فقداننا للصمت
للكاتب: Sa’īd Abdul Latif
المصدر: موقع Medium
ترجمة: خالد الخاجة
"كانت حياتك القديمة هروباً جنونياً من الصمت ..."
هناك جائحة في وسطنا. إنه نظام لا يعرف حدوداً ولا حداً، و يجري القليل لمواجهته. في الواقع ، يزداد الأمر سوءا بشكل متزايد و نشط.
أنا لا أتحدث عن كوفيد. بالأحرى، هو شيء أكثر غدرا، و ربما يلتهم المزيد من الأرواح داخل فكيه.
إنني أتحدث عن جائحة فقداننا للصمت.
قد يبدو من المبتذل الشكوى من فقدان الصمت عبر الإنترنت. فالميمات و الاقتباسات حول أهمية الصمت تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من بين اقتباسات ملهمة أخرى و كلمات الحكمة. و المثير للسخرية، أن النشر على الإنترنت حول أهمية الصمت يضيف المزيد من الضوضاء و الفوضى. ربما من الأفضل عدم قول أي شيء على الإطلاق؟ أغلق الكمبيوتر المحمول، و تناول كوبا من الشاي، واذهب إلى الفراش.
ربما!
و مع ذلك، بدا لي أنه يستحق القول، وغالبا ما أجد شيئا يستحق القول، لأنه يستحق أن أقوله لنفسي. حدث لي شيء ما مؤخرا كشف عن هروبي من الصمت. بل "هروباً جنونياً من الصمت" ، على حد تعبير الرومي.
مشكلتنا
لقد أصبحنا مثل الضفدع الذي يضرب به المثل في وعاء من الماء الذي يسخن ببطء. فالضفدع لا يلاحظ ارتفاع درجة حرارة الماء في القدر إلا بعد فوات الأوان، و يتم غليه حيا. (في الواقع، الحقيقة مغايرة تماماً و الضفدع سوف يقفز بكل بساطة، ولكن دعونا نلتزم بقصة المثل لغرض النقطة التي أحاول توضيحها).
في بيئتنا الخاصة، نحن مثل هذا الضفدع بقدر ما أصبحت حياتنا صاخبة و فوضوية، مع عدم وجود صمت داخلي أو خارجي.
هناك قدسية في الصمت و السكون. في الإسلام، و كذلك في تقاليد الصلاة لدى الأخرين، يعد الصمت شرطا أساسيا للصلاة. يجب أن نلتزم الصمت. سكون. مدركين لحضور الله. هادئ. متأن. ومع ذلك، لا يمكن القيام بذلك عندما تكون كل حياتنا الداخلية و الخارجية ضوضاء. هروباً جنونياً. ضوضاء. فوضى. حتى الفوضى الجسدية و القذارة في المكان الذي يصلي فيه المرء حرام.
مثل المياه الهائجة و المضطربة، تصبح أرواحنا الفوضوية متقطعة و موحلة، و لا يمكننا سوى رؤية السطح. ولكن عندما نكون صامتين و في سكون، تهدأ المياه. الروح نقية، فيمكننا أن نرى العمق.
هذا السكون - هذا الصمت - هو شرط أساسي للحياة الروحية. فالصخب و الفوضى و الضوضاء تؤدي إلى الصد الروحي. (كلمة سمعتها منذ بضعة عقود و ما زلت أقتبسها كثيرا: "الشيطان هو مخترع تعدد المهام").
و مع ذلك، من الممكن تماما ألا يدرك المرء حقا افتقاره إلى الصمت. في مجتمع يشجع على تعددية المهام (الشيطانية)، و تولي وظائف متعددة، و العمل المستمر (السياسي، و الاجتماعي، و ما إلى ذلك)، و "إنجاز الأمور"، و قدر لا نهائي من وسائل التواصل الاجتماعي، و بث مستمر للموسيقى، و مقاطع الفيديو، و ما إلى ذلك، قد نكون ببساطة غير مدركين أن هذا ليس طبيعيا. ربما تكون شخصا، مثلي، يحب تحليل الأشياء و الدراسة و قراءة الكتب وما إلى ذلك. حتى هذا - حتى عندما يتم من أجل خدمة الخير و الإيمان و من أجل الآخرين و حتى من أجل الله - يمكن أن يصبح هروبا جنونيا من الصمت، ولكن من نوع مختلف. قد تكون الأهداف و المثل العليا أسمى، لكن النتيجة النهائية هي نفسها. فقدان السكون. هروباً جنونياً من الصمت.
