمارس إسرائيل أعمال الاستعمار و الفصل العنصري و الاحتلال ضد الفلسطينيين (اصحاب الارض الأصليين). و هم يعلمون أيضا أن الغرب المسيحي سيسمح لهم خلال الحرب الحالية بارتكاب كل قبيح ضد الفلسطينيين الأبرياء، تماما كما أغمض الغرب المسيحي أعينهم خلال الحرب العالمية الثانية و سمحوا للنازيين بارتكاب إبادة جماعية ضد اليهود الأبرياء. يندم الصهاينة النبلاء على مثل هذا التاريخ و يعترفون بأن ما فعلوه بجيرانهم الفلسطينيين في عام 1947 كان مساويا لما فعله النازيون بهم خلال المحرقة. فالصهيوني يتصرف كما يُسمَحُ له بالتصرف.
ميليشيات حماس
أنا لا أدين الكفاح المسلح الفلسطيني المشروع من أجل تقرير مصيرهم، لكنني ضد الجماعات المسلحة و المنشقة، و التي تعمل في عزلة، و بالتالي تعرض نفسها لأجندات أجنبية. لهذا السبب، أنا لا أؤيد مقاتلي حماس والجهاد الفلسطينيين و لا مقاتلي حزب الله اللبناني. كما أنني لا أؤيد الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي المتشدد الذي يقوض القوانين/القيم الدولية و قرارات الأمم المتحدة.
و بالرغم من سعيها الصادق للكرامة و الحرية، لم تقبل حماس أن تكون دمية في يد إيران فحسب، بل أصبحت أيضا دمية في يد إسرائيل (المحتل) على مدى السنوات ال 16 الماضية. لقد حصلوا على دعم مالي أجنبي رسمي من خلال إسرائيل. و قد استخدمتها إسرائيل بشكل ملائم لتقسيم و إضعاف نسيج المقاومة الفلسطينية. و في سعيها لهزيمة الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي، لم تمانع حماس بوعي في استخدامها ليس فقط للتقدم في الأجندات الإيرانية التوسعية فحسب، بل أيضا في الأجندات التوسعية الإسرائيلية. لا تمانع حماس أبدا في التعاون مع الاحتلال الإيراني الغاشم من أجل محاربة الاحتلال الإسرائيلي. في الأساس، أنا أدين مثل هذا المبدأ الميكيافيلي المتطرف و الذي يفتقر إلى الاتساق و النزاهة. كما أدين مثل هذه السياسات الانتحارية من كلا الجانبين، حماس و إسرائيل. ذكرت جريدة تايمز أوف إسرائيل Times of Israel في 8 أكتوبر 2023:
"وفقا لتقارير مختلفة، أشار نتنياهو إلى نقطة مماثلة في اجتماع لحزب الليكود في أوائل عام 2019، عندما نقل عنه قوله إن أولئك الذين يعارضون قيام دولة فلسطينية يجب أن يدعموا تحويل الأموال إلى غزة، لأن الحفاظ على الفصل بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و حماس في غزة سيمنع إقامة دولة فلسطينية".
تايمز أوف إسرائيل:
https://www.timesofisrael.com/for-years-netanyahu-propped-up-hamas-now-its-blown-up-in-our-faces/
هذه سياسة ساذجة و قصيرة النظر، من جميع الجوانب، لا تخدم الفلسطينيين و لا الإسرائيليين و لا الإيرانيين. إنها تخدم فقط مصالح الآخر.
الواقع
من الناحية القانونية، لا تزال قرارات الأمم المتحدة سارية و تحتاج إسرائيل إلى الوجود كملاذ آمن لليهود المضطهدين دائما. ولكن الواقع أن الأمم المتحدة أيضا تخاطب إسرائيل رسميا كقوة احتلال تتجاهل القوانين/القيم الدولية و تتصرف بناء على قوانين/قيم الكتب المقدسة القديمة. و الواقع أن الحل في التحكيم و احالة الصراع إلى محكمة قانونية دولية من أجل تسوية عادلة لكلا الطرفين. أنا أعلم أن الفلسطينيين يريدون هذا الحل و راضون مسبقاً بما ستحكم به المحكمة، في حين أن الإسرائيليين لا يريدون التحكيم. هاذين الموقفين المتباينين يميزان لنا الحق المحلق في السماء من الباطل الغارق في الأعماق، و يميزان بين من يريد التعايش و من لا يريد!
في حرب المبادئ، ليس لدي أي احترام للأنظمة ذات العقلية المتشددة التي لا تمتثل بشكل فعال و مستمر للقوانين الدولية المعترف بها. أعني أولئك الذين يفتقرون إلى المساءلة و النزاهة، مثل جمهورية إيران الإسلامية، دولة إسرائيل المحتلة، و على رأسهم أولئك الذين يمكنون من سبق في الغرب المسيحي. في الأساس، أدين جميع الميكافيليين المتطرفين و الذين يفتقرون إلى الاتساق و النزاهة (المبادئ).
