انه الخميس، الثالث من اكتوبر سنة 2019

رَاَيتُكِ في المنام تُهدِينِي وردة. هو حلم قَصَّه اخٌ لاخته. سكتت زوجتي عن الحلم و كتمت تشاؤمها منه

اما انا، فكنت في بيت وَالِدَي، رحمهما الله، لحضور الإجتماع العائلي الاسبوعي. الاخَوَين تعذروا عن الحضور و اوكلا الى شرف ادارة المجلس. كانت الأجواء حميمية كعادتها الى ان دقت الساعة السادسه و ثمان و خمسون دقيقة مساءً و بعد أن تلقيت مكالمة كنت ارتقبها من سنين لينقل الى ابني خبر ثقيل "بنوته  ماتت". لا يا ابني، بل مات جزء مني

رجعت الى البيت لادفن بنوته على عجالة. و العجيب انني كنت دائما في حيرة بشأن نخلتين عشوائيتين ظهرتا خلف البيت، و زال العجب عندما قررت ان اُدفن بنوته بينهما كاكثر الأماكن امنا. كما زال عجباً طال ١١ سنة، عندما استعملت ١٨ طوباً زادت من بناء البيت كي احوط بها قبرها.  كما قيل في المثل "إذا عُرِفَ السبب بطل العجب." نامي بسلام يا ملاكي

قُدتُ سيارتي وحيداً راجعاً الى بيت والدي، رحمهما الله، لكي ادير الاجتماع الأسبوعي و عيناي تَنتَحِبَان حزنا

قررت ان اكتم الخبر عن الجَمْع. فلم اكن واثقا من ردة فعلهم إن بُحْتُ بما في قلبي و كنت اشك في تفهمهم لمشاعر انسان يحزن على موت قطة. وا اسفاه، اليست نَفْسَه؟! عزمت على كتمان الخبر و ادارة الامسية بابتسامة صفراء  مرسومة على وجهي الفارغ 

من المُدَمِّر ان يرحل احبابنا بلا مقدمات و دون ان يُتاح لنا فرصة للوداع. و من المحزن ان يكون السكوت بقلب غارق بالدم سبيلنا الوحيد للحزن

لن اشرح كيف تركت بنوته عالمنا، بل ساشرح كيف غيرت بنوته من عالمي

انضمت بنوته إلى اسرتنا قبل 5 سنين كهرة صغيره لتقضي ليلتها الاولى في المكتبه و بالتحديد على الكتب. و بعد بضع سنين، تاسفنا كثيرا لعدم تبنينا هرتين بدل الواحده. فبالرغم من مبالغتنا في العطاء، لم نستطع ان نملأ كيانها الفارغ من ونيس يحادثها، خاصة أن القطط السائبة لم تكن ترحب بالاليفة. نعم، سميتها بنوته فرحلت و هي بنوته

القطط صيادين مهرة بالغريزة. و لهذا، تجد في لعبهم شيء من الخشونه. لذا، اضطررت ان العب معها دور المنافس. كانت تعض يدي بانيابها و تخدشها بمخالبها و لكن بكل احتراف و دون ان تحدث لي اية أذى. كانت هذه اللعبة الخشنة طريقتنا الخاصة في ابراز حبنا العميق لبعضنا البعض. كانت تثق في قدراتها و تدعني انتصر دائما. آهٍ، سافتقد تلك اللعبة للأبد

[video preload="none" width="848" height="480" mp4="http://hakandkak.com/blog/wp-content/uploads/2019/10/VID-20191004-WA0022.mp4"][/video]

قررنا ان لا نعبث في طبيعتها قدر الامكان و السماح لها بالخروج الى حديقة البيت. لم نُقَلِّم قط أظافرها، و عندما كبرت و اشتد عودها، تركناها تختار المبيت في الخارج. رغم الحرية التي تمتعت بها، سرعان ما استنتجت ان تبقى امنة في محيط بيتنا، و ليتها فعلت. و كلما سنحت لها الفرصة، كانت تستمتع بالنوم في سريرنا و بدفء جوارنا. سافتقد تلك اللحظات للأبد

كانت تاكل معنا و من طعامنا و كنت استمتع باطعامها من مائدتنا. كانت تعشق المارتيديلا الفاخرة و تشرب من حوض السباحة بكل مهارة. سافتقد تلك اللحظات للأبد

و بالأخص، سافتقد برنامجنا الصباحي. كانت تطلب مني ان افتح لها الباب ثم تنتظرني الى ان اخرج اليها حاملا غصن شجرة ناشفة. كانت تاخذني بجولة في بستانها و تحك براسها العصى كلما لامست الأرض. لم تكن مجرد نزهة، بل كانت رقصتنا اليومية. و كانت تستلقي على العشب لاقوم بتدليك اذنيها و المسح على جسمها. تَقَطَّعَ قلبي اليوم عندما تمشيت بالحديقة صباحا بِصُحبَةِ العصا و لكن بدون بنوته، و لكني ساستمر بالمشي احياء لذكراها

[video preload="none" width="848" height="480" mp4="http://hakandkak.com/blog/wp-content/uploads/2019/10/VID-20191004-WA0023.mp4"][/video]

لم تترك بنوته اثرها في البستان فقط، بل غرست أثرها في قلبي القاسي و مَلَئَتهُ رقة و حنانا. سافتقد تلك اللحظات للأبد

يقول المثل الأجنبي "لا تقل ابداً ابداً". اقول "اكيد ابداً". لن املك قطة اخرى او اية بهيمه، فخسارتهم صعبة و اليمة. و لن يشارك بهيمه البستان مع بنوته، و ستضل البستان بستانها هي فقط و للأبد

لقد تحقق الحلم إذ رحلت بنوته عنا فجأة و ذبلت مبكرا كالوردة، و ليكون الراوي اول من يعزيني في مصابي. ما أجملك يا أبا عبدالله، يا اخٍ لم تلده أمي.  (ذَ ٰ⁠لِكَ تَأۡوِیلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَیۡهِ صَبۡرࣰا)

قالت لي انسانة راقية "عندما تموت الكائنات،  تتحول إلى نجوم تضيء السماء. فكلما انظر في النجوم، اعلم ان إحداها لعزيزة على قلبي. انظر في النجوم لترى بنوته". نعم، سانظر و لكن الى القمر 

بنوته، حبيبتي ، الى ان نلتقي، كوني جميلة كما عهدتك

[video preload="none" width="1280" height="720" mp4="http://hakandkak.com/blog/wp-content/uploads/2019/10/ريم-بنا-طعم-الهوى.mp4"][/video]