بدون الصمت، لا يوجد ذكر لله. و بدون ذكر الله، لا توجد صلاة. و إذا لم تكن هناك صلاة ... فلن يكون شيء على ما يرام. سوف تذبل أرواحنا بين ضجيج العالم.
إعادة تعلم الصمت
يحدث في بعض الأحيان أن يجد المرء نفسه في حادث أو مرض أو موقف منهك، يحتم عليه أن يتعلم كيفية المشي من جديد. هكذا هو الحال مع الصمت بالنسبة لنا. لقد اعتدنا (و أنا منهم) على الضوضاء المستمرة و القصف الجنوني للقلق طوال اليوم، لدرجة أننا نسينا كيف نصمت حقا. حتى الصلاة نفسها يمكن أن يتم التعجيل بها كواجب، بدون صمت حقيقي و لا ذكرى حقيقية.
و عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "تعلموا الصمت كما تعلمون الكلام، فإنَّ الصمت حلم عظيم، و كن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، و لا تتكلم في شيء لا يعنيك، و لا تكن مضحاكاً من غير عجب، و لا مشَّاءً إلى غير أرب".
الصمت ليس ببساطة عدم الكلام. انها ليست حتى عدم وجود ضوضاء. بدلا من ذلك، الصمت هو حالة كاملة من روح المرء. يمكن للمرء أن يكون صامتا داخليا، متناغما مع ذكر الله، و في صلاة عميقة حتى في وسط تايمز سكوير. ومع ذلك، فإن الشخص ذو الروح المضطربة لن يجد الصمت حتى في وسط أكثر المساجد هدوءا أو أبعد القفار عن كل الناس أو الحضارة. بمعنى، أن الأمر متروك لنا أن من نكون. و مع ذلك، فإن حقيقة القرار هو: ما إذا كنا سنفتح قلوبنا للعالم و ضجيجه، أو نفتحها لله. إن مهمتنا هي أن نخضع لله - في صمت، في صبر، في عبودية، في محبة - و سيوفر لنا الله كل ما نحتاجه.
يجب أن نتوقف عن هروبنا الجنوني من الصمت.
"البدر العاجز عن الكلام يخرج الآن"
لقد ناقشت مؤخرا بعض هذه الأمور مع صديق مقرب، شيخ و إمام مثقف. وجهني إلى كتاب للعالم الصوفي الكبير ابن عطاء الله السكندري و هو بعنوان: التنوير في إسقاط التدبير (ترجمة د. إبراهيم حكيم). لقد كنت أقرأ هذا العمل مؤخرا و جنيت الكثير من الفوائد منه، حتى في الصفحات الافتتاحية (أخطط لكتابة المزيد عن هذا العمل لاحقا).
بينما كنت أقرأ الكتاب، صادفت هذا الجزء (ترجمة النص الانجليزي):
إن مثل من يقوم بالتدبير مع الله جل جلاله كالطفل الذي يسافر مع أبيه. أثناء سفرهم ليلا، يراقبه الأب، بدافع اهتمامه على ابنه، و يراقبه من حيث لا يراه ابنه. لا يستطيع الابن رؤية والده بسبب ظلام الليل الحالك، لذلك فهو مليء بالقلق بشأن كيفية تصرفه و العناية بنفسه. ولكن عندما يشرق القمر بنوره و يرى قرب والده منه، يسكت قلقه. لأنه يرى قرب أبيه منه، و يجد كفاية في رعاية والده له، حتى لا يضطر إلى الاعتناء بنفسه. و كذلك، من يقوم بالتدبير لنفسه مع الله جل جلاله، يفعل ذلك لأنه يعيش ظلمة الفراق، فلم يشهد قرب الله منه. لو كان قمر الوحدة الإلهية (التوحيد) قد أشرق، أو شمس العرفان، لكان قد رأى قربه الحقيقي منه، و لكان قد خجل من القيام بالتدبير معه. كان سيجد الاكتفاء في تدبير الله جل جلاله له، حتى لا يحتاج إلى التخطيط و الإدارة لنفسه.
"التدبير" في هذا الاقتباس تعني "الإدارة" و "تنظيم شؤون المرء"، و في هذا السياق تعني القلق المفرط بشأن إدارة شؤوننا الخاصة و اهتماماتنا الخاصة دون الثقة في الله، الذي يوفر لنا باستمرار ما نحتاجه. لأن الله هو الذي يدير كل شيء و يعرف الأفضل. هذا هو مفتاح صمتنا الداخلي. الثقة في الله. خضوعنا لمشيئة الله الذي يهدي الجميع الى عطفه و رحمته. ما الذي يجب أن نقلق بشأنه، باستثناء الخطيئة؟ و حتى عندما نخطئ، نلجأ إلى رحمته و شفقته من أجل المغفرة. ثم يصمت القلب في رحمة الله و تأمله. القلب الساكن، بمياه صافية، حيث يمكن للمرء أن يرى العمق.