من الواضح
لن أقبل أبدا أن تصوت الأمم المتحدة لتقسيم بلدي (هل ستقبل انت؟!) من الواضح أنك ستقاتل (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أن الغرب المسيحي لديه مجموعتان من القوانين/القيم الليبرالية الغربية، واحدة لأنفسهم و الأخرى للآخرين (أليس كذلك؟!). من الواضح أن موقف الغرب المسيحي منافق و يفتقر إلى النزاهة (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أن الغرب المسيحي و الصهيونية تعملان على أساس قوانين/قيم الكتب المقدسة الرجعية و ليس قوانينها/قيمها الليبرالية الجذابة (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أن الاحتلال و المُحتًل لا يمكنه التحدث عن الدفاع عن النفس (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أنه عندما أشار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إلى الفلسطينيين في 9 أكتوبر على أنهم "حيوانات بشرية"، كان يستخدم خطاب الإبادة الجماعية. قال:
"نحن نفرض حصارا كاملا على غزة. لا كهرباء و لا طعام و لا ماء و لا وقود. كل شيء مغلق. نحن نحارب حيوانات بشرية، و سنتصرف وفقا لذلك".
من الواضح أن مصطلح "الحيوانات البشرية" من مفردات الإبادة الجماعية. ففي أي إبادة جماعية، يرى المعتدي ضحيته حيواناً شريراً. الإسرائيليون ينظرون إلى الفلسطينيين على أنهم حيوانات شريرة، كما نظر هتلر الى اليهود كحيوانات شريرة. من العار أن نرى الغرب المسيحي يشيد بممارسات تعد إبادة جماعية كما وردت في خطاب المحتل الاسرائيلي ضد فلسطين المحتلة، بعد أشهر من إدانتهم بشكل قاطع للممارسات ذاتها في شأن المحتل الروسي ضد أوكرانيا المحتلة. من العار أن نرى الغرب المسيحي يتبنى مجموعتين من القوانين/القيم، احداها لأنفسهم و الأخرى للآخرين و ذلك أثناء التعامل مع الاحتلال و حقوق الإنسان. من العار أن نرى الغرب المسيحي يقوض القوانين الدولية و قرارات الأمم المتحدة، من خلال السماح لإسرائيل بخرقها للشرائع الدولية. من العار أن نشاهد الأغلبية الصامتة في الغرب المسيحي و هي تغض الطرف، للسماح للصهاينة المتطرفين بخرق القانون الدولي و القيام بالقبيح نيابة عنهم جميعا. التاريخ يعيد نفسه. هذا مثير للاشمئزاز (أليس كذلك؟!).
من الواضح أن النظام العالمي الحالي يفتقر إلى الإنسانية و المصداقية و النزاهة والمبادئ. أليس كذلك؟!
ملاحظة: أثناء القراءة ، تذكر أن برنارد لويس عَرَّف الغرب المسيحي على النحو التالي:
"الحضارة بأكملها شكلتها الديانة المسيحية ولكنها تتضمن العديد من العناصر التي ليست جزءا من هذا الدين أو ربما معادية لذلك الدين، ولكنها مع ذلك تنشأ داخل هذه الحضارة. على المرء أن يقول إن هتلر و النازيين نشأوا داخل العالم المسيحي، لكن لا يمكن لأحد أن يقول إنهم نشأوا داخل المسيحية. هذا تمييز من المهم أن نضعه في الاعتبار ".
وفقا لذلك و في هذه المقالة، يشير مصطلح "الغرب المسيحي" إلى الحضارة المسيحية بأكملها، ولكن ليس المسيحية كدين و لا أتباعها المسالمين.
يا مغيث!
فلسطين: حرب المبادئ
بقلم: خالد الخاجة
الكذب في زمن الحرب
"الباطل و الكذب سلاح معترف به و مفيد للغاية في الحرب، و كل دولة تستخدمه عمداً لخداع شعبها و جذب المحايدين و تضليل العدو. إن الجماهير الجاهلة و البريئة في كل بلد لا تدرك ذلك في الوقت الذي يتم تضليلها، و عندما ينتهي كل شيء هنا و هناك فقط يتم اكتشاف الأكاذيب و كشفها، بعد أن أصبحت من التاريخ الماضي و التأثير المطلوب قد تم تحقيقه من خلال القصص و البيانات المفبركة، و لم يعد أحد يتكلف عناء التحقيق في الحقائق و إثبات الحقيقة.
الكذب، كما نعلم جميعا، لا يحدث فقط في زمن الحرب. لقد قيل إن الإنسان ليس "حقيقيا" (أي لا يقول الحقيقة)، لكن عادته في الكذب ليست بأغرب من إستعداده المذهل للاعتقاد و التصديق. في الواقع، تزدهر الأكاذيب بسبب السذاجة البشرية. لكن في زمن الحرب، لا يتم التعرف على التنظيم الرسمي للكذب بشكل كاف. إن خداع الشعوب بأكملها ليس مسألة يمكن الاستخفاف بها.
و يمكن بالكذب تحقيق غرض مفيد في فترة السلام بتوجيه تحذير يمكن للناس أن يفحصوه بهدوء و نزاهة. يجب على السلطات في كل بلد أن تلجأ إلى هذه الممارسة من أجل تبرير موقفها: أولا بتصوير العدو على أنه مجرم معقد؛ و ثانيا، بتأجيج العاطفة الشعبية بما فيه الكفاية لتأمين المجندين لمواصلة النضال. فلا يمكن للسلطة أن تقول الحقيقة، و في بعض الحالات قد لا تعرف السلطة نفسها ما هي الحقيقة.
العامل النفسي في الحرب لا يقل أهمية عن العامل العسكري، فلابد من الحفاظ على معنويات المدنيين، فضلا عن الجنود، على المستوى المطلوب. فبينما تعتني مكاتب الحرب و الأميرالية و الوزارات الجوية بالجانب العسكري، يجب إنشاء أقسام للنظر في الجانب النفسي. و يجب ألا يُسمَح أبدا للناس بأن يصبحوا يائسين؛ بل يجب ألا يشعروا باليأس. لذلك يجب تضخيم الانتصارات و التهوين من الهزائم، إن ما أمكن إخفاءها. و يجب ضخ حافز السخط و الرعب و الكراهية بشكل دؤوب و مستمر في ذهن الجمهور عن طريق "الدعاية".