هذا الرسم التوضيحي من ابن عطاء الله السكندري يتناسب تماما مع مقدمتي للرومي. و تنص القصيدة كاملة، المنسوبة إلى الرومي، على ما يلي (ترجمة النص الانجليزي):
مُتْ، داخل هذا الحب الجديد. طريقك يبدأ على الجانب الآخر. كن سماءً. خذ فأساً إلى جدار السجن. اهرب. اخرج مثل شخص ولد فجأة في الألوان. افعلها الآن. أنت مغطى بسحابة كثيفة. اهرب على رسلك جانبا. مُتْ، وكن هادئا. الهدوء أضمن علامة على أنك قد مُتَّ. كانت حياتك القديمة هروباً جنونياً من الصمت. البدر العاجز عن الكلام يخرج الآن.
كما قال ابن السكندري، في كمال بدر نور الله، تتوقف مخاوفنا من ليلة انفصالنا المظلمة عنه، بينما نعيش قربنا منه. مثل كهف أفلاطون، أصبحنا مفتونين بالصور الخيالية التي تعرض نفسها في الليل. تصبح أذهاننا مشغولة. نفقد صمتنا في ضجيج المشهد. ولكن عندما يضيء نور الله علينا في الظلام، سيتوقف هذا "الهروب الجنوني من الصمت" بالتَّأمل في مجد الله و جماله و جلاله و رحمته و إحسانه و إرادته.
إخوتي و أخواتي، أرجوكم صلوا و أدعوا لي ما استطعتم. هذه ليست سوى بعض الكلمات الفقيرة و المبعثرة من خادمكم. أتحدث بها في الغالب لأذكر نفسي بهذه الحقائق. إن شاء الله، قد تستفيد منها أيضا.
يرحمك الله. المجد لله لكل شيء.
ٱلْحَمْدُ لِلَّٰهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
الرابط:
https://medium.com/@SaidAbdulLatif/your-old-life-was-a-frantic-running-from-silence-842d847c37a9
فقداننا للصمت
للكاتب: Sa’īd Abdul Latif
المصدر: موقع Medium
ترجمة: خالد الخاجة
"كانت حياتك القديمة هروباً جنونياً من الصمت ..."
هناك جائحة في وسطنا. إنه نظام لا يعرف حدوداً ولا حداً، و يجري القليل لمواجهته. في الواقع ، يزداد الأمر سوءا بشكل متزايد و نشط.
أنا لا أتحدث عن كوفيد. بالأحرى، هو شيء أكثر غدرا، و ربما يلتهم المزيد من الأرواح داخل فكيه.
إنني أتحدث عن جائحة فقداننا للصمت.
قد يبدو من المبتذل الشكوى من فقدان الصمت عبر الإنترنت. فالميمات و الاقتباسات حول أهمية الصمت تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من بين اقتباسات ملهمة أخرى و كلمات الحكمة. و المثير للسخرية، أن النشر على الإنترنت حول أهمية الصمت يضيف المزيد من الضوضاء و الفوضى. ربما من الأفضل عدم قول أي شيء على الإطلاق؟ أغلق الكمبيوتر المحمول، و تناول كوبا من الشاي، واذهب إلى الفراش.
ربما!
و مع ذلك، بدا لي أنه يستحق القول، وغالبا ما أجد شيئا يستحق القول، لأنه يستحق أن أقوله لنفسي. حدث لي شيء ما مؤخرا كشف عن هروبي من الصمت. بل "هروباً جنونياً من الصمت" ، على حد تعبير الرومي.
مشكلتنا
لقد أصبحنا مثل الضفدع الذي يضرب به المثل في وعاء من الماء الذي يسخن ببطء. فالضفدع لا يلاحظ ارتفاع درجة حرارة الماء في القدر إلا بعد فوات الأوان، و يتم غليه حيا. (في الواقع، الحقيقة مغايرة تماماً و الضفدع سوف يقفز بكل بساطة، ولكن دعونا نلتزم بقصة المثل لغرض النقطة التي أحاول توضيحها).
في بيئتنا الخاصة، نحن مثل هذا الضفدع بقدر ما أصبحت حياتنا صاخبة و فوضوية، مع عدم وجود صمت داخلي أو خارجي.
هناك قدسية في الصمت و السكون. في الإسلام، و كذلك في تقاليد الصلاة لدى الأخرين، يعد الصمت شرطا أساسيا للصلاة. يجب أن نلتزم الصمت. سكون. مدركين لحضور الله. هادئ. متأن. ومع ذلك، لا يمكن القيام بذلك عندما تكون كل حياتنا الداخلية و الخارجية ضوضاء. هروباً جنونياً. ضوضاء. فوضى. حتى الفوضى الجسدية و القذارة في المكان الذي يصلي فيه المرء حرام.
مثل المياه الهائجة و المضطربة، تصبح أرواحنا الفوضوية متقطعة و موحلة، و لا يمكننا سوى رؤية السطح. ولكن عندما نكون صامتين و في سكون، تهدأ المياه. الروح نقية، فيمكننا أن نرى العمق.
هذا السكون - هذا الصمت - هو شرط أساسي للحياة الروحية. فالصخب و الفوضى و الضوضاء تؤدي إلى الصد الروحي. (كلمة سمعتها منذ بضعة عقود و ما زلت أقتبسها كثيرا: "الشيطان هو مخترع تعدد المهام").
و مع ذلك، من الممكن تماما ألا يدرك المرء حقا افتقاره إلى الصمت. في مجتمع يشجع على تعددية المهام (الشيطانية)، و تولي وظائف متعددة، و العمل المستمر (السياسي، و الاجتماعي، و ما إلى ذلك)، و "إنجاز الأمور"، و قدر لا نهائي من وسائل التواصل الاجتماعي، و بث مستمر للموسيقى، و مقاطع الفيديو، و ما إلى ذلك، قد نكون ببساطة غير مدركين أن هذا ليس طبيعيا. ربما تكون شخصا، مثلي، يحب تحليل الأشياء و الدراسة و قراءة الكتب وما إلى ذلك. حتى هذا - حتى عندما يتم من أجل خدمة الخير و الإيمان و من أجل الآخرين و حتى من أجل الله - يمكن أن يصبح هروبا جنونيا من الصمت، ولكن من نوع مختلف. قد تكون الأهداف و المثل العليا أسمى، لكن النتيجة النهائية هي نفسها. فقدان السكون. هروباً جنونياً من الصمت.
بدون الصمت، لا يوجد ذكر لله. و بدون ذكر الله، لا توجد صلاة. و إذا لم تكن هناك صلاة ... فلن يكون شيء على ما يرام. سوف تذبل أرواحنا بين ضجيج العالم.
إعادة تعلم الصمت
يحدث في بعض الأحيان أن يجد المرء نفسه في حادث أو مرض أو موقف منهك، يحتم عليه أن يتعلم كيفية المشي من جديد. هكذا هو الحال مع الصمت بالنسبة لنا. لقد اعتدنا (و أنا منهم) على الضوضاء المستمرة و القصف الجنوني للقلق طوال اليوم، لدرجة أننا نسينا كيف نصمت حقا. حتى الصلاة نفسها يمكن أن يتم التعجيل بها كواجب، بدون صمت حقيقي و لا ذكرى حقيقية.
و عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "تعلموا الصمت كما تعلمون الكلام، فإنَّ الصمت حلم عظيم، و كن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، و لا تتكلم في شيء لا يعنيك، و لا تكن مضحاكاً من غير عجب، و لا مشَّاءً إلى غير أرب".
الصمت ليس ببساطة عدم الكلام. انها ليست حتى عدم وجود ضوضاء. بدلا من ذلك، الصمت هو حالة كاملة من روح المرء. يمكن للمرء أن يكون صامتا داخليا، متناغما مع ذكر الله، و في صلاة عميقة حتى في وسط تايمز سكوير. ومع ذلك، فإن الشخص ذو الروح المضطربة لن يجد الصمت حتى في وسط أكثر المساجد هدوءا أو أبعد القفار عن كل الناس أو الحضارة. بمعنى، أن الأمر متروك لنا أن من نكون. و مع ذلك، فإن حقيقة القرار هو: ما إذا كنا سنفتح قلوبنا للعالم و ضجيجه، أو نفتحها لله. إن مهمتنا هي أن نخضع لله - في صمت، في صبر، في عبودية، في محبة - و سيوفر لنا الله كل ما نحتاجه.
يجب أن نتوقف عن هروبنا الجنوني من الصمت.