كما قال السيد بونار لو في مقابلة مع الصحافة الأمريكية المتحدة United Press of America، في إشارة إلى الوطنية: "من الجيد أن يتم تحريكها بشكل صحيح بواسطة الرعب الألماني" (كان هذا في الحرب العالمية الأولى، بتخويف الغرب من الألمان! الهون قادمون!). و هناك نوع من التأكيد العام على الفظائع من خلال عبارات غامضة تتجنب المسؤولية عن صحة قصة معينة، كما هو الحال عندما قال السيد أسكويث (مجلس العموم، 27 أبريل 1915): "لن ننسى هذا السجل الرهيب من القسوة و الجريمة المحسوبة".
إن استخدام سلاح الكذب و الباطل ضروري بشكل أكثر في بلد لا يكون فيه التجنيد العسكري الزامياً منه في البلدان التي يتم فيها تجنيد رجال الأمة تلقائيا في الجيش أو البحرية أو الخدمة الجوية. و يمكن إثارة الجمهور عاطفيا من خلال المُثُل الزائفة، فينتشر نوع من الهستيريا الجماعية و يرتفع حتى يتغلب في النهاية على الأشخاص المحايدين و الصحف ذات السمعة الطيبة (حتى الصحف تبدأ في توليد الأكاذيب و الباطل).
في وجود التحذيرات، قد يكون عامة الناس أكثر حذرا عندما تظهر سحابة الحرب التالية في الأفق و أقل استعدادا لقبول الشائعات و التفسيرات و التصريحات الصادرة لاستهلاكهم كحقيقة. لذا، ينبغي أن يدركوا أن على الحكومة التي قررت الشروع في مشروع الحرب الخطير والرهيب يجب أن تقدم منذ البداية قضية أحادية الجانب لتبرير عملها و لا يمكنها أن تعترف بأي قدر من الحق أو العقل من جانب الشعب الذي قررت أن تحاربه. و لابد من تشويه الحقائق، و إخفاء الظروف ذات الصلة، و تقديم صورة من شأنها أن تقنع الشعب الجاهل بألوانها الفجة، بأن حكومته بلا لوم، وأن قضيته عادلة، وأن شر العدو الذي لا جدال فيه قد ثبت بما لا يدع مجالا للشك. إن لحظة تأمل من شأنها أن تخبر أي شخص عاقل أن مثل هذا التحيز الواضح لا يمكن أن يمثل الحقيقة. لكن لحظة التأمل هذه غير مسموح بها، إذ يتم تداول الأكاذيب بسرعة كبيرة و الكتلة غير المفكرة تقبلها، و من خلال حماسها تؤثر على البقية. إن كمية القذارة التي تُمَرَّرُ تحت اسم الوطنية في زمن الحرب في جميع البلدان كافية لجعل الناس المحترمين يحمرون خجلا عندما يصابون بخيبة أمل في وقت لاحق ".
الكذب في زمن الحرب: أكاذيب الدعاية للحرب العالمية الأولى، بقلم آرثر بونسونبي Arthur Ponsonby عضو البرلمان، 1928بقلم جورج ألين و أونوين: http://www.vlib.us/wwi/resources/archives/texts/t050824i/ponsonby.html
تذكر هذا عندما تسمع أخبارا قبيحة تتكرر في وكالات أنباء عالمية و على لسان ساسة دول ديمقراطية، مثل أن 40 طفلا قطعت رؤوسهم. يحدث الضرر في اللحظة التي تصدر فيها مثل هذه الأخبار القذرة، حتى لو اتضح في ما بعد أنها كذبة غربية مثيرة للاشمئزاز في زمن الحرب!
تذكر أن شبكة سي إن إن CNN الاخبارية، و جميع الشبكات الاخبارية الأخرى في الغرب المسيحي، اختارت نشر المؤتمر الصحفي الذي عقدته ليفشيتز Lifshitz، و هي رهينة إسرائيلية مسنة أفرج عنها حركة حماس تحت العنوان التالي و الصادم "لقد مررت بالجحيم"، في حين أن الشبكة نفسها اختارت التقليل من شأن الجزء الإيجابي و الواعد من تصريحات ليفشيتز، مثل:
"استقبلها "أشخاص قالوا لنا إننا نؤمن بالقرآن" و وعدوا "بعدم إيذائها" هي و زملائها الرهائن. قالت إنهم كانوا ينامون على مراتب على أرضية الأنفاق، و يأكلون نفس الطعام الذي يأكله مقاتلو حماس، و يتلقون علاجا منتظما من الأطباء أثناء سجنها. و أضافت ليفشيتز Lifshitz: "لقد اعتنوا حقا بالجانب الصحي للأشياء حتى لا نمرض". و قالت إن كل رهينة من الرهائن الخمسة في مجموعتها استقبلت طبيبها الخاص و كان هناك مسعف حاضر يشرف على الدواء. "لقد كانوا كرماء جدا معنا، لطفاء جدا. لقد حافظوا على نظافتنا"، قالت ليفشيتز. "لقد اعتنوا بكل التفاصيل. هناك الكثير من النساء و هن يعرفن عن النظافة النسائية و قد اعتنين بكل شيء هناك".
و اتهمت ليفشيتز أيضا الجيش الإسرائيلي و جهاز المخابرات الشاباك بعدم أخذ تهديدات حماس "على محمل الجد" و قالت إن السياج الحدودي المكلف مع غزة الذي أقامته إسرائيل لم يفعل شيئا لحماية مجتمعها من هجوم حماس. و شددت على أن "عدم الوعي من قبل الشاباك و الجيش الإسرائيلي يؤلمنا كثيرا". "لقد حذرونا قبل ثلاثة أسابيع، و أحرقوا الحقول، و أرسلوا بالونات حارقة و لم يتعامل الجيش الإسرائيلي مع الأمر بجدية".
تقرير سي ان ان:
https://www.cnn.com/2023/10/24/middleeast/israel-hostages-freed-lifshitz-cooper-intl-hnk/index.html
الإرهاب في زمن الحرب
من حيث المبدأ، أنا لا أعتمد على "العالم الحر" و الغرب المسيحي في تعريف الإرهاب و تحديد الإرهابيين، لأنهم اعتادوا ذات مرة على وصف نيلسون مانديلا بأنه إرهابي. ليس لديهم اتساق و مصداقية في هذا الصدد.
لذلك، أنا لا أعتبر حماس و لا إسرائيل، في مجملها، كيانين إرهابيين. لا يوجد كيان إرهابي و شرير تماما، فالخير و الشر موجودان في أي كيان. أنا لا أحكم على الكيانات ولكني أحكم على قراراتها و أفعالها. أنا أحكم على أفعال الناس و الجماعات و المنظمات و البلدان و الأعراق، لكنني لا أحكم عليهم ككيانات. في الواقع، ارتكبت كل من حماس و إسرائيل (مثل الآخرين) فظائع، لكنني أستثني النضال الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي، على النحو الذي تسمح به المادة 7 من قرار الأمم المتحدة رقم 3314 و التي تؤكد على ما يلي:
"ليس في هذا التعريف، ولا سيما المادة 3 منه، ما يمكن أن يمس بأي شكل من الأشكال بحق الشعوب المحرومة قسرا من ذلك الحق في تقرير المصير و الحرية و الاستقلال، على النحو المستمد من الميثاق، و المشار إليه في إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، و لا سيما الشعوب الواقعة تحت الأنظمة الاستعمارية و العنصرية أو غيرها من أشكال السيطرة الأجنبية: و لا يمس بحق هذه الشعوب في الكفاح من أجل تحقيق هذه الغاية و في التماس الدعم و تلقيه، وفقا لمبادئ الميثاق و وفقا للإعلان المذكور أعلاه".
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314: http://hrlibrary.umn.edu/instree/GAres3314.html
"تؤكد من جديد مشروعية كفاح الشعوب من أجل الاستقلال و السلامة الإقليمية و الوحدة الوطنية و التحرر من السيطرة الاستعمارية و الفصل العنصري و الاحتلال الأجنبي بجميع الوسائل المتاحة، بما فيها الكفاح المسلح"
شرعية الكفاح الفلسطيني المسلح: https://www.un.org/unispal/document/auto-insert-184801/
ولكن، بما أن الأمم المتحدة تدعو إسرائيل بوضوح إلى إنهاء هيمنتها الاستعمارية و الفصل العنصري و احتلالها للأراضي الفلسطينية، لماذا و ببساطة لا يجبر العالم الحر في الغرب المسيحي إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة ثم التفاوض على السلام مع العرب؟!
الاستحواذ على فلسطين بجرعات صغيرة
يجيب الرئيس الأمريكي ترومان على السؤال أعلاه عندما قال:
"حتى بين اليهود، الصهاينة على وجه الخصوص، الذين كانوا ضد أي شيء يجب القيام به إذا لم يتمكنوا من استلام فلسطين بأكملها و تقديم كل شيء لهم على طبق من فضة حتى لا يضطروا إلى فعل أي شيء. لم يكن بالإمكان القيام بذلك، كان علينا تناوله بجرعات صغيرة"
الرئيس الأمريكي ترومان: https://youtu.be/N0DvO72fuG4?feature=shared
من الواضح من تصريح السيد ترومان أن الصهاينة المسيحين في الغرب المسيحي كان لديهم اتفاق ضمني مع الصهاينة اليهود للاستيلاء على فلسطين بأكملها بجرعات صغيرة، و ربما أكثر ، اعتمادا على مدى تطرف الصهاينة الذين تتعامل معهم و مدى تطرف تفسيراتهم للنصوص التوراتية غير الموثقة. من الواضح أن الصهاينة هم الذين كانوا ينوون دائما على إلقاء العرب في البحر وليس العكس كما تدعي الدعايات الصهيونية.
اليهودي الإسرائيلي النبيل، السيد ميكو بيليد، و المعروف باسم "ابن الجنرال"، يتطرق أيضا إلى هذه المسألة الحيوية. كان والده الجنرال ضمن من وقعوا على إعلان استقلال إسرائيل و شارك في جميع الحروب الإسرائيلية العربية. لذلك، تمكن ميكو من الوصول إلى محاضر اجتماعات الجنرالات الصهاينة الشباب (بمن فيهم والده) قبل حروبهم مع العرب. يخبرنا ميكو، أن المحاضر تبين بوضوح كيف رغب الجنرالات الإسرائيليون الشباب في محاربة العرب لأنهم أرادوا جرعات أخرى من الأراضي الفلسطينية. و هذا يعني أن الصهاينة كانت لديهم دائما نية خفية للاستيلاء على المزيد من الأراضي بالقوة، و لا شيء كان سيخيفهم أكثر من قبول العرب بالتقسيم. لطالما أرعب السلام الصهاينة، كونه يعيق خطتهم للاستيلاء على فلسطين بأكملها.