"البدر العاجز عن الكلام يخرج الآن"
لقد ناقشت مؤخرا بعض هذه الأمور مع صديق مقرب، شيخ و إمام مثقف. وجهني إلى كتاب للعالم الصوفي الكبير ابن عطاء الله السكندري و هو بعنوان: التنوير في إسقاط التدبير (ترجمة د. إبراهيم حكيم). لقد كنت أقرأ هذا العمل مؤخرا و جنيت الكثير من الفوائد منه، حتى في الصفحات الافتتاحية (أخطط لكتابة المزيد عن هذا العمل لاحقا).
بينما كنت أقرأ الكتاب، صادفت هذا الجزء (ترجمة النص الانجليزي):
إن مثل من يقوم بالتدبير مع الله جل جلاله كالطفل الذي يسافر مع أبيه. أثناء سفرهم ليلا، يراقبه الأب، بدافع اهتمامه على ابنه، و يراقبه من حيث لا يراه ابنه. لا يستطيع الابن رؤية والده بسبب ظلام الليل الحالك، لذلك فهو مليء بالقلق بشأن كيفية تصرفه و العناية بنفسه. ولكن عندما يشرق القمر بنوره و يرى قرب والده منه، يسكت قلقه. لأنه يرى قرب أبيه منه، و يجد كفاية في رعاية والده له، حتى لا يضطر إلى الاعتناء بنفسه. و كذلك، من يقوم بالتدبير لنفسه مع الله جل جلاله، يفعل ذلك لأنه يعيش ظلمة الفراق، فلم يشهد قرب الله منه. لو كان قمر الوحدة الإلهية (التوحيد) قد أشرق، أو شمس العرفان، لكان قد رأى قربه الحقيقي منه، و لكان قد خجل من القيام بالتدبير معه. كان سيجد الاكتفاء في تدبير الله جل جلاله له، حتى لا يحتاج إلى التخطيط و الإدارة لنفسه.
"التدبير" في هذا الاقتباس تعني "الإدارة" و "تنظيم شؤون المرء"، و في هذا السياق تعني القلق المفرط بشأن إدارة شؤوننا الخاصة و اهتماماتنا الخاصة دون الثقة في الله، الذي يوفر لنا باستمرار ما نحتاجه. لأن الله هو الذي يدير كل شيء و يعرف الأفضل. هذا هو مفتاح صمتنا الداخلي. الثقة في الله. خضوعنا لمشيئة الله الذي يهدي الجميع الى عطفه و رحمته. ما الذي يجب أن نقلق بشأنه، باستثناء الخطيئة؟ و حتى عندما نخطئ، نلجأ إلى رحمته و شفقته من أجل المغفرة. ثم يصمت القلب في رحمة الله و تأمله. القلب الساكن، بمياه صافية، حيث يمكن للمرء أن يرى العمق.
هذا الرسم التوضيحي من ابن عطاء الله السكندري يتناسب تماما مع مقدمتي للرومي. و تنص القصيدة كاملة، المنسوبة إلى الرومي، على ما يلي (ترجمة النص الانجليزي):
مُتْ، داخل هذا الحب الجديد. طريقك يبدأ على الجانب الآخر. كن سماءً. خذ فأساً إلى جدار السجن. اهرب. اخرج مثل شخص ولد فجأة في الألوان. افعلها الآن. أنت مغطى بسحابة كثيفة. اهرب على رسلك جانبا. مُتْ، وكن هادئا. الهدوء أضمن علامة على أنك قد مُتَّ. كانت حياتك القديمة هروباً جنونياً من الصمت. البدر العاجز عن الكلام يخرج الآن.
كما قال ابن السكندري، في كمال بدر نور الله، تتوقف مخاوفنا من ليلة انفصالنا المظلمة عنه، بينما نعيش قربنا منه. مثل كهف أفلاطون، أصبحنا مفتونين بالصور الخيالية التي تعرض نفسها في الليل. تصبح أذهاننا مشغولة. نفقد صمتنا في ضجيج المشهد. ولكن عندما يضيء نور الله علينا في الظلام، سيتوقف هذا "الهروب الجنوني من الصمت" بالتَّأمل في مجد الله و جماله و جلاله و رحمته و إحسانه و إرادته.
إخوتي و أخواتي، أرجوكم صلوا و أدعوا لي ما استطعتم. هذه ليست سوى بعض الكلمات الفقيرة و المبعثرة من خادمكم. أتحدث بها في الغالب لأذكر نفسي بهذه الحقائق. إن شاء الله، قد تستفيد منها أيضا.
يرحمك الله. المجد لله لكل شيء.
ٱلْحَمْدُ لِلَّٰهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
الرابط:
https://medium.com/@SaidAbdulLatif/your-old-life-was-a-frantic-running-from-silence-842d847c37a9