ميكو بيليد: https://youtu.be/TOaxAckFCuQ
هل يمكن للمعلومات الواردة أعلاه مجتمعة أن تفسر الانهيار الأمني و الاستخباراتي الغامض في 7 أكتوبر، و الوصول المتأخر الغامض للقوات الإسرائيلية التي استغرقت 6 ساعات لإنقاذ شعبها؟! هل من المجحف أن نفترض أن تل أبيب كانت على علم بالهجوم، و توقعته، و تجاهلت كل المعلومات الاستخباراتية لتسمح بالهجوم، و ضحت بشعبها للحصول على الموافقة الوطنية و الدولية التي من شأنها أن تمكنهم من تطهير الفلسطينيين عرقيا من أجل جرعة أخرى من الأرض؟ هل هناك طريقة منطقية أخرى لتفسير الفشل الأمني الغامض و الاستجابة الغامضة المتأخرة؟!
تذكر هذا في المرة القادمة التي يقول لك فيها صهيوني متطرف: "العرب هم من لم يقبلوا بالتقسيم و كان على إسرائيل احتلال المزيد من الأراضي لأسباب أمنية".
هذا هراء! نعم، رفض الفلسطينيون و العرب قبول تقسيم فلسطين من قبل المحتل (بريطانيا). نعم ، أوافق على أن قرار العرب بالقتال لم يكن ذكيا بسبب موازين القوى غير المتكافئة، لكنه كان قراراً متوقعا. من السهل الحكم الآن. في الواقع، لو كان لدى العرب القوة المطلوبة و فرصة للانتصار، لنصحتهم باحتلال بريطانيا، و تقسيمها، و إعطاء الجزء الأكبر لليهود الأوروبيين المضطهدين كوطن لهم.
أي نعم، إن توقيت هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر يثير الكثير من الأسئلة حول هدفه و غاياته. أنا أعتبر الهجوم كارثة استراتيجية للنضال الفلسطيني المشروع، لكنه يمكن أن يخدم أجندة الإخوان المسلمين العالمية، و الذين لا يريدون أن ينجح فيها السعوديون في التوصل إلى سلام عادل لجميع العرب. لقد استخدمت حماس النضال الفلسطيني في الماضي لتعزيز حزبها (الإخوان المسلمين) عندما هرع زعيمها إسماعيل هنية إلى المغرب لدعم حكومة الإخوان المسلمين خلال الانتخابات، على الرغم من تطبيع المغرب مع إسرائيل، في حين كانت حماس تشيطن بشراسة التطبيع الإماراتي مع إسرائيل. هذا التناقض يدل على ازدواجية المعايير في التعامل مع الدول التي تطبع العلاقات مع إسرائيل. فلا بأس من التطبيع شريطة أن يطبع الإخوان المسلمون مع إسرائيل دون غيرهم.
كما قدم الهجوم خدمات تاريخية للإسرائيليين من خلال توحيد بيتهم الوهن و المنقسم، و إتاحة الفرص للصهاينة المتطرفين و المتعطشين للحروب في سبيل اشباع شهيتهم المتزايدة لجرعات إضافية من الأرضي الفلسطينية!
عدم الاتساق و النزاهة في زمن الحروب
في حرب المبادئ ، يجب أن تكون متسقا. فالقوانين/القيم الدولية للعالم الحر/الليبرالي و قرارات الأمم المتحدة ليست قرطا يمكنك ارتداؤه وخلعه، كما و متى يناسبك. و الحقيقة أن هذه القوانين/القيم لا تدعم الاحتلال الإسرائيلي، و تتعامل مع إسرائيل كقوة احتلال و استعمارية و نظام فصل عنصري.
أما إذا اخترت الاستناد إلى المصادر التوراتية غير الموثقة لتبرير السياسات الاستعمارية و الفصل العنصري و الاحتلال الإسرائيلي و لإبادة فلسطين و الفلسطينيين تاريخيا، فأنت توافق بشكل أساسي على قوانين/قيم توراتية رجعية تدعوا الى الإبادة الجماعية كما في سفر صموئيل، الفصل 15، 3 و الذي نصه:
"فَالآنَ اذْهَبْ وَ اضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَ لاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَ امْرَأَةً، طِفْلًا وَ رَضِيعًا، بَقَرًا وَ غَنَمًا، جَمَلًا وَ حِمَارًا"
يبدوا أن سياسات إسرائيل مبنية على اسس توراتية رجعية في تبرير إبادتها الجماعية و حرقها العشوائي للنساء و الأطفال و الشجر و الحجر الفلسطيني بنيران القذائف منذ عام 1947، و أن العصبة المتطرفة التي تقف خلف هذه السياسات و الممارسات تعد من دواعش العالم اليهودي، و هم عالة على اليهودية!
و يبدوا أن سياسات الغرب المسيحي أيضا كانت و ما زالت مبنية على اسس توراتية رجعية في تبرير إبادتها الجماعية و حرقها العشوائي للنساء و الأطفال و الشجر و الحجر الياباني بقنبلتين نوويتين، و أن العصبة المتطرفة التي كانت و ما زالت تقف خلف هذه السياسات و الممارسات تعد من دواعش الغرب المسيحي، و هم عالة على المسيحية!
هؤلاء المتطرفون هم من يزعمون: لم يكن للفلسطينيين بلد قط!
حسنا، قل ذلك لغولدا مائير (رئيسة وزراء إسرائيل السابقة) و التي أقرت بأنها كانت تحمل جواز سفر فلسطينيا لعقود من الزمن. قل ذلك للعديد من المؤرخين الإسرائيليين النبلاء و الذين يؤكدون العلاقة التاريخية للعرب بفلسطين، أو حاول مواءمة ذلك مع العديد من الأسفار التوراتية كسفر تكوين 17: 8 ، و الذي يشير إلى الأرض المقدسة على أنها أرض كنعان. يمكنك أيضا مشاهدة 5 ساعات رائعات من الحوار الذي يستضيفه صهيوني فخور و متطرف بعنوان: "هل الصهيونية استعمار استيطاني؟"
الحوار : https://youtu.be/V8fbG0B1pi8?feature=shared
وعد بلفور
لم تكن بريطانيا مدفوعة بالمبادئ أو العدالة عندما قررت منح جزء من فلسطين للصهاينة! فقد فعلت بريطانيا و أوروبا ذلك لأنهما ترغبان في قارة اوروبية خالية من اليهود و اليهودية. و هذا ما أكده مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل Theodor Herzl شخصيا، في كتابه "الدولة اليهودية".
كان وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور Arthur Balfour الذي أصدر إعلانه المريب معاديا للسامية، لكنه أيد إنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، من خلال التخلي بسخاء عما لا يملكه. بلفور لم يقدم معروفا لليهود، بل أراد خروج اليهود من أوروبا. كان الإعلان مجرد جبنة على فخ الفئران. إدوين صموئيل مونتاجو Edwin Samuel Montagu، اليهودي الوحيد في مجلس الوزراء البريطاني يؤكد ذلك ، و لذلك لم يؤيد هذا الإعلان المريب لأنه اعتبره معاديا للسامية. لا عجب لماذا لم يصدر بلفور الإعلان للسيد مونتاجو.
كان اليهود يمرون بوقت بائس في الغرب المسيحي و كانوا يُعَامَلُون بشراسة، في حين كان الفلسطينيين بلادهم مفتوحة دائما لليهود، قبل و بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، و حتى أصبحوا على دراية بالخطط الصهيونية المعادية للعرب. حتى ذلك الحين، كان اليهود يهاجرون بحرية إلى فلسطين قبل إعلان بلفور المريب، و الذي حول الصراع المسيحي اليهودي التاريخي إلى صراع عربي يهودي غريب. كان العرب بشكل عام يمدون أيديهم دائما لليهود المضطهدين من باب العون و المساعدة، لكن الصهاينة المتطرفين انتهى بهم الأمر إلى عض تلك اليد السخية، و هذا ما أكده العديد من المؤرخين الإسرائيليين النبلاء.
إن يوميات المستوطنين الصهاينة الأوائل (المستوطنين الروس الفقراء جدا) تصف تماما العقلية الصهيونية. و هؤلاء من ضمن الموجة الثانية من المستوطنين الصهاينة القوميين الذين جاءوا الى فلسطين بعد هزيمة ثورتهم البلشفية ضد القيصر الروسي في عام 1905 و أنشأوا أو شكلوا نواة الحركة الصهيونية في فلسطين. يقول المؤرخ الإسرائيلي النبيل السيد إيلان بابيه Ilan Pappé في هذا الصدد:
"لم يكن لديهم سوى القليل من المال عندما وصلوا إلى ميناء يافا. لم يعرفوا شيئا عن الزراعة، حيث لم يسمح لليهود في روسيا و أوروبا الشرقية بالعمل في زراعة الأرض، و لم يعرفوا كيف يكسبون لقمة العيش لأنفسهم و لم يكن لديهم مكان يقيمون فيه في البلد الجديد المسمى فلسطين. لذلك، كانوا محظوظين جدا لأن الفلسطينيين المحليين استضافوهم ، و قدموا لهم مكانا للنوم، و قليلا من الطعام، و عندما مكثوا لفترة كافية علموهم كيفية زراعة الأرض و كيفية رعاية القطعان و كيف يصبحون نوعا ما أطفالا في البلد الجديد.
لكن في الليل كتب هؤلاء المستوطنون تحت ضوء الشموع يومياتهم. كتبوا عن كل شيء: لدغات البعوض، لم يتمكنوا من النوم، النساء اللواتي لم يعجبهن (لم تحب النساء الرجال و الرجال لم يعجبهم النساء). لا يوجد شيء نجا من اليوميات. و في تلك اليوميات، كتبوا عن خيبة أملهم الكبرى في فلسطين. كانت خيبة الأمل الرئيسية أن المكان كان مليئا بالأجانب، و خاصة أولئك الذين استضافوهم! كانوا يقولون في مذكراتهم: أنا أقيم الليلة في منزل أحد هؤلاء الأجانب. لم تتغير هذه العقلية حتى الآن و كانت هناك خيبة أمل. الأولى أنهم اعتقدوا أن فلسطين كانت مساحة فارغة، وأنها أرض بلا شعب و تنتظر شعباً بلا أرض. لقد صدقوا ذلك حقا. إذا قرأت دعاية الحركة الصهيونية بعد أن أسسها هرتزل عام 1897، فإن فلسطين تبدو كأرض فارغة تماما. لذلك، فوجئوا حقا برؤية شخص آخر هناك.
الثانية، كان عليهم التوفيق بين هذا الواقع الجديد و فكرتهم في إنشاء وطن جديد، لذلك قرروا أن الأشخاص الذين لا يفترض أن يكونوا هناك، هم أجانب معادون أخذوا شيئا لا يخصهم.
إذا كنت تعتقد أن هذا أمر مبسط و عفا عليه الزمن، فكر مرتين!
إن أهم أداة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، سواء كان ذلك في المدارس الثانوية أو الكليات أو في الجامعات هو "أطلس الصراع العربي الإسرائيلي"، الذي كتبه أحد كبار الأساتذة البريطانيين يدعى مارتن جيلبرت Martin Gilbert، و أعتقد أنه موجود بالفعل في طبعته ال 12. هذه هي الأداة الرئيسية التي كان الطلاب في أمريكا، و حتى وقت قريب في إنجلترا، ينظرون بها جغرافيا إلى الصراع. إنها تخبرك الكثير عن الدعاية الصهيونية اليوم مقارنة بالدعاية الصهيونية في الأيام الأولى. الخارطة الأولى هي فلسطين في العصور التوراتية، والخارطة الثانية هي فلسطين خلال العصر الروماني، و الخارطة الثالثة هي فلسطين خلال العصر الصليبي، و الخارطة الرابعة هي أول مستوطنة صهيونية في عام 1882، مما يعني أنه بين عام 70 ميلادية (زمن المسيح) حتى أواخر القرن 19 لم يحدث شيء في فلسطين. لأنه كان فارغا و لا يوجد أشخاص هناك! هذه العقلية لا تزال موجودة في إسرائيل و هذه هي الصهيونية بالنسبة لي. لأن الصهاينة لا يقولون إنه لا يوجد عرب حولهم، بالطبع يعرفون أن هناك عربا حولهم، لكن الجهود كلها تصب في مستويين: الأول، هو جعل الفلسطينيين يتبخرون و يختفون حتى يتمكنوا من العودة إلى أرض بدون شعب، أو إذا لم تتمكن من فعل ذلك، فتخيل أنهم ليسوا هناك، من خلال بناء جدار ."
السيد إيلان بابيه: https://youtu.be/9EXb1SI1lNw?feature=shared
الدروع البشرية في زمن الحرب
و للأسف، ليست حماس وحدها هي التي تستخدم الفلسطينيين كدروع بشرية في كفاحهم المسلح المشروع من أجل التحرير. فبموافقة الغرب المسيحي، تستخدم إسرائيل أيضا المستوطنين كأداة احتلال (دروع بشرية) في حدود الأراضي المحتلة. إسرائيل تعلم أن الغرب المسيحي يمتاز في قدرته على إغلاق أعينهم بينما تمارس إسرائيل أعمال الاستعمار و الفصل العنصري و الاحتلال ضد الفلسطينيين (اصحاب الارض الأصليين). و هم يعلمون أيضا أن الغرب المسيحي سيسمح لهم خلال الحرب الحالية بارتكاب كل قبيح ضد الفلسطينيين الأبرياء، تماما كما أغمض الغرب المسيحي أعينهم خلال الحرب العالمية الثانية و سمحوا للنازيين بارتكاب إبادة جماعية ضد اليهود الأبرياء. يندم الصهاينة النبلاء على مثل هذا التاريخ و يعترفون بأن ما فعلوه بجيرانهم الفلسطينيين في عام 1947 كان مساويا لما فعله النازيون بهم خلال المحرقة. فالصهيوني يتصرف كما يُسمَحُ له بالتصرف.
ميليشيات حماس
أنا لا أدين الكفاح المسلح الفلسطيني المشروع من أجل تقرير مصيرهم، لكنني ضد الجماعات المسلحة و المنشقة، و التي تعمل في عزلة، و بالتالي تعرض نفسها لأجندات أجنبية. لهذا السبب، أنا لا أؤيد مقاتلي حماس والجهاد الفلسطينيين و لا مقاتلي حزب الله اللبناني. كما أنني لا أؤيد الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي المتشدد الذي يقوض القوانين/القيم الدولية و قرارات الأمم المتحدة.
و بالرغم من سعيها الصادق للكرامة و الحرية، لم تقبل حماس أن تكون دمية في يد إيران فحسب، بل أصبحت أيضا دمية في يد إسرائيل (المحتل) على مدى السنوات ال 16 الماضية. لقد حصلوا على دعم مالي أجنبي رسمي من خلال إسرائيل. و قد استخدمتها إسرائيل بشكل ملائم لتقسيم و إضعاف نسيج المقاومة الفلسطينية. و في سعيها لهزيمة الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي، لم تمانع حماس بوعي في استخدامها ليس فقط للتقدم في الأجندات الإيرانية التوسعية فحسب، بل أيضا في الأجندات التوسعية الإسرائيلية. لا تمانع حماس أبدا في التعاون مع الاحتلال الإيراني الغاشم من أجل محاربة الاحتلال الإسرائيلي. في الأساس، أنا أدين مثل هذا المبدأ الميكيافيلي المتطرف و الذي يفتقر إلى الاتساق و النزاهة. كما أدين مثل هذه السياسات الانتحارية من كلا الجانبين، حماس و إسرائيل. ذكرت جريدة تايمز أوف إسرائيل Times of Israel في 8 أكتوبر 2023:
"وفقا لتقارير مختلفة، أشار نتنياهو إلى نقطة مماثلة في اجتماع لحزب الليكود في أوائل عام 2019، عندما نقل عنه قوله إن أولئك الذين يعارضون قيام دولة فلسطينية يجب أن يدعموا تحويل الأموال إلى غزة، لأن الحفاظ على الفصل بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و حماس في غزة سيمنع إقامة دولة فلسطينية".
تايمز أوف إسرائيل:
https://www.timesofisrael.com/for-years-netanyahu-propped-up-hamas-now-its-blown-up-in-our-faces/
هذه سياسة ساذجة و قصيرة النظر، من جميع الجوانب، لا تخدم الفلسطينيين و لا الإسرائيليين و لا الإيرانيين. إنها تخدم فقط مصالح الآخر.
الواقع
من الناحية القانونية، لا تزال قرارات الأمم المتحدة سارية و تحتاج إسرائيل إلى الوجود كملاذ آمن لليهود المضطهدين دائما. ولكن الواقع أن الأمم المتحدة أيضا تخاطب إسرائيل رسميا كقوة احتلال تتجاهل القوانين/القيم الدولية و تتصرف بناء على قوانين/قيم الكتب المقدسة القديمة. و الواقع أن الحل في التحكيم و احالة الصراع إلى محكمة قانونية دولية من أجل تسوية عادلة لكلا الطرفين. أنا أعلم أن الفلسطينيين يريدون هذا الحل و راضون مسبقاً بما ستحكم به المحكمة، في حين أن الإسرائيليين لا يريدون التحكيم. هاذين الموقفين المتباينين يميزان لنا الحق المحلق في السماء من الباطل الغارق في الأعماق، و يميزان بين من يريد التعايش و من لا يريد!
في حرب المبادئ، ليس لدي أي احترام للأنظمة ذات العقلية المتشددة التي لا تمتثل بشكل فعال و مستمر للقوانين الدولية المعترف بها. أعني أولئك الذين يفتقرون إلى المساءلة و النزاهة، مثل جمهورية إيران الإسلامية، دولة إسرائيل المحتلة، و على رأسهم أولئك الذين يمكنون من سبق في الغرب المسيحي. في الأساس، أدين جميع الميكافيليين المتطرفين و الذين يفتقرون إلى الاتساق و النزاهة (المبادئ).
من الواضح
لن أقبل أبدا أن تصوت الأمم المتحدة لتقسيم بلدي (هل ستقبل انت؟!) من الواضح أنك ستقاتل (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أن الغرب المسيحي لديه مجموعتان من القوانين/القيم الليبرالية الغربية، واحدة لأنفسهم و الأخرى للآخرين (أليس كذلك؟!). من الواضح أن موقف الغرب المسيحي منافق و يفتقر إلى النزاهة (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أن الغرب المسيحي و الصهيونية تعملان على أساس قوانين/قيم الكتب المقدسة الرجعية و ليس قوانينها/قيمها الليبرالية الجذابة (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أن الاحتلال و المُحتًل لا يمكنه التحدث عن الدفاع عن النفس (أليس كذلك؟!). من الواضح أيضا أنه عندما أشار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إلى الفلسطينيين في 9 أكتوبر على أنهم "حيوانات بشرية"، كان يستخدم خطاب الإبادة الجماعية. قال:
"نحن نفرض حصارا كاملا على غزة. لا كهرباء و لا طعام و لا ماء و لا وقود. كل شيء مغلق. نحن نحارب حيوانات بشرية، و سنتصرف وفقا لذلك".
من الواضح أن مصطلح "الحيوانات البشرية" من مفردات الإبادة الجماعية. ففي أي إبادة جماعية، يرى المعتدي ضحيته حيواناً شريراً. الإسرائيليون ينظرون إلى الفلسطينيين على أنهم حيوانات شريرة، كما نظر هتلر الى اليهود كحيوانات شريرة. من العار أن نرى الغرب المسيحي يشيد بممارسات تعد إبادة جماعية كما وردت في خطاب المحتل الاسرائيلي ضد فلسطين المحتلة، بعد أشهر من إدانتهم بشكل قاطع للممارسات ذاتها في شأن المحتل الروسي ضد أوكرانيا المحتلة. من العار أن نرى الغرب المسيحي يتبنى مجموعتين من القوانين/القيم، احداها لأنفسهم و الأخرى للآخرين و ذلك أثناء التعامل مع الاحتلال و حقوق الإنسان. من العار أن نرى الغرب المسيحي يقوض القوانين الدولية و قرارات الأمم المتحدة، من خلال السماح لإسرائيل بخرقها للشرائع الدولية. من العار أن نشاهد الأغلبية الصامتة في الغرب المسيحي و هي تغض الطرف، للسماح للصهاينة المتطرفين بخرق القانون الدولي و القيام بالقبيح نيابة عنهم جميعا. التاريخ يعيد نفسه. هذا مثير للاشمئزاز (أليس كذلك؟!).
من الواضح أن النظام العالمي الحالي يفتقر إلى الإنسانية و المصداقية و النزاهة والمبادئ. أليس كذلك؟!
ملاحظة: أثناء القراءة ، تذكر أن برنارد لويس عَرَّف الغرب المسيحي على النحو التالي:
"الحضارة بأكملها شكلتها الديانة المسيحية ولكنها تتضمن العديد من العناصر التي ليست جزءا من هذا الدين أو ربما معادية لذلك الدين، ولكنها مع ذلك تنشأ داخل هذه الحضارة. على المرء أن يقول إن هتلر و النازيين نشأوا داخل العالم المسيحي، لكن لا يمكن لأحد أن يقول إنهم نشأوا داخل المسيحية. هذا تمييز من المهم أن نضعه في الاعتبار ".
وفقا لذلك و في هذه المقالة، يشير مصطلح "الغرب المسيحي" إلى الحضارة المسيحية بأكملها، ولكن ليس المسيحية كدين و لا أتباعها المسالمين.
يا مغيث!